في السابع من أكتوبر عام 2023، الذي بات يُعرف بين الإسرائيليين بـ"السبت الأسود"، شهدت إسرائيل واحدة من أكثر الهجمات المفاجئة في تاريخها العسكرى الحديث ، حينما شنت حركة حماس هجومًا عسكريا غير مسبوق وغير متوقع بشكل قوى ومنظم.

وفى المقابل ردت حكومة رئيس الوزراء الاحتلال الاسرائيلى بنيامين نتنياهو بحملة عسكرية شاملة، تتعامل معها الآن كحرب على سبع جبهات تشكل تهديداً واسعاً للاستقرار الإقليمي، هذا التصعيد الدراماتيكي كشف عن نقاط ضعف كبيرة في منظومة الاستخبارات الإسرائيلية وإسقاط مقولة الجيش الذي لا يقهر، وأدى إلى أزمة سياسية داخلية، فضلًا عن تعميق العداء مع الفصائل المسلحة في غزة ولبنان.

الهجوم الذي نفذته حماس، وأدى إلى مقتل مئات وأسر المئات، دفع الجيش الإسرائيلي إلى إعلان الحرب على غزة، بهدف القضاء على حماس وتحرير الرهائن، بحسب زعمه، إلا أن هذه الحرب، التي أطلق عليها نتنياهو "حرب القيامة"، لم تقتصر على غزة، بل توسعت لتشمل مواجهات مع حزب الله في لبنان، وصواريخ استهدفت عمق إسرائيل من عدة جبهات أخرى ، وقد أدت "نشوة النصر" التي أصابت القيادة الإسرائيلية بعد سلسلة من النجاحات التكتيكية إلى تحذيرات من أن هذا الشعور قد يدفع البلاد إلى اتخاذ قرارات متهورة قد تُفاقم الأوضاع وتجعل الحرب أكثر خطورة على الإسرائيليين.

ردًا على هذا الهجوم، كثفت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من عملياتها العسكرية، مُعلنة الحرب تحت شعار "السيوف الحديدية"، هذه التسمية، التي تعكس شعورًا بالاستعداد والقوة، كانت محط انتقادات واسعة باعتبارها تعبيرًا عن "جنون العظمة" في التفكير الإسرائيلي، فالكثير من الخبراء والمحللين اعتبروا أن هذه السردية تعكس رؤية ضيقة، قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات متهورة في ظل "نشوة النصر" التي تسود القيادة الإسرائيلية.

ومع تزايد المعارضة الداخلية والانتقادات التي تواجه نتنياهو وحكومته بشأن الاستراتيجية المتبعة في الحرب، يصبح السؤال الملحّ هو: هل ستتمكن إسرائيل من الخروج من هذا الصراع بجبهة موحدة، أم أن "السبت الأسود" سيكون بداية لانقسامات داخلية وصراع طويل الأمد لا يُعرف كيف سينتهي؟

 

تستعرض الوفد فى التقرير التالي وبعد مرور عام على حرب غزة وفتح جبهات أخرى في لبنان وسوريا واليمن، هل حققت إسرائيل أيًا من أهدافها الاستراتيجية والسياسية والعسكرية أم تعيش في وهم الانتصار؟

 

ماذا حدث فى عملية لطوفان الأقصى :

في 7 أكتوبر 2023، نفذت حركة حماس عملية عسكرية أطلقت عليها “طوفان الأقصى” ضد الاحتلال الاسرائيلى ، وأدى هذا الهجوم المفاجئ إلى مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، معظمهم من المدنيين ، حيث تمكن نحو 6000 مقاتل من حماس من اختراق الحدود مع إسرائيل، واقتحام القرى والمستوطنات بعد التغلب على الوحدات العسكرية الإسرائيلية القليلة المتواجدة في المنطقة.

استخدم المقاتلون تكتيكات متنوعة، حيث شنوا هجماتهم من البر بواسطة شاحنات صغيرة ودراجات نارية، ومن البحر عبر الزوارق السريعة، ومن السماء باستخدام الطائرات الشراعية. وقد شكل هذا المزيج المعقد من التكتيكات العسكرية الخاصة والحرب الهجينة مفاجأة للأمن الإسرائيلي.

يتطلب تنفيذ مثل هذه العملية تدريبًا وإعدادًا دقيقين، مما أثار حيرة بعض المحللين العسكريين حول عدم علم الاستخبارات الإسرائيلية بتدريبات حماس على مثل هذه العملية.

علاوة على ذلك، كان رد فعل جيش الدفاع الإسرائيلي بعيدًا عن السرعة أو التنسيق، مما زاد من الفوضى والذعر. وتعرضت حكومة بنيامين نتنياهو لانتقادات حادة من قبل الجمهور الإسرائيلي، الذي وصف إدارتها للأمن الوطني بالفاشلة.

جيش الاحتلال في صراع مستمر بحثًا عن الأمل وتحقيق الأهداف

 

بعد مرور عام على بدء العمليات العسكرية، لا يزال جيش الاحتلال الإسرائيلي في صراع دامٍ في غزة، حيث يتكبد خسائر يومية تقارب العشرات، بينما يُحصد الآلاف من أرواح المدنيين الفلسطينيين العزل، وفي الثلاثين من مايو 2024، تمكن الجيش الإسرائيلي من السيطرة على ممر فيلادلفيا، وهو شريط أرضي يمتد بطول 14 كيلومترًا من البحر الأبيض المتوسط إلى حدود إسرائيل مع مصر.

تعتبر إسرائيل أن السيطرة على هذا الممر أمر حيوي لإحكام الخناق على حركة حماس، في إطار استراتيجيتها للحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات. ومع ذلك، أثار هذا التحرك قلقًا واسعًا في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، حيث اعتبروا وجود الجيش الإسرائيلي في تلك المنطقة انتهاكًا لاتفاقيات كامب ديفيد التي تم التوصل إليها عام 1978، والتي كانت تهدف إلى إرساء دعائم السلام بين إسرائيل ومصر.

يُبرز هذا التصعيد والتوتر المستمر في المنطقة تعقيد الوضع الأمني والسياسي، ويضع العلاقات الدولية لإسرائيل أمام تحديات جديدة تتطلب تحليلاً دقيقًا واستراتيجيات دبلوماسية فعّالة للتعامل مع تداعيات هذه الحرب.

 

لا توجد خطة استراتيجية لجيش الاحتلال.. 

 

مرت عام كامل على هجوم السابع من أكتوبر 2023 دون أن تحقق إسرائيل أيًا من أهدافها المعلنة، بما في ذلك القضاء على "حماس" وتدمير بنيتها التحتية أو استعادة الأسرى. هذا الأمر يعكس السياسة التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية، والتي تركز على ضمان استمرار الائتلاف الحكومي ومصلحة بنيامين نتنياهو الشخصية.

 

وبناءً على ذلك، عملت إسرائيل على مدى العام الماضي دون وضع خطة استراتيجية واضحة تشمل جدولاً زمنياً للقتال في غزة وما بعده.

 

حتى الآن، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجازر يومية، مما أسفر عن تصعيد مستمر منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر. وقد ارتفع عدد الضحايا إلى 41,870 شهيدًا و97,166 مصابًا، مما يعكس تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع.

 

السردية الإسرائيلية او حرب القيامة في مواجهة الحقائق المريرة

 

تطلق إسرائيل على الحرب الحالية التي تخوضها ضد حماس مسميات مختلفة، حيث وصف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هذه الحرب بـ"حرب القيامة" بدلاً من الاسم الذي اختارته إسرائيل "السيوف الحديدية". ويواجه نتنياهو معارضة واسعة من الجمهور والسياسيين، حيث يتهمه البعض بتحمل المسؤولية عن الأوضاع المزرية التي تعاني منها إسرائيل، من دمار اجتماعي واقتصادي وبنية تحتية، والتي سيكون من الصعب تجاوزها في فترة قريبة.

 

تعكس السيطرة المستمرة لـ"نشوة النصر" أو "جنون العظمة" سياسة اتخاذ القرار في إسرائيل، مما يهدد مستقبل البلاد سواء بتوسيع نطاق الحرب إقليمياً أو بالانغماس في حرب استنزاف طويلة الأمد. وعندما يحاول نتنياهو مواجهة عائلات الأسرى وعائلات القتلى في الذكرى السنوية للهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، يواجه تحديات نفسية صعبة في ظل نظرات الألم والفقد، خاصة مع استمرار وجود 101 أسير إسرائيلي في غزة، حيث فقد أكثر من 50% منهم حياتهم.

 

تحت وطأة قصف صواريخ حماس وصواريخ حزب الله، لم يعد بإمكان القيادة الإسرائيلية الحفاظ على انطباع "نشوة النصر"، التي حذر منها أمنيون سابقون، حيث يعتقدون أن هذا الشعور قد يتحول إلى لعنة، تؤدي إلى اتخاذ قرارات متهورة تزيد من خطورة الوضع الحالي.

 

وفي ظل هذه الظروف، ترفض الأصوات الأبرز في المجتمع الإسرائيلي اعتبار إسرائيل منتصرة. فبينما تسعى حركة حماس إلى تعزيز قدراتها، ورغم الإنجازات الاستخباراتية في لبنان ضد حزب الله، تبقى الإخفاقات الخطيرة في الاستخبارات والقيادة السياسية هي الشاغل الرئيسي الذي يبرز في المشهد.

 

حماس تحتفظ بالأسرى وإسرائيل تعاني من الإخفاقات العسكرية

 

لا تزال حركة حماس تحتفظ بعدد من الأسرى الإسرائيليين، فيما تواجه إسرائيل صعوبات في تحقيق نتائج عسكرية ملموسة أو القضاء على حماس. على الرغم من إعلان الجيش الإسرائيلي بأن العمل العسكري لن يكون كافياً وحده، فإن الحكومة الإسرائيلية تقدّر أن 251 أسيراً قد تم احتجازهم خلال هجوم "طوفان الأقصى".

 

في نوفمبر الماضي، أسفر اتفاق هدنة استمر لمدة أسبوع عن إطلاق سراح 116 أسيراً من النساء والأطفال المحتجزين في قطاع غزة، وذلك في مقابل إطلاق سراح سجناء من النساء والمراهقين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست". بالإضافة إلى ذلك، تم تحرير 24 مواطناً أجنبياً، لا يحملون الجنسية الإسرائيلية، فضلاً عن إنقاذ 11 أسيراً بينهم أميركيان.

 

وقد أعلنت إسرائيل أنها استعادت جثث 30 رهينة من قطاع غزة خلال الأشهر الماضية، مما يعني أنه وفقًا لأحدث الإحصاءات، لا يزال هناك 71 أسيراً على قيد الحياة في غزة، مع أنباء تشير إلى مقتل 64 أسيراً على الأقل. ومع ذلك، لا تزال المعلومات حول عدد الأسرى الذين لقوا حتفهم في الاحتجاز، بالإضافة إلى أعمارهم وأجناسهم وجنسياتهم، غير واضحة.

 

وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن 109 أسرى لا يزالون موجودين حاليًا لدى حركة حماس في غزة، حيث يُعتقد أن 73 منهم على قيد الحياة، رغم أن مصادر أجنبية ترجح أن العدد الفعلي للأحياء أقل، لكنه لا يقل عن 50 أسيراً.

 

وفي ختام جولة شرق أوسطية هي التاسعة له، حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن "الوقت داهم"، حيث سعى لإقناع كل من إسرائيل وحركة حماس بالموافقة على "خطة تسوية" طرحتها واشنطن لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السابع من أكتوبر عام 2023 السبت الأسود إسرائيل تاريخها الحديث شنت حركة حماس هجوم ا الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجیش الإسرائیلی بنیامین نتنیاهو حرکة حماس قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

الضحايا المدنيون في الغارات الإسرائيلية على سوريا.. ماذا يقول القانون؟

خلال أسبوع واحد فقط قتل 12 مدنيا سوريّا جراء ضربات جوية نسبت لإسرائيل واستهدفت عدة مناطق من البلاد، ووفقا لنشطاء حقوقيين وسكان تحدثوا لموقع "الحرة" لم تكن هذه الحصيلة الأولى من نوعها على صعيد الضحايا من غير المقاتلين أو المنخرطين بأعمال عسكرية، وربما لن تكون الأخيرة أيضا بناء على مسار القصف القائم.

واستهدفت آخر الضربات بناء سكنيا في منطقة تعرف بأبنية الـ14 بحي المزة بدمشق، وأسفرت قبل يومين عن مقتل ما لا يقل عن 8 مدنيين، بينهم 4 أطفال و3 سيدات إحداهن طبيبة، كما أصيب قرابة 11 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، بحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".

ولم يعرف الهدف الأساسي المراد من القصف، لكن دائما ما يسود اعتقاد تدعمه معطيات بأنه يتمثل بقيادي أو شخصية فاعلة تتبع إما لـ"الحرس الثوري" الإيراني أو لحزب الله اللبناني، وذلك استنادا للحالة التي كانت عليها ضربات سابقة شهدتها سوريا بشكل متكرر، وحي المزة على الخصوص.  

المزة هو حي سكني في قلب العاصمة دمشق ويعتبر من الأحياء الفارهة فيها، وكان تحول خلال الأشهر الماضية إلى هدف متكرر لإسرائيل. وفي حين قتل إثر القصف المتكرر قادة من حزب الله وإيران كان للمشهد جانب مأساوي على الطرف الآخر، وارتبط بالأساس بالضحايا المدنيين.

ماذا يقول القانون الدولي؟  

ونادرا ما تعلّق إسرائيل على الضربات التي تنسب إليها وتضرب أهدافا في مناطق مأهولة بالسكان، ومن جانب النظام السوري لم يخرج الموقف الخاص به مؤخرا عن نطاق التنديد والإعلان عن مصادر الإطلاق وأعداد الجرحى والقتلى من المدنيين فقط.

لكن وفي أعقاب كل قصف تشير وسائل إعلام إسرائيلية وإيرانية إلى أن الضربات تطال أهدافا عسكرية تمثلها شخصيات، وفي أكثر من مرة أقر "الحرس الثوري" بمقتل قادة لديه، آخرهم "المستشار" ماجد ديواني، الذي قتل بضربة استهدفت منطقة المزة، في الثالث من سبتمبر الحالي.  

وفي القصف ذاته ذكرت الرواية الرسمية في دمشق أنه أسفر عن مقتل 3 مدنيين، بينهم الإعلامية في التلفزيون السوري صفاء أحمد.

ويشرح الحقوقي السوري محمد العبد الله، وهو مدير مركز "العدالة والمساءلة" في واشنطن، أن القانون الدولي لا ينص على أن عدد الضحايا المدنيين في أي ضربة عسكرية "يجب أن يكون صفر".

لكنه يوضح في المقابل لموقع "الحرة" أن القانون ذاته يحدد معايير لهذه الضربات.  

ومن بين تلك المعايير: يجب أن يكون الهدف عسكريا مشروعا، وأن يكون الطرف المهاجم أخذ الحيطة والحذر للتمييز بين المدنيين والمقاتلين في مكان الضربة.  

ويجب أن يكون هناك جدوى عسكرية من الهدف، وأن يكون هناك نسبة وتناسب بالهدف والسلاح المستخدم، وألا يتسبب بـ"معاناة غير ضرورية".

ماذا عن وضع سوريا؟

في ما يتعلق بالضربات المرتبطة بإسرائيل في سوريا يقول الحقوقي السوري إنه يجب تحليل كل ضربة وحادثة على حدة، وفقا للمعايير المذكورة سابقا والتي يحددها القانون الدولي.

وعند التحليل يجب الإجابة عن تساؤلات من قبيل: هل الهدف عسكري مشروع؟ هل الشخصية المستهدفة استخباراتية؟ هل تم نسف المبنى بأكمله لقتل الشخص أو استهداف الشقة أو المكتب الموجود فيه؟ ما حجم المتفجرات ونوعها؟ وما زاوية تسليط الصواريخ، كون هذه العملية يكون لها دور في انفجار غرفة أو طابق بأكمله؟  

وبعد ذلك يضيف العبد الله أنه تبدأ عملية معاينة الحالات مع الهدف العسكري.

الحقوقي السوري يطرح مثلا تقريبيا لمعاينة الحالات واستخلاص النتائج بقوله: "عندما يقتل شخص واحد برتبة عسكرية متدنية وفي مقابله 20 مدنيا فنحن هنا أمام جريمة حرب".

وفي المقابل "إذا قتلت شخصية قيادية لها وزن استخباراتي وذات جدوى عسكرية كبيرة وراح في مقابلها 3 مدنيين فلن تجد أي محكمة في ذلك جريمة حرب"، بحسب المثال الثاني الذي طرحه العبد الله.

يؤكد الحقوقي السوري أن القانون الدولي ينص أنه على عاتق الطرف الذي قام بالضربة التحقيق بمسألة سقوط مدنيين إن استطاع ونشر اعتذار وتعويض الضحايا، ويشير إلى أن "مقتل مدنيين جراء ضربات لا يعتبر جريمة حرب في حال تم إثبات أن الطرف المهاجم كان ملتزما بالمعايير المطبقة".

في غالب الأحيان تنشر القليل من التسجيلات المصورة والصور التي توثق مكان الضربات الإسرائيلية على شقة أو بناء، وتكون في معظمها على وسائل التواصل الاجتماعي.  

ومع ذلك كانت ضربة المزة الأخيرة استهدفت تجمعا سكنيا كبيرا يعرف محليا بمباني الـ14، وأظهر بث مباشر للتلفزيون السوري آثار دمار في شقتين وأضرار مادية في السيارات المركونة هناك.  

ويقول العبد الله إن الفيديوهات الشحيحة التي انتشرت لم تظهر أنه "تم استخدام عنف غير مبرر وتهديم مبانٍ عن بكرة أبيها".

لكن في المقابل لم يظهر نوع الصواريخ والأسلحة وما إذا كان متناسبا مع الأهداف.  

وعلاوة على ذلك، تجدر الإشارة بحسب الحقوقي السوري إلى أنه حتى الآن لم نصل إلى طبيعة الأهداف، والتي غالبا ما تكون مجهولة، إلا إذا تم الإعلان عن تصفية شخص يتولى منصبا كملحق أمني أو قيادي في حزب الله أو إيران.  

"أضرار جانبية"

رغم أن منطقة المزة تركزت فيها غالبية الاستهدافات التي أسفرت عن ضحايا مدنيين وقتلى من إيران وحزب الله كانت حوادث مشابهة حصلت في مدن سورية أخرى كحمص الواقعة وسط البلاد.  

وفي هذه المدينة أسفر قصف نسب لإسرائيل، في فبراير 2024، عن انهيار بناء كامل قبالة الملعب البلدي، ومقتل 4 شبان بداخل شقة وامرأة مسنة تدعى نبيلة رسلان مع ابنها الشاب محمد الحسن الموصلي.

وفقا لـ"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" لم تنشر القوات الإسرائيلية أي تحذيرات للمدنيين بمغادرة المباني قبل استهدافها. كما لم يتم تمييز المدنيين عن المقاتلين في هجوم المزة الأخير، ولم تنشر أيضا أي صور أو فيديوهات تثبت وجود مقاتلين أو معدات عسكرية في المنطقة المستهدفة.  

ويوضح العبد الله أنه من الناحية النظرية يستطيع أهالي الضحايا المطالبة بالتعويضات.

لكن عمليا فإن الأمر يكاد يكون مستحيلا، إذ لا يستطيع أهالي الضحايا الوصول للقضاء الدولي أو الإسرائيلي، وحتى أنهم لا يستطيعون قبول تعويضات من إسرائيل بسبب وضع الحرب، ولاعتبار يتعلق بشق قانوني في سوريا.  

وفي المقابل يعيد التذكير بأن "مبدأ النسبة والتناسب" يحظر عموما الضربات التي من المتوقع أن يكون فيها ضحايا مدنيون أو جرحى أو تحدث ضررا بالأعيان المدنية، وذلك بصيغة لا تكون متناسبة مع الجدوى العسكرية من الضربة.  

ويكمل حديثه بالتأكيد على الشق المتعلق بماهية الهدف، قائلا: "أن تضرب مجندا إيرانيا مقيما في بناء وتقتل 20 مدنيا فهذا الأمر جريمة حرب.. أن تضرب غرفة بصاروخ نائب فيلق القدس و3 مدنيين سيتم اعتبار الضحايا أضرارا جانبية، ولن ترى أي محكمة في الحادثة بعد مراجعتها جريمة حرب".

"تحوّل بعد حرب غزة"

على مدى السنوات الماضية كانت إسرائيل تنفذ سلسلة ضربات جوية وصاروخية، وتستهدف بها مواقع ينتشر فيها عناصر وقادة إيرانيون وآخرون يتبعون لميليشياتهم ولحزب الله اللبناني.  

وكان الإسرائيليون يستهدفون أيضا طرق إمداد الأسلحة والذخائر التي تصل إلى حزب الله، وتبدأ خيوطها الأولى من إيران وتمر من الأراضي السورية.  

لكن بعد اندلاع الحرب في غزة طرأ تحوّل كبير على شكل تلك الضربات، إذ بدأت تطال قادة كبارا في "الحرس الثوري" داخل شقق سكنية يقيمون فيها، سواء في أحياء منطقة المزة أو حيث تتركز ميليشياتهم في منطقة السيدة زينب ومواقع أخرى من البلاد.  

وفي فبراير الماضي قتل 6 قادة من "الحرس الثوري" بضربة جوية نسبت لإسرائيل واستهدفت شقة في منطقة المزة فيلات، وكان أبرزهم مسؤول استخبارات "الحرس الثوري"، صادق أوميد زادة، الذي كان يتحدث العربية ولم يكن السكان في محيطه يعرفون المنصب الذي يشغله بالتحديد، وفق الصحفي في موقع "صوت العاصمة"، خليل سامح.

وقبل أسبوع أسفرت ضربة حصلت في منطقة المزة أيضا عن مقتل حسن جعفر قصير صهر الأمين العام الراحل لحزب الله، حسن نصر الله.

يضيف سامح لموقع "الحرة" أنه وفي ظل تتالي الضربات الإسرائيلية وسقوط ضحايا مدنيين بات الخوف أكثر ما يخيّم على مشهد الحياة اليومية الخاص بأهالي العاصمة السورية دمشق.

كما يوضح بالقول إن هذا الخوف "لا يرتبط من خشية وجود قيادي إيراني أو من حزب الله أو ضابط ارتباط سوري بالقرب من السكان فحسب، بل وصل خلال الأيام الماضية إلى حد الخشية من الوقوف بجانب سيارات مشبوهة يعتقد أنها تتبع لشخصيات نافذة من حزب الله".  

"قد تستهدف طائرة مسيرة إسرائيلية تلك السيارات في أي لحظة"، على حد وصف الصحفي.

ويشير إلى أن وجود قادة إيرانيين أو من حزب الله داخل الشقق السكنية في العاصمة غالبا ما يكون في إطار عملية تأجير يقودها وسطاء.  

وهؤلاء الوسطاء سوريون وبعد إبرام عقد التأجير باسمهم يتجهون لاحقا إلى تسليم الشقق لـ"الغرباء".  

ويتابع سامح: "توجد مكاتب عقارية في دمشق تسير أمور الأشخاص الغرباء وبنفس الوقت هناك مكاتب عقارية لا تعرف من استأجر المنزل في وقت لاحق!".  

كما يشير إلى أن "عقود تأجير المنازل والشقق في سوريا لا تتم مع شخص أجنبي إلا بموافقة أمنية".

من يتحمل المسؤولية؟  

يرى بروس فاين، المساعد السابق لنائب وزير العدل الأميركي والخبير القانوني أن إسرائيل من المحتمل أنها "قد ارتكبت جرائم حرب من خلال ضربات تعرض حياة المدنيين للخطر، وتسبب دمارا أيضا على نطاق واسع".

ومن جانبه يشير رئيس مركز الشرق الأوسط والقانون الدولي في كلية سكاليا للقانون بجامعة جورج ماسون، يوجين كونتوروفيتش إلى أن "استهداف الأفراد العسكريين مسموح به بطبيعة الحال بموجب القانون الدولي".

ويقول لموقع "الحرة" إن "الخسائر المدنية التي تحدث نتيجة لضربة قانونية على أهداف عسكرية لا تجعل الضربة غير قانونية ـ فلم تخض أي حرب دون وقوع خسائر مدنية".

كما يعتبر أنه "من الواضح تماما أن مثل هذه الضربات قانونية، خاصة بالنظر إلى أهمية الأهداف"، وبالنظر إلى أن كل من إيران وحزب الله في حالة حرب مع إسرائيل.

وفي مقابل الضربات والطرف المنفذ لها يحظر القانون الدولي بشكل واضح في النزاعات الدولية وغير الدولية استخدام المدنيين كدروع بشرية، كما يوضح الحقوقي السوري، محمد العبد الله.

المصطلح المذكور يعني "التموضع المتعمد لأهداف عسكرية بين مدنيين أو بين أشخاص عاجزين عن القتال، لتحقيق هدف واضح هو منع الطرف الآخر من ضرب هذه الأهداف العسكرية".  

وبالتدقيق فيه لاستخلاص النتائج يثار تساؤل مفاده: "هل هناك نية واضحة من إسكان هؤلاء الأشخاص وإسكانهم في الشقق للحيلولة دون استهدافهم لردع الطرف الآخر بالمعركة وهي إسرائيل؟

ويستبعد الحقوقي السوري أن يكون هدف إقامة الأشخاص التابعين لإيران وحزب الله بين الأحياء السكنية لردع إسرائيل عن تنفيذ الضربات.  

ويرى أنه "يتم وضعهم في الأبنية السكنية لحماية هوياتهم"، رغم أن الاختراق الاستخباراتي يبدو وأنه يكشف كل هذه العملية.  

ويعتقد الباحث السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان أن "الهدف من إقامة قادة وعناصر حزب الله وإيران في مناطق مدنية وخاصة في المزة هو التخفي".

ويضاف إلى ذلك هدف آخر يذهب باتجاه محاولة "الانخراط في بيئة غير مكشوفة كما الحال في منطقة السيدة زينب بدمشق مثلا".

ويوضح شعبان أن "الضربات الإسرائيلية الحاصلة تركز على استهداف هدف معين وليس إنهاء التواجد الإيراني والخاص بحزب الله في المنطقة، وهو الأمر الذي يعيه الطرفان".  

ويشير إلى أن "عملية تأجير الشقق السكنية أو إقامة القادة والعناصر فيها يتم إما عبر سماسرة ووسطاء أو من خلال دفع مبالغ مالية طائلة تزيد عن تلك التي يدفعها المقيمون العاديون بغرض السكن".

ماذا يقول القانون الدولي الإنساني العرفي؟

وتضم المزة بدمشق سفارات عدة دول.

وغالبية الأهداف التي تضربها إسرائيل في هذا الحي لا تبعد كثيرا عن مطار المزة العسكري وفرع التحقيق الخاصة بالمخابرات الجوية والقصر الجمهوري الذي يقيم فيه رئيس النظام السوري، بشار الأسد.  

وبعد اندلاع الحرب في غزة بأشهر كانت إسرائيل استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية الواقع في منطقة المزة أوتوستراد، مما أسفر عن مقتل قادة كبار أبرزهم محمد رضا زاهدي ومدنيين كانوا بالقرب من البناء المستهدف.  

وإلى جانب المعايير المذكورة سابقا التي يحددها القانون الدولي يحظر القانون الدولي الإنساني العرفي بشكل مباشر استخدام المدنيين كدروع بشرية سواء كان النزاع المسلح دوليا أو غير دولي، وتوجد مسؤولية جنائية في هذا الموضوع، وفق حديث الحقوقي العبد الله.

ويشرح من جانب آخر أن "الانتهاك لمنع استخدام المدنيين كدروع بشرية لا يخول ويسمح للطرف الآخر أيضا باستهداف الأهداف العسكرية وإلحاق ضرر بالمدنيين عن علم".

"حزب الله ارتكب جريمة قانونية بتموضعه وبناء مقر أمني تحت مباني سكنية لكن الأمر لا يبيح لإسرائيل تحويل المباني لتراب". وفي هذه الحالة يكون الطرفان قد ارتكبا انتهاكا، بحسب الحقوقي.  

مقالات مشابهة

  • الصحة العالمية: 5 مستشفيات في لبنان أغلقت أبوابها بعد الأضرار التي لحقت لها نتيجة للهجمات الإسرائيلية
  • ماذا نفعل لنصل إلى الهمة التي كان عليها النبي؟.. علي جمعة يجيب
  • ماذا نفعل حتى نصل إلى الهمة التي كان عليها رسول الله؟.. اعرف الطريقة
  • بيان صادر من حزب الله.. ماذا جاء فيه؟
  • عن حماس في لبنان.. ماذا أعلنت إسرائيل؟
  • ماذا حصل للقوة الإسرائيلية التي دخلت متنكرة للقطاع؟
  • نقاش حاد في برلمان الاتحاد الأوروبي.. هل يمكنك أن تدين أفعال نتنياهو التي أدت إلى قتل 40000 شخص؟
  • حركة حماس تؤكد أن مجزرة رفيدة امتداد لجرائم الإبادة الإسرائيلية وبغطاء أمريكي
  • الضحايا المدنيون في الغارات الإسرائيلية على سوريا.. ماذا يقول القانون؟