بروفيسور حسن بشير محمد نور/ القاهرة

يلعب الذهب دورًا حاسمًا في الاقتصاد السوداني حاليا، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد. بعد فقدان السودان لجزء كبير من موارده النفطية إثر انفصال جنوب السودان في عام 2011 وما اضافته الحرب من هدر كارثي للموارد والايرادات العامة، ومعروف ان البلاد اتجهت منذ انفصال الحنوب إلى انتاج الذهب لتعويض الخسائر عن خروج عائدات البترول من الخزينة العامة، حيث أصبح الذهب المصدر الرئيسي للعملات الصعبة.

ومع ذلك، فإن الاعتماد المتزايد على الذهب قد عمق الطبيعة الريعية للاقتصاد السوداني، وهو الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية خاصة غير المتجددة وعدم الاهتمام بتنمية قطاعات الانتاج الحقيقي والقيم المضافة، مما يجعل التنمية المستدامة موضوعا بعيد المنال.

يُعتبر السودان من بين أكبر منتجي الذهب في إفريقيا، حيث يُقدَّر الإنتاج السنوي (حسب البيانات الموثوقة) بحوالي 90-100 طن من الذهب. يتم إنتاجه في مناطق متفرقة من البلاد، بما في ذلك ولايات نهر النيل والبحر الأحمر ودارفور وجنوب كردفان. يتم استخراج الذهب في السودان بطريقتين أساسيتين: التعدين التقليدي (الحرفي أو الاهلي) والتعدين الصناعي. يشكل التعدين التقليدي الجزء الأكبر من الإنتاج، حيث يعتمد عليه مئات الآلاف من العمال السودانيين كوسيلة لكسب لقمة العيش.

تعتبر دول الخليج وتركيا وروسيا من أبرز الوجهات التي يصدر إليها الذهب السوداني. ورغم أن الذهب يعتبر مصدرًا رئيسيًا للعملات الأجنبية، إلا أن العديد من المراقبين يشيرون إلى وجود نقص في الشفافية في عمليات تصديره والحصول على عائداته وتوزيعها. يُعتقد أن جزءًا كبيرًا من الإنتاج يُهرب بشكل غير قانوني عبر الحدود، مما يؤدي إلى فقدان الحكومة لجزء كبير من العائدات التي يمكن استخدامها لدعم الاقتصاد.

ما يهمنا اكثر من غيره في هذا المقام جانبان الأول: توظيف الذهب في الحرب، إذ أدى انتشار الصراع المسلح في السودان إلى تحول الذهب إلى مصدر تمويل رئيسي للأطراف المتنازعة، من خلال استغلاله والموارد الطبيعية في مناطق النزاع، وقد استطاعت بعض الجماعات المسلحة تمويل عملياتها العسكرية عبر هذه المصادر مما ساعد في استمرار النزاعات ومفاقمتها. ويُستخدم الذهب لشراء الأسلحة والعتاد وتجنيد المقاتلين، وهو ما يسهم في تأجيج الصراعات بدلاً من توجيه هذه الموارد إلى التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، وبالتالي تحول الي وقود للحرب واصبح نقمة بدلا عن النعمة.

الجانب الثاني: شبهات الفساد حول شركات الامتياز والتصدير، إذ يعتبر هذا الموضوع أحد أبرز الموضوعات التي تثير اهتمام الاقتصاديين السودانيين ويشير العديد منهم في كتاباتهم وتحليلاتهم إلى أن الفساد يمثل أحد أهم التحديات التي تواجه قطاع الذهب في السودان. وتتمثل أبرز أشكال الفساد في التعاقدات الغامضة التي تتم مع شركات الامتياز، حيث تمنح بعض الشركات الأجنبية والمحلية حقوق استخراج الذهب دون توفير معلومات واضحة حول كيفية توزيع العائدات أو الآليات المستخدمة في منح هذه الامتيازات. كما أن هناك اتهامات بأن بعض مسؤولي الدولة متورطون في عمليات التهريب والفساد، وهو ما يقلل من الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها الاقتصاد السوداني من قطاع الذهب.

يضاف للجانبين اعلاه اللذان يبطلان لحد كبير أهمية انتاج الذهب تضاف السلبيات البيئية والاجتماعية لإنتاجه، ومن أبرز الجوانب السلبية لقطاع الذهب هو تأثيره الكبير على البيئة نتيحة لاستخدام العديد من المناجم التقليدية مواد كيميائية خطيرة مثل الزئبق والسيانيد في الاستخراج والمعالجة، مما يؤدي إلى تلوث التربة والمياه الجوفية. هذا التلوث يؤثر سلبًا على الصحة العامة للسكان، ويزيد من حالات الإصابة بالأمراض في المناطق المجاورة للمناجم خاصة السرطان كما تشير كثير من الدراسات. كما أن هذه الأنشطة تؤدي إلى تدمير الأراضي الزراعية، مما يقلل من قدرة المزارعين على زراعة المحاصيل ويؤثر سلبًا علي نوعية الانتاح وعلى الأمن الغذائي.

إلى جانب التلوث البيئي، يؤدي التعدين العشوائي إلى تدمير الغطاء النباتي والتربة، مما يهدد الموارد الطبيعية والمياه الجوفية التي يعتمد عليها المزارعون في مناطق إنتاج الذهب. هذه التأثيرات مجتمعة تؤدي إلى تفاقم التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، وتعمق أزمة الاعتماد على الذهب كمورد اقتصادي رئيسي، مع إهمال القطاعات الأخرى مثل الزراعة بشقيها النباتي والحيواني وما يرتبط بهما من قيم مضافة.

من جانب آخر يؤدي الاعتماد المتزايد على الذهب إلى تعميق الطابع الريعي للاقتصاد السوداني. الذي يعتمد بشكل رئيسي على استخراج وتصدير الموارد الطبيعية دون تطوير قطاعات إنتاجية أخرى مثل الصناعة والزراعة. وهذا النوع من الاقتصاد معرض للصدمات الخارجية نتيجة لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، مما يجعله غير مستدام المردود على المدى البعيد. كما أن التركيز على الذهب يُهمل الاستثمارات في القطاعات الأخرى التي يمكن أن تساهم في خلق فرص عمل مستدامة وتحسين مستويات المعيشة للسكان.

بالرغم من أن الذهب يمثل فرصة اقتصادية كبيرة للسودان في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والامنية المتلاحقة، إلا أن إدارته بطريقة غير شفافة وفاسدة بالإضافة إلى التأثيرات البيئية والاجتماعية السلبية تجعل منه سلاحًا ذو حدين. إذا لم يتم التعامل معه بطرق مستدامة ومدروسة، فإنه قد يُسهم في تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بدلاً من أن يكون حلاً لها. ومن الضروري أن تسعى اي حكومة مدنية مقبلة (إذا كتب ذلك للسودان) لتطوير سياسات اقتصادية شاملة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل والحد من الاعتماد على الموارد الطبيعية فقط، مع التركيز على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد في هذا القطاع الحيوي, الذي فشلت الحكومة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر في تنظيمه والسيطرة عليه واخراجه من تحت احتواء المكون العسكري ومنظومة الفساد، وهي نفس الجهات التي قوضت الحكم المدني وتخوض الان غمار الحرب موظفة الذهب في الصراع المميت الراهن.

mnhassanb8@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الموارد الطبیعیة على الذهب الذهب فی

إقرأ أيضاً:

التوعية الفكرية لدى المواطن السوداني نفسه بفهم مايدور من حوله وما يؤول إليه

منذ العصور الوسطى إذا وقفنا قليلا نجد ان نطاق محور التنمية الفكرية نطاق ضيق ولكنه تطور في القرنين “العشرون _ والواحد والعشرون ” وذلك بالتطور التكنولوجي ودراسة الايدلولجيةالفكرية في شتى المجالات _ الشعب السوداني شعب واعي وفطن ولكن الشئ الذي ضيق النطاق هو حب الذاتية “تعدد القبائل والصراعات في تبادل المنافع التنموية ويصحبه العناد.التوعية الفكرية تتمثل في الآتي:-اولا- التعليم: بمختلف المراحل الدرأسية إبتداء من التعليم ماقبل المدرسي الى الدراسات العليا _بتنفيذ ما درسه الفرد في تلك المراحل وتجسيده في ارض الواقع بجهد وفناء فتكون هنالك تنمية توعوية علمية فكرية بناءة في كل الشرائح المختلفة والمجالات المؤسسية “تعليم _صحة _ أمانة اجتماعية _ نظام آمن _ أمنية متبعة _ تنفيذ الحكم المحلي و الخارجي _نظام مستقر _موارد اقتصادية متداولة بمنافع عامة “.ثانيا- الصحة: وهى أساس ينبني على مقومات هامة لكل الشرائح الصحية لخدمة المجتمع فردا وجماعة فإنه عمل إنساني متبع منذ العصور القديمة،إبتداء بالتداوي بالأعشاب والتراكيب الكيميائية عبر الكهنة والقديسين،وتطورت الصحة ومجالات العلوم الصحية وعلوم الكيمياء والمعامل بالتطور العلمي المتبع كما زكره في القرآن الكريم وقول النبي(ص) وتواتر علينا الى يومنا هذا حسب التطورات العلمية والاكتشافات المعملية قال(ص) : “لكل داء دواء فتداوا”.ثالثا- علوم الاقتصاد والسياسة:-إن علوم الاقتصاد والسياسة من أهم المجالات العلمية الفكرية لأن الاقتصاد دونه لايكفي إن لم نجد سياسة بناءة فكرية توعوية هامة وبناء على ذلك فإن السياسة والاقتصاد مربط الفرس لصناعة دولة قوية متماسكة متمثلة في كل شرائح المجتمع المختلفة ” دينيا _وإجتماعيا ” .إن المجتمع المتعافى من الصراعات القبلية والحزبية يكون مجتمعا تنمويا؛بالتنمية تنهض الدولة،فالدولة مجتمع والمجتمع شعب والشعب دولة.إن تعدد الأحزاب السياسية يعيق تنمية الدولة ويرهقها بالمتطلبات وتنفيذ البنود المشتركة وغير المشتركة؛فتوحيد الصف واجب لانه قوة وصلابة، إن نظرنا قليلا لتفكيك الدولة ونشب الصراعات السياسية “نظام الحكم يعود إلى عدم التوعية الفكرية لمنهجية معينة أو مناهج مختلفة فلكل قوامته وبنوده “حزب سياسي _جبهة ثورية _ حركة مسلحة ” .فعلى الدولة تنفيذها او على نظام الحكم القائم تنفيذ مايطلبه الحزب المعني فهذا يعتبر إرهاق للنظام الهيكلي وتشتيت أفكار بعدم إتزان الدولة وإستقرارها وتنميتها وتعميرها،وعليه فإننا نرى إنما ألحق بالشعب السوداني الآن هى الصراعات السياسية اولا ثم الصراعات الاهلية أو القبلية ثانيا.إن عصب الحياة كثيرة منها واهمها _المال _ثم يأتي بعده العرض والأرض،فالشعب السوداني صنف من الدول الفتية في القرن العشرون وأرضه مكسوة بالمعادن والموارد الاقتصادية الاخرى؛هذا التصنيف تصنيف حقيقي نتيجة للتعداد السكاني عام “٢٠١٦” الى اليوم،كم يكون معدل الزيادة؟ مؤكد تكون الزيادة بنسبة ٤٠- ٦٠% فهولاء الفتية كوادر وايدي عاملة وإضافة فكرية علمية هامة إن توفرت كل هذه المقومات التي زكرت سابقا ” التعليم _الصحة _الاقتصاد والسياسة ” .لكل دولة تخطيطها الاستراتيجي ودستورها العام التي تنهج عليه الدولة؛ وعليه نرى إن علينا تطبيق الدستور بطريقة بناءة بإضافة بعض البنود او حذفها على حسب التطور الآن؛ حتى نواكب كل دول العالم اغلبها او معظمها بدستور سياسي متبع.إن من حق المواطن السوداني ان يستفيد من مقوماته الاقتصادية ويكون ذلك بزيادة وتعمير المؤسسات الخدمية وتهيئة بيئية صالحة مربوطة بالسياسة المتبعة،وعليه هو كمواطن سوداني ان يحافظ على تلك البيئة الملائمة والمؤسسات الخدمية الهامة ولا يكون إلا من خلال التوعية الفكرية؛فالمواطن الواعي فكريا يحافظ على دولته التي تتمثل في الأرض والعرض _موارد اقتصادية _معدنية اخرى.إن الثروة التي توجد في دولة السودان لا تقدر بثمن إن رأينا قليلا القطاع الغربي وحده يكفي لكل الشعب السوداني،كيف لا تكفي الموارد الاقتصادية السودانية للشعب كله؟ .١- الترشيد الصحيح والأمانة وتبرئة الزمة٢- المشاركة الفعالة لكل شرائح المجتمع بتبادل المنافع بالإشارة الى ذلك بلاد خالي من الصراعات السياسية النعرات القبلية موارد اقتصادية فعالة ثروة معدنية = سودان معافى وبلاد مستقرة.-المشاكل التي تواجه المواطن السوداني سياسيا كان او غيره:-١- عدم الاتزان الفكري٢- التطلع والنظر الى الابعاد المختلفة دون مقومات.٣- التشارك الفعال بين السودان ودول الجوار بنسب متفاوتة “فائدة تنموية ” .-التنمية العمرانية في شرائح المجتمع المختلفة:-يوجد لدينا كوادر هندسية كثيرة،خريجي معاهد ودرسات عليا وفنيين وحرفيين يستطيعون وحدهم ان يعمروا هذه الدولة واقصد بذلك الآن _لابد للشركات الهندسية للتعمير والتنمية ان تؤول للنظام الحاكم بإنشاء منشآت خدمية ومدن نموذجية وطرق وجسور.# إن تتضامنت الوزارات(وزارة المعادن _وزارة الطرق والجسور _وزارة الاقتصاد _وزارة التخطيط والتمنية العمرانية وحدهم يكفلون العمرانية بالاتفاق مع بعض الشركات العالمية للتنمية والإعمال بالنسب ) .إن عدنا قليلا الى الوراء نجد القضية الاساسية “السلطة والثروة ” فالسلطة تنبني على مقومات الثروة؛والثروة تريد ترشيدا من السلطة العليا؛فالسلطة حكم والحكم سلطة،والقانون دولة والشريعة منهج والنظام المتبع هو المنظار الذي ينظر من خلاله المواطن ويقوم بتقيمه وإتباعه حسب المنهجية المتبعة.الحكم يكون بالشريعة والقانون المتبع وتطبيق البنود البناءة تشمل كافة الشرائح المجتمعية في كل القطاعات المختلفة بالمشاركة “إعطاء كل حق حقه “-فالسياسة المتبعة لابد أن تكون منهجية دينية خلقية تخدم المجتمع “التصالح” .على المواطن السوداني ان يفهم قضيته الأساسية دون صراع وتخريب وتدمير دولة، فالقوة لله والعزة للوطنالعاشر من إكتوبر/٢٠٢٤بقلم/ الأميرة أم مجتبىإنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • بيانات تظهر النتائج الاقتصادية التي حققتها الولايات المتحدة في عهد بايدن
  • الدعم السريع تكشف عن أسرى مصريين بطرفها وتفصح عن معلومات خطيرة تجاه مصر والتسليح والقتال مع الجيش السوداني
  • قالت إنهم يقاتلون مع الجيش السوداني .. الدعم السريع تكشف عن أسرى مصريين بطرفها
  • التوعية الفكرية لدى المواطن السوداني نفسه بفهم مايدور من حوله وما يؤول إليه
  • حروب الخفاء …السيطرة على الاقتصاد و سلاسل التوريد ..!؟
  • عارف: تعاون القطاع المصرفي مع الصناعي أمر ضروري لتحقيق الأهداف الاقتصادية
  • حميدتي: مصر قصفت قواتنا وأمدت الجيش السوداني بطائرات صينية.. والقاهرة تنفي
  • "القاهرة للدراسات الاقتصادية" يوضح مزايا الاستثمار في الذهب والعقار بمصر
  • أزمة الاقتصاد السوداني تتفاقم.. زيادة الدولار الجمركي وانتشار النقود المزيفة