كنت قد تناولت حقيقة مفادها أن استراتيجية التعاون بين الجيش السوداني والاسلاميين كان قد دشنها النميري عقب ما عرف بالمصالحة الوطنية وذلك قبل أربعة عقود ونصف من الآن. لكن مؤكد ان مجئ الجبهة القومية الإسلامية إلي السلطة أو ما عرف بإنقلاب الانقاذ كان قد أحدث تحولات نوعية داخل المؤسسة العسكرية ضمن إطار "التمكين أو الاخونة" .


في الوقت الحالي ، وبعد مرور اكثر من ثلاثة عقود علي التمكين ، فإنه لايمكن علي الاطلاق الفصل بين الجيش والحركة الإسلامية جناح المؤتمر الوطني.
لكني لا اعتقد ان ذلك كان السبب في اندلاع الحرب . بل إن العلة الرئيسية قد تجسدت في ضعف قيادة الجيش الحالية، وهي قيادة تم استيلادها من سياسة الاسلاميين داخل مؤسسات الدولة وفق شعار " الولاء قبل الكفاءة".
الخيارات لم تكن صعبة لقيادة الجيش لمنع اندلاع الحرب وكان التاريخ سيحفظ لها ذلك. فقد اتضح لنا بعد اكثر من سنة ونصف ان حميدتي قوة ضاربة ، وهي كمعلومة، كانت لا تغيب عن ذهن قيادة الجيش الحالية ممثلة في البرهان والكباشي والعطا وابراهيم جابر ومع ذلك سمحوا للحركة الإسلامية بالتحكم في قرارات المؤسسة العسكرية، بكل غباء.
كان يمكن التحالف مع حميدتي وتحجيم فلول النظام السابق، فقد اتضح لنا تماما ان توازن القوي حينئذ كان يسمح بتسليم البشير ومن معه للمحكمه الجنائية الدولية ومراجعة عمل لجنة تفكيك التمكين ومحاسبة المفسدين وتحجيم الفساد الظاهر، ولا أتحدث هنا عن " محاسبات ذات طابع جذري" ولكنها محاسبات ومراجعات في حدود تنفيذ اصلاحات هيكلية للاقتصاد السوداني تخدم المصلحة العامة وتوفر ثقة المجتمع الدولي .
كان يمكن ايجاد دعم مدني أو مظلة كبيرة تضم اسلاميين وغير اسلاميين وقدر كبير من حركات الكفاح المسلح والسير في اتجاه أحداث إصلاحات تدريجية في الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة خاصة الاجهزة العدلية.
أنا هنا لا أتحدث عن انتقال ديمقراطي، ولكني أتحدث عن خيارات كانت يمكن ان تجنب السودان ويلات هذه الحرب اللعينة.
كان يمكن أن يقوم بها حتي قيادات ولو كانت ذات ميول اسلامية، لكنها تمتلك القدرة والرؤية، او قل قيادات تمتلك ولو الحد الادني من الخبرة والمهنية، تستطيع ان تخرج بالسودان من مستنقع الرمال المتحركة الذي قادتنا إليه الانقاذ .
اعتقد إن ذلك كان سيجد الدعم والمساندة من المجتمعين الاقليمي والدولي حتي ممن له اجندة غير معلنة من هؤلاء .

طلعت محمد الطيب

talaat1706@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

إجابات حاضرة لأسئلة غائبة

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا/ ليلٌ تهاوى كواكبه.
قال النُقاد إن هذا أعجب بيت شعر قيل في وصف معركة في حرب حامية الوطيس، في حين قال عنه آخرون بأنه أكذب بيت شعر صادق، هذا وذاك لسبب بسيط هو أن قائله بشار بن برد كان أعمى، ومع ذلك برع في استخدام تلك الصورة البصرية الرائعة بذلك التشبيه البليغ. وبما أن الشيء بالشيء يذكر. إذن لقد انتهت (معركة القصر) دون أن يكون بشار بن برد أحد حاضريها ولكن كانت هناك التقنية الحديثة التي تصور دبيب النمل في الأجحار وبالطبع لن يكذبِّها أحد. وطبقاً لذلك يمكن القول أيضاً أنها خلقت وخلَّفت ورائها العديد من الأسئلة االغائبة في توصيف معركة حاضرة قبل أن ينجلي غبارها.
واقع الأمر ذلك ما ينبغي الوقوف عنده طويلاً، لعله يكون فاتحة لمنهج المساءلة القادمً متى ما وضعت حرب البلهاء أوزارها، خاصةً وأنها تُعد الأكثر مأساوية منذ تأسيس الدولة السودانية، وقد صاحبتها كثير من البلايا والرزايا وتعددت فيها الأخطاء والخطايا ثمَّ طوت أعز ما يملكه السودانيون في أعرافهم أي ما عُرف بمنهج (التسامح السياسي) ولهذا نحن نعلم وهم يعلمون كذلك بأنه لن يعود السودان الذي كان: ولكن سيعود لمن أوتي كتابه بيمنه بصفحاته الناصعة البياض من غير سوء. وعندئذٍ تبت يد الجلاد وتب.. لهذا ليس من المنظور أن يذهب درساً قاسياً كهذا أدراج الرياح.
يردد كثير من (الببغاوات) عبارة مضللة ويقولون عن القصر الذي بناه غردون (رمز السيادة) ولا يدري المرء أي سيادة يقصدها المرابون؟ فهل يمكن أن تكون هناك سيادة في وطنٍ انتهكها العسكر على مدى تسعة وستين عاماً ولم ينعم فيها الصابرون الكاظمين الغيظ إلا بنحو عشر سنوات لم تزد منذ الاستقلال؟ وأي سيادة هذه التي انتهك البرهان وثيقتها الدستورية بانقلاب ضلالي مزقها شر ممزق، لا لعوج في ثورتها المجيدة ولا لخللٍ في مسيرتها الديمقراطية الواعدة، ولكن لأنه أراد فقط أن يحقق حلم والده؟ وأي سيادها تلك التي يهرف فيها ياسر العطا بما لا يعلم؟ وأي سيادة تلك التي يرفع علمها جهلول يظن أن تاريخ السودان يصنعه أزلام الهوس الديني والمؤلفة قلوبهم؟
لكن على أية حال إذا أسلمنا جدلاً أن (القصر) الذي بناه غردون هو رمز السيادة، كما يقولون، وأن الطامحين لورثته كثر. نقول نحن إن للسيادة استحقاقاتها. وللسيادة مطلوباتها وللسيادة دين مستحق. عندئذِ فليقل لنا الجنرالات الثلاثة ورابعهم الذي يكيد كيداً من وراء حجاب. ماذا أعددتم ليوم تشخص فيه الأبصار وترتعد فيه الفرائص.فأنتم المسؤولون أمام الله ومن ثم أمام أهل السودان عن كل نقطة دم أهرقت، وماذا تقولون لأارواح بريئة بأي ذنب قتلت؟ سيسائلكم الذين تشردوا من منازلهم والذين انتهكت عروضهم والذين توسدوا الأرض والتحفوا السماء لن نقول لكم حكموا ضمائركم لأنكم قبرتوموها مع ضحاياكم.
نحن نعلم أن للعسكرية شرفاً فهي ليست نياشين ترصع الصدور ولا نجوم تزين الاكتاف، العسكرية شجاعة وبسالة والانحياز للشعب وللقيم الإنسانية النبيلة فليقف من يجسدها في باحة هذا القصر ويعلن استعداده للمحاكمة العادلة فليس الحديث عن القصر واسترداده إنما الحديث ابتداءً عن من الذي فرط في احتلاله وليكن هذا فاتحة البداية في المحاسبة.
ما كان منظوراً أن تجد مثل تلك الأسئلة اهتماماً يذكر من قبل الجنرالات الثلاثة، الذين التفوا عليها وباتوا يشيعون أن هدف الوصول إلى القصر يُعد في صدارة أهدافهم، ليس من أجل السيادة المزعومة ولكن لأن ذلك يجعلهم يروجون بأن (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ويحقق هدفاً استراتيجيا وهو تغييب الأسئئة الموضوعية التي ينبغي أن تشغل فكر الناس واهتماماتهم الوطنية.
عوضاً عن ذلك راجت أسئلة الدعاية الرخيصة دون اكتراث لآلة الحرب التي تحصد في البشر ورافقتها البروبوجاندا المُضللة التي تقول بأن الوصول إلى القصر هو خاتمة المطاف وتمادياً في الخداع يقولون الوصول للقصر هو نهاية الحرب وهم يعلمون أنهم لكاذبون.
بالمقابل زادت مليشيا الدعم السريع من وتيرة الحرب النفسية بالقول المخادع أيضاً بانهم يسيطرون على القصر ومحيطه، وعندما يستمرؤون الكذب يدعون بأن ألا أحد يستطيع اقتحام القصر وتزيد بالقو إنها متحصنة بعتاد عسكري ولوجستي تنوء بحمله الجبال. وتمادت في اطلاق مزيد من الحرب النفسية بأنها تحتجز ما يفوق الثلاثمائة ضابط في سراديب القيادة العامة التي تقع على مقربة من القصر. الغريب في الأمر أنه في زمن التكنلوجيا والتقنية العالية، صعُب على جنرالات الحيرة التأكد من صحة معلومات القيادة والقصر معاً. وفي غياب مثل تلك المعلومات شطح الخيال الشعبي وطفق يتلذذ باستعراض كافة الأرقام. وكان ذلك يعني أن الجيش يحارب عدواً من الجن.
جغرافياً يعلم أهل السودان أن قصر غردون ذاك يشغل حيزاً صغيراً على النيل واستبعد المنظرون حدوث الهروب/ الانسحاب التيكتيكي باعتبار أنه محاط من جهااته الثلاث\ً ورابعها نهر النيل ولم يفطن جنرالات تنابلة السطان بان المليشيا غادرت القصر منذ زمن وحملت معها كل أغراضها ولم تترك ورائها سوى ذكريات منقوشة على الجدران وتركت القصر خالياً ينعق فيه البوم.
اللهم أجرنا في مصيبتنا. تلك يقول عنها المكلومون: ميتة وخراب ديار!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!

faldaw@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • الهبطات في سلطنة عُمان تراث يعزز الاقتصاد والحركة الشرائية قبل عيد الفطر
  • عبد الرحيم دقلو ومعه جنرالات من الجيش التشادي سيسعون للإطاحة بالرئيس كاكا
  • السودان .. سيطرة الجيش على الخرطوم بداية لـ «الاستقرار» أم استمرار لـ «الحرب»
  • محمد أبوزيد كروم يكتب: كيف أفشل الجيش المخطط الخبيث!!
  • هل تكتفي الحركة الإسلامية بحكم النهر والبحر؟
  • تدشين مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء والمفقودين في الجوف
  • احتفالات السودانيين بانتصارات الجيش تصل إلى السماء
  • بعد القصر.. إجابات حاضرة لأسئلة غائبة
  • إجابات حاضرة لأسئلة غائبة
  • حين تُكذّب الحربُ مقولةَ التفاوض