سيناء وطموح تحويلها إلى مركز اقتصادي جديد
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
تُعد شبه جزيرة سيناء منطقة ذات أهمية استراتيجية لمصر، ليس فقط لما تحتويه من ثروات طبيعية وتاريخية، ولكن أيضاً لما تمثله من ركيزة أساسية للأمن القومي والتنمية الاقتصادية المستدامة. الإمكانات الهائلة للجزيرة ظلت لعقود مُكبلة بتحديات أمنية وأخرى تنموية، ما أعاق تحقيق كامل قدرتها على دفع عجلة الاقتصاد الوطني.
سيناء.. فرص غير مستغلة في قلب الاستثمارات
تتمتع سيناء بمقومات استثمارية هائلة في قطاعات متعددة، من السياحة إلى الزراعة، ومن الطاقة إلى الصناعة. فسواحلها ومواقعها الطبيعية المذهلة تجعلها وجهة مثالية للاستثمارات السياحية. كما وتحتضن سيناء مساحات زراعية شاسعة، يمكن استغلالها في مشاريع زراعية مبتكرة كالمزارع العضوية والمشاريع البيئية، التي تلبي احتياجات السوقين المحلي والدولي.
أما في قطاع الطاقة، فتزخر سيناء بموارد طبيعية ضخمة، منها احتياطيات الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة الشمسية، والذي يجعلها أرض خصبة لمشاريع الطاقة المتجددة. هذه الموارد يمكن أن تحول سيناء إلى مركز إقليمي للطاقة، خصوصاً في ظل الطلب المتزايد على الطاقة المتجددة في الأسواق العالمية.
أرقام تعكس التحول
الاستثمارات العامة في سيناء خلال عام 2022/2023 وصلت إلى ما يقارب 73.3 مليار جنيه مصري، وهو ارتفاع كبير يزيد عن 15 ضعف مقارنة بالعام 2013/2014. هذا التدفق الاستثماري جاء بالتوازي مع إنشاء مراكز خدمية متقدمة، حيث تم افتتاح ثلاثة مراكز لخدمة المستثمرين بتكلفة إجمالية بلغت 215.5 مليون جنيه. هذه المراكز تخدم أكثر من 10.5 آلاف شركة، وتوفر أيضاً 332 فرصة استثمارية جديدة.
وفي خطوة تهدف إلى تحويل سيناء إلى قلب صناعي ينبض بالأنشطة الاقتصادية المتنوعة، تم تحديد 139 فرصة صناعية في سيناء ومدن القناة، وتم إطلاق ثماني مناطق صناعية جديدة. وبفضل هذه الجهود، وفرت المشاريع المنفذة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس حوالي 80 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وهي نتائج تصب في مستهدفات تمكين الشباب وتحقيق التوازن الاجتماعي.
الأمن والاستقرار: مفتاح جذب الاستثمارات
منذ سنوات، واجهت سيناء تحديات أمنية خطيرة تتعلق بانتشار الإرهاب والعنف المُسلح. غير أن الدولة المصرية نجحت في تحقيق تقدم ملموس على صعيد الأمن والاستقرار، وهو ما أتاح الفرصة لبدء تنفيذ المشاريع التنموية. الأمن هنا ليس مجرد مطلب سياسي، بل هو شرط أساسي لتحقيق أي تنمية اقتصادية مستدامة. جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية معتمد بشكل رئيسي على استقرار المنطقة ومدى قدرة تهيئتها كبيئة آمنة للاستثمار والإنتاج.
التحديات التي تنتظر الحلول
رغم الإمكانات الكبيرة، لا تزال سيناء تواجه تحديات تفرض نفسها على أي مشروع تنموي. نقص الموارد المائية يمثل تحدياً حقيقياً أمام التوسع الزراعي والصناعي، ويتطلب استثمارات ضخمة في تقنيات تحلية المياه وإدارة الموارد المائية بكفاءة.
ثم أن تغير المناخ يشكل تحدياً آخر، حيث تتعرض بعض المناطق لتغيرات مناخية تهدد الأنشطة الزراعية والسياحية، وتتطلب تبني سياسات تكيفية، وتطبيق أنظمة زراعية مستدامة تستطيع الصمود في وجه الظروف البيئية المتغيرة.
الحفاظ على البيئة: الطريق إلى المستقبل
ما ينبغي على راسمي السياسات الانتباه له هو ضرورة أن تكون جميع المشاريع المنفذة في سيناء قائمة على مبادئ الاستدامة، بحيث لا تؤدي الأنشطة الاقتصادية إلى استنزاف الموارد الطبيعية. تبني الممارسات الصديقة للبيئة في جميع القطاعات، خاصة في مجالات السياحة والزراعة والصناعة، سيكون له أثر كبير في تحقيق التنمية المستدامة التي تراعي الأجيال القادمة. كما أن المشاريع التنموية في مجملها لا بد أن تراعي الواقع المحلي، وتتضمن حلول "مُكيّفة" ومستدامة تتماشى مع احتياجات وسياق المنطقة وتخدم السكان.
هل يمكن لسيناء أن تُغيِّر قواعد اللعبة الاقتصادية؟
بالنظر إلى الإمكانات الهائلة التي تختزنها سيناء، يبقى السؤال الأهم عما إذا كان بإمكان هذه المنطقة أن تتحول إلى رافعة اقتصادية تتجاوز حدود مصر لتلعب دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي؟ لا يمكن اعتبار سيناء مجرد مساحة جغرافية ذات موارد طبيعية، بل كفرصة سانحة لإعادة صياغة مفهوم التنمية الاقتصادية.
هذا التحول يتطلب أكثر من مجرد استثمارات في البنية التحتية؛ بل يستدعي تكوين رؤية استراتيجية قائمة على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، لدعم تحول سيناء إلى "مختبر عالمي" لاختبار تقنيات حلول توليد الطاقة الشمسية، والزراعة المستدامة، وصناعة التكنولوجيا النظيفة.
تحقيق ذلك يستدعي التفكير خارج الأطر التقليدية، وتبني نماذج اقتصادية مبتكرة تتطلب تحول في الرؤية والاستراتيجية، وإرادة سياسية تركز على خلق بيئة تشجع على الابتكار وتحتضن التحديات البيئية والاقتصادية. النجاح الحقيقي لسيناء لن يقاس فقط بقدرتها على جذب الاستثمارات، بل بقدرتها على تقديم نموذج جديد لتنمية المناطق الحدودية، نموذج يعتمد على الفكر الإبداعي لإحداث تغيير مستدام يخدم المستهدفات الوطنية والسكان
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: والتنمية الاقتصادية المستدامة أساسية للأمن القومي الطاقة إلى الصناعة
إقرأ أيضاً:
محافظ جنوب سيناء يتابع تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية
في إطار توجيهات القيادة السياسية بمتابعة المشروعات القومية الكبرى، قام اللواء الدكتور خالد مبارك، محافظ جنوب سيناء، بزيارة تفقدية لموقع العمل في مشروع مد الكابل البحري لخط الربط الكهربائي بين مصر والمملكة العربية السعودية، والذي يُعد واحدًا من أهم المشاريع الاستراتيجية في قطاع الطاقة بين البلدين الشقيقين.
وأكد المحافظ أن هذا المشروع يأتي ضمن الجهود المشتركة لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة، ويهدف إلى تحسين استقرار وتكامل الشبكة الكهربائية بين البلدين، بما يسهم في تعزيز أمن الطاقة وتلبية احتياجات التنمية المستدامة على الصعيدين المحلي والإقليمي.
ويشمل المشروع إنشاء محطات تحويل جهد عالٍ في مناطق استراتيجية،إلى إلى جانب مد كابلات بحرية عبر خليج العقبة تربط بين الشبكتين المصرية والسعودية.
ويمثل هذا الربط الكهربائي خطوة مهمة نحو دعم التعاون العربي في مجال الطاقة، ويفتح آفاقًا لتبادل الكهرباء بين البلدين، بما يساعد على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء وتقليل الفاقد من الطاقة.
أضاف الدكتور خالد مبارك أن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية لن يسهم فقط في استقرار الشبكة الكهربائية، بل سيعمل أيضًا على تعزيز التكامل الاقتصادي بين البلدين، حيث سيكون نواة لمشاريع مستقبلية تهدف إلى تطوير منظومة الطاقة الكهربائية في المنطقة العربية، ويعد جزءًا من رؤية استراتيجية أوسع لتحقيق التكامل العربي في مجال الطاقة.
وأشار إلى أن جنوب سيناء تحظى بموقع استراتيجي مميز يؤهلها للعب دور حيوي في خطة الدولة للتنمية المستدامة.