لجريدة عمان:
2025-02-07@05:23:34 GMT

الروايات بين التأثر والتدوير

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

في مقدمة روايته «ذاكرة غانياتي الحزينات» اقتبس الروائي الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز المقطع التالي من رواية «الجميلات النائمات» للروائي الياباني ياسوناري كاواباتا: «ما كان يجب عليك أن تفعل شيئًا منافيًا للذوق، حذرت العجوز إيغوشي سيدة الخان. ما كان يجب عليك أن تضع إصبعك في فم المرأة النائمة أو تفعل شيئًا مشابهًا».

ومن قرأ رواية ماركيز يعرف تمامًا أنها في جوهرها تحية لرواية كاواباتا واعتراف بتأثيرها عليه، إذْ إن كلتا الروايتين تتناول قصة مُسنٍّ يتأمل حياته وعلاقاته بجميلات نائمات. استخدم ماركيز الإطار السردي نفسه ليعبّر عن مشاعر الحنين والفقد، لكن بطريقته الخاصة، مستعيرًا الأجواء الهادئة والعميقة من كاواباتا. أطرح هذا المثال لأنطلق منه إلى أن الروائيَّ قد يكرِّر أحيانًا متعمِّدًا فكرةً مطروقة سبقه إليها روائيٌّ آخر، ليس بقصد التدوير أو السطو على الفكرة، وإنما من باب التحية والاحترام، ويظل كل عمل من العملين مدموغًا بأسلوب كاتبه ولغته، كما أن الروائي المتأخر ينسب الفضل بطريقة ما إلى المتقدم.

لكن ماذا لو أن ماركيز نشر روايتَه دون ذلك الاقتباس من كاواباتا، ودون أن نعلم من كتاباته السردية الأخرى أنه وقع في غرام «الجميلات النائمات» قبل ثلاثين عاما من كتابتِه روايتَه المحاكية لها؛ وأنه حكى مرارًا قصة الجميلة التي نامت بجانبه طوال زمن رحلة الطائرة، التي ما إن حطت وباشر هو في إجراءات المطار حتى قدم نفسه لموظف الجوازات على أنه كاتب ياباني؟ لا شكّ أننا إنْ لم نتّهمه بانتحال فكرة كاواباتا حينئذ فإننا في الأقل سنرميه بـ«تدويرها»، ذلك أن «الجميلات النائمات» عملٌ تخييلي، أي من بنات أفكار كاواباتا، وكان ينبغي على ماركيز أن يُشير إليه. صحيح أن الفكرة في حد ذاتها لا تخضع لحقوق الملكية الفكرية، وأن طريقة معالجتها وتفاصيلها هي ما يمكن أن يخضع للنقد والمساءلة إذا كان هناك تشابه كبير بينها وبين فكرة سابقة، ولكن بعض الأفكار أضحت اليوم «ماركة مسجّلة» لكاتبها الأول، ولا يُمكن أن يستخدمها كاتب لاحق دون أن يثير تساؤلات، منها هذه الفكرة الفريدة للروائي الياباني (فكرة تأمل رجل عجوز لصبايا فاتنات نائمات)، ومنها أيضًا فكرة أن يصحو المرء من نومه ليجد نفسه تحوّل إلى حشرة، التي تُحيل مباشرة على كافكا، وفكرة المُرابي الذي يَشترط على المقترِض أن يقتطع قطعة من لحمه إن هو عجز عن سداد الدَين، التي يعرف الجميع أنها لشكسبير، وغيرها من الأفكار التي سبقنا إليها الروائيون والأدباء العظام.

هل ينطبق هذا على الروايات التي تمتح من التاريخ؟ أي تلك التي تتخذ من حقبة تاريخية معينة مسرحًا لأحداثها؟ هل على الروائي المتأخر أن يُشير إلى روايةٍ أو أكثر سبقتْه إلى تناول هذه الحدث التاريخي؟ مثلًا هل على الروائي العُماني محمد العجمي أن يشير في روايته «سرّ الموريسكي» إلى رواية «الموريسكي الأخير» للروائي المصري صبحي موسى، أو رواية «الموريسكي» للمغربي حسن أوريد، أو رواية «حصن التراب: حكاية عائلة موريسكية» للمصري أحمد عبداللطيف؟ في تصوري المبدئي لا تُمكن الإجابة إلا بالنفي؛ إذْ إن هذا النوع من الروايات يعتمد في العادة على قراءة معمقة لكتب التاريخ ووثائقه، ودراسة ما كُتِب من أبحاث عن الحقبة التاريخية المُتناوَلة في الرواية، بل وزيارة الأماكن التي وقعت فيها الأحداث، ومشاهدة أفلام وتسجيلات وثائقية، تتيح للروائي الاستناد إلى أحداث ووقائع تاريخية حدثتْ بالفعل وتوظيفها في النسيج العام لروايته الذي يعتمد في الأصل على خياله الروائي، وأضع تحت عبارة «خياله الروائي» هذه ألف خطّ أحمر، فهذا الخيال الذي ينسج الحكاية، ويوظِّف فيها تفاصيل من الحدث التاريخي، ويردم ما في هذا الحدث من فجوات، ويوجد شخصيات أخرى من نسج خياله لتساند الشخصيات المستلة من التاريخ، كل هذا هو ما يصنع فَرادة الرواية، وإذا اعتُديَ على هذا الخيال، أي ألا يكتفي الروائي المتأخِّر باقتباس تفاصيل تاريخية وقعت، بل يتجرأ أيضًا على أحداث أخرى صنعتْها مخيلة الروائي المتقدِّم، فإنه في هذه الحالة فقط يمكن اتهامه بالانتحال.

طرحتُ هذه المقارنة بين وجوب الإشارة إلى الرواية التخييلية عند الاستفادة منها، وعدم وجوب ذلك تجاه الرواية المقتبِسة أحداثها من التاريخ، توطئة للإدلاء برأيي حول روايتَيْن عربيّتيْن صدرتا في السنوات الأخيرة وتناولتا موضوعًا تاريخيًّا واحدًا، لكن إحداهما اتُّهِمتْ بتدوير فكرة الرواية الأخرى، متجاهِلًا مَن اتهمها بذلك أن الروايتَيْن اعتمدتا المصادر التاريخية نفسها. ولأن هذا يستدعي تعريفًا بالروايتَيْن أولًا، وعرضًا لنقاط التشابه بينهما، وسَوْقًا لحجج وأدلة وبراهين، وهو ما لا تسمح به مساحة هذا العمود الآن، فسأعود إليهما في الأسبوع المقبل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الروائي عمرو عبد الحميد: التريند أفادني في تسويق «أرض زيكولا».. وجيلي محظوظ بالسوشيال ميديا

الدكتور عمرو عبد الحميد كاتب وطبيب تخرج في كلية الطب بجامعة المنصورة عام 2010، بدأ الكتابة عبر الإنترنت في 2007، ونشر أول أعماله في 2010، أصدر إلى الآن 8 أعمال روائية، وقصة للأطفال، أبرزها «أرض زيكولا»، حصل على جائزة عبد العزيز المنصور 2020 من الناشرين العرب، وحاليا يعمل في دولة الكويت طبيب أنف وأذن وحنجرة.

تحدث عمرو عبد الحميد لـ«الوطن» عن بدايته مع الكتابة وعن ظاهرة التريند التي تصدرها أكثر من مرة، وعلاقته بالقراء ومعرض القاهرة الدولي للكتاب، وتأثير السوشيال ميديا على تسويق أعماله.

نريد منك نبذة عن بداياتك مع الكتابة؟

بدأت كتابة في 2007، كنت أكتب قصص على منتديات الإنترنت، وكنت متوقع ردود فعل معينة، فوجدت ردود أفعال فاقت توقعاتي، أذكر أني كنت أكتب قصة «حسناء القطار» وكانت عبارة عن 15 جزء، وقلت وقتها لو القصة حققت 1000 مشاهدة فسأعتبر نفسي ناجح، ففوجئت بالقصة تحصل على 36 ألف مشاهدة، وقتها كنت أدرس في رابعة طب، وهو ما حمسني لمواصلة الكتابة، حتى رواية «أرض زيكولا» كتبتها في البداية على الإنترنت قبل النشر، وبعدها كلمني الناشر لنشرها ورقيا في 2010 بسبب الصدى الجيد لها.

ما علاقتك بمعرض القاهرة الدولي للكتاب؟

منذ 2015 وأنا لا أفوت فرصة لحضور دورات معرض الكتاب بانتظام، وبالنسبة لي ككاتب، فالمعرض العيد الخاص بي، وأعتبره فرصة لمقابلة أكبر عدد من القراء من القاهرة والمحافظات، أو حتى من الدول العربية.

تصدرت «التريند» أكثر من مرة أمر غير معتاد للكتاب.. ما تعليقك؟

الترند كان مفاجأة بالنسبة لي، بين يوم وليلة وجدت نفسي تريند وكان هذا بعد «أرض زيكولا»، بسبب إعجاب الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة التيك توك بالرواية، وأرى إنه هذه الشهرة توفيق من الله، وإنها بسبب إعجاب الشباب بالفكرة الجديدة، والأسلوب الخاص في الرواية التي ارتبطت مع الناس، لأني نشرت الجزء الأول منها في 2010 وأصبح لها 15 سنة.

وكانت تريند في العام الماضي، وأسعدني جدا أن السن الصغيرة من الشباب الذين لا يحبون القراءة أن يدخلوا عالم القراءة من خلال رواية لي، ورأيت هذا الكلام في حفلات توقيع الرواية، كنت أسمع من الصغار جمل مثل: دخلنا عدم القراءة من خلال «أرض زيكولا»، وكملنا عدد كبير من الروايات، وهذا بالنسبة لي مصدر فخر، وبعد هذه الرواية أصبح بيني وبين القراء علاقة ثقة.

 

وكيف أفادك التريند؟

التريند أسهم في رفع المبيعات للرواية، وقتها كنا في معرض الجزائر عرفت بوجود التريند من خلال الإقبال عليها، حتى أن عدد الإصدارات نفدت قبل ختام المعرض، وعندما سألت الشباب قالوا عرفنا بالرواية من خلال «تيك توك» وإنستجرام، الرواية منتشرة في الوطن العربي كله، وصارت من أكثر الكتب مبيعا.

ما تأثير «السوشيال ميديا» على تسويق الأدب؟

المنصات هي الأساس الآن، الجمهور كله على السوشيال ميديا، انتهى عصر التسويق التقليدي، خصوصا للجيل الجديد من الشباب، أفضل دعاية، ونحن كجيل محظوظ جدا بوجود السوشيال ميديا، بسبب سرعة الانتشار.

هل تتفرغ للكتابة؟

لا أتفرغ للكتابة، لكن أوازن بين الطب والكتابة، والطب نفسه يفيدني في الكتابة من خلال الشخصيات التي أقابلها.

ما عدد الطبعات والنسخ المباعة من أرض زيكولا؟

لا أستطيع أن أعرف عدد المباع منها، لكن الرواية منتشرة في مصر والعالم العربي، وإلى جانب العديد من الطبعات المزيفة، وهى من المشكلات التي تواجه الناشرين، مشكلة تزوير الكتب تؤثر سلبيا على الناشر، وبالتالي على دخل كتابي، وعلى المبيعات، يعني لا أحصل على حقوق من المزورين.

من أبرز المؤثرين في مشوارك أو كتابتك؟

أنا كنت محظوظ إني في جيل قرأ للدكتور أحمد خالد توفيق ومكتبة الأسرة والقراءة للجميع، ووالدي كان يشتري لي روايات الأدب المترجم، تأثرت بالخيال فيها، وأحمد خالد توفيق من أكثر الكتاب الذي تأثرت بهم، وأتمنى أن أقدم أعمالا كالتي قدمها، نحن ظروفنا متشابهة، كلانا تخرج في كلية طب وكلانا من الأقاليم، وأحب النوعية التي كان يكتب فيها، وكنت أتمنى أن نلتقي لكن لم يحدث نصيب.

ما الجديد في روايتك الجديدة «واحة اليعقوب» عن الأعمال السابقة؟

نفس خط الفانتازيا بأفكار جديدة، بطل الرواية عنده 16 سنة والرواية تروى من خلاله.

هل فكرت في تحويل أعمالك للدراما؟

هناك عروض لتحويل رواية «أرض زيكولا» لفيلم، لكن لم يتم أي اتفاق بشكل نهائي بعد.

مقالات مشابهة

  • سوريا بعد الأسد.. كيف تزور دمشق القديمة وكأنك تقرأ رواية ملحمية؟
  • «فتاة وبحيرتان».. رواية تُبحر فى أعماق النفس والقدر
  • محافظ الغربية: تطوير منظومة النظافة والتدوير أولوية لتحقيق بيئة صحية
  • الروائي عمرو عبد الحميد: التريند أفادني في تسويق «أرض زيكولا».. وجيلي محظوظ بالسوشيال ميديا
  • انطلاق ورشة صناعة الفيلم الروائي القصير ضمن فعاليات مهرجان الإسماعيلية
  • ورشة صناعة الفيلم الروائي القصير تنطلق في مهرجان الإسماعيلية بمحاضرة "كتابة السيناريو"
  • المسيحيون في سوريا.. ما وراء رواية نظام الأسد
  • توقيع رواية "حتى إشعار آخر" للكاتبة هناء عبدالكريم بمعرض الكتاب
  • الخميس.. انطلاق ورشة صناعة الفيلم الروائي القصير ضمن فعاليات مهرجان الإسماعيلية
  • «من الفكرة حتى الشاشة».. تفاصيل ورشة صناعة الفيلم الروائي القصير بمهرجان الإسماعيلية