عين ليبيا:
2025-02-07@06:20:24 GMT

لبنان جارة وادي قلوبنا

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

لبنان شجرة أرز، نمت فوق جبال الزمان. أصلها مكين في أعماق طبقات التكوين التاريخي الإنساني. أوراقها كُتبت عليها سطور التمثيل الضوئي لعبقرية الحركة والإبداع. الفينيقيون سبحوا مبكراً بمجاديف الحضارة على سطح ماء البحر الأبيض المتوسط. رست المراكب الفينيقية في شواطئ شمال أفريقيا، حيث أسسوا حضارة امتلكت قوة مالية وعسكرية.

قرطاجنة مدَّت جسور الوصل بين البحر والبر، وعبرهم عرفت أوروبا أفريقيا. فوق جبال لبنان الخضراء، ترعرعت عبقرية الحركة القوية والناعمة، في البر والبحر. أعطت للإنسانية ما لم تكن تعرفه. طالتها ضربات الزمن الثقيلة، لكن خريطتها الطبيعية رسمت طبائع مَن نبتوا على أرضها. جابوا أرض الله شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. في البلاد العربية كان اللبناني دقة زندٍ تشعل أضواء العقول ونسمة إبداع.

فاض العطاء اللبناني إبداعاً في الأدب والصحافة والمسرح والموسيقى والغناء، وغمر جداول البلاد العربية، عبر العقود الممتدة. لبنان الحقل الذي تطير له بذور الإبداع الفارة من حبال الخنق أو الاختناق في أوطانها. نسيم الحرية كان هو الفصول الأربعة، وفي مساحته الصغيرة، اتسعت رحاب الأفكار. في أرضه يلتقي المختصمون العرب، يكتبون ويقولون، وفي لياليه يتحلقون حول موائد ما لذ من الطعام، وما راق من الشراب. تتحول لغة الخصام إلى قفشات ونكات وضحكات، وتصير كلمات السياسيين والصحافيين والمثقفين المؤدلجة، أنغام سمر تحيي العجائز، وتنعش الشباب. الأنظمة السياسية العربية تحوَّل كثير منها إلى لاجئ فكري وسياسي، في أرض لبنان، عبر مصطفين محليين في تنظيمات سياسية، ووسائل إعلام تعرض بضائع لاجئة، في خندق الحرية الفسيح لبنان. للمكان عبقريته التي تقدم دون توقف الإبداع، وتهب الجديد في الأدب والفن والفكر، وفي الموسيقى والسينما والغناء. في القارة الأفريقية، أينما حللتَ تجد لبنان عِلماً وثقافة وتجارة وطبّاً، وعن الأميركتين حدث ولا تسكت. قادة سياسيون، ورجال أعمال كبار وصغار، ومبدعون في كل مجال. لقد أهدت هذه المساحة الصغيرة العالم كلّ ما هو جميل. لبنان ينبوع معانٍ وإبداع وأغنية حب وطرب؛ قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي تغنى فيها بمدينة زحلة اللبنانية، التي عشقها وهي تطل بروعتها على وادي العرايش، رسم فيها بحرارة هيامه، وفرحة لغته، رسم فيها لوحة بألوان الزمن الجميل. مَن يستطيع أن يقاوم جبل الجمال، الذي ترفرف في عليائه شجرة الأرز؟ تغزَّل أحمد شوقي في زحلة التي أسرته بلا حدود، فقال:

يا جارة الوادي طربتُ وعادني

ما يشبه الأحلام من ذكراكِ

مثلتُ في الذكرى هواكِ وفي الكرى

والذكريات صدى السنين الحاكي

ضحكت إليَّ وجوهها وعيونها

ووجدتُ في أنفاسها ريَّاكِ

لم أدرِ ما طيب العناقِ على الهوى

حتى ترفَّق ساعدي فطواكِ

كان أمير الشعراء أحمد شوقي عاشقاً لزحلة.

في إحدى زيارته لها، كان برفقته الكاتب فكري أباظة، والموسيقار المطرب الكبير محمد عبد الوهاب، فكتب قصيدته الخالدة في عشق زحلة. وعندما ألقى شوقي القصيدة على مرافقيه، هلَّل محمد عبد الوهاب، وقال لشوقي: «هذه القصيدة نبعت منك كي تُغنى». لحنها عبد الوهاب وغناها، ثم غنتها فيروز، ونور الهدى، والمطرب المغربي عبد الهادي بلخياط. زحلة هي لبنان المعنى، والحب والتعايش والإبداع. فيها اجتمعت كل الألوان الدينية، تظللها شجرة الأرز المبدعة، وأوراقها تفوح بفرحة الفن والأدب والحب. هناك وُلِد سعيد عقل، الشاعر المفكر الذي أبدع قصيدته:

غنيتُ مكة أهلها الصيدا

والعيدُ يملأ أضلعي عيدا

فرحوا فلالاً تحت كلِّ سما

بيتٌ على بيت الهدى زِيدَا

يا قارئَ القرآن صلِّ لهم

أهلي هناك وطيب البيدا

هذا المبدع المسيحي الدين غنَّى لمكة البيت الحرام، وتغنَّى بها. سُئِل شيخ أزهري كبير: «هل تستمع للأغاني؟»، فأجاب: «لا أستمع إلا لفيروز». غنت فيروز المسيحية ما نظمه ابن زحلة في مناجاته لمكة، فأعطتها صوتاً روحياً مبتهلاً. من لبنان وفي لبنان، تعانقت الكلمات، وابتهلت الأصوات. من أحمد شوقي ومحمد عبد الوهاب، إلى سعيد عقل وفيروز. كان الزمن اللبناني العربي المسيحي الإسلامي مطرَّزاً بالحب والسلام والإبداع والحياة.

كيف تحولت ظلال شجرة الأرز، إلى دغل مظلم، وتحولت كلماته المترعة بالحب والحياة، وأنغامه الآسرة التي تروي الروح بموسيقى التعايش والعشق، إلى معزوفات رصاص، وصارت اللؤلؤة زحلة، تسمع وترى حفلات جنون القتل الفردي والجماعي؟ اندفع طوفان الطين الأحمر الإيديولوجي، وران على أرض الجمال لبنان؛ مرة بمدافع حشوها شعارات قومية، وأخرى بشعارات دينية. غرق مستطيل الحرية والإبداع والفرح، في مستنقع الموت والهروب واليأس. البحر الأبيض المتوسط، الذي حمل إلى الدنيا نتح شجرة الأرز، اختنقت نسائمه، وهو يرى ما حلَّ بمرافئ ما أبدع زمانه. لبنان كانت جارة وادي زماننا، وامتداد رحاب عقولنا وقلوبنا، صارت اليوم محفلاً لحروب كتائب جهلنا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: عبد الوهاب أحمد شوقی

إقرأ أيضاً:

استفزازات المستوطنين مستمرة بالقدس المحتلة.. اقتحام باحات الأقصى

واصل المستوطنون الإسرائيليون استفزازاتهم ضد المقدسات في القدس المحتلة، من خلال اقتحامات متكررة لحرمة المسجد الأقصى المبارك، تحت حماية قوات الشرطة الإسرائيلية، بالإضافة إلى اعتداءاتهم على ممتلكات الفلسطينيين.      

وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية وفا، كشفت من جانبها، تفاصيل اقتحام المستوطنون لباحات المسجد الأقصى المبارك، وقالت إن العشرات اقتحموا باحات المسجد المبارك، ونقلت عن شهود عيان، قولهم إن الاقتحام جاء على شكل مجموعات.

وسائل إعلام فلسطينية، قالت في وقت سابق، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي، شددت قيودها على دخول المصلين الفلسطينيين للمسجد الأقصى المبارك، وتدقق في هوياتهم الشخصية، كما احتجزت بعضها عند بواباته الخارجية.

تأدية طقوس تلمودية في باحات الأقصى

شهود عيان، أشاروا لوكالة وفا الفلسطينية، إلى تنفيذ المقتحمين، جولات استفزازية في باحات المسجد الأقصى المبارك، وأدوا طقوسا تلمودية، بحماية قوات من شرطة الاحتلال الإسرائيلي.

 استفزازات المستوطنون، لم تتوقف فقط على اقتحام باحاتالمسجد الأقصى المبارك، بل شملت ممتلكات الفلسطينيين، وأشجار الزيتون. هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، من جانبها، قالت في تقرير حول اعتداءات المستوطنون على الفلسطينيين في يناير الماضي، إن إن اعتداءات المستوطنون بلغت 375 اعتداء، وتركزت في محافظة رام الله والبيرة بواقع 105 اعتداءات، ونابلس 76 اعتداء والخليل 55 وقلقيلية 31 اعتداء. الهيئة الفلسطينية، أضافت أن المستوطنين نفذوا 318 عملية تخريب وسرقة لممتلكات الفلسطينيين، وفق لـوفا، طالت مساحات واسعة من الأراضي.

مستوطنون يقتلعون 960 شجرة زيتون من الضفة الغربية المحتلة

اعتداءات المستوطنون، وفق لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية، تسببت باقتلاع 969 شجرة منها 960 شجرة زيتون، 350 منها في محافظة الخليل، و328 في بيت لحم، و160 في سلفيت، و100 في نابلس و31 في رام الله.

مقالات مشابهة

  • أشجار اللوز في الباحة ..جمال طبيعي يجذب السياح والزائرين
  • توقيع 4 عقود استثمارية لإنشاء مدن زراعية في جنوب السعودية
  • من الظالم والمظلوم؟.. أحمد عيد عبد الملك VS شوقي غريب مع غزل المحلة في الدوري.. هل ينتشل بابافسيليو زعيم الدلتا من حافة الهاوية؟
  • شركة طلابية تنجح في تحويل شجرة المسكيت إلى خشب عالي الجودة
  • شركة طلابية تنجح في تحويل شجرة المسكيت إلى خشب عالي الجودة .. عاجل
  • ناهد السباعي: هبة رجل الغراب أكثر أعمالي نجاحا.. وأعمال فريد شوقي غيرت قوانين
  • انتحار شاب شنقا في شجرة بأرض زراعية بالفيوم
  • مأساة في الفيوم.. شاب يشنق نفسه على شجرة داخل أرض زراعية
  • انتحار شاب شنقا فى شجرة بأرض زراعية بالفيوم
  • استفزازات المستوطنين مستمرة بالقدس المحتلة.. اقتحام باحات الأقصى