طائرات الدرون تقدم حلولا مبتكرة وتحسن كفاءة العمليات
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
تُعدّ الطائرات بدون طيار، أو ما يُعرف بالدرون، من أحدث التقنيات التي أثرت بشكل كبير على العديد من القطاعات، خاصة في مجالات اللوجستيات والمراقبة. حيث يتم استخدامها بشكل متزايد لتحسين كفاءة العمليات، وتعزيز السلامة، وتقديم حلول مبتكرة لتحديات متعددة تواجه الموانئ والمدن الصناعية. في هذا التقرير، نستعرض كيف يمكن لهذه القطاعات الاستفادة من استخدام الدرون، مع التركيز على التطبيقات العملية، والتقنيات المستخدمة، والتجارب الناجحة، وأهداف التنمية المستدامة.
تحسين كفاءة العمليات اللوجستية
يقول عماد بن عامر الرميمي، مبتكر ومختص في مجال الدرون والذكاء الاصطناعي: «تتعدد فوائد استخدام الدرون في تحسين كفاءة العمليات اللوجستية، حيث تُعد قدرة الدرون على مراقبة مناطق واسعة من الموانئ والمدن الصناعية بسرعة تفوق الطرق التقليدية من أبرز فوائدها. كما يمكن للدرون تحديد الأخطاء والملحوظات بسهولة، ما يتيح تحليل هذه البيانات عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي. وهذا النوع من المراقبة يسهم في الكشف المبكر عن المشكلات، ما يوفر الوقت والموارد».
كما يعد استخدام الدرون وسيلة فعالة لنقل الطرود الصغيرة والأدوات المهمة بسرعة عبر المناطق الحيوية. حيث توفر حلًا للحد من الازدحام وتقليل الوقت الضائع في عمليات النقل. كما تسهم أيضًا في تجميع بيانات دقيقة حول حركة البضائع والمركبات، ما يساعد على تحسين تدفق العمل وتقليل الزحام. كذلك، تستخدم تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد والذكاء الاصطناعي لفحص المخزون بالمستودعات الكبيرة بدقة وسرعة، ما يسهل تحديد الكميات المتوفرة والاحتياجات المستقبلية.
التطبيقات العملية للدرون في المراقبة وتحليل البيانات
وأشار الرميمي إلى أن التطبيقات العملية للدرون في مجال المراقبة وتحليل البيانات متعددة الأبعاد. وتُستخدم الدرون لمراقبة خطوط السكك الحديدية والجسور والمستودعات، ما يساعد في اكتشاف الأعطال مبكرًا والتقليل من حوادث السلامة، كما تقدم الدرون بيانات حية حول حركة المرور داخل الموانئ والمناطق الاقتصادية، ما يسهل تنظيم الدخول والخروج وتسهيل تدفق الحركة. حيث تُستخدم أيضًا لرصد الانبعاثات الضارة والتلوث في المناطق الاقتصادية، ما يُعزز جهود المراقبة البيئية ويساعد في تطبيق معايير السلامة البيئية.
التقنيات المستخدمة في تطبيقات الدرون
تستند تطبيقات الدرون إلى مجموعة من التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي (AI) الذي يُستخدم لتحليل البيانات بشكل متقدم واتخاذ قرارات في الوقت الفعلي، ما يُسهم في تعزيز كفاءة العمليات. تعتمد الدرون أيضًا على أنظمة تحديد المواقع (GPS) التي توفر دقة عالية في تحديد المواقع، ما يُسهل عمليات التوجيه والمراقبة، وتُستخدم الكاميرات الحرارية والتصوير ثلاثي الأبعاد لمراقبة المرافق بشكل فعّال واكتشاف الأعطال.
وقال الرميمي: «هناك العديد من التجارب الناجحة حول العالم التي توضح فعالية استخدام الدرون، ففي سنغافورة، تُستخدم الدرون في الموانئ لتفتيش السفن ورصد الحمولات، ما أسهم بتقليل وقت التفتيش وزيادة كفاءة العمليات اللوجستية. وفي نيذرلاند، استخدمت الدرون لمراقبة تدفق البضائع ومتابعة العمليات في ميناء روتردام، ما أدى إلى تحسين إدارة الموارد وزيادة الإنتاجية، وأما في الولايات المتحدة، فقد تم توظيف الدرون لرصد التسربات البيئية في حقول النفط والموانئ، بالإضافة إلى استخدامها في نقل الطرود، ما يسهم بتعزيز السلامة والكفاءة».
أهداف التنمية المستدامة
وأكد الرميمي أن الدرون تُعَد أداة مهمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فالاستخدام في عمليات المراقبة والنقل يقلل من الحاجة لاستخدام المركبات الكبيرة، ما يسهم في تقليل انبعاثات الكربون، كما تسهم أيضًا بمراقبة التلوث البيئي وتحليل البيانات البيئية، ما يُحسن من جودة الهواء والمياه في المناطق الصناعية، من خلال تحليل بيانات الطاقة في المرافق الصناعية والموانئ، ما يمكن من تحسين استهلاك الطاقة وتقليل الفاقد، ويُعزز من كفاءة العمليات. وأضاف الرميمي: «تُظهر الابتكارات المستقبلية في مجال استخدام الدرون إمكانيات هائلة، وستكون الدرون متعددة المهام ذاتية القيادة مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتتكيف مع الظروف البيئية والمهام المتعددة بشكل ديناميكي، كما سيتم تطوير درون أسرع وأكبر لنقل الحمولات بشكل أسرع وأكثر أمانًا، يشمل ذلك دمج الطاقة المتجددة والهيدروجينية في تشغيل الدرون، ما يعزز من كفاءة الأداء ويقلل من الأضرار البيئية».
كما أضاف: استخدام الطائرات بدون طيار (الدرون) في العمليات اللوجستية والمراقبة في الموانئ والمدن الصناعية يفتح آفاقًا جديدة لتحسين الكفاءة وتحقيق التنمية المستدامة. من خلال التطبيقات المتنوعة والتقنيات المتطورة، يمكن للدرون أن تؤدي دورًا أساسيًا في مواجهة التحديات اللوجستية والبيئية، ومع استمرار الابتكارات في هذا المجال فمن المتوقع أن تزداد فعالية الدرون في المستقبل، ما يؤثر إيجابيًا على جميع جوانب العمليات اللوجستية والإدارة البيئية.
الموانئ والمدن الصناعيةسفيان المعمري من ميناء صحار يقول: «تعتبر طائرات «الدرون» أدوات فعالة تسهم في تحسين الوصول إلى المواقع التي يصعب الوصول إليها باستخدام وسائل النقل التقليدية من خلال استخدام الدرون، يمكن تقليل التكاليف والوقت اللازم للوصول إلى هذه المواقع، ما يسهل عمليات النقل في الموانئ والمدن الصناعية، حيث تعمل طائرات «الدرون» على تحسين سلسلة الإمداد من خلال تقديم حلول مبتكرة لنقل البضائع، فبدلًا من الاعتماد على الشاحنات التقليدية أو الوسائل الأخرى التي قد تواجه زحامًا مروريًا أو صعوبات في الوصول إلى بعض المناطق، تستطيع الدرون تجاوز هذه العقبات بسرعة، كما يمكن استخدامها لنقل الإمدادات إلى المناطق النائية أو المواقع التي يصعب الوصول إليها بسبب التضاريس الوعرة، وهذا يعزز من كفاءة العمليات اللوجستية بشكل كبير».
مراقبة وتحليل البيانات والتقنيات
كما أشار المعمري إلى أنه في مجال الهندسة، تعدّ المراقبة وجمع البيانات أمرًا بالغ الأهمية، حيث إن تقنيات طائرات «الدرون» تمكننا من إجراء تفتيشات دورية كل 3 أشهر بدلًا من التفتيش السنوي، ما يساعد في تحديد الحاجة للصيانة مبكرًا، وهذه القدرة على المراقبة المنتظمة تعزز من السلامة العامة وتساعد في تقليل التكاليف المرتبطة بالصيانة، وعندما يمكن تحديد المشكلات مبكرًا، يصبح من السهل معالجة العيوب قبل أن تتحول إلى مشكلات أكبر، ما يوفر الوقت والموارد. بالإضافة إلى ذلك، يتمكن المهندسون من جمع بيانات دقيقة تتعلق بالأداء العام للمنشآت، ما يمكنهم من تحسين العمليات بشكل مستمر.
أما حول التقنيات المستخدمة حاليًا في تطبيقات «الدرون» فقد قال المعمري: «نستخدم تقنيات متقدمة مثل التعلم العميق (Deep Learning) لتحليل البيانات المجمعة من الطائرات، حيث إن هذه التقنية تتيح لنا رسم خرائط لمواقع التشققات وتآكل المواد، ما يساعد باتخاذ قرارات مستنيرة».
كما أن التعلم العميق يسمح لنا بمعالجة كميات ضخمة من البيانات بسرعة وكفاءة، فعلى سبيل المثال، يمكن للدرون جمع الصور والفيديوهات من عدة مواقع ، ويقوم النظام بتحليل هذه البيانات لتحديد المشكلات المحتملة، حيث يُعد هذا النوع من التحليل ضروريًا لضمان سلامة المنشآت وكفاءة العمليات، ما يسهم في اتخاذ خطوات استباقية لتجنب الأعطال».
تجارب ناجحةوأكد المعمري أنه توجد العديد من الدول التي بدأت تعتمد على طائرات «الدرون» في مختلف المجالات، ففي سلطنة عمان، بدأ استخدام «الدرون» في ميناء صحار منذ عام 2019، كما أن هناك تجارب كثيرة في استخدام الدرون بالدول الأخرى تشمل مجالات متنوعة مثل الزراعة، حيث تُستخدم لمراقبة المحاصيل وجمع البيانات حول حالة التربة، وأيضًا في قطاع الخدمات الصحية لنقل الإمدادات الطبية إلى المناطق النائية. هذه التجارب تعكس الفوائد الكبيرة لطائرات الدرون في تحسين الكفاءة وزيادة الأمان في العمليات.
وأضاف المعمري: «على الرغم من الفوائد الكبيرة للدرون إلا أنها تواجه بعض التحديات القانونية والتنظيمية في سلطنة عمان، ومن أبرز هذه التحديات الحاجة للحصول على الموافقات اللازمة من الجهات المختصة، مثل الطيران المدني، حيث إن هذه الإجراءات قد تستغرق وقتًا طويلًا، ما يؤثر على عملياتنا ويؤدي إلى تأخيرات غير مرغوبة. علاوة على ذلك، هناك قضايا تتعلق بالخصوصية والسلامة التي يجب أخذها بعين الاعتبار، حيث إنه من الضروري التفاعل المستمر مع السلطات المعنية لضمان الامتثال للتشريعات والمتطلبات القانونية، ما يسهل العملية ويساعد على تحقيق الأهداف المرجوة. كذلك فإن مخاوف الخصوصية والأمان تعدّ من الأمور المهمة التي يجب مراعاتها عند استخدام الدرون، لذا ينبغي أن نكون حذرين في المناطق الحساسة، لضمان عدم انتهاك الخصوصية. ويجب تطبيق تقنيات الأمان مثل تشفير البيانات وأنظمة التعرف على الوجه الذي يمكن أن يساعد في تعزيز الأمان، كما أن تدريب الفرق العاملة على التعامل مع الدرون بشكل آمن وفعال يعد جزءًا أساسيًا من عملية الاستخدام، ما يضمن سلامة البيانات وحماية الخصوصية».
الجامعات ومراكز البحثوأضاف المعمري: «نحن نعمل بشكل وثيق مع الجامعات ومراكز البحث لتطوير تطبيقات جديدة لطائرات «الدرون» والتعاون مع جامعة السلطان قابوس، ولدينا مختبر في الذكاء الاصطناعي، والذي يسهم في تطوير مشروعات مبتكرة. وهذا التعاون يعزز من قدرة الباحثين على تقديم حلول جديدة ومبتكرة يمكن استخدامها في عدة مجالات، كما يسهم بتوفير بيئة تعليمية عملية تسهم بإعداد الجيل القادم من المتخصصين في هذا المجال».
تطبيقات الدرون في الزراعة
من جانبه، يذكر خلفان الطوقي، خبير اقتصادي، أن «التجارب الناجحة لاستخدام الدرون في معالجة أمراض النخيل تُظهر أهمية هذه التكنولوجيا في القطاع الزراعي بشكل خاص، فمن خلال المراقبة الدقيقة للحقول وتطبيق العلاجات بشكل فعّال، تمكنت الدرون من زيادة صحة النباتات وإنتاجيتها.
على سبيل المثال، يمكن للطائرات بدون طيار أن تقوم بمسح المناطق الزراعية وتحديد مناطق الإصابة بالأمراض بدقة عالية، ما يُساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات موثوقة».
علاوة على ذلك، يمكن استخدام الدرون في رصد مستويات الرطوبة والتغيرات المناخية، ما يتيح للمزارعين توقع احتياجات المحاصيل وتخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة، كما يُسهم استخدام الدرون في الزراعة بتحسين الإنتاجية والحفاظ على البيئة من خلال تقليل استخدام المواد الكيميائية والمبيدات الزراعية.
إمكانيات استخدام «الدرون» في مجالات أخرى
كما أشار الطوقي إلى أن فوائد الطائرات بدون طيار لا تقتصر على الزراعة فقط، بل يمكن توظيفها في العديد من المجالات الأخرى. في قطاع اللوجستيات، تُعدّ الدرون أداة فعّالة لتحسين كفاءة العمليات التجارية، من خلال توفير الوقت والجهد في نقل البضائع، يمكن أن تُسهم بتقليل تكاليف التوصيل وتحسين تجربة الزبائن. يمكن استخدام الطائرات بدون طيار لتوصيل الطرود بسرعة إلى المناطق النائية أو ذات التضاريس الوعرة، حيث تكون وسائل النقل التقليدية غير فعّالة.
كما يمكن توظيف الدرون في مجالات مثل التصوير الجوي، حيث تُستخدم في توثيق الفعاليات أو تقديم خدمات المراقبة للأماكن السياحية. وتُستخدم أيضًا في مجال الأمن، حيث تسهم بعمليات المراقبة والتفتيش على المنشآت الحيوية.
أهمية دمج التكنولوجيا
ويؤكد الطوقي أهمية الدراسات التي تشير إلى أن التكامل بين الدرون والتقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة، يمكن أن يُحسن بشكل كبير من الإنتاجية ويُعزز جودة الخدمات والمنتجات، ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات التي تجمعها الطائرات بدون طيار، ما يساعد الشركات على اتخاذ قرارات مستنيرة ومبنية على بيانات دقيقة.
من خلال دمج هذه التكنولوجيا مع التطبيقات الأخرى، يمكن للشركات تحقيق نتائج مرضية وزيادة الأرباح، ويتطلب ذلك استراتيجية واضحة تضمن تكامل الأنظمة وتحسين الأداء العام، كما يجب على المؤسسات العمل على تطوير المهارات اللازمة لدى الموظفين لضمان الاستفادة القصوى من هذه التقنيات الحديثة. كما أشار الطوقي إلى «أنه رغم الفوائد المحتملة، قد يواجه القطاع الخاص في سلطنة عمان تحديات متعددة عند محاولة استخدام هذه التكنولوجيا. من أبرز هذه التحديات التكلفة المرتفعة، التي قد تشكل عائقًا أمام تحقيق الفوائد الاقتصادية المرجوة، تشمل التكاليف المرتبطة بالاستثمار في الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى التدريب اللازم للمستخدمين والصيانة الدورية للتكنولوجيا، علاوة على ذلك، هناك تحديات تنظيمية وتكنولوجية تتطلب معالجة شاملة، حيث يجب أن تكون هناك استعدادات قانونية وتنظيمية واضحة تدعم استخدام الدرون وتُيسر عملية دمجها في الأنشطة التجارية والصناعية، فغياب الإطار القانوني المناسب قد يُعيق الاستفادة الكاملة من هذه التكنولوجيا. ويجب على الحكومة العمل على وضع القوانين اللازمة التي تحدد الاستخدامات المشروعة للطائرات بدون طيار، وضمان السلامة والأمان في الفضاء الجوي».
دور الجهات المعنية
يؤكد الطوقي على أن تعزيز استخدام الطائرات بدون طيار في سلطنة عمان يتطلب جهدًا جماعيًا من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الأكاديمي، كما يجب أن تتعاون هذه الأطراف لإنشاء بيئة ملائمة تشجع على الابتكار وتضمن تحقيق الفوائد المرجوة من هذه التقنية الحديثة. ويجب أن تشمل هذه الجهود تنظيم وحلقات عمل ومؤتمرات تهدف إلى رفع الوعي حول الفوائد المحتملة لتكنولوجيا الدرون وتوفير التدريب اللازم للمستخدمين.
وبشكل عام، فإن المستقبل واعد لاستخدام الطائرات بدون طيار في سلطنة عمان، شريطة معالجة التحديات الحالية واستغلال الفرص المتاحة، من خلال الاستفادة من التجارب العالمية وتطبيق استراتيجيات فعّالة، يمكن لسلطنة عمان أن تُعزز موقعها في مجال التكنولوجيا لتحقق نتائج إيجابية في مختلف القطاعات، حيث إن تفعيل هذه التكنولوجيا ليس فقط خطوة نحو التطور، بل هو أيضًا استثمار في مستقبل أكثر كفاءة واستدامة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: استخدام الطائرات بدون طیار استخدام الدرون فی الذکاء الاصطناعی هذه التکنولوجیا وتحلیل البیانات فی سلطنة عمان یمکن استخدام العدید من ما یساعد یساعد فی ما یسهم یسهم فی ما یمکن فی مجال من خلال ت ستخدم حیث إن عزز من إلى أن
إقرأ أيضاً:
مراكز البيانات الأميركية في مرمى التجسس الصيني.. ثغرات تهدد الذكاء الاصطناعي
في قلب السباق العالمي المحموم نحو الذكاء الاصطناعي الفائق، الذي تتنافس فيه الأمم لتطوير أنظمة قادرة على إعادة تشكيل موازين القوى، تبرز نقطة ضعف خفية، لكنها بالغة الأهمية، قد تقلب هذه المنافسة رأسا على عقب.
فمراكزُ البيانات الأميركية، التي تمثل البنية التحتية الحيوية لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، أصبحت هدفا رئيسيا لتهديدات سيبرانية متطورة، يُخشى أن يكون بعضها مدعوما من قوى دولية منافسة.
تقرير حديث صادر عن "غلادستون إيه آي" (Gladstone AI)، راجعته البيت الأبيض، يكشف عن ثغرات أمنية خطِرة في هذه المراكز قد تؤدي إلى تعطيل مشاريع الذكاء الاصطناعي وتقويض الأمن القومي الأميركي على حد سواء، خاصة مع إمكانية استغلال هذه الهجمات سرقة ملكية فكرية حساسة أو شن هجمات تخريبية مدمرة.
وفي هذا السياق، يتبادر إلى الذهن سؤال محوري: هل يمكن أن تكون مراكز البيانات، التي تعتبر حصونا للابتكار، هي نفسها نقطة الضعف القاتلة في معركة الذكاء الاصطناعي؟
التجسس الصيني يترصّد مراكز الذكاء الاصطناعي.. ماذا كشف تقرير "غلادستون إيه آي"؟تستثمر شركات التكنولوجيا مئات المليارات من الدولارات في إنشاء مراكز بيانات جديدة داخل الولايات المتحدة، حيث يفترض في حال سارت الأمور وفقا للخطة، أن تستخدم هذه المراكز لتطوير نماذج ذكاء اصطناعي فائقة القوة.
إعلانغير أن هذه المراكز، بحسب التقرير الذي نشره مركز "غلادستون إيه آي" (Gladstone AI) الثلاثاء 22 أبريل/نيسان، تواجه خطرا متزايدا يتمثل في التجسس الصيني. ويرى معدّو التقرير أن التهديد لا يقتصر على الخسائر المالية المحتملة لشركات التكنولوجيا، بل يمتدّ ليطال الأمن القومي الأميركي، في ظل السباق الجيوسياسي الشرس مع الصين للوصول إلى تفوق في تطوير الذكاء الاصطناعي المتقدم.
وبحسب مؤلفيْ التقرير، الشقيقين إدوار وجيرمي هارس من شركة "غلادستون إيه آي"، الاستشارية للحكومة الأميركية بشأن التداعيات الأمنية لِتقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد جرى تداوله بنسخته غير المنقحة داخل البيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة من إدارة ترامب. وقد حصلت مجلة "تايم" (Time) على نسخة منقحة منه قبل نشره للجمهور، بينما امتنع البيت الأبيض عن التعليق على محتواه.
ويحذر التقرير من أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الكبرى الحالية، وكذلك تلك التي قيد الإنشاء مثل مشروع "ستارغيت" (Stargate) التابع لـ "أوبن إيه آي" قد تواجه نوعين من التهديدات التي قد تنفذها جهات معادية على مستوى الدول، وفقا لما صرح به المؤلفون لمجلة "تايم"، وهما:
التخريب غير المتماثل: إذ يمكن لهجمات منخفضة التكلفة أن تحدث شللا في العمليات الحيوية لهذه المراكز عدة أشهر. هجمات التسريب: وتستهدف مباشرة سرقة أو مراقبة النماذج المحمية التي تمثل جوهر التقدم في هذا المجال.وفي هذا السياق، يقول إدوار هاريس، أحد مؤلفي التقرير: "قد ينتهي بنا الأمر إلى عشرات من مواقع مراكز البيانات التي تعدّ فعليا أصولا عالقة، لا يمكن تحديثها لتلبية متطلبات الأمن المطلوبة"، ووصف ذلك بأنه "ضربة قاسية ومؤلمة".
تجدر الإشارة إلى أن الشقيقين هارس، وخلال عام كامل من البحث، زارا مع فريق يضم عناصر سابقين من القوات الخاصة الأميركية المتخصصين في الأمن السيبراني، أحد مراكز البيانات التابعة لإحدى كبرى شركات التكنولوجيا.
إعلانحيث اطلعوا أثناء عملهم على حالة مؤكدة تعرّض فيها مركز بيانات تابع لشركة أميركية لهجوم نتج عنهُ سرقة ملكية فكرية، إضافة إلى محاولة استهداف منشأة أخرى عبر مكون حساس لم يُذكر اسمه، وهو هجوم كان من شأنه، لو نجح، أن يعطل المركز أشهرا.
علاوة على ذلك، يتناول التقرير دعوات أطلقتها جهات من وادي السيليكون ودوائر في واشنطن للشروع في "مشروع مانهاتن" (Manhattan Project) للذكاء الاصطناعي، بهدف تطوير ما يُعرف بـ "الذكاء الفائق"، وهي تقنيات ذكاء اصطناعي خارقة قد تمنح الولايات المتحدة تفوقا إستراتيجيا على الصين.
وعلى الرغم من النبرة التحذيرية للتقرير، فإنه لا يدعو صراحة إلى تنفيذ هذا المشروع، كما لا يعارضه. بل يشير إلى أن الشروع في مثل هذا الجهد الطموح دون معالجة نقاط الضعف الحالية قد يؤدي إلى فشله بدايةً.
ويختتم: "ليس هناك ما يضمن أننا سنبلغ الذكاء الفائق قريبا، لكن إذا حدث ذلك، وكنّا نريد حمايته من السرقة أو التخريب على يد الحزب الشيوعي الصيني، فعلينا أن نبدأ في بناء منشآت آمنة من الأمس، لا من الغد".
يكشف التقرير عن نقطة ضعف أخرى تتمثل في الهيمنة الصينية على أجزاء رئيسية من مكونات مراكز البيانات الحديثة، حيث يتم تصنيع العديد من هذه المكونات حصريا أو شبه حصري داخل الصين. ومع التوسع الهائل في صناعة مراكز البيانات، فإن الطلب على هذه الأجزاء قد تفاقم عدة سنوات، مما يعقد عملية الحصول عليها.
وهذا يعني أن أي هجوم على مكون حيوي معين قد يتسبب في تعطيل مركز البيانات مدة طويلة، قد تصل إلى عدة أشهر أو أكثر.
ويزعم التقرير أن بعض هذه الهجمات قد تكون غير متكافئة بشكل كبير. على سبيل المثال، يمكن تنفيذ إحدى هذه الهجمات المحتملة مقابل 20 ألف دولار فقط، وإذا نجحت، يمكن أن تعطل مركز بيانات بقيمة 2 مليار دولار فترة تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة كاملة.
إعلانكما يشير التقرير أيضا، إلى أن الصين قد تؤخر شحن المكونات الضرورية لإصلاح مراكز البيانات المتضررة نتيجة لهذه الهجمات، خصوصا إذا اعتبرت أن الولايات المتحدة على وشك تطوير الذكاء الفائق. ويؤكد المصدر نفسه أنه "من المحتمل أن تبدأ المهل الزمنية للمكونات الحيوية، مثل المولدات والمحولات في ازدياد غامض، مقارنة بما هي عليه الآن".
ويضيف التقرير أنه في حال حدوث ذلك، سيكون مؤشرا على أن الصين تُحول في هدوء هذه المكونات إلى منشآتها الخاصة، نظرا لسيطرتها على القاعدة الصناعية التي تصنع معظمها.
كيف تفتح الثغرات الأمنية في مختبرات الذكاء الاصطناعي الطريق لهجمات الدول الكبرى؟يفيد التقرير، أن مراكز البيانات الحالية، ومختبرات الذكاء الاصطناعي نفسها، لا تتمتع بالأمان الكافي لمنع سرقة أوزان الذكاء الاصطناعي، التي تعدّ أساس الشبكات العصبية الكامنة وراء هذه النماذج. ووفقا للمصدر نفسه، فإن هذه الثغرات قد تتيح للمهاجمين على مستوى الدولة تنفيذ هجمات فعالة.
في هذا السياق، يستشهد المؤلفون بمحادثة مع باحث سابق في "أوبن إيه آي"، الذي وصف ثغرتين قد تسمحان بحدوث هجمات مشابهة. واحدة من هذه الثغرات أُبلِغ عنها على قنوات "سلاك" (Slack) الداخلية للشركة، لكنها ظلت بلا معالجة عدة أشهر.
ورغم أن التفاصيل الدقيقة للهجمات لم تدرج في النسخة التي اطلعت عليها مجلة "تايم" من التقرير، إلا أن تلك الحوادث تسلط الضوء على ثغرات كبيرة في أنظمة الأمان.
في المقابل، صرح متحدث باسم "أوبن إيه آي" في بيان: "ليس من الواضح تماما ما تشير إليه هذه الادعاءات، لكن يبدو أنها قديمة ولا تعكس الوضع الحالي لمُمارساتنا الأمنية. لدينا برنامج أمني صارم تشرف عليه لجنة السلامة والأمن التابعة لمجلس إدارتِنا".
ورغم هذه الردود، يقر مؤلفو التقرير أن الأمور تتحسن ببطء. حيث يقول التقرير: "وفقا لعدد من الباحثين الذين تحدثنا إليهم، فقد شهد الأمن في مختبرات الذكاء الاصطناعي الرائدة تحسنا طفيفا في العام الماضي، لكنه لا يزال بعيدا عن توفير الحماية الكافية من هجمات الدول".
إعلانكما أضاف المصدر ذاته، أن الضوابط الأمنية الضعيفة في العديد من هذه المختبرات ناتجة في جزء منها عن تحيز ثقافي نحو السرعة على حساب تعزيز الأمن.
وبحسب تقرير مجلة "تايم"، يتفق الخبراء المستقلون على أن العديد من هذه المشكلات لا تزال قائمة، إذ يقول غريغ ألين، مدير مركز "وادهني" للذكاء الاصطناعي (Wadhwani AI center) في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن: "لقد شهدنا حوادث علنية لعصابات إلكترونية تخترق طريقها إلى أصول ملكية فكرية لشركة إنفيديا أخيرا".
ويضيف: "أجهزة الاستخبارات الصينية أكثر قدرة وتطورا من هذه العصابات. ومن ثم، هناك فجوة كبيرة بين الهجوم والدفاع عندما يتعلق الأمر بالمهاجمين الصينيين والمدافعين عن شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية".
وكمثال واضح على هذه الفجوة، يكفي استرجاع قضية مجموعة "لابسوس" ($Lapsus) إذ اخترقت عدة شركات تكنولوجية كبرى مثل "أوبر" (Uber) و"إنفيديا" و"روكستار غيمز" (Rockstar Games)، وتضم في أعضائها مراهقين من المملكة المتحدة والبرازيل، واستطاعت الوصول إلى بيانات حساسة لشركات عملاقة، مما يعكس خطورة الهجمات التي قد تكون أكثر تنظيما بفعل دول مثل الصين.
يشير التقرير إلى نقطة ضعف حاسمة ثالثة تتمثل في قابلية مراكز البيانات ومطوري الذكاء الاصطناعي للتأثر بنماذج الذكاء الاصطناعي القوية نفسها. فقد أظهرت دراسات حديثة، أجراها باحثون بارزون في هذا المجال، أن النماذج المتقدمة بدأت تبدي دوافع ومهارات تقنية تؤهلها للإفلات من القيود التي فرضها عليها مطوّروها.
ومن أبرز الأمثلة التي وردت في التقرير، حالة نموذج تابع لـ "أوبن إيه آي" كُلف أثناء الاختبار بمهمة استرجاع سلسلة نصية من برنامج معيّن، إلا أن البرنامج لم يعمل لخلل في الاختبار. عندها، بادر النموذج من تلقاء نفسه، ودون أي توجيه بشري، إلى مسح الشبكة لفهم سبب الخلل.
إعلانوأثناء هذا المسح، اكتشف ثغرة أمنية في الجهاز الذي يعمل عليه، فاستغلها مرة أخرى من دون أي توجيه للخروج من بيئة الاختبار واستعادة السلسلة التي طلب منه في البداية العثور عليها.
وجاء في التقرير: "مع بناء تطوير مطوري الذكاء الاصطناعي لنماذج ذكاء اصطناعي أكثر قدرة على طريق الوصول إلى الذكاء الفائق، أصبحت تلك النماذج أصعب في التصحيح والتحكم. يحدث هذا لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية القدرة والواعية بالسياق يمكنها ابتكار إستراتيجيات إبداعية خطِرة لتحقيق أهدافها الداخلية لم يتوقعها مطوروها أو يقصدوها أبدا".
وبناء عليه، يوصي التقرير بضرورة أن تتضمن جهود تطوير الذكاء الاصطناعي آليات فعالة لاحتواء الذكاء الاصطناعي، مع تمكين القادة المسؤولين من إيقاف تطوير الأنظمة الأقوى في حال تبين أن مستوى الخطر مرتفع للغاية.
ومع ذلك، يحذر المؤلفون من أنه في حال تمكنوا فعلا من تدريب ذكاء فائق حقيقي له أهداف مختلفة عن أهدافهم، فمن المحتمل ألا يكون قابلا للاحتواء على المدى الطويل، مثلما ورد في التقرير.
في اختبار القوة والأخلاقعلى الرغم من أن المقارنة بـ"مشروع مانهاتن" تبدو محملة برمزية درامية، إلا أنها تفضح قلقا أميركيا عميقا، ليس من خسارة التفوق التقني فحسب، بل من تحول الذكاء الاصطناعي إلى سلاح إستراتيجي بيد منافس لا يمكن التنبؤ بسلوكه.
لكن القلق الأكبر لا يكمن في تسرب التقنية فحسب، بل في ما قد تفعله أميركا بها حين تحتكرها. هل تبقى المبادئ الأخلاقية كالنشر المفتوح والحوكمة العالمية، جزءا من معادلة الذكاء الاصطناعي؟ أم إن التقنية، مثلما رأينا في الطاقة النووية، ستخضعُ لحسابات الهيمنة والاصطفاف السياسي؟
هذا التوتر يتفاقم حين تنكشف الازدواجية الأخلاقية للولايات المتحدة، التي تدعو إلى "الذكاء الاصطناعي المسؤول" في المؤتمرات الدولية، بينما تدعم آلة إبادة لا هوادة فيها تشنّ على قطاع غزة، وتقف سياسيّا وتقنيا إلى جانب جيش احتلال أباد حتى اليوم، أكثر من خمسين ألف إنسان على مرأى من العالم.
إعلانيبدو أن واشنطن في مفترق طرق حقيقي: هل ستقود مستقبل الذكاء الاصطناعي باعتبارها قوة علمية وقيمية؟ أما أنها، كما تفعل اليوم، ستواصل استخدام التكنولوجيا لتعزيز مصالحها الخاصة والإخلال بميزان العدالة والكرامة في العالم؟