بوابة الوفد:
2024-12-26@16:26:20 GMT

«التفكيكية».. ثورة دريدا على التاريخ الفلسفي

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

أنهينا كبسولتنا السابقة بالتساؤل، هل هناك تشابه بين القراءة والتفكيكية، أم أن هناك اختلاف واضح وصريح بين الاصطلاحين؟ ويأتي موضعنا الآن للإجابة عن هذا التساؤل، ببيان وتحليل المقصود بمصطلح التفكيكية، ومن قام بإدخال هذا المفهوم إلى الحقل الفلسفي، وأيضًا هل استطاع هذا المصطلح المساهمة في تطوير قراءة النص الفلسفي، أو التاريخ الفلسفي ككل؟

عزيزي القارئ تُعد التفكيكية من أهم مشاريع الفيلسوف الفرنسي المعاصر جالك دريدا (1930م – 2004م)، وهي تمثل الثورة التي أحدثها على مركزية اللوغوس أو العقل في الميتافيزيقا الغربية.

حيث مارس دريدا مُنذُ البداية نوعي من التفسير لإعادة كتابة تأويل الكوجيتو الديكارتي في ضوء الهيكل العام لكتاب "تاريخ الجنون" عند فوكو، لذلك ينصب هذا الدرس على معني الكوجيتو عند ديكارت كما يقرأه فوكو، وهو الأمر الذي ينبه بالتعميم العالم لكتاب "تاريخ الجنون"، وطرح بعض الأسئلة على هامش الكتاب، وفوكو إنما يريد أن يكون الجنون ذاتًا لكتابه، وهي الذات بكل معانيها.

كما أشار دريدا إلى ما يسميه تأويلًا في هذا الخصوص إنما هو لإحدى المقاطع ذات الصلة بين ما يقدمه فوكو وما يقوله ديكارت، من اجل تصميم بنية تاريخية أو مشروع تاريخي عام، قد يسمح له بالإشارة – تخصيصًا إلى ما يقوله ديكارت. لكن عندما يحاول المرء عمومًا المرور من كلام ضمني إلى كلام صريح، يجب عليه أولًا أن يتأكد من المعني بشكل دقيق، لذلك ينبغي لمحلل النص (وهو فوكو) ان يتكلم أولًا اللغة التي يتكلمها المريض(ديكارت). ولكن هل وضع لنا دريدا تعريفًا واضح نفهم من خلاله المقصد من هذه العملية؟

عزيزي القارئ يخبرنا دريدا بأن "التفكيك ليس أداة تحليلية ولا تركيبية؛ ليس منهجًا ولا عملية، ليس فعلًا تنجزه ذات على نص؛ عوضًا عن ذلك، فإنه مصطلح يستعصي عن التعريف والترجمة". كان هذا نص ما تركه لنا دريدا عن التفكيكية، الأمر الذي يجد فيه قارئ هذه السطور صعوبة بالغة في الفهم والوضوح. 

وللوصول إلى معنى واضح لِمَا سُمي بالتفكيكية، علينا النظر بعين فاحصة ومتأنية لفلسفة دريدا ككل، وهنا نصل إلى الفهم الكافي لهذه الفكرة، ونستطيع القول بأن التفكيكية فلسفة تهاجم فكرة الأساس وترفض المرجعية، وتحاول إثبات أن النظم الفلسفية كافة تحتوي على تناقضات أساسية لا يمكن تجاوزها. فهي ليست مجرد ألية في التحليل أو منهجًا في الدراسة وإنما رؤية فلسفية متكاملة. ولكن ماذا كان يقصد دريدا بهذه الكلمات السابقة المحاطة بالغموض والاستتار؟

صديقي القارئ لا نجانب الصواب، إذا قلنا إن التفكيكيين قد خرجوا من عباءة البنيوية وبالرغم أنهم بدأوا حياتهم داخل البنيوية، وحينما فشل المشروع البنيوي في تحقيق طموحاتهم نحو تقديم مشروع متكامل للتحليل تمردوا على البنيوية، فتحول بعضهم إلى التحليل النفسي مثل لاكان، بينما تحول البعض الآخر إلى دراسة اللغة مثل دريدا، وبحكم هذه العلاقة الخاصة بالبنيوية، فإن التفكيك يعد امتدادًا لها، وبالرغم من اختلاف دريدا مع قراءة فوكو عن ديكارت، وهجومه الشديد على إعادة تفسير الكوجيتو. فإن - الكتابة الدال، المدلول، الدلالة – تظل هي محور التفسير أيضًا في التفكيك. 

وختامًا نجد أن التفكيكية إنما تحول دون استمرار صلة القرابة في تأسيس الخطاب علي مر تاريخ الفلسفة، منذ أفلاطون حتى عقلانية هيجل، لذلك يمارس دريدا لعبة اللغة التي تخلوا من الفوائد، وهي "لغة الاختلاف"، التي تبحث عن منزلة جديدة للكلمة بعد انتزاع سلطتها كأصل ومركز للغة. وفي عبارة واحدة نستطيع القول بأن إستراتيجية دريدا تقوم على تفكيك التراث الفلسفي، بهدف القضاء على هيمنة العقل وسيطرة مركزية اللوغوس على الفكر الغربي، والوصول إلى فهم صحيح ودقيق للنص الفلسفي.

 

 

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

كيف يمكننا إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بعيدا عن التقديس والتدنيس؟


ويعرّف إبراهيم محمد زين -وهو أستاذ تاريخ الأديان في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة- إعادة قراءة التاريخ بأنها عملية غير علمية ومحاولة أيديولوجية لتغيير طريقة نظرة المسلمين للشخصيات الفاعلة والمؤثرة في التاريخ، وتقديم صورة جديدة للتاريخ بناء على رؤية أو أيديولوجية جديدة.

ويقول إن الكثير من القراءات التي قام بها المستشرقون للتاريخ الإسلامي كانت بغرض السيطرة على المسلمين، وإن بعض أبناء الأمة الإسلامية الذين درسوا على يد هؤلاء المستشرقين نقلوا أسلوبهم واستعملوه في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي.

وفي هذا السياق، يعطي أستاذ التاريخ مثالا بالحركة الصهيونية التي قال إن لديها طريقة معوجة في النظر إلى تاريخ المنطقة العربية تهدف إلى إحكام السيطرة وبناء سردية تاريخية ترمي إلى تبرير الوجود الصهيوني في المنطقة، مشيرا إلى أن المدرسة الصهيونية لم تفلح حتى في إقناع الصهاينة أنفسهم بجدوى دعواهم إلى إعادة قراءة وفهم تاريخ المنطقة.

من جهة أخرى، تتأسف أستاذة الفلسفة العربية والإسلامية في الجامعة اللبنانية نايلة أبي نادر من كون العرب والمسلمين يعانون من "النزعة التقديسية" التي تعظم وتمجد، ليس فقط السلف، بل أي شخصية تراها مميزة رغم أن هؤلاء هم بشر ومحدودون معرفيا واجتماعيا وإيمانيا، كما تقول.

إعلان

وترى نايلة -في مداخلة لها ضمن برنامج "موازين"- أن تقديم خدمة راقية ومقدسة للتاريخ في العصر الحالي يكون عبر إعادة قراءة هذا التاريخ وإبراز السقف الأيديولوجي الذي كان مسيطرا على من كتب التاريخ في حينه.

ويعترض أستاذ تاريخ الأديان في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة على كلام نايلة من جهة أن فيه الكثير من التعميم، ويوضح أن أول من كتب سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ابن إسحاق، ولم يكن في هذه السيرة أي تقديس للنبي الكريم ولم يرفعه إلى مصاف أكثر من مصاف البشر، ولم يقم المسلمون بتقديس السلف الصالح ولم يعتبروهم غير بشر.

ويواصل الأستاذ أن الطريقة التي دوّن بها التاريخ الإسلامي ليس فيها تقديس، بل إن هذا التقديس ربما يوجد في الطريقة التي كُتب بها التاريخ اليوناني والروماني والهندوسي، إذ يختلط ما هو مقدس إلهي بما هو بشري.

في المقابل، يقر المتحدث نفسه بوجود تسييس في كتابة التاريخ الإسلامي، خاصة الذي كتب من منطق عقائدي عند بعض المؤرخين.

القضايا الشائكة

وعن كيفية إعادة قراءة القضايا الحساسة في التاريخ الإسلامي، يوضح المفكر والداعية الإسلامي محمد العبدة أنه لا توجد خطوط حمراء عندما تكون القراءة موضوعية وتبحث عن الأدلة الصحيحة والمنصفة، فمقتل الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان من أكبر الفتن ومن أكبر المصائب التي أصابت المسلمين، ولكن لا ضير من تناول الموضوع إذا كانت الأدلة قاطعة وثبتت صحتها، والشرط هو الابتعاد عن الهوى والجهل والأكاذيب.

ويشير إلى أن هناك مجالا للتحقيق الدقيق والموضوعي في القضايا الشائكة في التاريخ الإسلامي عبر الاستعانة بكتب الحديث وكتب الطبقات، وليس فقط كتب التاريخ.

ويبرز المفكر والداعية الإسلامي -في حديثه لبرنامج "موازين"- أن الأمة الإسلامية هي أكثر الأمم اهتماما بالتاريخ، فهناك 5 آلاف مؤرخ و10 آلاف كتاب في التاريخ، وقد وضع المؤرخ والفيلسوف عبد الرحمن بن خلدون ضوابط وقواعد لمعرفة الروايات الصحيحة من المغلوطة.

إعلان 25/12/2024

مقالات مشابهة

  • المبشر: التاريخ سينصف من حملوا شعلة المصالحة والإصلاح
  • 20 عاما على تسونامي.. واحدة من أسوأ الكوارث في التاريخ المعاصر
  • كيف يمكننا إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بعيدا عن التقديس والتدنيس؟
  • هل آن الأوان لإحداث ثورة في التعليم العالي؟
  • في ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة الأستاذة: سارة الطيب بلال
  • الموصل تودع أحد أعمدة التاريخ العراقي الحديث
  • طليس: أبلغت من المالية ان عائدات الصندوق البلدي المستقل من الخلوي ستدفع قبل هذا التاريخ
  • من أهداف حرب السودان … قتل ثورته
  • أزهري محمد على في حديث شاعري عن ثورة ديسمبر
  • "العربية أبوظبي" تستأنف رحلاتها إلى بيروت في هذا التاريخ