غزة - «عُمان»: بهاء طباسي: تشير المرجعيات العسكرية الإسرائيلية إلى أن العقيدة العسكرية في السياق الإسرائيلي لا تقتصر على كونها منظومة عملياتية تضع الإستراتيجيات والتكتيكات الحربية، بل تشكّل أحد أبرز مكونات العقلية والهوية والسيكولوجيا الإسرائيلية المرتبطة بالوجود الإسرائيلي.

ولكن على مدار أحداث ومعارك الصراع «الإسرائيلي-الفلسطيني» لم تكن هناك عمليات نوعية هزت أركان العقيدة العسكرية الصهيونية مثل «طوفان الأقصى»، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر عام 2023.

وبإجماع خبراء عسكريين ومراقبين، فإن «طوفان الأقصى» أظهرت نقاط الضعف والثغرات في الإستراتيجيات الدفاعية الراسخة في العقل الجمعي الصهيوني.

مفهوم العقيدة العسكرية الإسرائيلية

الصحفي والمحلل السياسي أمير كوهين تحدث في إحدى مقالاته، تحت عنوان «برويترس»، أي (المتظاهرون)، عن العقيدة العسكرية الإسرائيلية، التي تنطلق وفقًا له من أن الدولة اليهودية لا يمكنها خسارة أي حرب، والهدف الإستراتيجي هو تجنب تورط إسرائيل في وقت واحد في نزاعين مسلحين أو أكثر، وإن يكن بدرجات متفاوتة من كثافة العمليات القتالية، على طول حدودها.

وعرّف الخبراء العسكريون مفهوم العقيدة العسكرية بأنها «مجموعة المبادئ والتوجهات التي تعتمدها الدولة في إستراتيجياتها العسكرية»، ووفقًا لهم فإن إسرائيل واحدة من الدول القليلة، التي طورت عقيدة عسكرية وطنية شاملة وطبقتها عند تطبيق مفهوم استخدام القوات المسلحة في النزاعات الإقليمية.

وقبل أن نتطرق لمبادئ وتوجهات العقيدة العسكرية الإسرائيلية، يجب أن نوضح مسببات عمليات «طوفان الأقصى»، التي ضربت العقيدة العسكرية الصهيونية في مقتل.

طوفان الأقصى

أعلن قائد هيئة الأركان في كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس محمد الضيف، الشهير بـ«أبو خالد»، بدء عملية «طوفان الأقصى»، ردًا على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين، واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى.

وقال الضيف، في كلمة مسجلة بثتها قناة الأقصى: «نعلن عن بدء عملية طوفان الأقصى، التي استهدفت مواقع العدو من خلال خمسة آلاف صاروخ وقذيفة»، موضحًا أن «العدو دنّس المسجد الأقصى، واستباحه بشكل متكرر ومستفز، وهذا ما لا تقبل به المقاومة الفلسطينية».

ومنذ عقود، كانت القدس هي قبلة لأفئدة ملايين المسلمين حول العالم، وتعتبر مكانًا مقدسًا يتوسطه المسجد الأقصى، إلا أن التوترات المستمرة وتزايد الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد ومحيطه، أسهمت في تأجيج الصراع.

وقبل اندلاع «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023، شهد المسجد الأقصى سلسلة من الاقتحامات المتكررة من قِبل مستوطنين يهود مدعومين من قوات الاحتلال، مما أدى إلى تصاعد الغضب الفلسطيني.

هنا، يمكن اعتبار عملية «طوفان الأقصى» ليست مجرد حدث عابر، بل هو تجسيد للاحتقان الذي تفجر عبر صفحات التاريخ التي تحررت أحداثها كنسخ طبق الأصل في كل عام بل في كل يوم وساعة، كنتيجة حتمية على الإصرار والتعمد الصهيوني على اغتصاب المقدسات الإسلامية.

فخرجت مظاهرات حاشدة في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، رافضة لهذا السلوك الإجرامي، معتبرة أن «الأقصى هو الخط الأحمر ولا يجب الاقتراب منه»، وحملت رسائل متجذرة «تطالب بالحرية والعدالة، وتعبّر عن تمسك الفلسطينيين بأرضهم ومقدساتهم».

ردود الفعل العربية والدولية كذلك لم تكن بعيدة عن المشهد، حيث هزت الأحداث ضمير العالم، واستدعت دعوات متكررة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الإجراءات القمعية والممارسات التي تضر بالسلام.

ومع تصاعد ردود الفعل، أصبح العالم يتابع قلقًا التطورات في الأراضي المحتلة، مستشعرًا الأبعاد الإنسانية والسياسية لهذا النزاع، إلى أن انفجر الأمر ونفذت حركة حماس عمليات طوفان الأقصى، ونفذ الجناح العسكري لحركة حماس عمليات عسكرية نوعيه في الداخل الفلسطيني المحتل.

محددات العقيدة العسكرية الإسرائيلية

عصفت «طوفان الأقصى» بأساسيات العقيدة العسكرية الصهيونية، التي تستند إلى 6 محددات هي «الأمن القومي، والرد السريع والفعالية، والتفوق التكنولوجي، والعمليات المشتركة، والقوة العسكرية الاستباقية، والإستراتيجية النفسية»، وفقًا لصالح النعامي، الخبير الإستراتيجي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية.

وأكّد «النعامي» أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية ترتكز على مبدأ حماية الأمن القومي، متخذة من حماية الجمهور الإسرائيلي والدولة من التهديدات الخارجية والداخلية أولوية قصوى، إذ يتم التركيز على رصد وتحديد التهديدات باستخدام أجهزة استخبارات متقدمة.

وأشار إلى أنها تعتمد على القدرة على الرد السريع والفعّال على أي اعتداء، بما تتضمنه تلك الاستجابة من تنفيذ عمليات عسكرية دقيقة ضد الأهداف الموجودة على الأرض، مستندة إلى الاستثمار الصهيوني الضخم في التطور التكنولوجي العسكري، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي، والطائرات المسيرة، والأسلحة الذكية، موضحًا أن الابتكار التكنولوجي هو عنصر مركزي في إستراتيجية الكيان الصهيوني العسكرية.

وبيّن أن القوات المسلحة الإسرائيلية تعتمد على التنسيق المشترك بين مختلف الأفرع، مثل «الجيش، القوات الجوية، والبحرية»، مما يعزز القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية معقدة، فضلًا عن اتخاذ إجراءات استباقية ضد التهديدات المحتملة، مثل عرقلة تطوير الأسلحة لدى الأعداء أو مهاجمة مواقع تشتبه بها تستخدم لأغراض عسكرية.

كما أكّد «النعامي» خلال حديثه لـ«عُمان» أهمية الحرب النفسية في العقيدة العسكرية الصهيونية، حيث تستخدم الأجهزة العسكرية لدولة الكيان ما لديها من إمكانيات مالية وتكنولوجية واستخباراتية وإعلامية ضخمة في تقويض الروح المعنوية للعدو.

واستشهد المحلل الإستراتيجي الفلسطيني بترويج المتحدثين الإعلاميين لجيش الاحتلال أن «حركة المقاومة الإسلامية حماس منظمة إرهابية»، مع أن «المتأمل للعدوان الصهيوني على قطاع غزة المستمر منذ أكثر 11 شهرًا، وما تضمنه من قتل وتشريد وتدمير شنته آلة البطش الصهيونية ضد المدنيين ومنازلهم وممتلكاتهم في القطاع المحاصر، سيعرف تحديدًا من هو الإرهابي».

انهيار العقيدة العسكرية الصهيونية

تسببت عمليات «طوفان الأقصى» في انهيار العقيدة العسكرية الصهيونية، كونها تضمنت عنصري المفاجأة والدقة، اللذان أخلا بالتوازن الأمني للكيان الصهيوني،

فبين ليلة وضحاها اخترقت ثلة قليلة من مقاتلي «حماس» التحصينات العسكرية الإسرائيلية قرب مستوطنات غلاف غزة عبر تفجير فتحات في «الجدار العازل» واستخدام طائرات شراعية ومظلات أسقطت مقاتلين خلف خطوط العدو، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي وأسر أكثر من 200 آخرين.

تسبب هذا العمل البطولي من قبل المقاومة في إحداث تغييرات كبرى في التكتيكات العسكرية الإسرائيلية وتعزيز قدرات الطرف الفلسطيني، وفقًا لتقييمات ودراسات أعدتها مراصد صحفية وبحثية متخصصة في الشؤون الدفاعية، ارتأت أن «طوفان الأقصى» أجبرت جيش الاحتلال على إعادة تقييم التهديدات، وتعديل إستراتيجيته ضد الأنفاق والأسلحة المستخدمة من قبل المقاومة.

وبسبب عنصر المباغتة، اكتشف جيش الاحتلال أنه في حاجة ماسة إلى زيادة التنسيق بين الوحدات العسكرية وأجهزة الاستخبارات، لتعزيز كفاءة عملياته العسكرية وتوقع النشاطات العدائية، بالإضافة إلى تطوير وتحسين الأنظمة الدفاعية مثل «القبة الحديدية» ووسائل الكشف عن الصواريخ والطائرات المسيّرة.

وبينما فشلت الأجهزة العسكرية للاحتلال في التصدي لهجوم «السابع من أكتوبر» في حينه، برز اتجاه داخل القوات المسلحة الإسرائيلية نحو تحسين القدرة على الردود السريعة والاستجابة للتهديدات الناشئة بشكل أكثر فاعلية، مع تغيير جهود الحرب النفسية، لتعزيز القوة المعنوية للجنود والمواطنين الإسرائيليين.

فشل عسكري بعد عام من الحرب

وبعد نحو عام من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، فشل جيش الاحتلال في تحقيق أهداف الحرب الثلاثة المعلنة من قبل الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو وهي «القضاء على حركة حماس وإنهاء حكمها في القطاع، وإعادة الأسرى الإسرائيليين، وضمان عدم تشكيل قطاع غزة تهديدًا لأمن الاحتلال في المستقبل».

فما زالت «حماس» موجودة في قطاع غزة، وتنفذ عمليات ضد جيش الاحتلال، وتحتجز المئات من الأسرى الإسرائيليين، كما أن صواريخها تطول العمق الإسرائيلي.

وفي السابع عشر من سبتمبر 2024، أكّد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، جاهزية الحركة لخوض معركة استنزاف طويلة مع جيش الاحتلال في قطاع غزة، بدعم من محور المقاومة، وهو تحالف عسكري سياسي غير رسمي بين إيران وفلسطين وسوريا وحزب الله اللبناني، مناهض للغرب والاحتلال.

حاول رئيس وزراء الاحتلال التغطية على فشل جيشه في غزة، فزعم أن «عددًا من الأسلحة التي حصلت عليها المقاومة أتت عن طريق الأنفاق على الحدود بين مصر وقطاع غزة»، وهو ما دفع الخبير العسكري، ورئيس جهاز الشؤون المعنوية بالجيش المصري السابق، اللواء سمير فرج، للرد على ذلك، إبان زيارة رئيس الأركان المصري، للحدود مع غزة، في الخامس من سبتمبر الماضي.

وقال اللواء سمير حينذاك: «إنها رسائل عسكرية تعمل جنبًا إلى جنب مع العمل الدبلوماسي»، موضحًا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية فشل في تحقيق أهدافه العسكرية، «وما بقي له إلا أن يرمي اللوم على الآخرين».

سر نجاح طوفان الأقصى

كل تلك الأشياء مجتمعة تشير بما لا يدع مجالًا للشك إلى نجاح عملية «طوفان الأقصى»، وهو ما أكده المحلل السياسي الفلسطيني إياد جودة، الذي فنّد الأسباب التي أدت إلى نجاح العملية.

يرى «جودة» أن «طوفان الأقصى» لم تخلُ من الابتكار والتفكير غير التقليدي، إذ طورت الفصائل الفلسطينية إستراتيجيات جديدة ومفاجئة تعكس فكرًا جديدًا في الحرب و«تكتيكات القتال»، مستفيدة من التكنولوجيا الحديثة في ربط المقاتلين ببعضهم البعض.

وأشار النعامي إلى تطوير «حماس» لمهاراتها القيادية والتنظيمية داخل الحركة، سواء في الداخل أو الخارج، ما خلق نوعًا من التعاون بين الأعضاء، والقدرة على الابتكار بطريقة فعّالة، ورسم إستراتيجيات تتسم بـ«المرونة» في أوقات الأزمات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: طوفان الأقصى جیش الاحتلال قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

فرنسا قلقة بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة جنين ومخيمها

أعربت السلطات الفرنسية عن بالغ قلقها بشأن تصاعد التوترات الأمنية بالضفة الغربية من قبل عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي، واتساع رقعة الصراع بمدينة جنين ومخيمتها، وبنا ء عليه طالبت جميع الأطراف بـ«ضبط النفس».

وأفادت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، بأن الوزير جان نويل بارو خلال الفترة المقبلة سيتطرق إلى مسألة الاستيطان في الضفة الغربية مع نظرائه الأوروبيين خلال مجلس الشؤون الخارجية الذي يعقد يوم الاثنين الموافق 27 يناير 2025 في بروكسل.

وأضافت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية: أن «فكرة الاستيطان تتزايد بجانب تفاقم أعمال العنف التي يرتكبها المستعمرون المتطرفون، مما يؤدي لعدم الاستقرار».

وتابعت أن «هناك هجمات حديثة استهدفت عدة مناطق فلسطينية، مما أسفر عنه إصابة عدد من الفلسطينيين في الليلة ما بين 20 و21 كانون يناير 2025».

اقرأ أيضاًالأمم المتحدة تُبدي قلقها البالغ بشأن العنف المستمر في الضفة الغربية المحتلة

الضفة الغربية تدفع ثمن الهدنة في غزة.. مصير مجهول وتصعيد مستمر

الاحتلال يقتحم مدينة الظاهرية جنوبي الضفة الغربية ويصادر عددا من المركبات

مقالات مشابهة

  • فرنسا قلقة بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة جنين ومخيمها
  • صحيفة عبرية تكشف إخفاقات أمنية واستخباراتية كبيرة قبل ساعات من بدء “طوفان الأقصى” 
  • جنين: تواصل العملية العسكرية الإسرائيلية وتجدد الاشتباكات
  • بدء الحساب في الداخل الصهيوني:طوفان الأقصى يطيح برئيس أركان جيش الاحتلال وقائد «المنطقة الجنوبية».. ومطالبات باستقالة نتنياهو وحكومته
  • طوفان الأقصى.. تتويج لمسيرة الكفاح الفلسطيني
  • إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة  الإسرائيلية على غزة .. تقرير
  • تأملات في أبرز محطات معركة “طوفان الأقصى”.. من ساعة الصفر حتى إعلان الانتصار
  • محلل سياسي: عملية جنين العسكرية كانت متوقعة في ظل التحضيرات الإسرائيلية
  • محلل سياسي: العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جنين كانت متوقعة
  • فصائل المقاومة تُعقّب على العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين