موقع النيلين:
2025-02-27@16:08:28 GMT

عادل الباز: ما هي الخطة (ب) وما مصيرها؟ (1)

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

1 أربك خطاب الجنجويدي أمس حسابات كثيرة في الساحة السياسية، ونقل ملعب الصراع نقلة نوعية وسّع فيها دائرة عداوته وأحبط حلفاءه بخطابه المتناقض، وتركهم يعانون داء (هاء السكت) منذ الأمس، إذ لم ترحب أو تدن (تقدم)، بل لم تعلق على ما جاء في الخطاب.
الخطاب الذي شن فيه هجومًا غير مسبوق على المجتمع الدولي واتهمه بتدمير السودان، ثم أعلن الحرب على مصر والإسلاميين والشايقية، وذكر سبع دول قال إنها داعمة للجيش.

أما الجيش نفسه فقال إنه تم دحره منذ زمن، وأنه الآن يقاتل كتائب الإسلاميين!!
الحقيقة أنني لم أصدق أن حميتي مات إلا بالأمس؛ فقد مات فعلاً حين مات ضميره الذي رضي وبرر كل الجرائم. مات حين فاض خطابه بالأكاذيب وتعامى عن الحقائق المجردة التي يراها الجميع. مثل هذا الجنجويدى باطن الأرض أفضل له وللبشرية من ظاهرها.
2
أهم ما جاء في الخطاب الذي احتوى على كل الإحباطات هو ما أسماه الخطة (ب) حين قال: “سننتقل في معركتنا مع مليشيا وفلول البرهان إلى الخطة (ب)”، ما هي تلك الخطة الجديدة التي سينتقل إليها هذا الجنجويدي؟
يمكننا أن نرى مؤشرات تلك الخطة في عدد من الإشارات التي وردت في الخطاب. فقد أعلن الجنجويدي أمس حالة الطوارئ والاستنفار العام لكل الجنود، ودعاهم للتبليغ فورًا إلى أقرب وحدة. وهذا النداء يشير إلى أمرين: الأول، أن المليشيا تعاني نقصًا هائلًا في الكوادر البشرية والمقاتلين في ساحات المعارك الآن. الثاني، أن هذا النداء يأتي في إطار حشد لتنفيذ مهام الخطة (ب)، وهي الخطة التي قال أمس إنه يحشد لها الآن مليون مقاتل!!
3
في الخطاب، ركز الجنجويدي كثيرًا على قضية الحواضن،فقال: “لماذا لا يقصف الطيران الحربي مواقع انتشار قواتنا في حجر العسل والبسابير بولاية نهر النيل؟”. وهذا يعني أن الحواضن التي تستهدفها الخطة (ب) تقع في مناطقة محددة، مما يشير إلى رغبته في الرد باستهداف الحواضن التي ينتمي إليها (الفلول والشايقية)يعنى نقل الحرب إلى مناطق الشمالية وشندي تحديدا ويعني ايضا أن الخطة (ب) التي يحشد لها مليون مقاتل تستهدف مدن الشمال وليس مناطق بغرب السودان.
ما يؤكد ذلك هو الفيديو الذي انتشر قبل أيام في الوسائط، والذي أظهر مئات العربات المدججة بالسلاح والمقاتلين، والذين تعالت هتافاتهم ـ “كل القوة شندي جوه”. الحديث عن حواضن (الشايقية ) لا يخلو من تحريض لحواضن التمرد بغرب السودان لتدفع أبناءها مجددًا إلى محرقة الحرب، وهنا تأتي خطورة الخطة (ب) التي تسعى فيما يبدو إلى جر الصراع إلى ميدان الحرب الأهلية والقبلية
4.
الإشارات المهمة في خطاب حميدتي التي لها علاقة وثيقة بالخطة (ب) هي خلو الخطاب من أي حديث عن المفاوضات، ثم هجومه على المجتمع الدولي الذى اتهمه بالخداع والرغبة في عودة “الكيزان”، متسائلًا: “أنتو عاوزين تدمروا السودان؟”. الهجوم على المجتمع الدولي ينطوي على هجوم خفي على حلفائه في (تقدم)، باعتبار أن دورهم في هذه الحرب هو دفع المجتمع الدولي إلى جانب المليشيا والدفاع عنها ، يعني ذلك أن الخطة (ب) لن تأبه لنداءات المجتمع الدولي بعدم توسيع رقعة الحرب، ولن تكترث لما يقوله أو يفعله المجتمع الدولي المخادع. (هل كانت تكترث أصلًا حتى للقرارات الأممية التي دعته لعدم مهاجمة الفاشر)؟
5
من ملامح الخطة (ب) أيضًا أن هذه الخطة تبدو أنها الخطة النهائية التي ستحدد مستقبل الدعم السريع، إذ لن تكون بعدها أي خطة أخرى. فإما أن تنجح الخطة (ب) في تحقيق غاياتها أو تفشل، ويندثر معها التمرد نهائيًا.
خطة المليون مقاتل، الخطة (ب)، هي الخطة التي يقودها حميدتي بنفسه ولا أحد سواه، وبدأها بدعوة للاستنفار بنفسه وبلهجة حادة: “الماعايزين يبلغوا يقعدوا مع أخواتهم”. هناك تسريب نشره موقع “سودان تربيون” قبل يومين، يفيد بأن حميدتي وصل إلى الخرطوم قبل شهرين. وإذا صح هذا الخبر، فهذا يعني أنه قرر قيادة المعارك النهائية عبر الخطة (ب) بنفسه. ما يعزز احتمال صحة الخبر هو الهجوم على مصر، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يفعله حميدتي وهو في الإمارات، إذ سيخلق ذلك إشكالات كبيرة في العلاقات بين البلدين
6
إذن، تقوم الخطة (ب) على حشد مليون مقاتل،وتعبئة وتحريض القبائل في حواضن التمرد في غرب السودان ،كما تهدف إلى تحويل طبيعة الحرب الجارية إلى حرب أهلية. وهي خطة لا تأبه للمجتمع الدولي، يقودها الجنجويدي بنفسه في الميدان. ما مصير تلك الخطة؟ سنرى في الحلقة القادمة.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المجتمع الدولی فی الخطاب

إقرأ أيضاً:

مرافعة الطبقة الوسطى في الحرب السودانية

مرافعة الطبقة الوسطى في الحرب السودانية

كارثة سقوط المدن عسكرياً تمهيد لفصل إداري للمدن وليس فصل سياسي للأقاليم 6

▪️مقدمة

لطالما شكّلت الطبقة الوسطى العمود الفقري للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في السودان، حيث تجمع بين الموظفين، المهنيين، أصحاب المشاريع الصغيرة، ورواد الأعمال الذين يشكلون النواة الأساسية للإنتاج والاستهلاك. لكن الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 أدت إلى تآكل هذه الطبقة، حيث فقد الملايين وظائفهم، وتراجعت القدرة الشرائية بشكل حاد، ما جعل أفرادها عرضة للفقر والنزوح. ومع استمرار الانقسام الإداري بين حكومتين، تتلاشى فرص التعافي، ويتفاقم التفاوت الطبقي، حيث أصبحت البلاد تتجه نحو ثنائية قاتلة: طبقة ثرية مستفيدة من الحرب، وطبقة فقيرة تكافح للبقاء.

إن مستقبل السودان مرتبط إلى حد كبير بمصير طبقته الوسطى، فإذا ما استمر انهيار هذه الفئة، فإن الدولة ستدخل في مرحلة انهيار شامل لن تقتصر على الاقتصاد فقط، بل ستشمل جميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية. لهذا، لا بد من دراسة أوضاع الطبقة الوسطى في السودان، تأثير الحرب عليها، وكيف يمكن إنقاذها قبل فوات الأوان.

▪️الطبقة الوسطى: المفهوم والتركيب

ما هي الطبقة الوسطى؟

على الرغم من تعدد التعريفات لمفهوم الطبقة الوسطى، والتأكيد على اتسامها بدرجة عالية من التباين في مستويات التعليم والدخل والمكانة الاجتماعية، إلا أن هناك اتفاقًا واسعًا على أنها تجمع بين بعض سمات القوة العاملة (مثل عدم امتلاك وسائل الإنتاج في معظم الأحيان) وبين بعض صفات البرجوازية (مثل المشاركة في إدارة رأس المال والسيطرة جزئيًا على السوق).

وتشمل هذه الطبقة:
• الموظفين والمهنيين من أصحاب المرتبات والدخول الثابتة، مثل المعلمين، الأطباء، المهندسين، المحامين، والمحاسبين.
• أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مثل التجار والحرفيين وأصحاب المصانع الصغيرة.
• أصحاب الحيازات الزراعية المتوسطة، مثل المزارعين الذين يمتلكون مساحات زراعية صغيرة أو متوسطة.
• الشرائح العليا من موظفي القطاع الخاص، الذين يحصلون على دخول جيدة ولكنهم لا يملكون وسائل الإنتاج الكبرى.
• العاملين في مجال المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة، الذين ظهروا مع العولمة ويمارسون أعمالًا قائمة على الخدمات الرقمية والبرمجيات.
• الرعاة والعاملين في قطاع الثروة الحيوانية، الذين يشكلون قطاعًا حيويًا في الاقتصاد السوداني، حيث يعتمد ملايين المواطنين على منتجاتهم الغذائية.

▪️أهمية الطبقة الوسطى في الاقتصاد والمجتمع

تمثل الطبقة الوسطى الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي، فهي تستهلك المنتجات، تستثمر في التعليم والصحة، وتساهم في استقرار السوق عبر الطلب المستمر على السلع والخدمات. كما أنها تُعتبر الأساس لاستقرار الأنظمة السياسية، حيث ترتبط غالبًا بالنشاط المدني، والمشاركة في الحياة العامة، ونشر قيم الحداثة والديمقراطية.

لكن في السودان، تواجه هذه الطبقة اليوم خطر التلاشي بسبب الحرب المستمرة، حيث فقدت مصادر دخلها، وتراجعت قدرتها على الاستثمار في أبسط متطلبات الحياة، مما أدى إلى تحولها نحو الطبقة الفقيرة أو حتى إلى النزوح خارج البلاد.

الاقتصاد في ظل حكومتين: الطبقة الوسطى في مهب الريح

1. تدمير القطاع الصناعي: الطبقة الوسطى تفقد مصادر رزقها

قبل الحرب، ساهم القطاع الصناعي بنسبة 21% من الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لتقارير بنك السودان المركزي. لكنه واجه تحديات كبرى مثل ضعف التمويل، ارتفاع تكلفة التشغيل، أزمة الطاقة، الضرائب الباهظة، وإغراق الأسواق بالسلع المستوردة. ومع اشتداد الحرب، تعرض حوالي 90% من القطاع الصناعي للدمار، حيث تضررت (3,493) منشأة صناعية في ولاية الخرطوم وحدها، شملت:
• المنشآت المتوسطة والكبيرة، حيث فقد 150,000 عامل وظائفهم.
• المنشآت الصغيرة، حيث فقد 100,000 عامل أعمالهم.

بذلك، تضرر 250,000 فرد من الطبقة الوسطى الذين كانوا يعتمدون على وظائف القطاع الصناعي، مما أدى إلى انزلاق آلاف الأسر إلى الفقر.

2. انهيار القطاع الزراعي: تدمير الإنتاج المحلي

يُعد القطاع الزراعي من القطاعات الأساسية في السودان، حيث يساهم بنسبة 32.7% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشمل ملايين المزارعين الذين تعتمد عليهم الطبقة الوسطى والفقيرة في الغذاء والاستهلاك. لكن الحرب تسببت في:
• نقص حاد في الإنتاج الزراعي بسبب انعدام الأمن وغياب التمويل اللازم للمزارعين.
• فقدان السودان 50% من محاصيله، ما أدى إلى أزمة غذائية حادة.
• تراجع زراعة الحبوب، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الواردات وارتفاع الأسعار.

3. تأثير الحرب على قطاع الثروة الحيوانية

يعتمد ملايين السودانيين على قطاع الثروة الحيوانية الذي يشكل مصدر دخل رئيسي لكثير من أفراد الطبقة الوسطى، سواء في شكل مزارع دواجن، أو تجارة الماشية، أو الصادرات الحيوانية. لكن الحرب تسببت في:
• فقدان 50% من القطيع القومي بسبب غياب الأمن والنهب.
• توقف الصادرات الحيوانية، خاصة نحو مصر، بسبب غياب الاستقرار وتضرر طرق النقل.
• تأثر قطاع الدواجن بنسبة 85%، حيث تركز الإنتاج في ولايتي الجزيرة والخرطوم، وكلاهما تضرر بشدة.

4. انهيار قطاع الخدمات: فقدان الوظائف وانخفاض الإيرادات

يُعتبر قطاع الخدمات الأكثر ارتباطًا بالطبقة الوسطى، حيث يشمل المعلمين، الأطباء، المهندسين، المحامين، موظفي الحكومة، التجار، والعاملين في مجالات المال والتكنولوجيا. ووفقًا لتقارير بنك السودان المركزي، كان هذا القطاع يساهم بنسبة 46% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن الحرب أدت إلى:
• إغلاق آلاف الشركات والمؤسسات الخدمية بسبب النزوح والدمار.
• تراجع الإيرادات الحكومية بنسبة 80%، ما أثر بشكل مباشر على رواتب الموظفين.
• فقدان أكثر من 8-9 ملايين وظيفة، تشمل القطاعين الرسمي وغير الرسمي، أي ما يعادل 60-65% من الوظائف في البلاد.

▪️خاتمة: نحو مستقبل مظلم

رغم هذه التقديرات الواردة في التقارير الرسمية والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الحكوميين، والتي تعكس الأرقام الأولية لحجم الضرر، إلا أنها قد تكون أقل من الواقع الفعلي نظرًا لعدم القدرة على حصر جميع الأضرار في ظل الظروف الأمنية المعقدة، وانهيار البنية التحتية الإدارية التي كانت تساهم في جمع البيانات الاقتصادية والاجتماعية.

مع استمرار الحرب والانقسام الإداري في السودان، وتشكيل حكومة موازية لقوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها، تتجه الطبقة الوسطى إلى مرحلة خطيرة من التهميش والقمع. فقد أصبحت هذه الطبقة تعيش تحت تهديد السلاح، وتواجه مصادرة حقوقها، وإفقارها بشكل ممنهج، حيث لم تعد تملك القرار السياسي أو الاقتصادي، ولم تعد قادرة على الإنتاج والمساهمة في بناء الدولة.

إن أخطر ما في الأمر هو أن التشظي السياسي الحاصل اليوم ينذر بوضع بذور الانفصال المستقبلي، حيث تتجه البلاد نحو انقسامات عميقة قد تجعل من إعادة توحيد السودان مهمة مستحيلة.

احمد بن عمر

dr_benomer@yahoo.com

   

مقالات مشابهة

  • مرافعة الطبقة الوسطى في الحرب السودانية
  • ما الدروس التي استخلصتها شعبة الاستخبارات الإسرائيلية من فشل السابع من أكتوبر؟
  • ما الذي أشعل فتيل الحرب في السودان؟
  • ما هي أبرز المناطق التي استعادتها القوات المسلحة السودانية من حركة الحلو
  • تيته تبحث مع السفير البريطاني دور المجتمع الدولي في ليبيا
  • الوزراء العراقي: نخطو خطوات واثقة نحو التكامل مع المجتمع الدولي
  • الاتحاد السوداني للعلماء يرفض التعديلات على الوثيقة الدستورية التي حمّلها مسؤولية الحرب
  • فاروق الباز: الصحراء الغربية غنية بالمعادن والعناصر المغذية للتربة
  • السودان و توكفيل و الديمقراطية سته عقود نظرة الى الخلف و سته عقود نظرة الى الأمام
  • أولمرت يكشف عن خريطة قدمها لعباس بشأن حل الدولتين.. ماذا كان مصيرها؟