لجريدة عمان:
2025-03-09@22:01:47 GMT

الروايات بين التأثر والتدوير

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

في مقدمة روايته «ذاكرة غانياتي الحزينات» اقتبس الروائي الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز المقطع التالي من رواية «الجميلات النائمات» للروائي الياباني ياسوناري كاواباتا: «ما كان يجب عليك أن تفعل شيئًا منافيًا للذوق، حذرت العجوز إيغوشي سيدة الخان. ما كان يجب عليك أن تضع إصبعك في فم المرأة النائمة أو تفعل شيئًا مشابهًا».

ومن قرأ رواية ماركيز يعرف تمامًا أنها في جوهرها تحية لرواية كاواباتا واعتراف بتأثيرها عليه، إذْ إن كلتا الروايتين تتناول قصة مُسنٍّ يتأمل حياته وعلاقاته بجميلات نائمات. استخدم ماركيز الإطار السردي نفسه ليعبّر عن مشاعر الحنين والفقد، لكن بطريقته الخاصة، مستعيرًا الأجواء الهادئة والعميقة من كاواباتا. أطرح هذا المثال لأنطلق منه إلى أن الروائيَّ قد يكرِّر أحيانًا متعمِّدًا فكرةً مطروقة سبقه إليها روائيٌّ آخر، ليس بقصد التدوير أو السطو على الفكرة، وإنما من باب التحية والاحترام، ويظل كل عمل من العملين مدموغًا بأسلوب كاتبه ولغته، كما أن الروائي المتأخر ينسب الفضل بطريقة ما إلى المتقدم.

لكن ماذا لو أن ماركيز نشر روايتَه دون ذلك الاقتباس من كاواباتا، ودون أن نعلم من كتاباته السردية الأخرى أنه وقع في غرام «الجميلات النائمات» قبل ثلاثين عاما من كتابتِه روايتَه المحاكية لها؛ وأنه حكى مرارًا قصة الجميلة التي نامت بجانبه طوال زمن رحلة الطائرة، التي ما إن حطت وباشر هو في إجراءات المطار حتى قدم نفسه لموظف الجوازات على أنه كاتب ياباني؟ لا شكّ أننا إنْ لم نتّهمه بانتحال فكرة كاواباتا حينئذ فإننا في الأقل سنرميه بـ«تدويرها»، ذلك أن «الجميلات النائمات» عملٌ تخييلي، أي من بنات أفكار كاواباتا، وكان ينبغي على ماركيز أن يُشير إليه. صحيح أن الفكرة في حد ذاتها لا تخضع لحقوق الملكية الفكرية، وأن طريقة معالجتها وتفاصيلها هي ما يمكن أن يخضع للنقد والمساءلة إذا كان هناك تشابه كبير بينها وبين فكرة سابقة، ولكن بعض الأفكار أضحت اليوم «ماركة مسجّلة» لكاتبها الأول، ولا يُمكن أن يستخدمها كاتب لاحق دون أن يثير تساؤلات، منها هذه الفكرة الفريدة للروائي الياباني (فكرة تأمل رجل عجوز لصبايا فاتنات نائمات)، ومنها أيضًا فكرة أن يصحو المرء من نومه ليجد نفسه تحوّل إلى حشرة، التي تُحيل مباشرة على كافكا، وفكرة المُرابي الذي يَشترط على المقترِض أن يقتطع قطعة من لحمه إن هو عجز عن سداد الدَين، التي يعرف الجميع أنها لشكسبير، وغيرها من الأفكار التي سبقنا إليها الروائيون والأدباء العظام.

هل ينطبق هذا على الروايات التي تمتح من التاريخ؟ أي تلك التي تتخذ من حقبة تاريخية معينة مسرحًا لأحداثها؟ هل على الروائي المتأخر أن يُشير إلى روايةٍ أو أكثر سبقتْه إلى تناول هذه الحدث التاريخي؟ مثلًا هل على الروائي العُماني محمد العجمي أن يشير في روايته «سرّ الموريسكي» إلى رواية «الموريسكي الأخير» للروائي المصري صبحي موسى، أو رواية «الموريسكي» للمغربي حسن أوريد، أو رواية «حصن التراب: حكاية عائلة موريسكية» للمصري أحمد عبداللطيف؟ في تصوري المبدئي لا تُمكن الإجابة إلا بالنفي؛ إذْ إن هذا النوع من الروايات يعتمد في العادة على قراءة معمقة لكتب التاريخ ووثائقه، ودراسة ما كُتِب من أبحاث عن الحقبة التاريخية المُتناوَلة في الرواية، بل وزيارة الأماكن التي وقعت فيها الأحداث، ومشاهدة أفلام وتسجيلات وثائقية، تتيح للروائي الاستناد إلى أحداث ووقائع تاريخية حدثتْ بالفعل وتوظيفها في النسيج العام لروايته الذي يعتمد في الأصل على خياله الروائي، وأضع تحت عبارة «خياله الروائي» هذه ألف خطّ أحمر، فهذا الخيال الذي ينسج الحكاية، ويوظِّف فيها تفاصيل من الحدث التاريخي، ويردم ما في هذا الحدث من فجوات، ويوجد شخصيات أخرى من نسج خياله لتساند الشخصيات المستلة من التاريخ، كل هذا هو ما يصنع فَرادة الرواية، وإذا اعتُديَ على هذا الخيال، أي ألا يكتفي الروائي المتأخِّر باقتباس تفاصيل تاريخية وقعت، بل يتجرأ أيضًا على أحداث أخرى صنعتْها مخيلة الروائي المتقدِّم، فإنه في هذه الحالة فقط يمكن اتهامه بالانتحال.

طرحتُ هذه المقارنة بين وجوب الإشارة إلى الرواية التخييلية عند الاستفادة منها، وعدم وجوب ذلك تجاه الرواية المقتبِسة أحداثها من التاريخ، توطئة للإدلاء برأيي حول روايتَيْن عربيّتيْن صدرتا في السنوات الأخيرة وتناولتا موضوعًا تاريخيًّا واحدًا، لكن إحداهما اتُّهِمتْ بتدوير فكرة الرواية الأخرى، متجاهِلًا مَن اتهمها بذلك أن الروايتَيْن اعتمدتا المصادر التاريخية نفسها. ولأن هذا يستدعي تعريفًا بالروايتَيْن أولًا، وعرضًا لنقاط التشابه بينهما، وسَوْقًا لحجج وأدلة وبراهين، وهو ما لا تسمح به مساحة هذا العمود الآن، فسأعود إليهما في الأسبوع المقبل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بريطانيا تدعم فكرة إنشاء صندوق مشترك للدفاع الأوروبي

إنجلترا – أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن بريطانيا تدعم إنشاء صندوق مشترك لتمويل التدابير الرامية إلى تعزيز الدفاع الأوروبي، وهي “منفتحة” على الانضمام إلى مثل هذه المبادرة.

وفي مقابلة مع صحيفة “فاينانشال تايمز”، أشار الوزير إلى أن هناك حاجة إلى إنشاء صندوق متعدد الأطراف جديد لضمان دفاع أوروبا، مؤكدا أن لندن مستعدة للانضمام إلى تمويل النفقات العسكرية بشكل مشترك.

وقال لامي “نحن بحاجة إلى المزيد من الآليات المتعددة الأطراف في هذا المجال. ونحن في المملكة المتحدة منفتحون على هذه المبادرات لأن الأمر يتعلق بالدفاع الأوروبي”.

وذكرت الصحيفة أن وزير الخارجية تحدث لصالح إنشاء مؤسسة أو نظام مشترك يشمل بريطانيا.

وذكرت الصحيفة أن الأسابيع الأخيرة شهدت طرح عدة مقترحات مختلفة، من بينها إنشاء بنك أوروبي لإعادة التسلح. ومع ذلك، لم يعرب لامي حتى الآن عن دعمه لأي فكرة محددة، مما يوضح أنه يريد رؤية المزيد من التفاصيل، حسبما جاء في المقال.

وفي وقت سابق، خلال قمة خاصة في بروكسل، أيد زعماء الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي اقتراح رئيس المفوضية الأوروبية، والذي أطلق عليه “إعادة تسليح أوروبا”، والذي قد يكلف نحو 800 مليار يورو. ووعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أيضا بتقديم مقترحات ملموسة في إطار هذه المبادرة قبل قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة يومي 20 و21 مارس.

المصدر: وكالات

Previous مقتل 28 جنديا في هجوم على مروحية تابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان Related Posts مقتل 28 جنديا في هجوم على مروحية تابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان دولي 8 مارس، 2025 ترامب يدرس خطوة من شأنها زيادة توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا دولي 8 مارس، 2025 أحدث المقالات بريطانيا تدعم فكرة إنشاء صندوق مشترك للدفاع الأوروبي مقتل 28 جنديا في هجوم على مروحية تابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان ترامب يدرس خطوة من شأنها زيادة توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا سياسي فرنسي: ماكرون يستخدم الحرب في أوكرانيا لصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء الاشتباكات في الساحل السوري وتدين كل أعمال العنف

ليبية يومية شاملة

جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results

مقالات مشابهة

  • تضارب الروايات حول تحرير مختطفين مصريين في الخرطوم ومصري معتقل يؤكد تنسيق المخابرات المصرية مع الدعم السريع
  • رواية يوم القيامة!
  • بدأت برسالة من سيدة إلي مصطفي أمين.. كيف جاءت فكرة عيد الأم في مصر؟
  • مقرر أممي: فكرة الترحيل الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة "مجرد خيال"
  • صدر حديثًا.. "البوكر العربية وزمن الرواية" للكاتب شوقى عبد الحميد
  • جربي محشي الكرنب بطريقة الكب كيك .. فكرة جديدة
  • بريطانيا تدعم فكرة إنشاء صندوق مشترك للدفاع الأوروبي
  • شخصيات إسلامية.. أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث
  • إطلاق الكبسولة / مقطع مسلسل من رواية قنابل الثقوب السوداء
  • الرواية السودانية- رحلة تطور وتنوع في الأدب العربي والأفريقي