لجريدة عمان:
2024-10-12@19:24:20 GMT

الروايات بين التأثر والتدوير

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

في مقدمة روايته «ذاكرة غانياتي الحزينات» اقتبس الروائي الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز المقطع التالي من رواية «الجميلات النائمات» للروائي الياباني ياسوناري كاواباتا: «ما كان يجب عليك أن تفعل شيئًا منافيًا للذوق، حذرت العجوز إيغوشي سيدة الخان. ما كان يجب عليك أن تضع إصبعك في فم المرأة النائمة أو تفعل شيئًا مشابهًا».

ومن قرأ رواية ماركيز يعرف تمامًا أنها في جوهرها تحية لرواية كاواباتا واعتراف بتأثيرها عليه، إذْ إن كلتا الروايتين تتناول قصة مُسنٍّ يتأمل حياته وعلاقاته بجميلات نائمات. استخدم ماركيز الإطار السردي نفسه ليعبّر عن مشاعر الحنين والفقد، لكن بطريقته الخاصة، مستعيرًا الأجواء الهادئة والعميقة من كاواباتا. أطرح هذا المثال لأنطلق منه إلى أن الروائيَّ قد يكرِّر أحيانًا متعمِّدًا فكرةً مطروقة سبقه إليها روائيٌّ آخر، ليس بقصد التدوير أو السطو على الفكرة، وإنما من باب التحية والاحترام، ويظل كل عمل من العملين مدموغًا بأسلوب كاتبه ولغته، كما أن الروائي المتأخر ينسب الفضل بطريقة ما إلى المتقدم.

لكن ماذا لو أن ماركيز نشر روايتَه دون ذلك الاقتباس من كاواباتا، ودون أن نعلم من كتاباته السردية الأخرى أنه وقع في غرام «الجميلات النائمات» قبل ثلاثين عاما من كتابتِه روايتَه المحاكية لها؛ وأنه حكى مرارًا قصة الجميلة التي نامت بجانبه طوال زمن رحلة الطائرة، التي ما إن حطت وباشر هو في إجراءات المطار حتى قدم نفسه لموظف الجوازات على أنه كاتب ياباني؟ لا شكّ أننا إنْ لم نتّهمه بانتحال فكرة كاواباتا حينئذ فإننا في الأقل سنرميه بـ«تدويرها»، ذلك أن «الجميلات النائمات» عملٌ تخييلي، أي من بنات أفكار كاواباتا، وكان ينبغي على ماركيز أن يُشير إليه. صحيح أن الفكرة في حد ذاتها لا تخضع لحقوق الملكية الفكرية، وأن طريقة معالجتها وتفاصيلها هي ما يمكن أن يخضع للنقد والمساءلة إذا كان هناك تشابه كبير بينها وبين فكرة سابقة، ولكن بعض الأفكار أضحت اليوم «ماركة مسجّلة» لكاتبها الأول، ولا يُمكن أن يستخدمها كاتب لاحق دون أن يثير تساؤلات، منها هذه الفكرة الفريدة للروائي الياباني (فكرة تأمل رجل عجوز لصبايا فاتنات نائمات)، ومنها أيضًا فكرة أن يصحو المرء من نومه ليجد نفسه تحوّل إلى حشرة، التي تُحيل مباشرة على كافكا، وفكرة المُرابي الذي يَشترط على المقترِض أن يقتطع قطعة من لحمه إن هو عجز عن سداد الدَين، التي يعرف الجميع أنها لشكسبير، وغيرها من الأفكار التي سبقنا إليها الروائيون والأدباء العظام.

هل ينطبق هذا على الروايات التي تمتح من التاريخ؟ أي تلك التي تتخذ من حقبة تاريخية معينة مسرحًا لأحداثها؟ هل على الروائي المتأخر أن يُشير إلى روايةٍ أو أكثر سبقتْه إلى تناول هذه الحدث التاريخي؟ مثلًا هل على الروائي العُماني محمد العجمي أن يشير في روايته «سرّ الموريسكي» إلى رواية «الموريسكي الأخير» للروائي المصري صبحي موسى، أو رواية «الموريسكي» للمغربي حسن أوريد، أو رواية «حصن التراب: حكاية عائلة موريسكية» للمصري أحمد عبداللطيف؟ في تصوري المبدئي لا تُمكن الإجابة إلا بالنفي؛ إذْ إن هذا النوع من الروايات يعتمد في العادة على قراءة معمقة لكتب التاريخ ووثائقه، ودراسة ما كُتِب من أبحاث عن الحقبة التاريخية المُتناوَلة في الرواية، بل وزيارة الأماكن التي وقعت فيها الأحداث، ومشاهدة أفلام وتسجيلات وثائقية، تتيح للروائي الاستناد إلى أحداث ووقائع تاريخية حدثتْ بالفعل وتوظيفها في النسيج العام لروايته الذي يعتمد في الأصل على خياله الروائي، وأضع تحت عبارة «خياله الروائي» هذه ألف خطّ أحمر، فهذا الخيال الذي ينسج الحكاية، ويوظِّف فيها تفاصيل من الحدث التاريخي، ويردم ما في هذا الحدث من فجوات، ويوجد شخصيات أخرى من نسج خياله لتساند الشخصيات المستلة من التاريخ، كل هذا هو ما يصنع فَرادة الرواية، وإذا اعتُديَ على هذا الخيال، أي ألا يكتفي الروائي المتأخِّر باقتباس تفاصيل تاريخية وقعت، بل يتجرأ أيضًا على أحداث أخرى صنعتْها مخيلة الروائي المتقدِّم، فإنه في هذه الحالة فقط يمكن اتهامه بالانتحال.

طرحتُ هذه المقارنة بين وجوب الإشارة إلى الرواية التخييلية عند الاستفادة منها، وعدم وجوب ذلك تجاه الرواية المقتبِسة أحداثها من التاريخ، توطئة للإدلاء برأيي حول روايتَيْن عربيّتيْن صدرتا في السنوات الأخيرة وتناولتا موضوعًا تاريخيًّا واحدًا، لكن إحداهما اتُّهِمتْ بتدوير فكرة الرواية الأخرى، متجاهِلًا مَن اتهمها بذلك أن الروايتَيْن اعتمدتا المصادر التاريخية نفسها. ولأن هذا يستدعي تعريفًا بالروايتَيْن أولًا، وعرضًا لنقاط التشابه بينهما، وسَوْقًا لحجج وأدلة وبراهين، وهو ما لا تسمح به مساحة هذا العمود الآن، فسأعود إليهما في الأسبوع المقبل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

باحث سياسي: نتنياهو يتبنى فكرة الدولة الدينية واستمرار خطة التوسع

قال بشير عبد الفتاح، الكاتب والباحث السياسي، إن اتفاقية وستفاليا المنعقدة في عام 1648 أدت إلى إيقاف الحروب الدينية في أوروبا التي امتدت لمدة ثلاثين عاماً، مشيرًا إلى أنها نجحت في إرساء المبادئ الحاكمة لبنية الدول القومية والقواعد المنظمة للعلاقات الدولية.

نتنياهو والكنيست تبنيا فكرة الدولة الدينية دولة يهودية

وأضاف «عبد الفتاح»، خلال مداخلة على قناة «القاهرة الإخبارية»، أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الكنيست تبنيا فكرة الدولة الدينية دولة يهودية، لافتا إلى أنه بعد أكثر من 500 عام على هذه الاتفاقية، التي غيرت مسار العلاقات الدولية، وجدنا دولة تقدم نفسها على أنها دولة دينية تقوم على أساس ديني، فضلا عن أنها دولة لأصحاب ديانة وحيدة وهى الديانة اليهودية فقط، مشددًا، على أن نتنياهو يتبنى فكرة الدولة الدينية وإسرائيل لم تتخلَ عن مخطط التوسع.

وتابع الكاتب والباحث السياسي: «نشهد في هذه الفترة عزوفا عن الالتزام بالأسس القانونية للعلاقات الدولية، وبالتالي لا عجب بأن نرى إسرائيل دولة حتى الآن منذ عام 1948 ليس لها حدود ثابتة متعارف عليها»، لافتا إلى أنها ليس فقط الحدود البرية، وإنما الحدود البحرية، لأن إسرائيل تعتبر أن كل ثروات المنطقة ملكا لها.

 

مقالات مشابهة

  • الثلاثاء.. منتدى المستقبل للفكر والإبداع يناقش رواية "الهامسون" للكاتبة هالة البدري
  • رواية (فورور ).. ملاحقة الماضي واسترجاع الأم
  • حرب أكتوبر في رواية أخرى.. ملحمة وطنية جسدتها النساء.. قصص تبلور أسمى معاني التضحية لبطلات مصريات
  • لافروف يحذر اليابان من فكرة "الناتو" الآسيوي
  • باحث: نتنياهو يتبنى فكرة الدولة الدينية
  • باحث: نتنياهو يتبنى فكرة الدولة الدينية.. وإسرائيل لم تتخلَ عن مخطط التوسع
  • باحث سياسي: نتنياهو يتبنى فكرة الدولة الدينية واستمرار خطة التوسع
  • لعنة الخواجة.. أحداث واقعية ووثائق نادرة في رواية وائل السمري الجديدة
  • انطلاق فعاليات مؤتمر الرواية الاردنية العاشر في جامعة اليرموك