بدأ موسم رحلة خطيل الإبل من السهول إلى الأودية في جبال محافظة ظفار، حيث يمتد هذا المسار من ضلكوت غربًا إلى سمحان شرقًا. إنه مشهد مهيب يثير شعورًا لا يمكن وصفه، حين ترى آلاف النوق ذات السلالات المحلية تنطلق في يوم واحد، مشكلةً ملحمة رائعة تتجه نحو الوديان والجبال الشاهقة. وقد أشرقت عليها شمس الربيع (الصرب)، مما منح الأشجار والأعشاب لونًا ذهبيًا جذابًا ووميضًا ناصعًا.

. إنها لحظة البداية التي تشير إلى افتتاح موسم الرعي المعروف محليًا بـ"خطيل الإبل".

وتسرح النوق في العديد من الشعاب والأودية الخصبة التي توفر المراعي الغنية والتغذية الجيدة. ويعتبر حليب النوق، برغوته البيضاء كثلج، رمزًا لهذه الوفرة، مما يقلل من المصروفات اليومية التي تثقل كاهل مربي هذه الثروة الحيوانية. وتشير كلمة "الخطيل" إلى حركة قطعان الإبل من السهول إلى قمم الجبال بعد أن قضت ثلاثة أشهر في السهل، حيث تكون الإبل متشوقة لانتهاء موسم الخريف لتستمتع بالتمخطر في الجبال والأودية. ويشكل إياب الإبل من المرعى قبيل المغيب لوحة إبداعية فريدة الجمال، حيث تنعكس خيوط الشمس على بساط الخضرة الذي تتحرك عليه آلاف الإبل وسط غابات من الأشجار في اتزان وانضباط، لتصل إلى مباركها بلا عناء. فتبدو الصورة وكأن الأرض هي التي تتحرك، كما يقول المثل الشعبي الريفي "أتيبغود شيسن ديني".

من بين هذه الخطلات، تأتي خطلة الإبل من سهل صحلنوت بولاية صلالة إلى وادي ثيدوت ووادي ريثوت بمنطقة زيك في ولاية صلالة، حيث انطلقت منذ بدايات الفجر برفقة ملاكها الذين يحملون أمتعتهم على ظهورهم، مرتدين ملابسهم التقليدية. وقد قسموا أنفسهم إلى مجموعات، حيث يخصص لكل فرقة خط سير خاص بها، تتوزع على مقدمة ومؤخرة الإبل، وكذلك على الجوانب. وتتمثل مهمة كل مجموعة في الحفاظ على الإبل من الوقوع في أماكن خطر، نظرًا لكثافة الحشائش التي قد تحجب الرؤية عن بعض الحفر العميقة الناتجة عن غزارة الأمطار. كما يتعين عليهم التأكد من تجمع القطيع واختيار المواقع المناسبة للرعي وتحديد مدة المكوث بها. ورغم الحركة الدؤوبة والجهد الكبير، إلا أن شعور الزهو يعلو جباههم، وتظهر ملامح الفرح والسرور على محيا الجميع. فرفقة الإبل لها طعم خاص لعشاق النوق، حيث يعيشون أجواء صربية وسط كثافة الأشجار، مع أصوات نحيب الإبل والهواء الطلق، بينما تحشوشهم الحشائش وتكون الصخور بمثابة مخداتهم، وتحت السماء ينامون تحت سراج النجوم.

"عمان" رافقت خطلة الإبل من سهل صحلنوت إلى وادي ثيدوت، مشيًا على الأقدام لمسافة تصل إلى حوالي 8 كيلومترات ذهابًا وإيابًا، وسط الأشجار الكثيفة والحشائش المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة. وهذا يتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا نظرًا لوعورة الطريق وكثرة التشعبات التي تتضمن صعودًا وهبوطًا.

وقد شهدنا مشاركة كبيرة من فئة الشباب، الذين أظهروا حماسًا شديدًا ورغبة صادقة في الحفاظ على هذه الثروة الحيوانية التي ورثوها عن آبائهم، معتبرين إياها أمانة في أعناقهم. ورغم صغر سنهم، لم يكترثوا للمتاعب ومشقة الرعي في الجبال والأودية، وكأنهم نسخ طبق الأصل من آبائهم.

وقال سالم بن علي بن سالم كشوب، أحد ملاك الإبل: نقوم سنويًا، نحن ملاك الإبل في منطقة زيك التابعة لولاية صلالة، بالنزول بالإبل من الجبال إلى السهل المعروف محليًا بـ"الجربيب' خلال موسم الخريف، حفاظًا على البيئة ومنح فرصة للمراعي في الجبال للنمو". وأشار إلى أن الإبل تقضي لمدة ثلاثة أشهر في السهل، حيث تتغذى على الأعلاف والحشائش طوال هذه المدة.

وأضاف سالم كشوب: بعد انتهاء موسم الخريف، يبدأ موسم الرعي الربيعي (خطيل الإبل)، وهو مناسبة سنوية يجتمع فيها ملاك الإبل لتحديد اليوم الذي تتحرك فيه الإبل جماعيًا من سهل صحلنوت إلى الأودية. يتم تقسيم الإبل إلى مجموعتين نظرًا للأعداد الكبيرة، حيث تتوجه مجموعة إلى وادي ثيدوت، بينما تتوجه المجموعة الأخرى إلى جبل (حيث)، وبعد حوالي أسبوع، تلتقي المجموعتان في وادي ريثوت نظرًا لسعة الوادي ووفرة المرعى".

وأكد سالم بن علي كشوب أن للخطلة أعرافا اجتماعية وقوانين يلتزم بها رعاة الإبل، حيث لا تتجه الإبل إلى الوديان إلا بعد انتهاء تساقط الأمطار وتجفيف الأرض، وذلك للحفاظ على الغطاء النباتي. وبعد ذلك، يتم تحديد موعد الخطلة ويبّلغ به الجميع، ويتجه كل قطيع إلى المكان المعروف دون تجاوز حدوده إلى أماكن أخرى.

وأوضح سالم بن علي كشوب أن شغف الكثير من الجيل الجديد في اقتناء الإبل والاستعداد لتربيتها والاستمرار في ترسيخ العادات والتقاليد يعكس الأمل في الحفاظ على هذا الموروث الحضاري، الذي يدمج بين الرحمة تجاه الحيوان وصون الطبيعة الخلابة. وبهذا، تتبدد المخاوف من التغيرات الثقافية التي قد تطرأ، لتبقى الإبل مصدرًا مهمًا واستراتيجيًا للاقتصاد المحلي، خاصة في أوقات الأزمات والكوارث "لا سمح الله".

من جانبه، قال سهيل بن مسلم كشوب، أحد ملاك الإبل: تعد خطلة الإبل موروثًا تعارف عليه أهالي محافظة ظفار منذ سنوات عديدة. وتراعى في جلسات الخطلة عناصر مهمة، بموجبها يتم وضع البرنامج المختار من الحضور. ومن أهم تلك العناصر التأكد من أن الأرض لم تعد رطبة، بحيث تعيق سير الإبل أو تضر بالعشب والتربة معًا، ومعرفة حجم تحمل المراعي لأعداد الإبل المتوافدة خلال المدة المحددة، وكذلك تجنب الرعي فوق النباتات والحشائش الصغيرة.

وأضاف سهيل كشوب: في موسم الصرب، تسرح الإبل على شكل قطعان، وتكون مرافقتها من قبل مجموعة من الرعاة وهم ملاكها، لمدة شهر إلى شهرين. تنتقل هذه القطعان من مكان إلى آخر، ويسود فيها جو المتعة والترحال، وهو أشبه ما يكون بالرحلات السياحية في الطبيعة الخضراء. ويترك هؤلاء الرعاة صخب حياتهم اليومية ليعيشوا تجربة فريدة بين أحضان الطبيعة، مستمتعين بجمال المناظر وصور الحياة التي لا يشعر بها سواهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ملاک الإبل الإبل من

إقرأ أيضاً:

ظفار يكسب نقاط الوحدة بثلاثية في دوري الأولى

كسب الفريق الكروي الأول بنادي ظفار العلامة الكاملة إثر تغلبه على منافسه الوحدة بثلاثة أهداف دون مقابل خلال المباراة التي جمعتهما على ملعب استاد مجمع السعادة الرياضي ضمن الجولة الـ٩ للمجموعة الأولى لدوري الدرجة الأولى، وخلال مجريات المباراة تمكن ظفار من إنهاء الشوط الأول متقدما بهدف عن طريق محمد الحبسي، وفي الشوط الثاني تمكن ظفار من إحراز هدفين عن طريق المحترف إيدينيجي وعبدالله زاهر.

بدأت المباراة بهجمات متتالية من قبل فريق ظفار بهدف الوصول لمرمى جمعة الغزيلي حارس مرمى فريق الوحدة، ولكنها افتقرت للتنظيم والتركيز ولم تستغل الاستغلال الأمثل، فيما اعتمد الوحدة على الهجمات المضادة والتي لم تشكل التهديد المباشر على مرمى الحارس مازن الكاسبي حارس مرمى فريق ظفار الذي كاد أن يصل لمرمي المنافس في الدقيقة التاسعة إثر هجمة مضادة توغل من خلالها عبدالله زاهر بين دفاعات الوحدة أطلق على إثرها عرضية تمكن منها حارس مرمى الوحدة.

الدقيقة ٢٦ تمكن من خلالها محمد الحبسي من إحراز أول أهداف ظفار إثر هجمة مضادة منظمة توغل من خلالها بين دفاعات المنافس أطلق على إثرها تسديدة ارتطمت بالقائم لترتد في جسم الحارس جمعة الغزيلي عانقت على إثرها المرمى، ليواصل بعدها الفريقان تبادل الهجمات حتى الدقيقة ٣٠ التي كاد من خلالها عمار عابد بيت صبيح من تعزيز النتيجة لظفار عندما أطلق تسديدة قوية تألق خلالها الحارس جمعة الغزيلي من التصدي لها.

الدقيقة ٣٩ أضاع من خلالها اللاعب محمد العلوي فرصة تعديل النتيجة إثر هجمة مضادة أطلق من خلالها تسديدة مرت بجوار مرمى فريق ظفار الذي كاد أن يضيف هدف ثان إثر هجمة مضادة عن طريق محمد الحبسي الذي تباطأ في التسديد لينتهي الشوط الأول بتقدم ظفار بهدف.

ومع انطلاقة الشوط الثاني وفي الدقيقة ٥٢ تمكن من خلالها ظفار من إضافة الهدف الثاني عن طريق المحترف إيدينيجي إثر هجمة مضادة استقبل من خالها عرضية أكملها في مرمى المنافس الذي حاول العودة للمباراة من خلال الهجمات المضادة كاد المحترف حمزة بلعسري من إحداها تقليص النتيجة عندما أطلق تسديدة من مشارف مرمى المنافس اعتلت عارضة مرمى الحارس مازن الكاسبي في الدقيقة ٧٢.

واصل الفريقان تبادل الهجمات حتى الدقيقة ٨١ التي كاد من خلالها المحترف حمزة بلعسري أن يصل لمرمي المنافس عندما استقبل عرضية براسية تمكن منها حارس ظفار، واصل بعدها الوحدة هجماته من أجل تقليص النتيجة في ظل تراجع مستوى فريق ظفار الذي نشط في الدقائق الأخيرة وتمكن من إضافة الهدف الثالث عن طريق اللاعب عبدالله زاهر من تسديدة استقرت في مرمى المنافس لتنتهي المباراة بفوز ظفار بثلاثة أهداف دون رد.

أدار المباراة طاقم تحكيمي مكون من حكم ساحة محمد بن خلفان المياحي، وساعده على الخطوط كل من الحكم المساعد الأول أبوبكر بن سالم العمري والحكم المساعد الثاني عزان بن سيف القطيطي، والحكم الرابع خميس بن سعيد السيابي، وعبدالله بن راشد الحراصي مقيما، وحمد بن سيف الهنائي مراقبا، وعاصم بن عمر باححاح منسقا عاما للمباراة.

مقالات مشابهة

  • بعثة أهلي صنعاء تصل سلطنة عمان
  • لبنان تحت تأثير المنخفض الجوي الأول لهذا العام.. الثلوج غظت جبال لبنان (صور وفيديو)
  • ندوة الهُوية الوطنية في ظل متغيرات العصر بصلالة
  • كميات الأمطار التي رافقت عبور الجبهة الهوائية الباردة حتى عصر اليوم الأحد
  • لضمان الكفاءة والسلامة.. توجيه مربي الإبل لاستخدام معالف متينة
  • "الزراعة" تحذر من تسمم الإبل في الخريف وتوصي بإجراءات وقائية
  • ظفار يكسب نقاط الوحدة بثلاثية في دوري الأولى
  • مراعي الإبل.. "الخُلّة" خبزها و"الحَمض" فاكهتها
  • أليكس جالان يكشف لـ«الوفد» كواليس "إقليم" والتعايش في الجبال الموحشة وسط بيئة قاسية
  • محافظة ظفار تضم بنية سياحية متكاملة مع ارتفاع الزوار لأكثر من مليون خلال موسم الخريف