النقد والشاعر والقصيدة
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
علي بن سهيل المعشني
asa228222@gmail.com
تُعدّ الكتابة الشعرية من أسمى الفنون الأدبية التي تُعبر عن المشاعر والأفكار بأسلوب فني مميز. ومع ذلك، فإنَّ القدرة على كتابة الشعر لا تعني بالضرورة فهم الأدوات النقدية التي تُستخدم لتقييم وتحليل النصوص الشعرية. إن جهل الشاعر بأدوات النقد قد يؤثر سلبًا على تجربته الشعرية، وعلى قدرة النصوص التي يكتبها على إثارة مشاعر المتلقي.
- افتقار الشاعر للوعي الفني:
عندما يجهل الشاعر أدوات النقد، فإنِّه قد يفتقر إلى الوعي الفني الضروري لفهم كيفية تركيب النص الشعري فالنقد الأدبي ليس مجرد تقييم، بل هو عملية تحليل تساعد الكاتب على فهم مكونات النص من لغة، وإيقاع، وصورة، ورمزية. بدون هذا الوعي، قد تكون النصوص ضعيفة أو غير متماسكة.
- صعوبة تلقي النقد:
الشاعر الذي لا يمتلك أدوات النقد قد يجد صعوبة في تلقي الآراء النقدية من الآخرين. فبدون فهم لمبادئ النقد، قد يعتبر أي تعليق أو رأي مُحبطًا أو غير عادل. وبالتالي، قد يفقد فرصة التعلم والنمو الفني من تجاربه السابقة.
- النقد البناء مفتاح الإبداع:
من أفضل الطرق لتطوير مهارات الشاعر. النقد البناء وهو الذي يُساعد الشاعر على التعرف على نقاط قوته وضعفه، مما يتيح له الفرصة لتحسين أسلوبه وتقنياته. لكن عدم وجود نُقاد ملمين بأدوات النقد، يؤدي إلى ضعف تطور الحركة الشعرية.
- البعد الزماني:
يمتاز الشعر بقابليته للتعبير عن اللحظات الزمنية والمراحل التاريخية المختلفة. عندما يكتب الشاعر، فإنه غالبًا ما يتفاعل مع الأحداث الجارية أو يستلهم من تجارب شخصية أو اجتماعية مرتبطة بالزمان. جهل الشاعر بأدوات النقد قد يؤثر على قدرته في توظيف هذه اللحظات الزمنية بشكل فعّال. فبدون فهم العوامل الزمنية وتأثيرها على المعاني، قد تتفقد النصوص الشعرية بعدًا عميقًا يربطها بالسياق التاريخي أو الثقافي.
على سبيل المثال، الشاعر، يحتاج إلى توظيف الرموز والإشارات الزمنية بشكل يُعزز من فهم القارئ. إذا لم يكن لدى الشاعر وعي نقدي، قد يتجاهل العناصر الزمنية التي يمكن أن تضيف عمقًا للأحداث وتساعد على ربط الأفكار والمشاعر بالشعور الزمني.
- البلاغة وأساليب الشعر:
البلاغة هي أحد الأعمدة الأساسية في كتابة الشعر. أدوات مثل الاستعارة، والتشبيه، والجناس تُستخدم لإثراء النصوص الشعرية وجعلها أكثر عمقًا. الشاعر الذي يفتقر إلى معرفة هذه الأدوات قد يكتب نصوصًا بسيطة لا تحمل عنصر البلاغة المطلوب. النقد يساعد الشاعر على التعرف على الأساليب البلاغية الفعّالة وكيفية استخدامها.
- الإبداع والنقد:
الإبداع هو العنصر الجوهري الذي يميز الشعراء. عندما يجهل الشاعر أدوات النقد، قد يجد صعوبة في تمييز الأساليب الجديدة والمبتكرة التي يمكن أن تُثري نصوصه. إن القدرة على استيعاب النقد تساعد الشاعر على إعادة النظر في أفكاره واستلهام أساليب جديدة، مما يؤدي إلى إنتاج شعر مبتكر ومؤثر.
- تعليم النقد:
يُعد التعليم النقدي أساسيًا للشعراء. من خلال فهم الأدوات النقدية؛ حيث يمكن للشعراء: تنمية المهارات العمل على تحسين النصوص الشعرية من خلال النقد الذاتي، وإقامة حوار بنّاء مع النقاد يساهم في وضوح الرؤية وإدراك المعاني العميقة للشعر، ووتوسيع الآفاق.
إن الاطلاع على أعمال شعراء آخرين وفهم كيف تم تقييم نصوصهم. يساهم بفعالية في توسيع مدارك وآفاق الشاعر.
وأخيرًا.. في عالم الأدب، يعتبر النقد أداة أساسية للشعراء. عندما يجهل الشاعر أدوات النقد، فإنه يفًوت فرصة مهمة للتطور والنمو. يجب أن يسعى الشعراء إلى فهم هذه الأدوات واستيعابها لتحقيق أقصى استفادة من تجربتهم الفنية. فالتفاعل مع النقد يعد جزءًا من الرحلة الإبداعية، ويُسهم في خلق شعر يعبر عن رؤية فنية عميقة ومؤثرة، متأثرة بالزمان والمكان على حد سواء.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
النقد الجارح .. معول هدم للهمم
اذا كان وراء المثل العربي القديم: «من كان بيته من زجاج، لا يقذف الناس بالحجارة»، قصة عجيبة، فإنه أيضا يرمز إلى عمق كبير في المعنى الذي نريد الوصول إليه وهو أن الإنسان يجب أن يعرف إطار حياته الذي يعيش فيه بحرية دون أن ينتهك خصوصية الآخرين ويكيل له بمكيالين فيما تتهاوى أركان أسطح ملاذه في أي لحظة.
النظرة الدونية لعيوب الآخرين، والتقليل من شأنهم، واتهامهم بالباطل بما ليس فيهم، سلوكيات نراها كثيرا في حياتنا اليومية وفي محيط أعمالنا، البعض يدعي بأنه نابغة زمانه وحكيم عصره، وينتقد أعمال الآخرين وتصرفاتهم، ويحقر من شأنهم، بينما لا ينظر أبدا إلى ذاته، ليرى منابع الضعف التي يعاني منها.
وهنا نستذكر شيئا من قوافي الشعر التي أثرت الجانب الإنساني لدى العقلاء وهي أبيات شعرية من ديوان الإمام الشافعي يقول فيها:
«لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايبا
فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي أحسن»
ولو تأملنا القيم التي تحملها تلك الأبيات للمسنا فيها عمقا ومعاني وقيما جميلة.. وبها رسالة واضحه تدعونا ألا نعيب ونذكر الصفات المذمومة للأشخاص. لأننا ببساطة لدينا عيوب كثيرة وصفات غير حميدة، فلا يوجد إنسان معصوم من الخطأ. ولأنه ببساطة أن للناس ألسنا يمكن أن تذمنا.
وإذا رأينا مساوئ الناس، فلنذكر دوما أنفسنا بأن الناس يرون عيوبنا أيضا.
تطورت الحياة وأصبح البعض يتباهى بما لديه من أشياء ليس في مجالسه أو لقاءاته مع الناس، ولكن أصبحت بعض وسائل التواصل الاجتماعي منابر لنقد ليس من أجل الفائدة وإنما من أجل السخرية من الآخرين والتقليل من شأنهم، والتحقير من أفعالهم.
يقول د.سعود بن شنين البدري في مقال نشره إلكترونيا منذ نحو 7 سنوات تقريبا بعنوان «تصيد الأخطاء.. واقع مرير»: «في الوقت الذي تنتشر فيه برامج التواصل في دنيا الناس حتى غدا العالم كقرية صغيرة، فقد أصبح الوضع الحالي لا يبشر بخير، ففي الوقت الذي بلغ بنا الحرص على اقتناء هذه التكنولوجيا والاستفادة منها، إلا أنها أبانت عن أخطار كبيرة لم تكن معروفة في السابق، فقد دخلت كل بيت، وأصبحت بيد كل شخص، والمجهول لا يعلمه إلا الله، لست بالناكر لفوائد التكنولوجيا، ولا أدعو إلى التخلي عنها كليا؛ بل أدعو إلى التنبه واليقظة لمخاطرها وكوارثها».
المغزى الذي ذهب إليه الكاتب هو أنه قد تنبأ في وقت سابق من الزمن بأمر مهم للغاية وهو أن التواصل الاجتماعي سيكون سلاحا لتصفية حساباتنا تجاه الغير، وأيضا مجالا حيويا للنيل ممن يخالفنا الرأي أو لا يأتي على هوانا، ولهذا أصبحنا لا نتعجب أن نرى بعض المنصات التواصلية التي يستخدمها الناس بشكل يومي عبارة عن «ساحة قتال يومية وحرب ضروس لا تأتي بخير»، وجزء من حملة التشهير والتكذيب والتعدي على الآخرين بقالب النصح والإرشاد أو كشف أخطاء الآخرين وزلاتهم على الملأ، وتتبع كل الثغرات التي ليس معصوما منها أحد على وجه الأرض.
البعض يظن بأنه قادر على إيذاء الآخرين من غير سبب سوى أنه يرى في نفسه أنه الشخص الذي به «الكمال والتمام كله» بينما هاتان الصفتان هما لله وحده فهو الكامل التام المتنزه عن الأخطاء.
في عالم الحكماء هناك قول رائع لم استدل إلى قائله رغم أنني بحثت طويلا، ومن شدة إعجابي به اقتبسه لروعته وهو «البعض يتفنن في انتقاد الآخرين، ولو نظرت لحاله احترت من أين تبدأ.»، وهذا القول هو دلالة فعلية على أن الإنسان ناقص بطبعه، ومهما أصابه الغرور والترفع والتنزه عن الأخطاء يظل بينه وبين نفسه يعرف قيمته، فالبعض يعتقد بأنه يستطيع إتقان كل شيء بينما يجهل الآخرون ذلك.
عندما نخطئ، علينا أن نتقبل النقد والتوضيح ولكن على الذي يعرفنا أخطاءنا أن لا يقصد التجريح أو إحداث نوع من الإحباط، لأن الحكمة تقول: «ليس كل مجتهد مصيبا» والنقد لا يكون خلف ظهور العباد بل يكون أمامهم وبشكل مهذب وعندما نريد أن نفتح هذا الأمر علينا أن نضع أمام أعيننا قولا دقيقا يقول: «لسانك لا تذكر به عورة امرئ ... فكلك عورات وللناس ألسن».
في هذا الزمن، تخصص بعض الناس في مراقبة الآخرين والبحث عن أخطائهم سواء في القول أو الفعل أو أي عمل يقومون به، ليس هدفه النصح والإرشاد بقدر ما هو مرض نفسي يتلذذ بالمجاهرة بأخطاء الآخرين والنيل من كرامتهم وآدميتهم.
هناك نصيحة أسداها أحد المفكرين للناس حينما قال: «لا تكن كمن يفتش عن أخطاء الآخرين وكأنه يبحث عن كنز!» وقال آخر: «التغافل عن أخطاء الآخرين أرقى شيم المكارم».
يقول أحد الفلاسفة: «عندما تدرك أخيرا أن سلوك الآخرين يرتبط بصراعاتهم الداخلية أكثر من كونه متعلقا بك، تتعلم الترفع والتسامح...».