لجريدة عمان:
2025-02-21@11:11:59 GMT

الشخصية السياسية في ذاكرة الناس

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

على مدى العقود الأخيرة كان التلفاز النافذةَ التقليدية التي تدخل منها الوجوه والأسماء المشهورة إلى ذاكرتنا الشخصية والعائلية. وفي تلك الشاشة برزت شخصيات مهمة أصبحت فيما بعد جزءا من الذاكرة الجمعية لشعوبٍ بأسرها. هكذا كانت تتشكل علاقتنا الخاصة بنجوم الفن والرياضة، وبالطريقةِ نفسها، عبر الإعلام نفسه، كنا نستضيف زعماء العالم ورموزه السياسيين في بيوتنا.

ولذا تبدو علاقتنا بالشخصية السياسية بوصفها «رمزا» علاقة معقدة، يختلط فيها الشخصي بالعام، والواقعي بالأسطوري، كما تشتبك في سيرتها آمال مرحلة كاملة من حياتنا السياسية وخيباتها.

بالظهور على وسائل الإعلام بين الحين والآخر، ومن خلال خطابهم الموجه لنا، أو لغيرنا، يسعى القادة السياسيون لصناعة صورتهم وحجز أماكنهم في ذاكرة الناس.

غير أن قوة حضورهم الإعلامي تبقى مستمدة من السلطة التي يمتلكونها على الأرض؛ أي قدرتهم على التغيير والتأثير فيما أحب أن أسميه بـ «لعبة الواقع». أما في الدول القائمة على سلطة الأفراد أكثر من سلطة المؤسسات، فيمكن وصف اللاعبين السياسيين فيها بأنهم فئة قليلة من الناس مسؤولة عن إدارة مجريات الواقع العام وتحديد ملامحه السياسية والاقتصادية. ولا غريب أن بعض القادة ما زالوا فاعلين في صميم حاضر شعوبهم حتى بعد سنوات طويلة من موتهم، فأخطاؤُهم وهزائمهم التاريخية ما زلت مستمرةً في يوميات الناس، تماما كإنجازاتِهم. وربما أجد تكثيف هذه الحقيقة في سطر لريجيس دوبري، يقول: «لنتذكر أن مجتمعاتنا، إلى يومنا هذا، كانت واقعيا مكونةً من الأموات أكثر من الأحياء».

ولكن ما هو الأهم من ذلك؟ برأيي، هو الدور الحاسم للقادة السياسيين في صياغة الهوية الوطنية والقومية لشعوبهم، أو التدخُّل في إعادة هندسة الهوية وتعريفها. إنهم إذن فاعلون حتى في الشؤون الصغيرة والشخصية من حياة الناس، وحتى عند تعريف هوياتهم الفردية للآخرين. يمكن القول بكلمات أخرى: إن الرمز السياسي ليس مجرد ظاهرة فنية أو إعلامية يمكن إهمالها وتجاوزها كما يتجاوز المتفرج أيَّ فنان لا يروقه، فيقلب المحطة إلى أخرى بكبسة زر على جهاز التحكم. فسواء أُعجبنا بتلك الشخصية السياسية أم لم نعجب، ليس ذلك إلا تفصيلا أمام حقيقة أنها قد فرضت حضورها وصورتها في ذاكرتنا الجمعية، وأنها أصبحت مع الوقت رمزا لفكرة أو معنى ما، في وطن لا يمكن تعريفه إلا بمجموع الرموز التي تُمثله عبر التاريخ، حيث الوطن بحد ذاته رمز.

لكن الأجيال العربية الشابة تبدو اليوم أكثر ميلا لعدم الثقة بالشخصية الأبوية في السياسة. وربما لم يعش الشارع العربي، على اختلاف همومه وتطلعاته بين بلاد وأخرى، مرحلةً من غياب الرمز السياسي المُجمع عليه كما يعيش اليوم. ثمة تلاشٍ واضح لمركزية المثال الإيجابي (القدوة) الذي يستحق الالتفاف المطلق من حوله في الأزمات، بل يمكن القول: إن الثقافة السياسية الجديدة لدى الشباب تميل إلى الرفض المطلق لفكرة «القدوة» من الأساس. لا أدري إن كان ذلك يدل على تطور قدرتنا وحريتنا في النقد إلى هذا الحد، فلم نعد نرضى بأقل مما نستحق أم على أننا مثاليون أكثر مما يحتمل الواقع، فلم نعد نرضى بأقل مما نحلم! الملاحظ أن تحطيم الرموز ترافقه حالة من الطعن والتشكيك في كل الأيديولوجيات السياسية المطروحة... ثمة يأس عام من فكرة النموذج في كل شيء تقريبا، ورفض عام لكل سُلطات الواقع دون انحياز لأحد أو استثناء، على طريقة اللبنانيين واللبنانيات في أكتوبر 2020: «كلن يعني كلن»!

بالمقارنة الساذجة، تبدو الأجيال الأكبر وكأنها كانت تتمتع بطاقة ولاء عالية. فقد كان تبني النموذج والتمسك به مدخلا ضروريا للانخراط في السياسة، إلى الحد الذي تحولت معه الأيديولوجيا إلى قبيلة جديدة. أتذكر آباءَنا الذين استمعوا إلى عبد الناصر في المذياع فالتفوا حول صوته وصورته، وناصروه منتصرا ومهزوما، وساروا في جنازته الرمزية في عدة عواصم عربية. وحتى في الثمانينيات والتسعينيات، كان مناخ الولاء السياسي في العالم العربي حاشدا، وكان من السهل العثور على زعيم ثوري هنا أو شخصية وطنية هناك تستحق الولاء والتأييد، رغم كل الأخطاء والخطايا التي سرعان ما تتناساها الجماهير أمام سطوة الصورة العامة الممهورة بمعاني النضال والمقاومة والكرامة، أو معاني الإصلاح والتنمية وتطوير المؤسسات (وكأن النموذجين لا يلتقيان!).

تستوقفني آراء الناس وأحاديثهم عن زعيم سياسي معين، لا سيما بعد رحيله واكتمال حكايته بالموت. ففي موقف كهذا لا يصعب تمييز مجمل الآراء المتداولة بين فريقين متقابلين، فالناس غالبا ما بين موالٍ محب أو معارضٍ مُبغض، وما بين مشاعر الحب الجامح أو الكراهية الفائضة تغيب القراءة المتأنية والموضوعية في سيرة الشخصية ومسيرتها، بكل ما لها وما عليها. فهل من المنطقي حقا أن نُلخّص علاقتنا بالرمز السياسي التاريخي في إجابة عاطفية تتردد بين الحب أو عدم الحب؟ مبدئيا لا بأس من التذكير بأن صُنَّاع القرار ليسوا فنانين أو مؤلفي روايات أو لاعبي كرة قدم كي نختصر نظرتنا إليهم بمعايير الذوق أو الانطباع العاطفي. السياسيون ببساطة شديدة أشخاص قرروا الانخراط بالكامل في لعبة الواقع بكل ما فيها من تعقيد وتضاربٍ للمصالح، وربما تكون الشروط التاريخية قد فرضت على بعضهم أن يكون جزءا من صناعة مرحلة مهمة من عمر شعب أو أمة. والسياسة، كما قيل لنا دائما، حيث مفهوم الصواب والخطأ متغير باستمرار، وحيث لا مكان فيها للمثاليات التي نقرأ عنها في كتب الأساطير أو سير الأنبياء. وهنا تقتضي الموضوعية في تناول الشخصية السياسية العامة قدرا عاليا من التجريد العاطفي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشخصیة السیاسیة

إقرأ أيضاً:

أوروبا في مواجهة الواقع.. واشنطن تحولت إلى خصم

على مدى سنوات، راود القادة الأوروبيين هاجس تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، التي بدت منشغلة بقضايا أخرى. لكن في اجتماع طارئ بباريس، الاثنين، لم يعد الأمر مجرد قلق، بل واقع فرض نفسه، حيث بدأت واشنطن تتصرف كخصم أكثر منها كحليف.

من السابق لأوانه الحديث عن حقبة ما بعد أمريكا في القارة

وكتب مارك لاندلير في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تسوية سلمية في أوكرانيا، من دون دعوة الأوكرانيين أو الأوروبيين للمشاركة، أجبرت القادة الأوروبيين على مواجهة سلسلة من الخيارات الصعبة والمكلفة.

وحالياً، فإن احتمال قيام بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول أخرى بنشر عشرات الآلاف من القوات في أوكرانيا لحفظ السلام، مطروح على الطاولة، فيما تؤكد الحكومات الأوروبية حاجتها لزيادة كبيرة في موازناتها العسكرية.

????????Munich ’25 was a wake-up call. The US is no longer a reliable partner for Europe.
Hegseth betrayed Ukraine????????, suggesting it should cede land and drop NATO
VP Vance declared that Russia isn’t Europe’s main threat.
????Europe must act. And Georgia is the battlefield where we start pic.twitter.com/NtOVAiLgYQ

— Terje Helland (@terjehelland) February 17, 2025

وقال الأستاذ الفخري لدراسات الحرب في كلية كينغز كوليدج بلندن لورانس فريدمان: "الجميع متحمسون في الوقت الحاضر، وهذا أمر مفهوم...الأمر الواضح هو أنه مهما حدث، سيتعين على أوروبا أن تكثف جهودها".

وبينما لا يزال الدعم الشعبي لأوكرانيا قوياً في أنحاء أوروبا، فإن إلزام القوات بمهام يحتمل أن تكون خطرة على الأراضي الأوكرانية، قد يتحول سريعاً إلى عبء سياسي.

وتختلف التقديرات في شأن حجم قوة حفظ السلام، ولكن بموجب أي سيناريو، ستكون هذه المهمة مكلفة جداً على الموازنات الأوروبية.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي طرح للمرة الأولى فكرة إنشاء قوة لحفظ السلام العام الماضي، أصبح ضعيفاً سياسياً منذ خسارة حزبه الانتخابات برلمانية المبكرة في الصيف الماضي.

وقد لا تتمكن ألمانيا من تشكيل حكومة ائتلافية جديدة لأسابيع بعد الانتخابات التي ستجري في 23 فبراير (شباط).

والاثنين، رفض مستشارها أولاف شولتس الحديث عن قوات حفظ السلام، ووصفها بأنها "سابقة لأوانها تماماً" و"غير مناسبة إطلاقاً".

I hope Europe realises how we no longer have the ally we once did in the United States. This is the most blatant evidence of a seismic geopolitical realignment we have so far. Attacking Europe, coddling Russia.
For the UK, the focus must now be working towards CANZUK. https://t.co/eXKJvEfd9F

— ???? ???????????? ⸆⸉ (@crowningred) February 19, 2025

أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي لن يضطر إلى مواجهة الناخبين لمدة أربع سنوات، فقال إن بريطانيا منفتحة على "إرسال قوات إذا لزم الأمر".

لكن مسؤولين عسكريين سابقين قالوا إنه بعد سنوات من تخفيض الموازنة، فإن الجيش البريطاني ليس مجهزاً لقيادة مهمة واسعة النطاق وطويلة الأمد في أوكرانيا.

وصرح القائد السابق للجيش البريطاني ريتشارد دانات للبي بي سي: "بصراحة، ليست لدينا العدد ولا العدة".

وقدر أنه سيتعين على بريطانيا تقديم نحو 40 ألف جندي لقوة قوامها 100 ألف جندي.

حقبة ما بعد أمريكا

ويرى بعض القادة الأوروبيين، أن من السابق لأوانه الحديث عن حقبة ما بعد أمريكا في القارة.

وحذر شولتس ورئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك، الزعماء من مغبة تقويض التحالف عبر الأطلسي، مهما بلغت التوترات الحالية.

ومن الناحية العملية، فإن إرسال قوة لحفظ السلام سيكون أمراً صعباً من دون دعم لوجستي من الولايات المتحدة.

ترامب: أوكرانيا مسؤولة عن الغزو الروسي - موقع 24اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، أن أوكرانيا تتحمل مسؤولية الغزو الروسي الشامل الذي وقع قبل نحو 3 سنوات.

ويقول المحللون إن الضمانات الأمنية الأمريكية كانت حاسمة لجعل الأمر مقبولاً سياسياً في العواصم الأوروبية.

المظاة الأمنية

وقال فريدمان  إنه يعتقد أن كبار المسؤولين في إدارة ترامب مثل وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، قد فهموا تلك الحقائق وليسوا عازمين على سحب المظلة الأمنية الأمريكية من أوروبا.

وفي مؤتمر ميونيخ للأمن نهاية الأسبوع الماضي، تفاقم القلق عندما لم يستطع رئيس المؤتمر كريستوف هيوسجن، حبس دموعه وهو يلقي خطابه الختامي.
ولم تكن معاناته ناجمة عن الأخبار المفاجئة المتعلقة بالمكالمة الهاتفية التي أجراها ترامب مع بوتين، ولا بسبب رفض وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، بل كان ذلك رداً على الخطاب اللاذع الذي ألقاه نائب الرئيس الأمريكي جي. دي. فانس في المؤتمر، والذي حض فيه الأوروبيين على التوقف عن نبذ أحزاب اليمين المتطرف، واتهمهم بقمع حرية التعبير.

ويشبه البعض ما يحدث الآن، بالنهج الذي اتبعه ترامب في دبلوماسيته النووية مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، خلال فترة ولايته الأولى.

وفي لقاء كيم بسنغافورة، قدم ترامب تنازلاً قيماً وهو عدم إجراء المزيد من التدريبات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، من دون الحصول على مقابل، وتلاشت المفاوضات، ولم تتخلَ كوريا الشمالية عن ترسانتها النووية إلى الآن.

مقالات مشابهة

  • الفوضى وأثرها على الأمم
  • ترامب.. معتوه يرسم خريطة!!
  • وحدة الكنيسة بين الواقع والمرتجى
  • شاهد | ذاكرة المكان … حين تسبق العبرات العبارات
  • أرشيف ذاكرة ودور سياسي فعّال لمضافات الدروز بالسويداء
  • أوروبا في مواجهة الواقع.. واشنطن تحولت إلى خصم
  • لم يعد تقسيم السودان مجرد خيار لأي من الطرفين
  • نصح وإصلاح أم استهزاء وهدم
  • أمين الفتوى بدار الإفتاء: الربح من التطبيقات التي تعتمد على التفاعل الوهمي حرام
  • أمين الفتوى: الربح من التطبيقات التي تعتمد على التفاعل الوهمي حرام (فيديو)