نحو رؤية جديدة لسودان ما بعد الحرب
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
في ظل الأزمات التي تواجه السودان حاليًا، من الواضح أن البلاد تقف عند مفترق طرق تاريخي يتطلب صياغة رؤية جديدة للسودان ما بعد الحرب. التحولات السياسية الجارية، سواء في الداخل أو على المستوى الإقليمي، تضع القوى المدنية في مواجهة الإسلام السياسي الذي لا يزال يسعى للهيمنة على المشهد السياسي. هذه المواجهة تعكس النزاع الأعمق حول شكل الدولة السودانية في المستقبل وكيفية التعامل مع قضايا الدين والسياسة والحداثة.
التحديات ما بعد الحرب الحرب السودانية الأخيرة ليست فقط مواجهة مسلحة بين الأطراف، بل هي امتداد لصراعات طويلة الأمد حول السلطة والثروة وهوية الدولة. القوى المدنية، التي تسعى إلى إنهاء هذه الحروب، تواجه تحديًا أساسيًا يتمثل في الصراع مع قوى الإسلام السياسي التي ترى في الدين قاعدة للحكم. على الرغم من فشل نموذج الإسلام السياسي في تحقيق الاستقرار أو تقديم حلول عملية للأزمات، إلا أن هذه القوى لا تزال تحتفظ بنفوذ قوي في مناطق عديدة من السودان.
الإسلام السياسي ومعركة السيطرة ويعد الإسلام السياسي أحد الفاعلين الرئيسيين في الساحة السودانية، فهو يمتلك تاريخًا طويلًا من السيطرة على مؤسسات الدولة والحكم من خلال الشريعة الإسلامية. غير أن تجربة الإسلام السياسي في السودان على مدار العقود الماضية كشفت عن أوجه القصور في قدرتها على معالجة الأزمات العرقية والطائفية وتعزيز النمو الاقتصادي. ما نشهده اليوم هو تزايد الرفض الشعبي لنموذج الإسلام السياسي، ليس فقط على مستوى النخبة، بل أيضًا في صفوف الشعب الذي يعاني من تداعيات الفشل الحكومي المستمر.
قوى المدنية نحو دولة حديثة في المقابل، تمثل القوى المدنية الطموحات الشعبية نحو سودان ديمقراطي يقوم على قيم الحداثة والتنوير، دولة مدنية تكون فيها المواطنة هي الأساس ولا يكون للدين دور في التشريعات أو السياسات. هذا المشروع، الذي تسعى إلى بلورته قوى مثل تجمع المهنيين السودانيين والحركات الشبابية والمثقفين، يقوم على ضرورة بناء دولة تتجاوز الماضي الطائفي والديني وتنفتح على العالم الحديث.
مشروع السوداني الجديد والتحول الديمقراطي لا يمكن فهم مشروع السوداني الجديد من دون ربطه بقضية التحول الديمقراطي والنزاع الفكري حول شكل الدولة. القوى المدنية تدرك أن التحول الديمقراطي لا يمكن أن يحدث في فراغ، بل يتطلب إنهاء النزاع حول علاقة الدين بالدولة، وتأسيس نظام يقوم على احترام حقوق الإنسان، والمساواة، والحكم الرشيد.
النزاع الفكري حول شكل الدولة السودانية يتجاوز الانقسامات السياسية البحتة ليشمل مسائل أعمق تتعلق بالهوية الوطنية السودانية وكيفية التعامل مع التعدد الثقافي والعرقي والديني في البلاد. القوى المدنية تسعى إلى تأسيس دولة لا تقصي أحدًا، بل توفر بيئة تعايش للجميع.
التنوير السوداني ضرورة لا مفر منها عندما يتساءل البعض عن ضرورة التنوير في السياق السوداني، يجدر التذكير بأن التنوير ليس فكرة انتهت بانتهاء القرن الثامن عشر، بل هو مشروع فكري لا يزال أمام العديد من المجتمعات الإسلامية التي لم تحقق المصالحة بعد بين الدين والعقل. التنوير السوداني لن يكون نسخة طبق الأصل عن التنوير الأوروبي، لكنه سيحمل طابعًا خاصًا يقوم على المصالحة بين الدين والفلسفة والحداثة.
نحو سودان جديد بناء سودان ما بعد الحرب يتطلب مشروعًا واضحًا للتغيير يتجاوز مجرد وقف إطلاق النار. إن القوى المدنية في السودان بحاجة إلى دعم دولي وجهود محلية مكثفة لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس حديثة. لكن التحدي الأكبر يظل في القدرة على تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي دون إقصاء أو تهميش أي طرف، مع وضع حلول جذرية للصراعات الطويلة حول الهوية والدين والدولة.
المعركة بين القوى المدنية والإسلام السياسي في السودان ليست مجرد مواجهة سياسية، بل هي نزاع على روح الدولة السودانية المستقبلية. القوى المدنية تقدم رؤية تقدمية نحو سودان ديمقراطي حداثي، بينما يظل الإسلام السياسي متمسكًا بنموذجه الديني. التحول الديمقراطي والنزاع الفكري حول شكل الدولة هما التحديات الأساسية التي تواجه البلاد اليوم، وبناء سودان جديد يتطلب توافقًا وطنيًا وشجاعة سياسية لتجاوز هذه الخلافات وتحقيق المصالحة.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الإسلام السیاسی القوى المدنیة ما بعد الحرب یقوم على
إقرأ أيضاً:
رئيس المخابرات المصرية يبحث مع البرهان العمل المشترك لإنهاء الحرب السودانية
الخرطوم: «الشرق الأوسط» التقى رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد، اليوم (الثلاثاء)، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، خلال زيارة إلى بورتسودان، حيث بحثا العمل المشترك لإنهاء الحرب في السودان، وقالت قناة «القاهرة الإخبارية» المصرية، إن اللقاء شهد مناقشة سبل استعادة الاستقرار والعمل المشترك لإنهاء الحرب.
وذكرت «وكالة الأنباء السودانية» أن رئيس المخابرات المصرية، نقل رسالة شفوية إلى البرهان، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتعلق بالعلاقات الثنائية وسبل دعمها وتطويرها، وترقية التعاون المشترك بين البلدين في كل المجالات.
وأشاد رئيس المجلس خلال اللقاء، «بدور مصر الرائد في دعم ومساندة أشقائه بالسودان، في إطار العلاقات الثنائية التاريخية والأخوية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين».
ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد قوات «الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2023، بعد خلافات حول خطط لدمجها في القوات المسلحة، في أثناء عملية سياسية للانتقال إلى حكم مدني.