يمانيون:
2025-03-04@18:05:50 GMT

آفاق المقاومة اللبنانية بعد استشهاد السيد نصر الله

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

آفاق المقاومة اللبنانية بعد استشهاد السيد نصر الله

يمانيون/ تقارير

لم يمرّ وقت طويل قبل أن يكتشف نتنياهو أن ما قام به لا يخرج عن كونه “عمليات استعراضية مبهرة” يستحيل تحويلها إلى مكاسب استراتيجية ملموسة على الأرض.

مرّت المقاومة اللبنانية بأوقات صعبة تعرّضت خلالها لسلسلة من الهجمات الوحشية وغير المسبوقة، بدأت بعملية سيبرانية مكّنت الكيان الصهيوني من تفجير ما يقرب من خمسة آلاف جهاز اتصال لاسلكي “بيجر” كان حزب الله قد اشتراها حديثاً من شركة أوروبية، ما تسبّب في مصرع العشرات وجرح الآلاف.

ولأنّ معظم هذه الأجهزة كان قد وصل بالفعل إلى أيدي مقاتلي حزب الله، فضلاً عن أن تفجيرها تسبّب في فقدان عدد كبير من المصابين لعيونهم وأطرافهم، فقد كان من الطبيعي أن تسفر هذه العملية عن خسائر ثقيلة بالنسبة للحزب.

إذ تشير بعض التقارير الإعلامية إلى أنّ تلك التفجيرات أدّت إلى خروج عدة آلاف من مقاتليه من ساحة المعركة نهائياً. في اليوم التالي وقعت كارثة جديدة، نجمت عن تفجير أجهزة اتصال من نوع “ووكي توكي”، أسفرت بدورها عن مقتل العشرات وجرح المئات. كل ذلك كان يحدث بينما المحاولات الرامية لاغتيال قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية تجري على قدم وساق.

صحيح أنّ الكلّ كان يدرك أن السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، مدرج على رأس قائمة الشخصيات المستهدفة بالاغتيال منذ فترة طويلة، غير أنّ أحداً لم يكن يتصوّر على الإطلاق أن ينجح الكيان في تحقيق هدف تصوّره كثيرون بعيد المنال، وهو ما تمّ بالفعل من خلال عملية عسكرية وصفها يوآف غلانت، وزير حرب الكيان، بأنها “واحدة من أهم العمليات في تاريخه”.

ففي يوم 27/9/2024 أغار سرب من طائرات أف 35 على مربّع سكني في ضاحية بيروت الجنوبية، كان الأمين العام لحزب الله موجوداً في أحد طوابقه الحصينة تحت الأرض، وألقى فوق هذا المربّع السكني الذي يقطنه مئات المدنيين ما يقرب من 85 قنبلة خارقة للتحصينات، يزن كلّ منها طناً من المتفجّرات، ما أدى إلى إحالته إلى كومة من تراب.

ولأن نصر الله لم يكن مجرّد زعيم لحزب سياسي وإنما كان التجسيد الحي والرمز الأكبر للتيار المقاوم للمشروع الصهيوني في المنطقة، ما جعله يحظى بمصداقية لم يتمتّع بها أيّ زعيم آخر في المنطقة منذ رحيل عبد الناصر، فقد خشي كثيرون من أن يؤدي غيابه عن الساحة إلى تفكّك وانهيار ليس حزب الله فحسب وإنما محور المقاومة ككلّ، وهو ما يفسّر شعوراً عاماً بالخوف والقلق بدأ يجتاح المنطقة فور تأكّد خبر استشهاده.

المذهل أن وحشية الكيان لم تتوقّف عند هذا الحد. فقد راح هذا الكيان يواصل محاولاته الرامية إلى تعقّب كلّ القيادات المؤثّرة في حزب الله، وقام “جيشه” بشنّ غارة مماثلة على موقع يشتبه في أن يكون السيد هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب والمرشح الأبرز لخلافة نصر الله، موجوداً فيه، ما أدى إلى دخول الصراع في المنطقة مرحلة جديدة.

والواقع أن قرار نتنياهو نقل ثقل المواجهة العسكرية من قطاع غزة إلى الجبهة اللبنانية عكس تغيّراً واضحاً في ترتيب الأولويات. فعقب “طوفان الأقصى” مباشرة، حظي هدف القضاء على حماس واستعادة الأسرى المحتجزين في القطاع بأولوية مطلقة لدى الكيان الصهيوني، لكن نتنياهو راح يكتشف بمرور الوقت أنه يواجه عقبتين مترابطتين: قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود عسكرياً لفترة طالت بأكثر مما كان مقدّراً لها في البداية، ودخول حزب الله على خط المواجهة العسكرية، بتقديم مساندة ميدانية للمقاومة الفلسطينية وربط وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية بوقف إطلاق النار في القطاع.

وقد حاول نتنياهو أن يتغلّب على العقبة الأولى، بشنّ حرب إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني الأعزل لعله ينقلب على حماس، وهو ما لم يحدث، بل وتسبّب في إسقاط القناع عن الكيان وتعريته أمام الرأي العام العالمي. أما العقبة الثانية فقد سعى للتغلّب عليها بالعمل على فكّ الارتباط بين الجبهتين، سواء عبر ضغوط سياسية ودبلوماسية طلب من الولايات المتحدة وفرنسا ممارستها على الحكومة اللبنانية، أو عبر ضغوط عسكرية متصاعدة، أو عبر محاولة تأليب الداخل اللبناني على حزب الله.

لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل. ولأنّ نتنياهو كان يخطط في جميع الأحوال لتصفية حساباته مع حزب الله فور الانتهاء من تحقيق أهدافه في القطاع، فلم يكن أمامه من بديل آخر سوى الهروب إلى الأمام، بالتصعيد مع محور المقاومة ككل، بما في ذلك إيران، رغم فشله في تحقيق أيّ من أهدافه الرئيسية في القطاع.

لقد شعر نتنياهو بنشوة طاغية عقب نجاحه في تصفية عدد كبير من قيادات حزب الله، وبصفة خاصة عقب تمكّنه من اغتيال زعيمه الفذّ حسن نصر الله، لدرجة أنه صرّح علناً بأنّ عملية تغيير الموازين الاستراتيجية في المنطقة ككل قد بدأت، ما يفسّر حديثه عن التزامه الشخصي بعودة النازحين إلى بيوتهم في المستوطنات الشمالية، والذي يؤكد أنه اتخذ قراراً بالشروع في تصفية حزب الله بدلاً من الاكتفاء بتحجيم قدراته.

ساعد على تعميق شعور نتنياهو بالنشوة وبقدرته على تحقيق “الانتصار المطلق”، تباطؤ إيران في الردّ على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، رغم أن الجريمة ارتكبت في قلب طهران وشكّلت مساساً بكرامة إيران وليس بسيادتها فحسب. غير أن هذا الشعور بدأ يتبدّد تدريجياً تحت تأثير مجموعة من العوامل، بعضها يتعلّق بانكشاف ضآلة ما حقّقه الكيان على الصعيد الاستراتيجي، رغم ضخامته على الصعيد التكتيكي، وبعضها الآخر يتعلق بسرعة تماسك منظومة القيادة والسيطرة لدى حزب الله، وبعضها الثالث يتعلّق بنجاح إيران في القيام بردّ عسكري مؤلم، رغم أنه جاء متأخراً.

لم يمرّ وقت طويل قبل أن يكتشف نتنياهو أن ما قام به لا يخرج عن كونه “عمليات استعراضية مبهرة” يستحيل تحويلها إلى مكاسب استراتيجية ملموسة على الأرض، خصوصاً وأنها لا تكفل عودة النازحين إلى مستوطناتهم في الشمال، وهو هدف لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال السيطرة الفعلية لقواته على الأرض، ما يفسّر اضطراره إلى اتخاذ قرار بالاجتياح البري للحدود مع لبنان.

لكن ما إن بدأ هذا الاجتياح حتى ووجه “جيش” الكيان بمقاومة ضارية نجحت في تكبيده خسائر فادحه، لا شكّ أنها ذكّرته بما جرى له عام 2006، وهنا كانت المفاجأة غير المتوقّعة. فقد اكتشف نتنياهو أن حزب الله، والذي خسر مجموعة كبيرة من أهم قياداته، ما زال متماسكاً وقادراً على خوض أشرس المعارك، بدليل استمراره في إطلاق صواريخ قادرة على أن تطال أي هدف داخل الكيان.

ومن الواضح أن نتنياهو لم يستطع أن يدرك أنه يواجه حزباً عقائدياً من الطراز الأول يؤمن بأن المشروع الصهيوني هو مصدر التهديد الأساسي للأمتين العربية والإسلامية، وأنّ قواعده تربّت على قاعدة إيمانية مفادها “النصر أو الشهادة”، وأنّ كوادره مجهّزة ومدرّبة لتولّي مهام القيادة في أعلى مراتبها، وتلك كلها شواهد تؤكد أن المقاومة اللبنانية ستظل حيّة وفاعلة حتى لو استطاع “جيش” الكيان أن يستولي مؤقتاً على الجنوب اللبناني مرة أخرى.

على صعيد آخر، كان دخول إيران على خط المواجهة العسكرية المباشرة، وهو ما تأكّد عبر إقدامها على شنّ هجوم على الكيان بما يقرب من 200 صاروخ بالستي “فرط صوتي”، عاملاً شديد الأهمية، يوحي بأن معادلات وموازين الصراع في المنطقة في طريقها للتغيّر لصالح محور المقاومة. فبعد أيام من محاولات الإنكار والإصرار على التقليل من شأنه، اعترف الكيان بأنّ الهجوم أصاب قاعدتين جويتين رئيسيتين وألحق بهما أضراراً ملموسة، ما أجبره على إعلان التزامه برد قوي ومؤلم على إيران.

ولأنّ أيّ ردّ صهيوني مؤثّر على إيران لا يمكن أن يتمّ إلا عبر ضوء أخضر من الإدارة الأميركية، أو حتى بمشاركة فعّالة من جانبها، يرى بعض المراقبين أن نتنياهو ربما يكون في طريقه لتحقيق هدف ظل يسعى إليه على مدى سنوات طويلة، ألا وهو جرّ الولايات المتحدة للمشاركة معه في مواجهة عسكرية مباشرة ضد إيران، يتمنّى أن تنجح في تدمير برنامجَيها النووي والصاروخي، ويا حبذا لو أدت في الوقت نفسه إلى تغيير نظامها السياسي نفسه.

صحيح أنه ليس من مصلحة إدارة بايدن اشتعال حرب إقليمية واسعة تنخرط فيها إيران، خصوصاً في وقت تستعدّ فيه لخوض واحدة من أهم المعارك الانتخابية في التاريخ الأميركي، لكن نتنياهو يدرك جيداً أنها إدارة ضعيفة لا تقدر على ممارسة أي نوع من الضغوط عليه، حتى لو أرادت، وبالتالي فليس أمامها من خيار آخر سوى الاستمرار في تقديم كلّ ما يطلبه من مساعدات.

لكن هل يمكن أن تذهب إدارة بايدن إلى حد المشاركة الفعلية مع نتنياهو في حرب على إيران؟

يدرك بايدن جيداً أن نتنياهو يراهن على فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، وبالتالي لن يصغي إلى النصائح التي تحثّه على أن يأتي ردّه على إيران محسوباً ومنضبطاً ولا يمسّ بالمنشآت النووية أو النفطية الإيرانية، كي لا يتسبّب في توسيع رقعة الصراع وامتداده إلى مصادر الطاقة. غير أن نتنياهو يعيش الآن حالة نشوة لا مثيل لها، بل ويتقمّصه إحساس طاغٍ بغرور القوة قد يدفعه للإقدام على مغامرات غير محسوبة.

فهو يؤمن بأنّ الصراع مع إيران وجودي، ليس لأن الأخيرة تقود محور المقاومة في المنطقة فحسب، ولكن لأنها أصبحت دولة “عتبة نووية”، أيّ تملك القدرة العلمية والفنية التي تمكّنها من إنتاج سلاح نووي خلال فترة وجيزة جداً إذا اتخذ القرار السياسي. لذا فليس من المستبعد أن يغامر بانتهاز فرصة، يرى أنها قد لا تتكرّر مرة أخرى، للتخلّص من هذا التهديد الوجودي مرة واحدة وإلى الأبد. أما إيران فلن تستطيع من ناحيتها أن تتجاهل الردّ الإسرائيلي إن وقع، خصوصاً إذا جاء مؤلماً، ولا أن تسمح بهزيمة حزب الله الذي تجمعها به وحدة مصير.

أخلص مما تقدّم إلى أن الضربات القاسية التي تعرّض لها حزب الله لم تؤدِ إلى تقويضه، وبالتالي سيظلّ عاملاً مؤثّراً على تفاعلات المنطقة، والتي دخلت مرحلة جديدة حاسمة بدخول إيران على خط المواجهة العسكرية المباشرة مع الكيان. وستكشف الأسابيع القليلة المقبلة ما إذا كانت المنطقة مقبلة على حرب إقليمية شاملة أم أن حرب الاستنزاف ستستمرّ لفترة طويلة. وفي كلتا الحالتين لن يخرج الكيان الصهيوني سليماً، وبالتالي لن يستطيع أبداً أن يفرض نفسه كقوة مهيمنة في المنطقة.

نقلا عن الميادين نت

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: المواجهة العسکریة محور المقاومة فی المنطقة نتنیاهو أن أن نتنیاهو فی القطاع على إیران نصر الله حزب الله وهو ما

إقرأ أيضاً:

هل ينتزع نتنياهو بالقمة ما عجز عنه بالقنابل؟

يجتمع اليوم قادة العرب وملوكهم في القاهرة، حيث تنعقد قمة عربية يُرتقب أن تصدر عنها قرارات مصيرية تتعلق بأخطر القضايا وأشدها حساسية، وفي مقدمتها المخطط الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية، وتحويل القطاع إلى “ريفيرا” سياحية، في إطار رؤية تتغذى على العدوان والاستيطان والتهويد. هذه القمة تُعقد في ظل ضغوط أمريكية وإسرائيلية هائلة، تهدف إلى فرض واقع جديد يُقصي المقاومة ويعيد رسم خريطة فلسطين وفق أجندات الاحتلال، بينما تقف الأنظمة العربية أمام اختبار تاريخي مفصلي: بين الإذعان أو المواجهة، بين الإرادة أو الخضوع.

نحن أمام مشروع استعماري جديد، امتداد لوعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو، يراد منه طيّ صفحة القضية الفلسطينية إلى الأبد، وتشتيت الفلسطينيين في دول الجوار، وإعادة رسم الخرائط والحدود عبر اقتطاع المزيد من الأراضي العربية في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر، وربما حتى داخل العمق الخليجي. إنه مخطط يستهدف ليس فقط الشعب الفلسطيني، بل الأمن الإقليمي العربي برمّته.

لم يكن الطريق إلى القاهرة معبّدًا ولا خاليًا من التوترات، فقد سبقته قمة مصغرة في الرياض، جمعت دول مجلس التعاون الخليجي ومصر تحت مسمى “الاجتماع الأخوي”، لكنه بدا في مضمونه خطوة لتهميش الجزائر، التي رأت في استبعادها تجاوزًا لدورها السياسي، فجاء ردها صارمًا برفض الرئيس عبد المجيد تبون الحضور، مكتفيًا بإرسال وزير خارجيته، في موقف يعكس التصدع العميق في الصف العربي، الذي لم يستطع حتى الاتفاق على مبدأ موحّد قبل القمة.

في المقابل، كان بنيامين نتنياهو أكثر وضوحًا في رسائله، إذ استبق القمة بتشديد الحصار على غزة، ملوّحًا بتجديد العدوان، في إشارة إلى أن القادة العرب لن يكون أمامهم سوى الإذعان، وأنهم، مهما ارتفعت أصواتهم، سيعودون إلى قيودهم، ويسيرون في المسار المرسوم لهم. يدرك نتنياهو أن الأنظمة العربية، رغم مواقفها المعلنة، ستجد نفسها عاجزة عن تجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها واشنطن، مهما أبدت من رفض واستنكار.

وفي الظاهر، يتجه الموقف العربي إلى رفض التهجير، كما عبّرت عنه مصر والأردن والسعودية، إذ إن هذا السيناريو لا يهدد فلسطين وحدها، بل يهزّ استقرار الأنظمة نفسها، التي تدرك أن تهجير الفلسطينيين يعني خلق قنبلة ديموغرافية وسياسية قد تعصف بها. غير أن هذا الرفض، مهما بدا حاسمًا، يظل موقفًا تكتيكيًا في لعبة أكبر، حيث لا يقتصر المخطط على التهجير، بل يمتد إلى تنفيذ “اليوم الموالي”، وفق الرؤية الأمريكية - الإسرائيلية، التي تسعى إلى اجتثاث المقاومة، وإعادة بناء غزة وفق أسس تضمن ألا يكون فيها صوت يعترض، ولا يد تقاوم، ولا إرادة ترفض الهيمنة. ذلك كله تمهيدٌ لمرحلة جديدة من التمدد الاستيطاني، وصولًا إلى تحقيق الحلم الصهيوني بإسرائيل الكبرى، التي لم تعد مجرد رؤية متطرفة، بل مشروعًا ممهورًا بمباركة أمريكية علنية.

بعد أكثر من عام ونصف من حرب ضارية، وقفت إسرائيل أمام حقيقة مريرة حاولت إنكارها طويلًا: عجزها عن تحقيق أهدافها الكبرى بالقوة العسكرية. فشلت في القضاء على المقاومة، وفي استعادة أسراها عبر القوة المسلحة، وفي بسط سيطرتها المطلقة على غزة كما خططت في بداية العدوان. لكنها، وكعادتها، لا تعترف بالفشل، بل تعيد ترتيب أدواتها، مستندة إلى نهج قديم جديد: ما لا يُفرض بالقوة، يُنتزع بالدبلوماسية، وما لا يأتي بالحصار، يُفرض بالإملاءات والتنازلات المدعومة بغطاء أمريكي غير محدود.

وهنا يأتي الدور المطلوب من الأنظمة العربية، إذ يُراد لها أن تحقق لإسرائيل ما لم تستطع تحقيقه بالقوة، أن تنفذ أجنداتها عبر السياسة، فتكون الجسر الذي تعبر من خلاله المشاريع الصهيونية، لا السد الذي يصدّها. لكن هذه الأنظمة، في جوهرها، مكبّلة بالتبعية، عاجزة عن اتخاذ قرارات تتعارض مع الإرادة الأمريكية. بعضها يحتضن القواعد العسكرية الغربية، وبعضها يعتمد في اقتصاده على المساعدات الأجنبية، وأغلبها أنظمة استبدادية تخشى شعوبها أكثر مما تخشى أعداءها، وتخوض معاركها الحقيقية داخل حدودها، وليس خارجها.

ولذا، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا أن تخرج قمة القاهرة بموقف مزدوج: رفض التهجير في العلن، والقبول الضمني بمخطط “اليوم الموالي”، من خلال إعادة إعمار غزة وفق الشروط الأمريكية - الإسرائيلية، بما يضمن القضاء على المقاومة، ويفتح الطريق أمام الهيمنة المطلقة للاحتلال. وهذا بالضبط ما يريده ترامب وإدارته، برفع سقف المطالب إلى التهجير، ليحصل على تنازلات أقل، لكنها كافية لإخضاع غزة وتوسيع النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.

غير أن هذه التسوية، إن تمت، لن تضمن استقرار الأنظمة العربية، بل ستضعها في مواجهة مباشرة مع الشارع العربي، الذي لا يزال يرى في القضية الفلسطينية معيار الشرعية الأهم، واختبار المصداقية الحقيقي. فالأنظمة التي تفرّط بفلسطين لا تفرّط في قضية بعيدة، بل في شرعيتها ووجودها ذاته، وتفتح على نفسها أبواب الغضب الشعبي، الذي وإن بدا صامتًا اليوم، فهو لا ينسى، ولا يغفر.

قمة القاهرة ليست مجرد اجتماع عربي عابر، بل لحظة مفصلية تحدد مستقبل المنطقة: إما أن يثبت العرب أنهم ما زالوا أصحاب قرار، أو أن يكرّسوا تبعيتهم المطلقة، ويوقعوا بأيديهم شهادة عجزهم.
لكن، ومهما تكن مخرجات القمة، فإن التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تغفر، والحقائق لا تُطمس، حتى لو تواطأ العالم بأسره. ففلسطين ستبقى بوصلة الأمة، ومن يفرّط بها، يكون قد فرّط بوجوده وبأساس شرعيته.

مقالات مشابهة

  • هل ينتزع نتنياهو بالقمة ما عجز عنه بالقنابل؟
  • في مقدمة مودعيه نائب أمير المنطقة.. رئيس الجمهورية اللبنانية يغادر الرياض
  • رئيس الجمهورية اللبنانية يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه سمو نائب أمير المنطقة
  • رئيس الجمهورية اللبنانية يصل الرياض وفي مقدمة مستقبليه نائب أمير المنطقة
  • إيران: الأمن في منطقة الشرق الأوسط يجب أن يتم داخلياً
  • نائب من حزب الله يهاجم الدولة اللبنانية: لم تتعب من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة
  • ليزدادوا إيمانًا.. من إطلالة السيد القائد البدر
  • نتنياهو يعلن الحصول على أسلحة لإنهاء المهمة ضد محور إيران
  • السيد حسن نصر الله: قائد المقاومة ورمز الصمود
  • تفاصيل صادمة.. هكذا تسبب عميل للاحتلال في استشهاد عائلته بأكملها