قضيتان سياسيتان خارج السياق التاريخي
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما تكون أي بلد في أزمة أو حرب كما هو في السودان تنشط العقول لتقدم أفكارا بهدف وضع حل للأزمة أو كيفية إنهاء الحرب بما يضمن وحدة البلاد و إستقلالها و إمتلاك قرارها، و في جانب أخر تحاول بعض النخب البحث عن أفكار لكي تخلق بها واقعا جديدا بعد الخروج من الأزمة السياسية أو وقف الحرب.
من المسائل الغريبة جدا أن حزب تاريخي مثل الاتحادي الديمقراطي، وقع على قيادته المؤسسة له عبء أن تخوض النضال الوطني من أجل الاستقلال، و الذي تحقق على يديها، أن تجهل قيادته أن تضع المصطلحات في موضعها الصحيح.. هل قبل تعين هؤلاء الثلاثة مع أحترامنا لهم، أن الحزب لم يكن يضطلع بمسؤوليته التاريخية الوطنية، هل كان غائبا و الآن فجأة استيقظ من غفوته، و عين هؤلاء الثلاثة لكي يضطلع بهذه المسؤولية التاريخية.. الأفضل كان أن تستقيل كل القيادة التي كانت قبل تعين هؤلاء حتى الذي عينهم لأنهم من خلال هذا البيان الصادر، قد عجزوا أن يضطلعوا بمسؤوليتهم الوطنية و التاريخية.. و هذا أعتراف من الناطق الرسمي بأسم الحزب، و لا اعتقد أن الناطق يصيغ بيانا و لا يعرضه على الذي أوكل إليه مهمة صياغة البيان.. أن كبر سن السيد محمد عثمان الميرغني و حالته الصحية لا تمكنه أن يتابع أعمال الحزب و يعين نواب له.. يبقى السؤال: من هي الجهة التي تستخدم أسم الميرغني و تعين و تصدر بيانات بإسمه؟
أن زمن السكوت و الهروب من المواجهة بهدف تحقيق مصالح شخصية لنخب سياسية ليس لها أي أجندة غير أجندتها الشخصية قد انتهى، و أن محاولة استخدام الحزب للمصالح الخاصة تحت شعارات الوطنية و المسؤولايات التاريخة أيضا قد ولى و انتهى تماما.. أن مقدرات السيد محمد عثمان الميرغني الآن بحكم كبر السن لا تؤهله أن يلعب أي دور سياسي و لا يستطيع أن يصدر أي قرار.. و هذا ليست إساءة للرجل لكنها سنة الحياة.. يقول القرآن الكريم ( و الله خلقكم ثم يتوفاكم و منكم من يرد إلي أرزل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا أن الله عليم قدير) و هناك الذين يحاولون استخدام أسم الرجل من أجل فرض سيادتهم على الحزب لتحقيق أجندة خاصة.. أن هذه السياسة قد جعلت الحزب الاتحادى على هامش الأحداث و ليس له أي دور مؤثر في العملية السياسية الجارية في البلاد.. أن الحزب الاتحادي لكي يلعب دورا وطنية مرة أخرى و تاريخي لابد من إحداث تغيير يطال أغلبية قياداته ذات المصالح الخاصة فقط ...
القضية الأخرى التي أريد تناولها، أقام مركز "آفاق جديدة للحوار الفكري" الذي يهتم بالقضايا الفكرية، و الذي يشرفي عليه الدكتور صديق الزيلعي جلسة حوار فكري بعنوان " رؤية ماركسية حول الديمقراطية" قدمتها الأستاذة رانية عبيد على خدمة " Zoom" و حضرها جمع من الزملاء في الحزب الشيوعي و المهتمين بقضية الماركسية و الديمقراطية. و بالفعل كان العنوان جاذبا جدا، الأمر الذي جعلني أحرص على حضور الحوار الفكري، و استمع للأستاذة رانيا كيف تربط بين الماركسية التي تؤسس فلسفتها التاريخية على الصراع الطبقي، الذي تقوده قوى البوليتاريا ضد مالكي وسائل الإنتاج، ثم تؤسس البوليتاريا ديكتاتوريتها كمرحلة من مراحل الوصول للمجتمع الشيوعي.. بدأت رانيا محاضرتها بنقد الليبرالية و الرأسمالية حيث استهلكت أكثر من 80% من الزمن المخصص لها في هذا المحور، ثم أنتقلت إلي الديمقراطية التي أطلقت عليها الديمقراطية الشعبية، و لم تخرج من دائرة فلسفة الماركسية، و نظرتها للصراع الطبقي..
قالت رانية: و هي تعلق على موقف الحزب الشيوعي من الديمقراطية، و تبنيه لها في مؤتمره الخامس.. قالت أن أحداث التغيير للوصول إلي الديمقراطية الشعبية مرتبط بالثورة التي يجب أن تقتلع كل المعوقات التي تعترض طريق التغيير، يبقي السؤال ما هي علاقة الثورية بالديمقراطية؟ الثورة أداة هدم و ليست بناء، و الديمقراطية تؤسس على أدوات البناء حتى على مستوى العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية لأنها تؤسس على رضى المجتمع.. التاريخ القديم و المعاصر بين أن الثورات لا تؤسس ديمقراطية، لآن الثورة تحاول أن تفرض شروطها على الآخرين بالقوة، و تجعلهم تحت طاعتها فهي تؤدي إلي الشمولية.. لذلك استخدام المصطلح " الثورة البوليتاريا" في الفلسفة الماركسي صحيح لأنه يؤدي إلي الديكتاتورية.. و يعلم الزملاء أن الأحزاب الشيوعية في أوروبا عندما قبلت الديمقراطية اسقطت " ثورة البوليتاريا" و قبلت التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، و أن تسعى للاشتراكية من خلال تدخل الدولة في الاقتصاد حماية للطبقات الدنيا..
الملاحظ في اجتهاد الزملاء لمسألة التوافق بين الماركسية و الديمقراطية، أنهم يصطدمون بأن الفلسفتين متوازيتين و لا تلتقيان، لكنهم يتعللون بالاجتهاد، و في النهاية تصبح قضية الديمقراطية شعار معلق في الهواء.. و هم يعلمون أن الاجتهاد للمقاربة سوف يجعلهم يبتعدون عن الماركسية.. و هم لا يريدون أن يغضبوا القيادات الاستالينية في الحزب.. واجهت رانيا نقدا من عدد من الماركسيين في ندوة.. و يبقى أنه اجتهادا مقدرا و تثاب عليه.. أن شغل الذهن مسألة ضرورية للعملية السياسية.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الدراما السورية.. من المسلسلات الإذاعية إلى الجماهيرية العربية.. شعبية للأعمال الاجتماعية ومنافسة في «التاريخية»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حققت الدراما السورية الكثير من النجاح على مدار السنوات الأخيرة، ليس فقط للمشاهد السوري، وإنما أصبحت تنافس على مستوى العالم العربي، وكان هناك عدد من العوامل التي حققت نجاحات للدراما السورية الإجتماعية، وأيضاً طفرات للدراما التاريخية والتي قدمت أعمالاً لها ثقل فني كبير وحققت رواجاً ونجاحاً كبيراً على مستوى العالم العربي.
نرصد بداية الدراما السورية وتطورها ومحطات الانطلاق والطفرات والازدهار، وما ينتظرها من تحديات خلال المرحلة المقبلة.
البداية من الإذاعةبدأت رحلة الدراما السورية منذ عقود، وكانت انطلاقتها الأولى عبر المسلسلات الإذاعية، حيث شكَّلت الأساس لصناعة الدراما السورية. لاحقًا، جاء برنامج "سهرة دمشق" ليقدم مجموعة من السهرات التليفزيونية التي اعتُبرت أولى أشكال الدراما المرئية. سرعان ما تطورت هذه الصناعة مع إنتاج عدد كبير من الأعمال التي جمعت كبار نجوم الفن السوري. وفي تلك الفترة، تشابهت ظروف الإنتاج في سوريا مع مثيلاتها في مصر، حيث كانت جهة الإنتاج الوحيدة هي التليفزيون الحكومي.
محطات الازدهار
شهدت الدراما السورية محطات مهمة في مسيرتها، وبرزت فترة السبعينيات كبداية لازدهارها، خلال هذه الحقبة، توجه أبطال المسرح السوري نحو الدراما التليفزيونية، والتي حملت آنذاك طابعًا كوميديًا ساهم في ربط الجمهور بها، من أبرز الأسماء التي تركت بصمتها في تلك الفترة: دريد لحام، محمود جبر، ورفيق السبيعي.
التكوين والملامح
مع مرور الوقت، تطورت ملامح الدراما السورية وبدأت تأخذ طابعًا اجتماعيًا قريبًا من واقع الأسرة السورية. ركزت الأعمال على مواقف الحياة اليومية وتفاصيلها، مما جعل الجمهور يشعر بأنها تنقل واقعهم بشكل صادق. هذا التوجه ساهم في تعزيز مكانة الدراما السورية كمرآة تعكس تطلعات ومشاكل المواطن السوري.
ظهور الإنتاج المستقل
في مطلع التسعينيات، ظهرت شركات الإنتاج المستقل، وهو ما شكَّل نقطة تحول كبيرة في مسيرة الدراما السورية. ساهم ذلك في خلق دورة اقتصادية مستقلة، وجلب كفاءات جديدة لصناعة الدراما. أدى هذا التطور إلى زيادة جودة الإنتاج وفتح المجال أمام النجوم السوريين للعمل بين القاهرة ودمشق، مما أضاف بُعدًا جديدًا للأعمال السورية بفضل التداخل مع الخبرات المصرية العريقة.
طفرة الدراما التاريخية
حققت الدراما التاريخية السورية طفرة نوعية أسهمت في نقلها إلى مستوى عربي ودولي. يعود هذا النجاح إلى عدة عوامل:
الإنتاج الجيد: استثمرت شركات الإنتاج مبالغ كبيرة لدعم الأعمال التاريخية، مما انعكس على جودة الصورة والإخراج.
وأشاد الكاتب يسري الفخراني بهذا النهج، مشيرًا إلى أهمية رؤية نتائج الاستثمار على الشاشة.
ثقل النجوم:
شارك في هذه الأعمال نخبة من أبرز نجوم الدراما السورية، مثل تيم حسن، عابد فهد، سلوم حداد، وجمال سليمان.
اختيار الموضوعات الجذابة: ركزت الدراما السورية على أحداث تاريخية مشوقة تُثير اهتمام الجمهور العربي، مما ساعد في تحقيق انتشار واسع.
من أبرز الأعمال التاريخية السورية: "الحجاج"، "هارون الرشيد"، "ربيع قرطبة"، "الزير سالم"، "هولاكو"، و"المرابطون والأندلس".
أسماء لامعة في سماء الدراما
على مدار مسيرتها، أفرزت الدراما السورية عددًا من النجوم الذين تركوا بصمة واضحة سواء داخل سوريا أو في مصر، ومن أبرزهم: جمال سليمان، تيم حسن، عابد فهد، سلوم حداد، قصي خولي، وكاريس بشار.
التحديات المستقبلية
رغم النجاحات التي حققتها الدراما السورية، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة في المرحلة المقبلة، أبرزها الحفاظ على جودة الإنتاج، تطوير النصوص، ومواكبة التقنيات الحديثة في صناعة الدراما. ومع ذلك، تظل الدراما السورية قادرة على التأقلم والابتكار، وهو ما يضمن استمرارها كواحدة من ركائز الفن العربي.