لجريدة عمان:
2025-01-11@05:47:55 GMT

الشخصية السياسية في ذاكرة الناس

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

على مدى العقود الأخيرة كان التلفاز النافذةَ التقليدية التي تدخل منها الوجوه والأسماء المشهورة إلى ذاكرتنا الشخصية والعائلية. وفي تلك الشاشة برزت شخصيات مهمة أصبحت فيما بعد جزءا من الذاكرة الجمعية لشعوبٍ بأسرها. هكذا كانت تتشكل علاقتنا الخاصة بنجوم الفن والرياضة، وبالطريقةِ نفسها، عبر الإعلام نفسه، كنا نستضيف زعماء العالم ورموزه السياسيين في بيوتنا.

ولذا تبدو علاقتنا بالشخصية السياسية بوصفها «رمزا» علاقة معقدة، يختلط فيها الشخصي بالعام، والواقعي بالأسطوري، كما تشتبك في سيرتها آمال مرحلة كاملة من حياتنا السياسية وخيباتها.

بالظهور على وسائل الإعلام بين الحين والآخر، ومن خلال خطابهم الموجه لنا، أو لغيرنا، يسعى القادة السياسيون لصناعة صورتهم وحجز أماكنهم في ذاكرة الناس.

غير أن قوة حضورهم الإعلامي تبقى مستمدة من السلطة التي يمتلكونها على الأرض؛ أي قدرتهم على التغيير والتأثير فيما أحب أن أسميه بـ «لعبة الواقع». أما في الدول القائمة على سلطة الأفراد أكثر من سلطة المؤسسات، فيمكن وصف اللاعبين السياسيين فيها بأنهم فئة قليلة من الناس مسؤولة عن إدارة مجريات الواقع العام وتحديد ملامحه السياسية والاقتصادية. ولا غريب أن بعض القادة ما زالوا فاعلين في صميم حاضر شعوبهم حتى بعد سنوات طويلة من موتهم، فأخطاؤُهم وهزائمهم التاريخية ما زلت مستمرةً في يوميات الناس، تماما كإنجازاتِهم. وربما أجد تكثيف هذه الحقيقة في سطر لريجيس دوبري، يقول: «لنتذكر أن مجتمعاتنا، إلى يومنا هذا، كانت واقعيا مكونةً من الأموات أكثر من الأحياء».

ولكن ما هو الأهم من ذلك؟ برأيي، هو الدور الحاسم للقادة السياسيين في صياغة الهوية الوطنية والقومية لشعوبهم، أو التدخُّل في إعادة هندسة الهوية وتعريفها. إنهم إذن فاعلون حتى في الشؤون الصغيرة والشخصية من حياة الناس، وحتى عند تعريف هوياتهم الفردية للآخرين. يمكن القول بكلمات أخرى: إن الرمز السياسي ليس مجرد ظاهرة فنية أو إعلامية يمكن إهمالها وتجاوزها كما يتجاوز المتفرج أيَّ فنان لا يروقه، فيقلب المحطة إلى أخرى بكبسة زر على جهاز التحكم. فسواء أُعجبنا بتلك الشخصية السياسية أم لم نعجب، ليس ذلك إلا تفصيلا أمام حقيقة أنها قد فرضت حضورها وصورتها في ذاكرتنا الجمعية، وأنها أصبحت مع الوقت رمزا لفكرة أو معنى ما، في وطن لا يمكن تعريفه إلا بمجموع الرموز التي تُمثله عبر التاريخ، حيث الوطن بحد ذاته رمز.

لكن الأجيال العربية الشابة تبدو اليوم أكثر ميلا لعدم الثقة بالشخصية الأبوية في السياسة. وربما لم يعش الشارع العربي، على اختلاف همومه وتطلعاته بين بلاد وأخرى، مرحلةً من غياب الرمز السياسي المُجمع عليه كما يعيش اليوم. ثمة تلاشٍ واضح لمركزية المثال الإيجابي (القدوة) الذي يستحق الالتفاف المطلق من حوله في الأزمات، بل يمكن القول: إن الثقافة السياسية الجديدة لدى الشباب تميل إلى الرفض المطلق لفكرة «القدوة» من الأساس. لا أدري إن كان ذلك يدل على تطور قدرتنا وحريتنا في النقد إلى هذا الحد، فلم نعد نرضى بأقل مما نستحق أم على أننا مثاليون أكثر مما يحتمل الواقع، فلم نعد نرضى بأقل مما نحلم! الملاحظ أن تحطيم الرموز ترافقه حالة من الطعن والتشكيك في كل الأيديولوجيات السياسية المطروحة... ثمة يأس عام من فكرة النموذج في كل شيء تقريبا، ورفض عام لكل سُلطات الواقع دون انحياز لأحد أو استثناء، على طريقة اللبنانيين واللبنانيات في أكتوبر 2020: «كلن يعني كلن»!

بالمقارنة الساذجة، تبدو الأجيال الأكبر وكأنها كانت تتمتع بطاقة ولاء عالية. فقد كان تبني النموذج والتمسك به مدخلا ضروريا للانخراط في السياسة، إلى الحد الذي تحولت معه الأيديولوجيا إلى قبيلة جديدة. أتذكر آباءَنا الذين استمعوا إلى عبد الناصر في المذياع فالتفوا حول صوته وصورته، وناصروه منتصرا ومهزوما، وساروا في جنازته الرمزية في عدة عواصم عربية. وحتى في الثمانينيات والتسعينيات، كان مناخ الولاء السياسي في العالم العربي حاشدا، وكان من السهل العثور على زعيم ثوري هنا أو شخصية وطنية هناك تستحق الولاء والتأييد، رغم كل الأخطاء والخطايا التي سرعان ما تتناساها الجماهير أمام سطوة الصورة العامة الممهورة بمعاني النضال والمقاومة والكرامة، أو معاني الإصلاح والتنمية وتطوير المؤسسات (وكأن النموذجين لا يلتقيان!).

تستوقفني آراء الناس وأحاديثهم عن زعيم سياسي معين، لا سيما بعد رحيله واكتمال حكايته بالموت. ففي موقف كهذا لا يصعب تمييز مجمل الآراء المتداولة بين فريقين متقابلين، فالناس غالبا ما بين موالٍ محب أو معارضٍ مُبغض، وما بين مشاعر الحب الجامح أو الكراهية الفائضة تغيب القراءة المتأنية والموضوعية في سيرة الشخصية ومسيرتها، بكل ما لها وما عليها. فهل من المنطقي حقا أن نُلخّص علاقتنا بالرمز السياسي التاريخي في إجابة عاطفية تتردد بين الحب أو عدم الحب؟ مبدئيا لا بأس من التذكير بأن صُنَّاع القرار ليسوا فنانين أو مؤلفي روايات أو لاعبي كرة قدم كي نختصر نظرتنا إليهم بمعايير الذوق أو الانطباع العاطفي. السياسيون ببساطة شديدة أشخاص قرروا الانخراط بالكامل في لعبة الواقع بكل ما فيها من تعقيد وتضاربٍ للمصالح، وربما تكون الشروط التاريخية قد فرضت على بعضهم أن يكون جزءا من صناعة مرحلة مهمة من عمر شعب أو أمة. والسياسة، كما قيل لنا دائما، حيث مفهوم الصواب والخطأ متغير باستمرار، وحيث لا مكان فيها للمثاليات التي نقرأ عنها في كتب الأساطير أو سير الأنبياء. وهنا تقتضي الموضوعية في تناول الشخصية السياسية العامة قدرا عاليا من التجريد العاطفي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشخصیة السیاسیة

إقرأ أيضاً:

الشباب في قارة أفريقيا.. قنبلة موقوتة تحتاج لمن ينزع فتيلها

نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، تقريرا، تحدّثت فيه عن الواقع الصعب الذي يعيشه الشباب الإفريقي، بسبب تجاهل قضاياه وعجز الحكومات عن تغيير واقعه، ما يجعله يفكر في الهجرة بحثا عن واقع أفضل، أو اللجوء إلى ما وصف بـ"حلول راديكالية لتحقيق مطالبه".

تساءلت المجلة في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، عمّا إذا كانت سنة 2025 ستضع حدا لمقولة "كن شابًا واصمت"، بما تحمله من أبعاد ثقافية واجتماعية خانقة فُرضت منذ زمن طويل على قارة يبلغ متوسط أعمار سكانها 19 سنة.

قنبلة موقوتة
اعتبرت المجلة أن ارتفاع معدلات التضخم وتدهور الأوضاع المعيشية وعجز الحكومات عن التخفيف من آثار تباطؤ النمو، شجع الشباب الإفريقي في 2024 على الخروج في حركات احتجاجية في كل من كينيا وأوغندا وغانا وأنغولا وكوت ديفوار، ولعب الشباب دورًا حاسمًا في انهيار نظام ماكي سال في السنغال.

وأضافت المجلة أنّ: "الأحزاب التي كانت تنتمي إلى حركات التحرر في جنوب القارة، مثل المؤتمر الوطني الأفريقي (جنوب إفريقيا) وجبهة تحرير موزمبيق (موزمبيق) والمنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (ناميبيا)، أصبحت تُتّهم بخيانة مبادئها بشكل يهدد استمرارها في الحكم".

وحسب المجلة، فإن حالة الاستياء الشعبي في الدول الإفريقية تغذيها معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب من حاملي الشهائد ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يشعرون بخيبة الأمل بسبب عدم تحقق أحلامهم وتطلعاتهم، ويرون أن السبب في واقعهم البائس هو سوء الحوكمة والإنفاق الحكومي غير الرشيد والفساد والتهميش وعدم المساواة وتجاهل الحكام لقضاياهم.

وفي السياق نفسه، تفيد بعض التقارير، أن الحكومات مطالبة بخلق 15 مليون وظيفة سنويًا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بينما لا يوجد سوى 4 ملايين وظيفة فقط لاستيعاب الخريجين الجدد.

وأوضحت المجلة أنّ: "العديد من قادة الدول الإفريقية أصبحوا يدركون أن هذه فئة الشباب باتت قنبلة موقوتة، لكنهم عاجزون عن نزع فتيلها، ويكتفون بتقديم وعود وإطلاق تصريحات لا تغير من الواقع شيئا".


الهروب من الواقع الصعب
أكدت المجلة أن توفير الكهرباء يعد من القضايا المحورية بالنسبة للشباب في إفريقيا، لأنها ضرورية لدعم النمو الاقتصادي، وهي ترمز إلى الفارق الشاسع بين الطموحات والواقع.

وأضافت أنه من المفترض أن تكون 2025 السنة التي يتمتع فيها 50 في المئة من سكان إفريقيا بالكهرباء بشكل ثابت. ولكن في ظل تزايد عدد السكان بشكل مستمر، سيظل أكثر من 700 مليون إفريقي هذه السنة دون خدمات كهرباء، مع ضعف الاستثمارات في الطاقات البديلة لتوفير الطاقة الكهربائية.

وحسب المجلة، فإن إفريقيا تعج بالشباب المبدع الذي يتحين الفرص لتحقيق طموحاته، لكن الواقع المتردي لا يشجع إلا على الهروب والهجرة بحثا عن آفاق أرحب.

كذلك، يسلّط أحدث "استطلاع لرأي الشباب في إفريقيا"، والذي تعدّه مؤسسة "إيشيكويتز" من خلال آراء جيل زد في حوالي خمسة عشر دولة إفريقية، الضوء، بشكل صارخ على الرغبة الجامحة في الهجرة.

ووفقا للاستطلاع، يخطط 3 من كل 5 شباب أفارقة للبحث عن فرص للهجرة في السنوات الثلاث المقبلة، خصوصًا في دول الساحل غرب إفريقيا.

وترى المجلة أن هذه الأرقام تُظهر أن الخطاب المعادي للغرب الذي انتهجته السلطات الانقلابية في تلك المنطقة لم يؤدِّ إلى أي تطور اقتصادي أو اجتماعي، والدليل هو أن عدد المهاجرين الذين وصلوا عبر البحر إلى جزر الكناري الإسبانية بين كانون الثاني/ يناير وحزيران/ يونيو 2024، ارتفع بنسبة 154 في المائة مقارنة بسنة 2023.


حلول راديكالية
اعتبرت المجلة أن الشجاعة والجرأة التي يتحلى بها الشباب الإفريقي عند اجتياز المسالك الصعبة في سبيل الهجرة يكشف عن حجم الخسائر التي تتكبدها القارة بعد مغادرة السكان الأكثر إنتاجية وطاقة.

وأكدت أنه يتعين على الحكومات الإفريقية تجاوز حالة الجمود السياسي والعمل بأقصى جهودها على وقف نزيف الهجرة الجماعية للشباب.

وأضافت أنه من بين 12 انتخابات رئيسية أُجريت في القارة سنة 2024، قد أسفرت واحدة فقط عن تغيير حقيقي على مستوى القيادة السياسية، حيث تم استبعاد أي محاولة لإعادة انتخاب القادة السابقين في الانتخابات السنغالية.

ورأت المجلة أن جميع المؤشرات تدل على أن الانتخابات التي ستُجرى في الكاميرون وكوت ديفوار خلال السنة الحالية، لن تسفر عن أي تغيير إذا ما قرر الرئيس الكاميروني بول بيا (91 عاما)، والإيفواري الحسن واتارا (83 عاما)، الترشح لولاية جديدة.

وقالت المجلة إنه: "بغض النظر عن نتائج الانتخابات، يتعين على أي فائز أن يدرك أن معظم الشباب يقاطعون الانتخابات، حيث تظهر الأرقام انخفاض معدلات التسجيل بين الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا".


وكما كان الحال في 2024، من غير المنتظر أن يلعب "جيل زد" دورا محوريا في استحقاقات 2025، لأنه يؤمن أن صناديق الاقتراع لم تعد الوسيلة الفعالة لتغيير مصيره. ويعتقد 64 في المئة من الشباب الذين شملهم "استطلاع رأي الشباب في إفريقيا" أن إحداث التغيير يتطلب تنفيذ احتجاجات غير سلمية.

وختمت المجلة بأن سنة 2025 ستكون حاسمة بالنسبة للطبقة السياسية الحاكمة في أرجاء القارة الإفريقية، إذ ستكون مطالبة بأن تولي أهمية كبيرة لقضايا الشباب قبل أن تختار هذه الفئة تغيير واقعها بأسلوب راديكالي.

مقالات مشابهة

  • المفتي: المقاصد الشرعية تهدف إلى تحقيق مصالح الإنسان
  • المفتي: الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان
  • خلال تكريمه بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية.. خالد النبوي يكشف عن الشخصية الفرعونية التي يتمنى تجسيدها
  • رصد إسرائيلي لمؤشرات حول تدهور الجيش نتيجة الحرب العبثية في غزة
  • الجوامع الكويتية.. ذاكرة حية لجماليات العمارة الإسلامية
  • عصارة الفكر القديم.. مواقف من الواقع وسجل حافل بالعبر
  • السيد القائد: جرائم الإبادة التي أرتكبها العدو الإسرائيلي في غزة بلغت أكثر من 4 آلاف مجزرة منها 30 مجزرة هذا الأسبوع
  • افكار بناءة لتغيير الواقع المأساوي في العراق المحتل
  • الشباب في قارة أفريقيا.. قنبلة موقوتة تحتاج لمن ينزع فتيلها
  • نهى عادل: دخل الربيع يضحك قريب من الواقع وبسيط