هند الحمدانية

نعترف نحن النِّساء الخليجيات بأننا محظوظات كثيرًا لأننا لم نعش في الزمن الذي عاشت فيه أمهاتنا وجداتنا؛ حيث كانت الخيارات للمرأة محدودة جدًا، وكانت الأسرة والمُجتمع هما العائق المنيع الذي يحول بين المرأة وبين أحلامها وطموحاتها، لكن مجتمعاتنا اليوم باتت الداعم الأول والأقوى للمرأة الخليجية لكي تنطلق وتبدع وتتبوأ مكانتها الريادية والقيادية.

وقد ازدهرت مدينة صحار يومي 9 و10 أكتوبر الجاري، باحتضان المنتدى السادس لصاحبات الأعمال الخليجيات تحت شعار "رائدات بالفكر.. مُلهمات بالفعل"، والذي نظمه فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بمحافظة شمال الباطنة بالتعاون مع اتحاد الغرف الخليجية وبمشاركة فعّالة من رائدات الأعمال والقياديات بدول مجلس التعاون الخليجي.

وَفَّرَ المنتدى بيئة مثالية للشراكات الإستراتيجية الواعدة بين رائدات الأعمال الخليجيات والانفتاح على فرص الاستثمار في المنطقة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتحفيز الابتكار واستخدام التقنيات الحديثة في دعم استثمارات رائدات الأعمال، والتركيز الفعال على تعزيز مبادرات التنمية المجتمعية ودعم الصحة النفسية لصاحبات الأعمال والقياديات الخليجيات.

ويُعد المنتدى محطة مهمة للتركيز على زيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية لرائدة الأعمال الخليجية وتعزيز قدرتها على تحقيق التوازن المهني الذي يكفل لها جودة الحياة والتنمية الشخصية والاجتماعية في الوقت ذاته. ولكوني مُدرِّبة للعنصر النسائي في تطوير الذات وتعزيز التوازن النفسي، ارتأيتُ- في هذا المقال- التركيز على التركيب النفسي لرائدة الأعمال والذي يؤثر بشكل مباشر على نجاح مسيرة رائدة الأعمال ونهجها القيادي في بيئة الأعمال على الساحة الخليجية.

تواجه المرأة الخليجية خيارات صعبة بين النجاح المهني وتحقيق الذات، بين الأسرة والمنصب القيادي، فتبدأ معظم النساء بشجاعة وقوة واندفاع، وما أن تقترب من دفة القيادة تبدأ بالتراجع التدريجي أو الانسحاب التكتيكي، تاركةً خلفها جهود سنوات طويلة من العمل والإنجازات وتجاوز التحديات. السؤال الآن: ما الذي يدفع رائدة الأعمال لمثل هذا السلوك النفسي؟ وكيف يمكن لنا أن نساعد في دعم واستدامة بقاء المرأة في سوق الأعمال أو المواقع القيادية؟

ويُحدد مفهوم كفاءة القائد مدى إيماننا بقدرتنا على النجاح كقادة وهل سنسعى إلى مناصب قيادية أم لا، ويحدد ما إذا كُنَّا سنستمر في مواجهة تحديات القيادة أم لا، ويُحدد ما إذا كنا سنبقى في مركزنا الحالي أم سننسحب، ولكن للأسف ما تظهره الدراسات أن النساء يقللن من قدراتهن الذاتية. ويبدو ذلك جليًا عندما تُختبر مجموعة من الرجال والنساء حول عدة مواضيع تخص برامج العمل مثلًا، يخطئ الرجال بنسبة أعلى من النساء غالبًا، ولكن تبقى النساء مُترددات حول كفاءتهن مقارنة بالرجال. وقد أجريت دراسة في السنوات الماضية عن الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل بعد التخرج، وأظهرت أن 57% من الرجال يفاوضون في مقابلات العمل حول كم سيكون راتبهم، وفقط 7% من النساء يفعلن ذلك، أيضا يعزي الرجال نجاحهم لأنفسهم، بينما تعزيه المرأة إلى عوامل خارجية.

لماذا مفهوم الإيمان بكفاءة القائد مهم؟ لأنه لن تستطيع المرأة أن تحصل على فرصتها وتستمر فيها ما لم تؤمن إيمانًا مطلقًا أنها تستحق هذه الفرصة، وتستوعب حجم كفاءتها والإنجازات العظيمة التي تضيفها لبيئة العمل القيادية أو على مستوى سوق الأعمال.

في عام 2003، أجرى البروفيسور فلين من كلية كولومبيا للأعمال، تجربة حول دراسة حالة عن سيدة رأسمالية ناجحة تدعى هايدي رويزن، ما قام به البروفيسور هو تغيير اسم هايدي رويزن إلى هوارد رويزن مع إبقاء كل شيء حول دراسة الحالة كما هو. وأعطى نصف طلاب فصله دراسة حالة هايدي رويزن والنصف الآخر حالة هوارد رويزن، وطلب منهم تقييم مدى كفاءة وتأثير كل من هايدي وهوارد، وجد كل الطلاب أنَّ هايدي وهوارد كانا يتمتعان بنفس الكفاءة وهذا أمر بديهي، لكن النتيجة الصادمة أن كل الطلاب لم يميلوا إلى حب شخصية هايدي كقائدة، لقد صنفوها أنها ذات شخصية عدوانية وغير لطيفة وأبدوا عدم رغبتهم بالعمل معها كفريق أو تحت قيادتها، لكنهم في المقابل اعتقدوا جميعًا (طلابا وطالبات) أن هوارد سيكون زميلًا وقائدًا رائعًا... لماذا هذا التناقض؟!

أعتقد أنَّ الأمر يعود إلى الصورة النمطية المُرتبطة في أذهان المجتمع حول أفكار ووجهات نظر مسبقة وراسخة تتمركز حول الجنسين (المرأة والرجل)؛ فالرجال بشكل تلقائي يجب أن يكونوا حازمين وأقوياء ومختصين، أما المرأة فتحتكر صورتها النمطية في أن تكون لطيفة ومُفيدة ومربية ومراعية وداعمة فقط، لذا فإنَّ المعضلة الحقيقية بالنسبة للمرأة هي أن الصفات التي يقدرها سوق الأعمال في القيادة مثل الحزم والحسم تتعارض مع المعايير المجتمعية والصورة الذهنية للمرأة في أن تكون محبوبة ولطيفة.

كيف نتعاطى كمجتمع خليجي مع هذه المشكلة؟

نحتاج إلى تعطيل الصورة النمطية وإعادة تعريف مفهوم أن تكون لدينا امرأة وقائدة في نفس الوقت، وذلك عن طريق مثل هذه المنتديات والملتقيات الفعَّالة والتي تدعم ثقة المرأة الخليجية ورائدة العمل القائدة، وتُعزز من صحة مفهومها الذاتي والنفسي، وتعكس للمجتمع المشهد الحقيقي؛ فالقشرة الصلبة والحازمة لرائدة الأعمال تُخفي تحتها أمًّا مُحِبة وأنثى لطيفة وداعمة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الإمارات: النهوض بالنساء مفتاح تحقيق السلام والتنمية المستدامة

نيويورك (الاتحاد)

أخبار ذات صلة إصابة جنديين من «اليونيفيل» برصاص إسرائيلي الإمارات.. مواقف ناصعة في دعم الشعب اللبناني

أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة أن النهوض بالنساء والفتيات مفتاح تحقيق السلام والتنمية المستدامة، مشيرةً إلى أن إدراج النساء والفتيات في الاستراتيجيات والسياسات الوطنية أمر بالغ الأهمية للتنمية، ومجددةً الالتزام بتقديم المساعدات الإنسانية التي تراعي الاستجابة لمنظور المرأة في النزاعات، وأن النساء والفتيات جزء لا يتجزأ من الجهود الرامية للتصدي للتهديدات العالمية الناشئة، بما يشمل العمل المناخي.
وقالت الإمارات، في بيان خلال اجتماع أممي حول النهوض بالمرأة، ألقته فاطمة البنا، من البعثة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة: تحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمعات قوية ومترابطة يتطلبان إدماج النساء والفتيات في الاستراتيجيات والسياسات الوطنية.
وفي هذا الصدد، أطلقت دولة الإمارات سياستها الوطنية لتمكين المرأة للفترة 2023-2031، والتي تهدف إلى تعزيز المشاركة العادلة والمتساوية للمرأة في عمليات صنع القرار في مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاعات الاقتصادية والتشريعية والاجتماعية، والعلمية، وبما يشمل الفضاء والذكاء الاصطناعي.
وقالت: «أطلقت دولة الإمارات تحت رعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات)، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، العديد من المبادرات الوطنية التي هدفت إلى دعم وحماية وتمكين المرأة، وحصلت على المرتبة الأولى إقليمياً، والمرتبة السابعة عالمياً، في مؤشر المساواة بين الجنسين الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2024، وهو ما يُظهر التزام بلادي الراسخ بالنهوض بالنساء والفتيات باعتباره مفتاح تحقيق السلام والتنمية المستدامة».
وأكد البيان ضرورة استجابة المجتمع الدولي فوراً من خلال توفير الحماية والدعم الضروريين للنساء والفتيات المتضررات من النزاعات، وخاصة في ظل مرور عامٍ كاملٍ على بدء الحرب على غزة، وانتشار نيران الصراع إلى باقي أنحاء المنطقة. 
ودعت إلى عدم إغفال حجم الآلام والمعاناة التي تعانيها مجتمعات مختلفة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة النساء والفتيات في كل من فلسطين ولبنان.
وقال البيان: «على الرغم من اعتقادنا بأن حماية النساء والفتيات لن تتحقق إلا من خلال التوصل لوقف إطلاق نار فوري ودائم، إلا أن بلادي ستواصل التزامها بتقديم المساعدات الإنسانية المستجيبة لمنظور الجنسين، بما في ذلك من خلال تقديم اللوازم الصحية ومستلزمات الأمومة، إلى مناطق الصراع المختلفة وبالأخص غزة ولبنان».
وأردف: «يجب أن تكون النساء والفتيات في صلب الجهود الرامية إلى التصدي للتهديدات العالمية الناشئة. ومن هذا المنطلق، وقعت بلادي شراكة استراتيجية مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مطلع هذا العام لإنشاء صندوق المرأة للمناخ، والذي يهدف إلى دعم جهود المنظمات النسائية العاملة في مجال العمل المناخي، كما أطلقت بلادي خلال الدورة الـ28 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ شراكة تهدف إلى تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي يستجيب لمنظور الجنسين في قطاع الطاقة. وتسعى هذه الشراكة والتي حظيت بدعم أكثر من 60 طرفاً إلى تعزيز دور المرأة في جهود التكيف والتخفيف والتمويل المستدام».
وفي ختام البيان، أكدت الإمارات دعم تمكين وحماية النساء والفتيات في الدولة وعلى المستويين الإقليمي والدولي.

مقالات مشابهة

  • لقاء "القيادات النسائية" يحتفي بالنماذج الرائدة في جنوب الباطنة
  • هل يجوز دفن الرجال مع النساء والزوج مع الزوجة والأم مع ابنها؟
  • قصص مؤلمة.. ازدياد مقلق في حالات العنف ضد النساء
  • دور النساء في مسار السلام بالسودان.. القيادة والتمكين الاقتصادي
  • الإمارات: النهوض بالنساء مفتاح تحقيق السلام والتنمية المستدامة
  • لقاء يبرز نماذج من القيادات النسائية يجنوب الباطنة
  • ملتقى صحي يناقش حياة المرأة اليومية ومرحلة ما قبل الزواج
  • كيف حافظ القانون على حقوق المرأة من الضياع؟.. تفاصيل
  • لا للنساء في المدرجات .. جدل في المغرب حول منع المرأة من حضور المباريات