لبنان ٢٤:
2025-01-18@00:43:45 GMT
هل خسر حزب الله السيطرة على ميدان الجنوب؟
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
هل انهارت قدرة حزب الله الميدانية؟ الإجابة على هذا السؤال يمكن اختصارها بأمرين أساسيين، الأول يرتبط بسياق العمليات في جنوب لبنان وسط توغل إسرائيلي بري والثاني يتصل بحقيقة وجود قادة بدلاء عن الذين اغتالتهم إسرائيل خلال الفترة الماضية. صحيحٌ أن "حزب الله" يخوض معارك بريّة شرسة في جنوب لبنان، لكن ذلك لا ينفي تماماً مكامن الخلل.
الأمر المذكور هو ما يعتقده الكثير من الخبراء، لكن في المقابل، ينفي الحزب هذا الأمر من خلال البيانات التي يصدرها من غرفة عمليات المقاومة، وآخرها كان يوم أمس حينما كشف عن سلسلة عمليات أجراها وأبرز من خلالها أن كل ما يقوم به المقاتلون في الجنوب مرتبط بغرفة عمليات مركزية، ما يؤكّد على وجود ارتباط واضح بين المقاتلين والقادة.
وإذا كان هناك من "إنقطاع" على صعيد التواصل، فإن ما يمكن حدوثه، بحسب المصادر المعنية بالشأن العسكري، هو أن قوات "حزب الله" في الجنوب قد تأخذ المبادرة بنفسها وذلك عبر غرف العمليات الميدانية التي تختلف عما يسمى غرفة عمليات المقر الموجودة ضمن كل قطاع قتالي بحد ذاته، بينما الغرفة المركزية هي التي تُدير مختلف غرف العمليات الأخرى.
وعليه، فإن الخبرة القتالية التي يحظى بها المقاتلون في الجنوب ترتبط بكيفية إدارة المعركة إلى جانب وجود تأثير واضح لفهم الميدان، وهذا أمرٌ ينطبق على كافة الوحدات المرتبطة بحزب الله سواء تلك الموجودة على الخط الأمامي للحدود أو في الخطوط الخلفية. ما يتبين حالياً هو أن "القادة البدلاء" هم الذين باتوا يرسمون خطوط المواجهة، وبالتالي فإن مسألة "تزعزع القوة"، وإن كانت قائمة بشكل كبير، إلا أنها لم تمنع من تأسيس وجود لقادة جُدد يديرون الحرب البرية في جنوب لبنان، وهذا ما بات مرسوماً وفق القاعدة الميدانية التي تكشف عن وجود عناصر فاعلة وتطوق أي نقصٍ على صعيد جبهة القتال، وبالتالي استمرار المعارك من دون أي تراجع.
اغتيال نصرالله "خسارة" للمحور
على صعيد قوة محور الممانعة في المنطقة، فإن أبرز كلمة تقال عنها هي أنها تزعزعت حقاً مع غياب أمين عام "حزب الله" الشهيد السيد حسن نصرالله.
عملياً، كان نصرالله "عرّاب المحور" والراعي الأساس له، كما أنه كان مُنسق الجبهات، والمدير الأساس لعملياته والحاكم الأول بصفته أمين عام أقوى حزبٍ في المنطقة.
منذ اغتياله قبل أكثر من أسبوع وحتى اليوم، بات المحور بحاجة إلى إعادة ترميم نفسه بعد خسارة نصرالله، فالأخير كان الوسيط الأكبر لإعادة ربط حركة "حماس" بسوريا، وكان الجهة التي تلعب دور الداعم العسكري واللوجستي لـ"حماس" سواء في غزة أو في لبنان.
الآن، باتت "حماس" في مرحلة جديدة عنوانها "الشرذمة" في ظل غياب نصرالله، فالأخير أدى دوراً مهماً وبارزاً على صعيد ترتيب علاقاتها مع مختلف الأطراف الداعمة لها، كما أنه أمّن خط إمداد لها في لبنان ومن سوريا.. فماذا سيحصل الآن؟ وكيف سيحافظ "حزب الله" على كل الامتيازات التي منحها للحركة؟
الخلاصة في القول هي أنّ الظروف الميدانية تحكم نفسها الآن على كافة المستويات، بينما السؤال الأكثر طرحاً هو التالي: ماذا ينتظرنا في الأشهر المقبلة من تبدلات؟ وهل اقترب الحسم الميداني للمعركة أم أن الحلول ما زالت بعيدة؟ المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله على صعید
إقرأ أيضاً:
لبنان ما بعد «المقاومة»
استولت مفردة «المقاومة» على الخطاب السياسي اللبناني لعقود طويلة، وزادت استفحالاً منذ انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000. وما غيابها اللافت عن خطاب القَسَم الذي أداه الرئيس المنتخب جوزيف عون، إلا إيذاناً بالتبدل العميق الطارئ على علاقات الهيمنة التي حكمت ميزان القوة في لبنان.
يعلن غياب هذه «المفردة - الطوطم» عن انتهاء حقبة تحكَّم فيها تغول الميليشيا على الدولة والمجتمع. قبلها خبر اللبنانيون اندثار عبارة «وحدة المسار والمصير» من الخطاب السياسي، وهي الأخرى تميمة سياسية فرضها النظام السوري الساقط لتثبيت هيمنته غير الشرعية على لبنان.
فاللغة، في سياق العلاقات السياسية، أداة مركزية لصياغة السلطة وترسيخ الهيمنة، وهو ما تدركه، بوعي حاد، الآيديولوجياتُ المغلقة، التي تتحكم في المفردات والمفاهيم بغية التحكم في الواقع نفسه. عبر مفردات محددة أو عبارات مقتضبة في الغالب، تهيمن سلطة ما على القاموسَيْن السياسي والاجتماعي؛ لإعادة تشكيل الوعي الذي به يُفهم العالم وتُفهم علاقاته، أياً يكن زيف هذا الواقع المفروض.
مَن يسيطر على الكلمات يسيطر على السردية، مما يجعل من عملية تفكيك الشعارات والكلمات التي تستخدمها الآيديولوجيات المغلقة عمليةَ تحريرٍ للوعي، وتبديدٍ للهيمنة، وإعادةِ تشكيل لعلاقات القوة في لحظة سياسية ما. وبالتالي، ما كان لهذا المنحى السياسي، الذي انطوى عليه خطاب القَسَم الرئاسي، أن يصير واقعاً من دون التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما تلاها من حرب غير مسبوقة على غزة ولبنان، أدت إلى تحطيم «حماس» و«حزب الله»، ومهدت لسقوط نظام الأسد في سوريا وخروج إيران منها ومن عموم المشرق!
يدرك «حزب الله» أن الضربة التي تلقاها ليست مجرد هزيمة عسكرية أو سياسية، بل نقطة تحول في مسيرته أفقدته ما تبقى له من شرعية في الداخل اللبناني، وأعجزته عن تبرير وجوده المسلح.
فشلُ ما تسمى «المقاومة» في حماية لبنان لم يكن مفاجئاً لمن شككوا منذ البداية في هذا الادعاء، لكنه أصبح اليوم حقيقة مكشوفة حتى أمام بيئة «حزب الله» نفسها. هذه البيئة، التي تحملت أفدح الخسائر بسبب ارتباطات «الحزب» الإقليمية وحروبه بالوكالة، تجد نفسها الآن في مواجهة مباشرة مع الميليشيا التي زعمت حمايتها، بعد أن أدركت أن تكلفة الولاء لها تتجاوز المكاسب الموعودة، وأنها، في الواقع، أولى ضحايا المشروع الذي يدّعي تمثيلها.
أتاحت هذه الأحداث الإقليمية التاريخية واللبنانية غير المسبوقة الفرصة لخطاب لبناني شبه مكتوم، لطالما كان يمثل رغبة شعبية عميقة قمعتها الهيمنة السياسية والآيديولوجية لـ«حزب الله»، أن يتحول إلى خطاب عام ورسمي تحت قبة البرلمان. فما عبّر عنه الرئيس جوزيف عون، هو في جوهره صوت اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعاً بالشعارات الزائفة وأعباء المقاومة المزعومة. هذا ما جعل من انتخابه أكثر من مجرد حدث سياسي، بل استجابة لحاجة لبنانية ملحّة إلى قيادة قادرة على إعادة بناء المؤسسات، واستعادة الثقة الداخلية والخارجية، وإخراج لبنان من أزمته الوجودية.
ثمة قناعة لبنانية عارمة بأن لبنان أمام فرصة حقيقية للتعافي؛ إنْ كان لجهة إعادة إعمار ما هدمته الحرب الأخيرة، أو استعادة كفاءة الإدارة والقضاء، أو خفض الاستقطاب المذهبي الذي غذّاه «حزب الله» بالتحالف مع «الحالة السياسية المرضية» التي مثلها التيار العوني، أو، وهذا الأهم، تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات واستعادة لبنان موقعه في المنطقة، بعيداً من التخندق الإقليمي.
بيد أن التحديات التي تواجه عهد جوزيف عون هائلة ومعقدة. أول هذه التحديات هو استكمال تفكيك البنية العسكرية لـ«حزب الله»، تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وحسم انتقال لبنان دون مواربة إلى عصر جديد هو عصر «الشرق الأوسط منزوع الميليشيات».
ثانياً: إعادة بناء الثقة الشعبية والإقليمية والدولية بمؤسسات الدولة التي تعرضت للتآكل نتيجة سنوات من الفساد والهيمنة الطائفية. يمهد هذا البند لتفكيك بنية العصابة التي نهبت البلاد، ويفتح الباب أمام المعالجات الجادة للأزمة الاقتصادية والمالية بدعم إقليمي ودولي، ويضمن استكمال الانسحاب الإسرائيلي التام من لبنان والاستعادة الكاملة لسيادته.
ثالثاً: إعادة ترتيب الواقع السياسي الداخلي في لبنان لإجراء انتخابات نيابية عام 2026، يؤمل أن تعكس التوازن السياسي الجديد في البلاد من دون أي إقصاء أو غلبة تمهد لإحياء التوترات الأهلية وتآكل سنوات الرئاسة.
مرة أخرى، أعلن انتخاب جوزيف عون رئيساً للبنان بشكل واضح عن دخول البلاد في مرحلة جديدة، وترجم داخل مؤسسات النظام السياسي، بقوة الضغط الإقليمي والدولي، رفضاً شعبياً وسياسياً لكل ما يمثله «حزب الله».
هي فرصة غير مسبوقة للتحرر من الإرث الذي أرهق لبنان لعقود، منذ «اتفاق القاهرة 1969» الذي شرع البلاد أمام سلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً إلى حرب الإسناد التي أعلنها «حزب الله» منفرداً في 8 أكتوبر 2023. وهي بداية جديدة تُمهّد الطريق لإعادة بناء دولة سيادية ديمقراطية حديثة، تخرج من «شرق أوسط الدمار والحروب» إلى «شرق أوسط الاقتصاد والتنمية والتكامل والسلام».