الشعر للتعبير عن الألم: مقاربة أدبية لأعمال هان كانغ بعد فوزها بجائزة نوبل للآداب 2024
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
مسقط - الرؤية
في عام 2024، حققت الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ إنجازًا إنسانياً كبيرًا بفوزها بجائزة نوبل للآداب، وهو إنجاز تاريخي ليس فقط للأدب الكوري، ولكن للأدب العالمي. لقد عُرفت هان كانغ بأسلوبها الأدبي الفريد الذي يمزج بين الشاعرية والقسوة في معالجة موضوعات إنسانية عميقة، مثل الألم والصدمة والذاكرة، لذا فإن فوزها بهذه الجائزة لم يكن مجرد اعتراف بتميزها الأدبي، بل أيضًا تقديرًا لجرأتها في التعبير عن تجارب إنسانية مؤلمة بطرق غير تقليدية، تجمع بين اللمسة الشعرية والتحليل الفلسفي.
الاحتفال في ظل المعاناة: الصمت في مواجهة الحروب
من اللافت في قصة فوز هان كانغ بجائزة نوبل هو رفضها عقد مؤتمر صحفي أو الاحتفال بفوزها بسبب المآسي العالمية والألآم الإنسانية مع اشتعال الحرب بين روسيا أوكرانيا وللإبادة الجماعية في غزة ولبنان. من هنا رأت "الإنسانة" هان أن الاحتفال في ظل هذه الأحداث المأساوية سيكون غير لائق. توضح ذلك في رسالة نقلها والدها الروائي هان سونغ وون، حيث صرّحت هان: "مع تصاعد الحرب وقتل الناس كل يوم، كيف يمكننا أن نحتفل أو نعقد مؤتمرًا صحفيًا؟".
هذا الموقف يعكس التزام هان كانغ الشخصي بمبادئها الإنسانية التي تظهر جليًا في أعمالها الأدبية. إن قرارها بعدم الاحتفال بفوزها يعكس فلسفتها العميقة في تناول الألم، حيث تعتبر أن الفن والأدب يجب أن يكونا انعكاسًا للعالم الذي نعيش فيه، ويجب أن يكون لهما دور في مواجهة المعاناة الإنسانية بدلًا من الاحتفاء الشخصي بالإنجازات.
الألم كموضوع محوري: بين الفردي والجماعي
الألم هو المحور الذي تدور حوله الكثير من أعمال هان كانغ. ففي روايتها الشهيرة "أفعال البشر"، تتناول هان واحدة من أحلك الفصول في تاريخ كوريا الجنوبية، وهي مذبحة غوانغجو عام 1980. في هذه الرواية، تعرض هان الألم الجماعي الناجم عن هذه الصدمة التاريخية، والتي أثرت في أجيال عديدة من الكوريين وذلك عبر سرد متعدد الأصوات والشخصيات. تعكس هذه الرواية كيف يمكن للألم الجماعي أن يتحول إلى جزء من الهوية الثقافية، وكيف يمكن أن تمتد تأثيرات الصدمة لعقود طويلة بعد الحدث. إن رواية "أفعال البشر" ليست مجرد تأريخ للمأساة، بل هي استكشاف عميق لكيفية تأثير الصدمات على الأفراد والمجتمعات. من خلال تسليط الضوء على قصص الشخصيات المختلفة، تقدم هان تحليلًا لكيفية تأثير الألم على الذاكرة والتاريخ، وتعيد تعريف العلاقة بين الحاضر والماضي.
الصدمات الجماعية والذاكرة الثقافية
تتعامل هان كانغ مع الصدمات الجماعية ليس فقط كمجرد أحداث تاريخية، بل كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للشعوب. في الرواية "أفعال البشر"، تستعرض هان تأثير مجزرة غوانغجو على الذاكرة الجماعية لكوريا الجنوبية، حيث تتحول هذه الصدمة إلى جزء من الهوية الوطنية. تقدم الرواية رؤية حول كيفية تأثير الأحداث التاريخية على الأفراد والمجتمعات، وكيف يمكن للذاكرة الثقافية أن تلعب دورًا في تشكيل الهوية الجماعية. إن تسليط الضوء على الصدمات الجماعية في أعمال هان كانغ يعكس اهتمامها العميق بالعلاقة بين التاريخ والذاكرة. فهي تسعى إلى استكشاف كيفية تأثير الصدمات على الأفراد والمجتمعات عبر الأجيال، وكيف يمكن للأدب أن يكون وسيلة لتوثيق هذه التجارب والتأمل فيها.
الجسد كرمز للصراع والتمرد
في روايتها الأخرى "النباتية"، تستخدم هان كانغ الجسد كرمز للتمرد الشخصي والصراع الداخلي. البطلة يونغ هاي تقرر التوقف عن تناول اللحوم كرفض رمزي للنظام الاجتماعي والأسري المحيط بها. من خلال هذا القرار البسيط، تبدأ رحلة تمرد داخلية، حيث يتحول جسدها إلى ساحة للصراع بين رغباتها الشخصية وضغوط المجتمع. ما يجعل "النباتية" رواية فريدة هو استخدامها لجسد البطلة كرمز لأبعاد أعمق من الصراع البشري. فالجسد، بالنسبة لهان كانغ، ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الرغبات أو المشاعر، بل هو أداة للمقاومة. تتعامل البطلة مع جسدها كوسيلة للتعبير عن الألم والصراع الداخلي، وتعكس التحولات الجسدية التي تمر بها حالة التمرد النفسي والروحي التي تعيشها. بهذه الطريقة، تسلط الرواية الضوء على العلاقة المعقدة بين الجسد والنفس، وبين الفرد والمجتمع.
الصمت كلغة: الأدب كتعبير عن الفراغات
من السمات البارزة في أسلوب هان كانغ الأدبي هو استخدامها للصمت كأداة للتعبير عن الألم والفراغات التي تعجز الكلمات عن ملئها. ففي رواية "الكتاب الأبيض"، التي تُعتبر إحدى أكثر أعمالها شاعرية، تستخدم هان الصمت كرمز للفقدان والحزن. هذه الرواية تستند إلى قصة شخصية، حيث تكتب عن فقدان شقيقتها الكبرى بعد ساعات قليلة من ولادتها. هنا تعبر هان عن هذا الألم من خلال ملاحظات قصيرة عن أشياء بيضاء، مثل الثلج والحليب والقطن، حيث يصبح اللون الأبيض رمزًا للحزن والصمت. في "الكتاب الأبيض"، يتجاوز الصمت دوره التقليدي كفراغ بين الكلمات، ليصبح جزءًا من النص نفسه. هذا الصمت يعبر عن حالة من الحزن العميق الذي يتعذر التعبير عنه بالكلمات. يعكس هذا الاستخدام المبتكر للصمت قدرة هان على تحويل الفراغات إلى مساحات مليئة بالمعاني والمشاعر.
نجاحها العالمي: الأدب كلغة عالمية
لقد أتى نجاح هان كانغ على الساحة الأدبية العالمية من خلال ترجمة أعمالها إلى لغات مختلفة، وخاصة روايتها "النباتية" التي حازت على جائزة مان بوكر الدولية عام 2016. هذه الرواية لم تكتسب شهرة عالمية فقط بسبب موضوعها الفريد، بل أيضًا بسبب قدرة المترجمين على نقل روح النص وجماله الشعري إلى اللغات الأخرى. لذا يعد نجاح هان كانغ على الصعيد العالمي دليلاً على قوة الأدب في تجاوز الحدود اللغوية والثقافية. إن تناولها لموضوعات إنسانية شاملة مثل الألم والصدمة يعكس قدرة الأدب على التواصل مع جمهور عالمي، حيث يجد القراء من مختلف الثقافات صدى لتجاربهم الإنسانية في أعمالها.
الختام: فوز مستحق وأدب خالد
إن فوز هان كانغ بجائزة نوبل للآداب لعام 2024 ليس فقط تكريمًا لمسيرتها الأدبية، بل هو اعتراف عالمي بقوة الأدب في معالجة القضايا الإنسانية الكبرى. لقد استطاعت هان من خلال كتاباتها أن تجعل الأدب وسيلة للتعبير عن أعماق الألم الإنساني، وأن تقدم رؤية شعرية وفلسفية للمعاناة والذاكرة. إن أعمال هان كانغ لا تتوقف عند حدود السرد القصصي، بل تقدم دعوة للتأمل في التجارب الإنسانية الأعمق، وتدعو القراء للمشاركة في رحلة استكشاف الذات والهوية. فوزها بجائزة نوبل هو تتويج لمسيرة أدبية استثنائية، وهو تذكير بأهمية الأدب في مواجهة التحديات الكبرى للعالم والبحث عن معانيها الأعمق.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: هذه الروایة بجائزة نوبل للتعبیر عن هان کانغ من خلال
إقرأ أيضاً:
معرض جدة للكتاب 2024 يُسدل الستار على 10 أيام من الإبداع والمعرفة
جدة : البلاد
اختُتمت مساء اليوم فعاليات معرض جدة للكتاب 2024، الذي نظمته هيئة الأدب والنشر والترجمة في جدة سوبر دوم، تحت شعار “جدة تقرأ”، في رحلة معرفية استمرت لمدة 10 أيام، استضاف خلالها أكثر من 1000 دار نشر و وكالة محلية وعربية ودولية، موزعة على 450 جناحًا، ليقدم تجربة ثقافية استثنائية لعشاق الأدب والمعرفة.
ورفع الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور محمد حسن علوان شكره للقيادة الرشيدة -أيَّدها الله- على دعمها غير المحدود للحراك الثقافي المتصاعد في المملكة، منوهًا بمعرض جدة للكتاب وهو ثالث معارض الكتب، بعد معرض الرياض الدولي للكتاب ومعرض المدينة المنورة لهذه السنة ٢٠٢٤.
وأوضح علوان أن المعرض شهد حضورًا لافتًا بأرقام مميزة تؤكد تطور المشهد الثقافي في المملكة، حيث وفَّر المعرض قرابة 400 ألف عنوان معروض، وتجاوز عدد الكتب المباعة 450 ألف كتاب، تناولت مختلف المجالات من كتب دور النشر المعروضة والمانجا والكتب المخفضة.
وأكد أن الهيئة تعمل بجهد لتطوير كل نسخة من معارض الكتاب، لتصبح أكثر تميزًا وجاذبية عبر أفكار إبداعية مبتكرة، مشيرًا إلى أن هذه الجهود تأتي بتوجيه ومتابعة من سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، بهدف تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تولي أهمية كبرى لتعزيز الثقافة، ودورها المحوري في تحسين جودة الحياة، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقال الدكتور علوان : “إن المملكة العربية السعودية أصبحت منارة للثقافة والإبداع على المستويين العربي والدولي، بفضل تنوعها الثقافي والموروث الحضاري الثري الذي جعلها وجهة جاذبة للفعاليات الثقافية والفنية”.
ولفت النظر إلى أن وزارة الثقافة تسعى بشكل حثيث لتحويل المملكة إلى منصة رئيسية لصناعة النشر والتوزيع، من خلال توفير بيئة مثالية ومتطورة تلبي احتياجات القرّاء ودور النشر على حدٍّ سواء.
وفي ختام النسخة الثالثة من معرض جدة للكتاب ٢٠٢٤، أبدى علوان فخره بما وصلت إليه المملكة في مجال صناعة النشر، مشيدًا بالدراسات المتقنة والخطط المحكمة التي تقف وراء نجاح هذه الفعاليات، مؤكدًا أن هيئة الأدب والنشر والترجمة تحرص على جعل الكتاب في متناول الجميع، وتوسيع منافذ النشر، بما يتماشى مع الإستراتيجية الوطنية للثقافة المنبثقة من رؤية السعودية 2030.
ومع إسدال الستار على معرض جدة للكتاب 2024، تحتفل المملكة بإنجاز ثقافي جديد يعزز مكانتها على خارطة الثقافة العالمية، ويؤكد التزامها المستمر بدعم الأدب والفنون في رحلة مستمرة من الإبداع والتطوير.