لجريدة عمان:
2024-10-12@19:30:02 GMT

في الحوار وتغييبه

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

عادة ما يقف غياب الحوار وراء كل الاضطرابات التي تعصف بالعلاقات سواء الإنسانية أو تلك التي تقوم بين الكيانات السياسية ففقدان التواصل كفيل بصنع الأزمات وتضخيمها بل وإحالتها إلى إشكالات عميقة تُكلف حلحلتها أثمانًا باهظة.

ولا يعنينا هنا الحديث عما يترتب على تعذر الحوار بين الدول فذاك أمره متروك للساسة وتحكمه قواعد منظِمة ومصالح معقدة رغم أنه سبب كل المآسي التي يُعاني منها عالم اليوم إنما يهمنا دور الحوار في تعميق الروابط الأسرية بصفته أداة لنقل وتصحيح الأفكار وتحقيق أهداف التربية الصحيحة.

ويعود افتقاد الحوار بين أفراد الأسرة الصغيرة إلى أسباب اجتماعية كثيرة أهمها على الإطلاق عدم الإيمان بمبدأ الحوار استنادًا إلى «العُرف» حيث لا ينبغي للابن أو الابنة أن يطرحا وجهة نظر مختلفة أو أن يُعارضا فكرة مطروحة من منطلق الاحترام المطلق للأكبر سنًا.. كما لا يجب أن يجاوز دور الزوجة حاجز الطاعة وتنفيذ الأوامر حتى وإن تم الاستماع إلى رأيها فيكون ذلك من باب «شاورها وخالفها» كما يقول المثل الغريب الشائع.

ولأن الهُوة بين أفراد الأسرة تتسع يومًا بعد يوم نتيجة تغييب النقاش البنّاء والمسؤول وبداعي الانشغالات الفعلية أو الانشغالات المُتوهمة إضافة تأثير وسائل الإعلام والاتصال ومنصات التواصل الاجتماعي اهتزت العلاقات وظهرت الكثير من المعضلات النفسية والاجتماعية التي غالبًا ما يسقط بين براثنها المراهقين والشباب.

إن ضعف أو انعدام الحوار مع الأبناء مثلًا قد يقف وراء ضعف التحصيل العلمي والعُزلة والانطوائية والعدوانية والتسرب من المدارس وحتى السقوط في عالم الإدمان والانحراف السلوكي والأخلاقي مشكلات كان من الممكن ألا تظهر لو توفرت الأجواء الأسرية الصحية المؤسسة على قواعد من الإنصات الجيد والتعاطي المُتزن مع الآراء المُخالفة واعتبار الاستماع أداة تأسيس للثقة بالنفس قبل الاضطرار للجوء إليها كوسيلة للتقويم والإصلاح.

يُدهشني الحوار الذي دار بين الله سبحانه وتعالى وسيدنا موسى عليه السلام في الآيات « ١٧ ـــ ٢١ « من سورة « طه « عندما يسأل جل وعلا نبيه قائلًا: وما تلك بيمينك يا موسى ؟ قال: هي عصاي أتوكأ عليها وأهُش بها على غنمي ولي فيها مآرب أُخرى، قال: ألقها يا موسى، فألقاها فإذا هي حية تسعى، قال: خذها ولا تخف سنُعيدها سيرتها الأولى».

كنت أتساءل دائما: لماذا لم يأمر الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى دون مقدمات بالذهاب إلى عدوهما فرعون ودعوته للتوحيد؟ لماذا يطرح عليه كل تلك الأسئلة وهو يعلم إجاباتها ويعلم كل شاردة وواردة تحدث في السماوات والأرض؟ إلى أن استنتجت أنه يُعلمنا سبحانه كيف ندير الحوار مع الآخر وما هو وقع الأسلوب المتزن الذي لا يرتكز عدم إظهار التفوق والاستعلاء واستعراض المعرفة إنما الاحتواء.. كيف يمكن للنقاش الهادئ أن يكون أداة إقناع يمكن من خلاله التأثير الإيجابي المنشود.

النقطة الأخيرة..

يُخلف الاستبداد بالرأي نتائج كارثية، ليس أقلها من تصرم الوشائج بين البشر، وفقدان البوصلة، ثم انهيار الأداء بالنسبة للمؤسسات بمختلف تصنيفاتها ونشاطاتها

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«وثيقة الحوار الوطنى».. فرصة ذهبية، هل تضيع!!؟

بلا شك أن الحوار الوطنى بعكس حالة غير مسبوقة من التوازن والتنوع نحو أهم القضايا التى تهم المواطن والوطن، هدفها الاختلاف من أجل الوطن وليس الاختلاف عليه، من أجل خلق حياة سياسية أكثر تنوعا، لكن جوهر القضايا والتحديات الوطنية تظل على حالها طالما لم تمتد يد التغيير إليها عبر حوارات مسئولة، وقرارات تترجم ما يتم الاتفاق عليه بين أطراف أى حوار إلى واقع ملموس وقرارات وحلول، بل قوانين وتشريعات، وهذا هو الهدف الاول والاخير من وثيقة «الحوار الوطنى» وإلا سيتحول إلى جلسة ثرثرة لا تقدم ولا تؤخر، فى ظل تساؤلات لدى البعض عن جدوى الحوار نفسه! واهتمام القيادة السياسية بتلك التجربة الوطنية كونها منصة مهمة لمناقشة التحديات التى تواجه الدولة المصرية. 

ومن المستحيل أن ننسج أحلاما وردية لدولة ديمقراطية تقوم على التعددية الحزبية ومظاهر وممارسات تؤسس بنود الحريات إلا إذا كانت تتمتع باقتصاد قومى قوى، يتوافق مع واقع سياسى ناضج وملموس وسط أجواء صحية لنظام يتحدى كل معوقات «الحكم الرشيد»، وإرداة وواقع لإصلاح سياسى واقتصادى شامل كليهما يكمل بعضه البعض.

تبدأ بحزمة من الإجراءات على رأسها تنشيط الحياة السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدنى وتفعيل مواد الدستور المتعلقة بالحريات العامة، واحترام مبادئ الفصل بين السلطات، وتداول السلطة، وضمان المشاركة الشعبية فى صنع القرارت السياسية، وإصلاح سياسى شامل لقانون الانتخابات بدءا من القاع، وعملية إعادة تدوير قانون المحليات.. وطرد المواد سيئة السمعة فى قانون إجراءات سير المنظومة الانتخابية، وهو العملية الأدق والأصعب والأهم فى مشوارنا الوطنى نحو هدف استكمال بناء الدولة الحديثة المدنية الديمقراطية خاصة ونحن بصدد انتخابات برلمانية فى الغرفتين ليست بعيدة، ترسخت دعائمها وتأسيس جمهورية جديدة ولدت من رحم مبادئ ومنطلقات ثورة الشعب فى ٣٠ يونيو ومبادئ وقيم سامية فى ثورة ٢٥ يناير. 

ويبدأ الاصلاح السياسى الحقيقى بفتح مجالات أوسع لمنابر الرأى والرأى الآخر وتوسيع قاعدة الحريات وإطلاق العنان نحو «كلمة الحق» وتنظيم مناظرات شبابية جادة لكلا النوعين للجندر وفق أطر تنظيمية بإرداة حرة بمساعدة أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية ومن جهة أخرى صدور قرارات متتالية بالإفراج عن أعداد من الشباب المحبوسين على ذمة قضايا سياسية بموجب عفو رئاسى وهى القضية التى أثارت جدلا فى الأوساط الحقوقية والشعبية. وإتاحة الفرصة لهم بتقليد مناصب فى المجال العام مثل توسيع قاعدة نواب المحافظين والوزراء وبشكل منظم تحت مبدأ تكافؤ الفرص، وتشجيع ميلاد كيانات تخض الفئات المهمشة خاصة المرأة والشباب... وبلا شك أن أولى وأهم خطوات الاصلاح تبدأ بإصلاح سياسى جاد، والتوصل لقوانين عادلة واضحة وسليمة تلاقى استحسان وقبول رجل الشارع، وتوافقت عليها كافة الأطراف السياسية والشعبية التى تتمتع بحقها الدستورى وبقوة القانون ويسمح بإجراء انتخابات تنافسية حقيقية تضمن مشاركة واسعة للمواطن، وتطوير العلاقة بين مجلس النواب بغرفتيه ورجل الشارع بحيث أن يكون علاقة تناغمية معبرة عن نبض بعيد عن حسابات المصالح وأباطرة النفوذ السياسى والمالى وتشريعات تخدم التعددية الحزبية. 

قضايا الأمن القومى المرتبطة بالقضايا الخارجية وما يحدث فى المنطقة، حيث إن السياسة الخارجية كانت غير متاحة للنقاش فى بداية الحوار الوطنى وحتى أيام، باغتيال الأمين العام لحزب الله اللبنانى حسن نصر الله، دخل المنطقة مرحلة جديدة من التصعيد السياسى والعسكرى، مما قد يترك تداعيات عميقة على السياسات الداخلية للدول وتحالفاتها، اللهم أدى إلى تحولات جذرية فى المشهد السياسى والعسكرى والأمنى للمنطقة، أعاد تشكيل خريطة الصراعات الإقليمية والتحالفات، هذه التطورات منعطف جديد يعيد ترتيب المشهد السياسى فى منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب القوى التى تدعم التطبيع مع إسرائيل من جهة وتحالفات إيران من جهة أخرى وحربها مع إسرائيل والدول الصديقة لها.

الأمر الذى يفرض أجندة جديدة على طاولة الحوار الوطنى، لمناقشة التهديدات الخارجية والاضطرابات والحروب المحيطة بالحدود والجوار، والحرص على أمن البلاد ومناقشة المخاطر المحيطة واقتراح سياسات فريدة من نوعها للتعامل مع تلك التهديدات. 

 

رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية 

‏[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • انطلاق مؤتمر الحوار الوطني في بيروت تحت عنوان "دفاعًا عن لبنان"
  • أزهرى: غياب المادة الدينية سبب الإلحاد
  • الغيرة والغباء والغرور .. موافى يحذر من هذه الصفات
  • التواضع في القرآن الكريم.. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
  • كيف نظر الإسلام لبِرِّ الأبوين في كِبرهما؟.. الأزهر للفتوى يجيب
  • «وثيقة الحوار الوطنى».. فرصة ذهبية، هل تضيع!!؟
  • حديث المصطبة إلى الحوار الوطنى
  • يا وريث المجد: كفكف دمعك وارفع رأسك
  • أستاذ بجامعة الأزهر يشرح دوافع الإلحاد وأنواعه: صديق للجهل