أثرت جرائم الحرب المستمرة في قطاع غزة على قطاعات واسعة من الأمريكيين، مشكلة وجهة نظر جديدة إزاء ما يجري، بعيدة عن تلك التي تتبناها الإدارة، والتي تواصل دعم "إسرائيل" بالمال والسلاح.

 وقال تقرير لصحيفة "الغارديان"، إن التغيير والاختلاف داخل أمريكا بشأن ما يجري في غزة، وصل إلى العلاقات الحميمة في البلاد، حيث أصبحت حرب غزة تلقى بظلالها على هذه الصناعة المنتشرة هناك، رغم ما يكافحه الأمريكيون من توترات داخل مجتمعاتهم وخارجها.



وأوردت الصحيفة قصة آنا، وهي امرأة يهودية في منتصف الثلاثينيات من عمرها، وضعت رمزًا تعبيريًا لقطعة بطيخ (وهو مؤشر رمزي للتضامن مع الشعب الفلسطيني) في ملفها الشخصي على أحد برامج التواصل، وبعد فترة وجيزة، قابلها رجل افترضت أنه يهودي أيضًا وسألها عن معنى البطيخ، وعندما أجابته، قام على الفور بإلغاء المواعدة، لكنها لم تهتم لذلك.

"لقد أثرت الحرب في غزة ، التي دخلت عامها الثاني على كل جانب من جوانب الحياة الأمريكية، من الحرم الجامعي إلى أماكن العمل، ومن العشاء العائلي إلى المحادثات في المعابد اليهودية والمساجد".

 وفي الولايات المتحدة، حيث يستمد الصراع ولاءاته العميقة من الجذور ومشاعر الهوية، فرضت وجهات النظر المتباينة ضغوطاً لا يمكن إنكارها على العلاقات الحميمة.

قال أشخاص عازبون في الولايات المتحدة تحدثوا إلى صحيفة "الغارديان"، سواء كانوا يهودًا أو مسلمين، إن أحداث العام الماضي عمقت ارتباطهم بهوياتهم الدينية والعرقية، مما جعلهم أقرب إلى مجتمعاتهم. لكنها تركتهم أيضًا أكثر استقطابًا وأقل احتمالًا لتكوين علاقات مع أشخاص لديهم وجهات نظر متعارضة بشأن غزة. 

وحتى أولئك الذين يتواعدون داخل دينهم قالوا إنهم يكافحون في بعض الأحيان للعثور على أشخاص تتطابق آراؤهم أو شغفهم بالحرب وتداعياتها مع آرائهم. 


قالت آنا: "كل شيء عن المواعدة صعب، لكن الاختلافات التي ربما كانت قبل عام من الصعب التعامل معها، تبدو أكبر بكثير الآن".

أري، وهو طالب دراسات عليا في أواخر العشرينيات من عمره، هو رجل يهودي قال إن أحداث العام الماضي جعلته أكثر إصرارًا على مواعدة شخص لا يشاركه دينه فحسب، بل وأيضًا آرائه بشأن إسرائيل: ينتقد الحكومة اليمينية، لكنه لا يزال "صهيونيًا بشغف". 

لقد أدت الحرب إلى تفاقم هذا التوتر داخل المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة، حيث يعتقد البعض منهم أن يهوديتهم تلزمهم بدعم إسرائيل، ويعتقد آخرون أن اليهود يتحملون مسؤولية أن يكونوا أكثر صراحة ضد العنف الإسرائيلي.

تقول هدى إبراهيم، (تعمل خطّابة) وهي مسلمة من هيوستن بولاية تكساس، إنها عملت مع آلاف المسلمين العازبين على مدى السنوات العشر الماضية، من ثقافات وخلفيات مختلفة. وأضافت أن العديد منهم كانوا يرغبون بالفعل في الزواج من شخص من نفس بلدهم الأصلي، ولكن في العام الماضي، أصبح هذا الأمر غير قابل للتفاوض بالنسبة للعديد من عملائها الفلسطينيين. 

وقالت: "غالبية عملائي الفلسطينيين يقولون، "كما تعلم، كنت منفتحة في الماضي، ولكن في الواقع الآن أريد فقط شخصًا من فلسطين". "يتعامل الكثير منهم مع أفراد الأسرة الذين قُتلوا أو دمرت منازلهم، ويريدون أن يتمكنوا من التواصل مع شريك حياتهم. إنهم يشعرون وكأن هناك شيئًا مفقودًا إذا لم تكن لديهم هذه التجارب المشتركة".

وقالت إن العملاء الذين لم يفكروا كثيرًا في تراثهم في السابق "يميلون إليه حقًا"، قائلين لها: "أريد اللغة المشتركة، أريد الطعام المشترك الذي نطبخه في منزلنا".

ولكن حتى بالنسبة لأولئك الذين يجدون شريكًا يشاركهم دينهم وثقافتهم، فهذا لا يعني بالضرورة أنهم سيتفقون في وجهات نظرهم بشأن غزة. 

وكانت المحامية والكاتبة طاهرة نائلة دين، وهي امرأة مسلمة تبلغ من العمر 29 عامًا من أوكلاند، متزوجة من زوجها منذ أكثر من عام بقليل عندما اندلعت الحرب. وقالت إنها كانت تبكي كل يوم تقريبًا، وتحتج شخصيًا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، في حين بدا زوجها - وهو أيضًا مسلم - غير متأثر إلى حد كبير. وبعد فترة وجيزة، أخبرها أنه يريد الطلاق.

ولم تكن أسبابه مرتبطة إلى حد كبير بردود أفعالهما تجاه الحرب، ولكن بالنسبة لدين، "كان الأمر مدمرًا حقًا، لأن نهاية الزواج ستقترن إلى الأبد بشن إبادة جماعية جديدة لإخوتي وأخواتي في فلسطين"، كما قالت. 


وتقول دين، بالنظر إلى الماضي، إنه كان من الواضح أن ردود أفعالهما المختلفة تجاه الحرب كانت علامة على القيم المتضاربة. وقالت: "عندما أبدأ في المواعدة مرة أخرى، سيكون من شخص يخرج إلى الشوارع ويفعل شيئًا فعليًا لجذب الانتباه إلى قضايا مثل هذه". "أنا ودائرتي من الأصدقاء، لا نهتم بشخص سيكون سلبيًا بشأن هذا الأمر".

وقال شهزاد يونس، مؤسس تطبيق موز للخطوبة للمسلمين، إن الحرب غيرت أيضًا من نبرة المحادثة على التطبيق - لدرجة أنها دفعته إلى إطلاق منصة وسائط اجتماعية داخل التطبيق في وقت سابق من هذا العام، حيث يمكن للأعضاء مناقشة آرائهم دون البحث بالضرورة عن الحب. 

وقال: "لم يكن هناك حقًا مساحة على الإنترنت للمسلمين". "بالنسبة لنا، فإن توفير هذه المساحة للناس ليكونوا قادرين على التحدث والتعرف على الحرب أمر بالغ الأهمية". 

وتشهد بعض تطبيقات المواعدة اليهودية أيضًا زيادة في عدد المستخدمين، وقال مؤسس التطبيق، أوستن كيفيتش، :"لدينا الكثير من الحكايات حول الأشخاص الذين يقدرون العثور على شريك يهودي أكثر من أي وقت مضى، لأنهم يفهمون الأمر"، مضيفا: "الضغط الإضافي من الآباء اليهود لإجبار أبنائهم على الزواج من يهود الآن أكثر من أي وقت مضى".

وفي حين توفر تطبيقات المواعدة وسيلة سهلة لتصفية المواضيع حسب الدين أو المعتقد السياسي، فإنها تشكل أيضاً وسيلة غير عملية لمعالجة صراع دولي مترامي الأطراف، حيث يسود شعور بأن التطبيقات، قد تسطح وجهات النظر حول هذا الموضوع، مما يجعل أولئك الذين يختارون تناوله على ملفاتهم الشخصية يبدون منحازين وخاليين من الفروق الدقيقة.

ويشعر البعض أن التعبير عن آرائهم بصوت عالٍ وبفخر على التطبيقات يعمل كنوع من الفلتر، حيث يستبعد أولئك الذين قد لا يقبلون بمعتقداتهم. 

ولدت سانيا، البالغة من العمر 29 عامًا والتي تعيش في فينيكس بولاية أريزونا، في باكستان ونشأت مسلمة، وهي مؤيدة بشدة لفلسطين. لقد جربت تطبيقات المواعدة الإسلامية، لكنها قالت إنه كان من الصعب العثور على علاقات هناك بسبب أسلوب حياتها الأكثر غربية والأقل تقليدية.

وقالت: "أعتقد أن الكثير من المسلمين ينظرون بازدراء إلى كيفية ممارستي لديننا لأنني لا أنتمي إلى الصورة النمطية التي يريدونني أن أنتمي إليها".

وبسبب هذا، تميل سانيا إلى استخدام تطبيقات أخرى، حيث يمكنها مقابلة رجال مسلمين وغير مسلمين يتناسبون مع نمط حياتها بشكل أفضل. ومع ذلك، في هذه المساحات المتعددة الثقافات، تشعر بالحاجة إلى أن تكون أكثر صراحة بشأن آرائها عن فلسطين. 

بعد الخروج من علاقة طويلة الأمد مع رجل انتهت، جزئيًا، بسبب تناقضه تجاه الوضع في غزة، قامت بتحديث أحد مطالبات ملفها الشخصي على أحد برامج المواعدة لتقرأ: "دعونا نتأكد من أننا على نفس الصفحة حول كون إسرائيل دولة إرهابية".

ولهذا السبب، قالت آنا، التي نشأت في أسرة صهيونية ولكنها الآن منخرطة بعمق في النشاط اليهودي المؤيد للفلسطينيين، إنها لم تكن قلقة للغاية بشأن عدم تطابقها بسبب رمز البطيخ الموجود في سيرتها الذاتية على تطبيق "Hinge"

وقالت: "لم أكن لأرغب في الذهاب في موعد مع هذا الشخص على أي حال". "بالنسبة لي، فإن الأمر كله يدور حول: هل أنت فضولي؟ هل أنت تأملي ذاتي؟ هل تهتم بالظلم وهل أنت على استعداد للانخراط في هذه الموضوعات الصعبة، حتى لو كان ذلك مؤلمًا بالنسبة لك؟" وأضافت: "هذا ما أبحث عنه في أي شريك".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة وجهات النظر امريكا غزة وجهات النظر صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

كيف يتم تجنيب المنطقة الحرب بين أمريكا وإيران؟

لا يزال الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قائمًا، منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، ولا تزال الأزمة تبارح مكانها، وقد بدأت الأزمة في ذروتها، مع قصة الرهائن الأمريكيين، الذين اعتقلوا في طهران، بسبب اتهامات إيرانية لأمريكا للسياسة الأمريكية، ثم الطلب الإيراني لأرصدة مالية لإيران في الولايات المتحدة، قبل الثورة، وهؤلاء الذين تم اعتقالهم، هم من أعضاء السفارة الأمريكية في طهران، ثم برزت قضية المفاعل النووي الإيراني، التي لا تزال الأزمة قائمة بينهما بسببه، منذ أكثر من عقدين تقريبًا، ولا تزال تتفاقم وتخف قليلًا، وتعود وفق المزاج الإسرائيلي وتحريضه، والذي يتوجس من مخاطر هذا المفاعل النووي، حتى لا يتحول إلى أسلحة نووية. ومنذ عدة أسابيع، مع وصول الرئيس «ترامب» للرئاسة، بدأت الأزمة تعود بالتهديد والوعيد من قبل الولايات المتحدة، إذا لم توافق على التفاوض، وفق الشروط التي أرادها ترامب للجلوس مع إيران، أو الإقدام على ضربة عسكرية، بحسب بعض التصريحات الأمريكية، وردت إيران أنها لا تقبل التهديد بالقوة لفرض الشروط، وسوف ترد على أي محاولة لقصفها، وأنها تملك من القوة القادرة على ضرب مصالحها في المنطقة.

ولا شك أن أي موقف عسكري من قبل الولايات المتحدة على إيران، سوف يلحق ضررًا بالمنطقة، بشكل أو بآخر، وهذا ليس في مصلحة استقرار المنطقة ولا العالم، والولايات المتحدة لها مصالح بترولية وعسكرية ومصالح كثيرة، سوف يلحقها الضرر من أية عملية عسكرية على إيران، وسياسة التهديد والفرض والإرغام بالقوة، لن تجدي في الحلول السياسية، ولن تحقق أهدافها مهما كانت الفروق العسكرية بين الطرفين، بل ستكون آثارها كبيرة على المنطقة، وعلى وأوروبا، فالحروب، لفرض سياسات ، لم تحقق نجاحًا في كل العالم، وإن نجحت لفترة، فإنها لا تستمر بعدها وتتراجع وتنسحب، وهذا ما جرى للعراق بعد احتلاله، ثم احتلال أفغانستان ثم عادت طالبان مرة أخرى للحكم.. فقبل عقدين من الآن، صدر كتاب بعنوان (أوراق منسية.. أحاديث هزة الخليج)، للكاتب والمؤلف، رياض نجيب الريّس، ومن ضمن هذه الأحاديث التي اعتبرها الريّس، أنها هزة الخليج، حديث صحفي أجراه رياض الريس، مع السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ بمدينة صلالة، في 2 أبريل 1981م، ونشر بمجلة المستقبل المهاجرة في باريس. وكان بالفعل كلامًا نفيسًا وعميقًا ودقيقا، لاستشراف المستقبل الأفضل للمنطقة، ويمكن أن نطرحه في هذا الوقت للعبرة والاستفادة مما قيل عن الأزمات والصراعات، على الرغم من مرور أكثر من أربعين عاما على هذا الحديث. ومما قاله السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ إن إيران قوية ومستقرة، أفضل لجيرانها وللمنطقة. إن التعامل مع الحكم المستقر هو التعامل مع الوضوح» ـ مضيفا في فقرة أخرى من الحديث ـ: عمان وإيران تحكمهما سياسة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونسعى باستمرار إلى تطوير علاقاتنا معها ودعهما. إن إيران غير المستقرة ستأتي بكارثة على المنطقة. وقال السلطان قابوس للصحفي رياض الريس: (تذكر كلامي)». كان الحديث قد جرى ـ كما أعتقد ـ في فترة المشكلات التي حصلت بعد الثورة الإسلامية، والتفجيرات التي أدت برئيس الجمهورية محمد علي رجائي، وكذلك استهداف رئيس البرلمان محمد حسين بهشتي وآخرين، فقتل مع عشرات النواب في الفعل الشنيع، من قبل منظمتي فدائيي خلق، ومجاهدي خلق، الماركسية واليسارية.

ولا شك أن هذا الطرح الحصيف من السلطان قابوس، هو أن تستوعبه كل المنطقة جيدًا، وتتخذه أسلوبا وطريقا يخدم الطرفين، دول الخليج وإيران، ويبعد هواجس التخوف والتوتر بينهما، ومكائد الآخرين وحسابتهم، وإستراتيجياتهم الخاصة، لتتجنب المنطقة أهوال الحروب والتوترات، التي لن تستفيد منها لا إيران، ولا دول مجلس التعاون، ولو حصل ـ لا سمح الله ـ حرب في هذه المنطقة، فإنها ستجرها إلى المجهول، لا يعرف مداها إلا الله، ولا مخاطرها، وسيكون الجميع خاسرين، في كل المجالات، وسنبكي بعدها على الأطلال، لأن الأثمان ستكون باهظة ومكلفة، لكل الأطراف، بدلا من التنمية والاستقرار، ورفاهية الشعوب ونهوضها.

ومع بروز مسألة المفاعل النووي الإيراني ـ كما أشرنا آنفًا ـ وبروزها كقضية دولية، من خلال الضغط على إيران بعدم تخصيب اليورانيوم، من قبل أغلب الدول الكبرى في مجلس الأمن لوقف ـ كما يعتقدون ـ محاولة امتلاك إيران السلاح النووي، وبهذا دخلت القضية أبعادًا خطيرة وشائكة، وإسرائيل تطرح ـ وهي المحرض الأكبر ـ أن إيران تحاول تحت ستار البرنامج السلمي، إنشاء منشآت الوقود النووي اللازمة، لإنتاج مواد قابلة للانشطار من أجل برنامج نووي، أو غيرها من التوترات مع السياسة الأمريكية.. لكن إيران أصرت على حقها في التخصيب وفي الحصول على هذه الطاقة النووية السلمية. والكثير من دول العالم ترى: أن من حق إيران امتلاك الوقود النووي السلمي، وتطوير هذا البرنامج للأغراض العلمية والتكنولوجية، ومثلما حصلت إسرائيل وباكستان والصين، وقبل ذلك الدول الكبرى فإن إيران من حقها الحصول على هذا العلم وأدواته التكنولوجية، في المجال السلمي ـ مثلها مثل الآخرين ـ وهذه خطوة منطقية ولا يجوز القفز عليها، لكونها من بديهيات الواقع الراهن. كما أن على إيران أن تنفتح أكثر على دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى تعزيز التفاهم معها لتطمينها من جهة، وفي تأكيد رغبتها في استقرار المنطقة والتعاون، مع دولها بما يبعد شبح الحروب والصراعات والتوترات، التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة، وتجار السلاح وقوى الهيمنة والعولمة. وتتحرك بما يطمئن دول المنطقة من توجهات إيران العسكرية، ومدى رغبتها في استقرارها، في التعاون المشترك وحل القضايا العالقة، وهذا في صالح الجميع، وستسهم في استنهاض المنطقة كلها، لإبعاد التوجسات والصراعات والتوترات، التي عانت وتعاني منها المنطقة حتى الآن، والشواهد كثيرة ومتوفرة ولا نريد فتح الملفات. كذلك فإن التصريحات النارية تجاه السياسات هنا وهناك، ليست داعمة للتقارب بين الطرفين، إيران ودول المنطقة، وهذه تستغل كثيرًا في الغرب، ويستعملها اللوبي الصهيوني في الترويج لمقولة أن إيران تستعد من خلال مفاعلها النووي لإنتاج أسلحة نووية لإبادة إسرائيل من الوجود، كما يروج اللوبي الصهيوني من خلال برنامج إيران النووي، لتدمير إسرائيل ومحوها من الوجود، وهذه، ذرائع إسرائيلية استغلها ساسة إسرائيل منذ أكثر من عقدين حتى الآن، لطرح هذه القضية في الدوائر الأمريكية والغربية، لخطر المفاعل النووي الإيراني، مع أن هذه الفكرة لا نعتقد بصوابها تمامًا وهي مقولة غير صحيحة .

فإذا كان الهدف من هذا السلاح، تدمير إسرائيل من أجل الفلسطينيين، فإن هذا السلاح النووي سوف يقتل ملايين الفلسطينيين أيضا وربما دول الجوار المحيطة بإسرائيل ومنها لبنان، مع وجود حزب الله فيه والمؤيد من إيران!! فهذه التوجسات هي صناعة إسرائيلية بماركة مسجلة، ولا نقول إلا ما قاله الحديث الشريف (الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق الناس بها)، ومن هنا نعتقد أن على الولايات المتحدة أن تتحرك للحلول السلمية، عن طرق التفاوض، فعليها أن تبعد التهديدات بالحلول العسكرية، أو التلويح بها لمحاورة الآخر المختلف معه، والحوار ضرورة عقلية لأبعاد شبح الحروب والصراعات والتوترات، ولا مناص من استعمالها واقتناصها، من التأكيد على التفاوض، الذي يجعله سهلا وميسورا بدل التهديدات ورفع سقف المطالب التي تفرض، وإبعاد التوتر والصراع بشتى الوسائل والطرق والأساليب عنها، وعن جيرانها.. وإذا كان المجتمع الدولي يريد منطقة خالية من الأسلحة النووية، فان العدل والإنصاف، يدعوان أن يكون الجميع ملتزمين بهذا الأمر، أما أن يكون البعض يملك السلاح النووي والبعض الآخر يُحرم عليه، فإن المشكلات ستظل قائمة ولا تنتهي.

والحقيقة أن هذا السكوت على امتلاك إسرائيل أسلحة نووية يعد سابقة خطيرة، تشجع إسرائيل على اختلال التوازن الاستراتيجي والعسكري، في الشرق الأوسط، ومن ثم رفض الانصياع إلى القرارات الدولية، لأن الأطراف المعتدى عليها ـ لا تملك المقدرة العسكرية ـ ومنها النووية ـ على رد التهديد.

ومن هنا فإن هذا السكوت والتجاهل سيجر المنطقة إلى أحوال وإلى ضياع الفرص في السلام العادل والدائم. وإذا كانت هناك خطوات لإنتاج السلاح النووي عند بعض الدول في المنطقة، فإن من المنطقي أن يتم الحديث عن مخاطر هذا السلاح بصورة عامة، حتى تكون المنطقة كلها خالية من الأسلحة النووية وتكون الكفة متعادلة بين كل الأطراف، وليس استثناء بعض الأطراف، وتركها تعربد وتحتل وتهدد لمجرد أنها تلقى التأييد والمساندة من بعض الدول الكبرى. ونتذكر عندما أطلق الرئيس الراحل صدام حسين، تصريحاته بتدمير نصف إسرائيل، استغلها اللوبي الصهيوني، وروّج لكذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، مع أن هذه أكاذيب وتم الاعتراف بها عندما ظهرت، وكان ما كان بعد ذلك بالنسبة للعراق، وهذا قياس مع الفارق كما يقول الأصوليون، لكننا نرى أن إيران تحتاج إلى جيرانها وأصدقائها، مثلما جيرانها وأصدقاؤها يحتاجون إليها، وتلك مسألة طبيعية وفطرة إنسانية، أشار إليها العلامة ابن خلدون في مقدمته، وهو ما يعرف بالاجتماع الإنساني وحاجة الإنسان إلى أخيه والعكس، والجميع يتمنون لإيران النهوض والتقدم والاستقرار، مع علاقة جيدة وقوية مع جيرانها، حيث الروابط القوية التي تجمع بين الشعب الإيراني وشعوب منطقة الخليج والجزيرة العربية من العلاقات التاريخية الوطيدة عبر قرون من حسن الجوار وعلاقات المصاهرة، وغيرها من الوشائج الضاربة في عمق التاريخ، وقبل ذلك رابطة الدين التي نعدها أقوى الروابط وأوثقها عرى، قد لا نحتاج معها إلى الشرح والتبيان، مع أحقية إيران الاحتفاظ والاستفادة من التكنولوجيا، وما تمليه ثوابتها والتفاف شعبها ومصلحتها العليا، لكن لابد للجميع من التقارب والتفاهم، وزرع الثقة، ومناقشة الخلافات بروح العلاقة التاريخية المتينة، لأن الجميع سيبقى، ولا يستطيع أحد إلغاء جاره، فالجغرافيا ثابتة، لذلك لا مفر من التقارب والتعاون، واستقرار إيران من استقرار دول المنطقة والعكس الصحيح، فليس هناك مصلحة، لكل المنطقة في إثارة التوترات والأزمات وتعكير الأجواء.. نعم إن إيران المستقرة غير المضطربة، خير لجيرانها، من إيران غير المستقرة.

ولا شك أن تغيير الولايات المتحدة الأمريكية سياستها، تجاه طريقة الحل بالتفاوض في مسقط، بحسب ما نشر، يعتبر خطوة مهمة بلا شك لتقريب وجهات النظر، وهذا يعني أن هناك انفراجًا في التعاطي مع أزمة المفاعل النووي الإيراني، بدلًا من التهديد بالقوة أو استخدامها، إلى حوار من خلال التفاوض، قد يسهم في الحل الذي تأخر كثيرًا، وهو الجلوس بين الطرفين لإيجاد مخرج بينهما، ويثمر حلولًا إيجابية بينهما، وربما يساهم في اتفاق كما كان الاتفاق في مسقط قبل عدة سنوات، يبعد التوترات والأزمات في المنطقة، وهو بلا شك مطلب الجميع، إن حسنُت النيات بين أطرافه.

عبدالله العليان كاتب وباحث فـي القضايا السياسية والفكرية ومؤلف كتاب «حوار الحضارات فـي القرن الحادي والعشرين»

مقالات مشابهة

  • دعاء الفجر .. ردد أفضل 210 أدعية للرزق والفرج والزواج وقضاء الحوائج
  • عاجل.. قرارات لجنة الاستئناف بشأن أزمة انسحاب الأهلي
  • كاميرات وحراس المرمى تحت عداد الثواني الـ5.. قرارات “فيفا” الثورية في “أمريكا 2025”
  • الرجل الأهم في قرارات الحرب.. قراءة في الأفكار الدينية لوزير الدفاع الأميركي
  • كيف يتم تجنيب المنطقة الحرب بين أمريكا وإيران؟
  • مع تصاعد الحرب التجارية .. الصين تدعو أمريكا إلى حوار متكافئ
  • قرارات عاجلة بشأن تخلّص فني كمبيوتر من حياته بالدقي
  • ننشر قرارات اجتماع المحامين بشأن أزمة الرسوم القضائية
  • 7 قرارات لـالمحامين بشأن الرسوم القضائية.. وقفة وامتناع عن توريد الرسوم بالاستئناف لـ 3 أيام
  • إخلاء سبيل وتفريغ الكاميرات.. قرارات عاجلة بشأن ابن الفنان محسن منصور