أحاديث عن السياسة.. الحصافة
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"إن النفس البشرية وقت الحرب هي نفس شريرة لا تتردد عن الأعمال القبيحة، ولا تراعي أي قيم للعدالة والإنسانية ولا كابح للعواطف لديها" ثيوسيديدس، كتاب "تاريخ الحروب البلوبونيزية".
***********
أولا وقبل الدخول في الحيثيات المتشابكة للمقال، قد تسألني ما الحصافة؟ الحصافة ياعزيزي هي جودة الرأي واستحكامه، أي أن الإنسان العاقل تفترض فيه الحصافة، وللحصافة أيضا معانٍ عدة منها الرزانة والإتزان، وعندما نتحدث عن السياسة وعوالمها ومحطاتها لا بُد هنا أن يكون السياسي حصيفا رزينا، ذا كياسة وفطنة، وتفكير عميق فارق، ونظرة بعيدة المدى، إلى هنا هل تحدثنا عن السياسة، لا ياسيدي مازلنا في أول المشوار!
تابع ما يجري في الساحات الدولية والإقليمية، وضع مقياسا للحصافة لقادة هذه المجريات، صدقني بعد تدقيق بسيط ستجد أحكامك جاهزة، هذا إن افترضنا أنك حكم نزيه وأمين مع الحقيقة.
مستلزمات الرحلة السياسة لأي قائد سياسي بأي منصب سياسي حتى لو قيادة حزب صغير، هي أن يتمتع بالحصافة التي تُنير له طريق المصلحة، ويستطيع خلالها إدارة الصراع (إن وجد) بالحصافة المطلوبة والإتزان الواقعي، كيف يتعامل مع الحلفاء، مع الأعداء، مع المتربصين، مع المناوئين، هل لديه طاقم استشاري كفء يعينه ويمهد له طرق الدبلوماسية للسير قدما في تحقيق سياساته ومخططاته بحصافة؟
مستلزمات الظروف تحتاج سياسيا يدركها، ومستجدات الأوضاع في ضوء ما يحدث تستحق سياسيا يتناغم معها ويؤقلمها لصالحه، فالسياسة التي ليس بها توازن وذكاء ودهاء لا تحقق سلما، ولاتنجي من الحرب!
في السياسة غالباً، قل لي من مستشارك أقل لك من أنت!
في الدول ذات المشاركة السياسية الشعبية يوجد غالبا ما يسمى بمجموعات الضغط، وهي مجموعة يتفق أعضاؤها على هدف سياسي أو مصلحة معينة، وبالعادة تتكون لأجل هدف مؤقت، تنفرط بعده عراها، وكثيرا ما تتكون هذه المجموعات من ذوي نفوذ سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، فتمارس مثل هذه المجموعات الضغط على الحكومة المستهدفة بغية الحصول على المنافع المطلوبة، وحتى نضع النقاط فوق السطور كثير ممن يلعب أدوارا في مثل هذه المجموعات يفتقر للمبدأ، وتحكمه المنفعة الآنية، لذلك نجد كثيرا ما يتم تفكيك أو اختراق هذه المجموعات خاصة عندما يتم اللعب معها وفق خذ وهات، وتحت مبادئ مصلحية تتم من خلالها استقطابات، وتوازنات، هنا ستجد اللعب وإمكانياته، والأوراق وتفاعلها في الاستخدام، ويبرز هنا اللاعب الذكي الذي يقود مباراة السياسة وفق حذافيره، ويفرض أسلوبه، ويسجل أهدافه بمرونة، ليحقق مراد سياساته، ويعزز مواقفه في خضم الساحة السياسية. في مثل هذه الأحوال يحتاج السياسي لمستشارين ذوي نظرة ثاقبة، وخطة فارقة.
اقرأ التاريخ وستجد عشرات الأحداث التي لولا حصافة قادتها لما نجحوا وحققوا الأهداف، ولاتنسى انتهت الحرب الباردة بلا حرب، وتذكر أحداثا عديدة في ظاهرها بين عنصر 1 وعنصر 2، لكنها في الحقيقة بين عنصرين بعيدين عن ساحة المعركة، لكنهما يتحكمان بخيوط اللعبة، ويديرانها من خلف الستار، وإن كان غالباً ستارا شفافا!
يقول الشاعر الأمير تركي بن حميد:
من لا يدوس الراي من قبل ما ديس
عليه داسوه العيال القرومي..
ومن لا يقلطّ شذرة السيف والكيس
تبدا عليه من الليالي ثلومي..
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كاتب هندي: إبادة غزة حولتنا لشهود قسريين على بشاعة السياسة
تناول الكاتب إيتاي ملاخ في مقال نشره موقع "همكوم" الإسرائيلي كتابا جديدا للمفكر والروائي الهندي بانكاج ميشرا بعنوان "العالم بعد غزة: تاريخ"، يرى فيه أن تجاهل الغرب لمعاناة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية يتكرر اليوم من خلال موقفه من إبادة الفلسطينيين في غزة.
واعتبر ملاخ أن الكتاب يتضمن أيديولوجية منظمة في معظم فصوله، لكنه يميل في الغالب إلى السطحية والتبسيط ولا يمكن أن يكون كتاب تاريخ بما في الكلمة من معنى.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايمز: جاسوس روسي خطط لتفجير طرد مفخخ بطائرة متجهة لأميركاlist 2 of 2غدعون ليفي: بسبب غزة هذا ما يخطر ببالي الآن عندما تدوي صفارة الإنذارend of list غيتو وارسوويذكر الكاتب أن ميشرا يفتتح كتابه بالإشارة إلى تمرد غيتو وارسو في أبريل/نيسان 1943، والذي عرف منظّموه أنه محكوم عليه بالفشل منذ بدايته لكنهم لم يتراجعوا.
وقد لخص مارك إدلمان، أحد الناجين من المذبحة التي حصلت بعد ذلك التمرد، الوضع قائلا: "لم نرغب بأن يذبحنا النازيون بصمت، أردنا فقط اختيار طريقة موتنا بأنفسنا".
أما الشاعر البولندي تشيسواف ميلوش، الذي سمع من شرفة منزله في ضواحي وارسو صرخات المذبحة، فقد وصف تلك الليلة الربيعية قائلا: "كانت صرخات بشر يُذبحون.. شعرنا بالخزي، فلم نستطع النظر في أعين بعضنا البعض".
غزة هي غرنيكا عصرنا
ويؤكد ميشرا في كتابه أن "إبادة غزة على يد إسرائيل" حولت الملايين إلى "شهود قسريين على شرور السياسة"، ويُقارن المشاهد التي يشاهدها العالم في غزة، مثل صورة الأب الذي يحمل جثة طفله مقطوعة الرأس، بأثر لوحة "غرنيكا" الشهيرة للرسام الإسباني بيكاسو.
إعلانويشير ميشرا إلى أن الغرب، بدلا من أن يرى في الهولوكوست حافزا لمكافحة الشر بجميع أشكاله، حوله إلى التزام أخلاقي بمحاباة اليهود ومحاربة معاداة السامية، متجاهلا كل المآسي الأخرى في العالم.
ويضيف ميشرا أن الاعتقاد بأن الغرب بعد 1945 أصبح ملتزما بحقوق الإنسان ليس إلا وهما، فحتى أثناء الهولوكوست لم يحرك الغرب ساكنا، وكثيرا ما رفض استقبال الناجين، وسرعان ما تصالح مع ألمانيا ونسي إرثها النازي، لأنها وقفت إلى جانبه في مواجهة الاتحاد السوفياتي.
زيف التفوق الغربي
يتابع ملاخ تحليل الكتاب، موضحا أن ميشرا يعتقد أن الفهم الغربي للهولوكوست سطحي، إذ يتم استخدام شعار "لن يتكرر مجددا" كذريعة تدعم التفوق الأخلاقي الغربي المزعوم، دون أن يُترجم ذلك إلى أفعال حقيقية عندما تحدث مآسٍ مشابهة.
ويعتقد الكاتب الهندي أن الغرب لا يرى في المجازر الحالية في غزة تهديدا حقيقيا لضميره، بل يميل إلى تبريرها بحجج سياسية، مضيفا أن غزة تقوّض الفرضية المشتركة بين التقاليد الدينية والعقلانية التنويرية بأن "الإنسان أخلاقي بطبعه".
فالتجاهل الغربي لما يحدث في غزة يفضح -حسب تعبيره- خواء هذه الفرضية، ويكشف زيف نظام دولي يدّعي الارتكاز على مبادئ إنسانية.
ميشرا: المجازر الإسرائيلية الآن قريبة من أهوال الهولوكوست، من خلال تجريد سكان غزة من إنسانيتهم، وتصويرهم كمصدر للشر المطلق، والتصريحات الإسرائيلية التي تكشف نوايا الإبادة، واستهداف المدنيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من القتلى، والتصاعد غير المسبوق في وتيرة القتل، ومنع الغذاء والدواء، والدمار الواسع الذي "يتجاوز نسبيا ما ألحقته قوات الحلفاء بألمانيا في الحرب العالمية الثانية من أضرار".
دلائل الفظاعة القصوىيعدّد ميشرا ما يعتبره دلائل على اقتراب المجازر الإسرائيلية من أهوال الهولوكوست، من خلال تجريد سكان غزة من إنسانيتهم، وتصويرهم كمصدر للشر المطلق، والتصريحات الإسرائيلية التي تكشف نوايا الإبادة، واستهداف المدنيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من القتلى، والتصاعد غير المسبوق في وتيرة القتل، ومنع الغذاء والدواء، والدمار الواسع الذي "يتجاوز نسبيا ما ألحقته قوات الحلفاء بألمانيا في الحرب العالمية الثانية من أضرار".
ويرى ميشرا أن مجازر 7 أكتوبر/تشرين الأول أرعبت كثيرا من الإسرائيليين، وجعلتهم يخافون من تكرار الهولوكوست، لكن القيادة الإسرائيلية التي يصفها بـ"الأكثر تطرفا في التاريخ"، استغلت تلك المشاعر في حملة عسكرية تجاوزت بكثير حدود الدفاع عن النفس، والهدف -حسب تعبير المؤرخ عمر برتوف- هو "جعل غزة غير صالحة للحياة وإضعاف سكانها، حتى يموتوا أو يفرّوا".
الهدف هو جعل غزة غير صالحة للحياة وإضعاف سكانها حتى يموتوا أو يفرّوا
تبرير المذابحويتابع ملاخ بأن كتاب "ما بعد غزة" يربط بين الهولوكوست وما يجري في غزة حاليا من خلال السلبية الغربية في الحالتين، حيث يميل الغرب اليوم إلى تبرير الجرائم الإسرائيلية من خلال إلقاء اللوم الكامل على الفلسطينيين بسبب أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويتجاهل مسؤولية إسرائيل عن حجم العنف والدمار.
إعلانوأورد الكاتب في هذا السياق ما ذكره الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، عندما سُئل عن غزة في إحدى المناسبات، عندما ركّز على "فظائع" نُسبت لحماس -بعضها دون دلائل قاطعة- متجاهلا ما يحدث للفلسطينيين. كما قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في أحد تصريحاته إن "من حق إسرائيل قطع الكهرباء والماء عن الفلسطينيين".
ويرى ميشرا أن وسائل الإعلام والمثقفين، والمؤسسات التعليمية وحتى رجال المال والأعمال في الغرب، جميعهم مسؤولون بدرجات متفاوتة عن التطبيع من العنف الإسرائيلي، وتبرئة إسرائيل وإسكات منتقديها.
وهم حقوق الإنسانفي خاتمة الكتاب، يطرح ميشرا السؤال التالي: لماذا يُقصي الغرب الفلسطينيين من قائمة الإنسانية والعدالة، في حين أنه يحتضن الأوكرانيين الفارين من الحرب التي تشنها روسيا؟
ويرى الكاتب الهندي أن الغرب كان بإمكانه كبح جماح إسرائيل دون أن يهمل محاسبة مرتكبي جرائم 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنه لم يفعل، تماما كما لم يفعل شيئا خلال الهولوكوست، مستنتجا في الأخير أن النظام الليبرالي العالمي القائم على حقوق الإنسان لم يكن إلا وهما.