"فورين بوليسي": التحالف الصيني الروسي أقوى بكثير من قدرة واشنطن على اختراقه
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تشكل القوة المتنامية للتحالف الصيني الروسي وكيفية مواجهته واحدة من القضايا الرئيسية التي تشغل الفكر الاستراتيجي الغربي، خاصة في ظل التقارب الشديد بين بكين وموسكو منذ بداية حرب روسيا في أوكرانيا عام 2022، والدعم الاقتصادي والتكنولوجي الذي تقدمه الصين لروسيا ويشكل أهمية حاسمة لجهود الحرب هناك.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه لا يزال هناك الكثير من الجدل حول مدى قوة العلاقات الصينية الروسية ومحركها، وتعويل البعض على انعدام الثقة المتبادل القائم على خلفيات تاريخية بين القوتين.
وأشارت المجلة إلى أن الحرب الروسية وضعت بكين في موقف محرج في مواجهة أحد أكبر شركائها التجاريين (الاتحاد الأوروبي).
ويبدو أن بعض الاستراتيجيين الغربيين يأملون أن تؤدي هذه الحالة إلى انقسام يذكرنا بالانقسام الصيني السوفييتي الشهير في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي.
وأوضحت المجلة أن الثاني من أكتوبر الجاري صادف الذكرى السنوية الخامسة والسبعين منذ أصبح الاتحاد السوفييتي أول دولة تعترف بجمهورية الصين الشعبية، وتقيم علاقات دبلوماسية مع النظام الجديد في بكين. ففي ديسمبر 1949، سافر الزعيم الصيني ماو تسي تونج إلى موسكو في أول زيارة دولة له إلى الخارج. وانتهت الزيارة بتوقيع ماو على معاهدة صداقة لمدة 30 عاما مع نظيره السوفييتي جوزيف ستالين. ومع ذلك، لم يستمر هذا التحالف شبه الكامل سوى عقد واحد من الزمان. ففي عام 1961، ندد المسئولون في بكين بالشيوعية السوفييتية، واندلعت حرب حدودية غير معلنة بين الصين والاتحاد السوفييتي في عام 1969. وفي وقت لاحق من عام 1971، غيرت الصين موقفها بالتحالف مع الولايات المتحدة.
وترى المجلة أن انهيار العلاقات الصينية الروسية والتحول في التحالف يعد أقل احتمالا في الوقت الحالي، منوهة إلى أنه عندما تباهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس الماضي بأن علاقة روسيا بالصين في "أفضل حالاتها"، لم يكن الأمر مجرد دعاية، بل إنه أمر صحيح. ففي الواقع، فإن مقارنة العلاقات الصينية الروسية اليوم بالتحالف الصيني السوفييتي في الماضي يمكن قياسه على أساس خمسة محاور رئيسية، وهي: الجغرافيا السياسية، والاقتصاد، والأيديولوجيا، والزعامة، والمؤسسات، وهي المحاور التي تبرز أن محور بكين موسكو أقوى اليوم على كافة المستويات.
وبالنسبة للمحور الأول الجيوسياسي، فإنه أكثر صلابة في الوقت الراهن من ذي قبل. فإبان الحرب الباردة، مثلت علاقات بكين وموسكو العدائية بالولايات المتحدة دافعا رئيسيا إلى التقارب فيما بينهما مع بعض التحفظات من جانب الصين. ولكن اليوم، أصبح لدى الطرفين القليل للغاية مما يخشيانه من بعضهما البعض مقارنة بما كان عليه الحال أثناء الحرب الباردة. فقد كانت القوة العسكرية السوفييتية وامتدادها العالمي سببا في تحويلها إلى خطر أمني محتمل على بكين طيلة فترة الحرب الباردة. واليوم، أصبحت الصين الشريك الأقوى، ولكن امتدادها الجغرافي المحدود يجعلها أقل تهديدا لروسيا. فالصين ليست في وضع يسمح لها بمحاصرة روسيا. فضلا عن ذلك، تدرك موسكو أن الصين ستكون مشغولة في المستقبل القريب بتنافسها البحري مع الولايات المتحدة، وهو ما يقلل من رغبة بكين وقدرتها في استعراض قوتها في الجوار الروسي.
وبالنسبة للمحور الثاني (الاقتصاد)، ففي حين هيمنت المساعدات الاقتصادية والتقنية السوفييتية على مرحلة الصداقة الصينية السوفييتية، فقد شكلت بكين وموسكو حاليا علاقات اقتصادية تقوم على الطبيعة التكميلية لاقتصاديهما. وأصبحت روسيا حاليا أكبر مصدر للنفط الخام للصين وثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي (بعد أستراليا)، في حين أصبحت الصين أكبر مصدر للتكنولوجيا لروسيا. كما اتفقت بكين وموسكو على تعزيز التعاون في قطاعات مثل الملاحة عبر الأقمار الصناعية، والفضاء، والطاقة الذرية. وليس هناك من شك أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا تشكل عقبة أمام علاقاتهما التجارية، إلا أن الصين وروسيا تحاولان –وفقا لمتابعين- الالتفاف على العقوبات المفروضة على القطاع المالي من خلال التحول إلى نظام معاملات المقايضة لتسهيل التجارة.
أما المحور الثالث (الأيديولوجيا) فيعد عاملا مهما. فقد كانت الأيديولوجيا مهمة أثناء الحرب الباردة، حيث ساد اعتقاد حينها بأن (الشيوعية) هي أساس التحالف الصيني السوفييتي. ومع بروز الاختلافات الأيديولوجية حينها، تزايدت حدة الانقسام بينهما، حيث انتقد ماو بشدة إصلاحات الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف بعد ستالين. ولكن اليوم، ورغم أن الأيديولوجيا أصبحت عاملا أقل تأثيرا في السياسة العالمية، إلا أنها ما تزال تساعد في ربط الصين وروسيا معا، حيث يشعر كل من النظامين بالقلق إزاء قدرة الأفكار الغربية على تقويض استقرارهما السياسي.
ويشكل المحور الرابع (الزعامة) أهمية في السياسة الخارجية. فالحوار بين القيادات العليا في بكين وموسكو اليوم أقوى بكثير مما كان عليه الوضع أثناء الحرب الباردة، حيث لم يكن هناك قدرا كبيرا من الثقة بين ماو ونظيريه السوفييت، ستالين وخروشوف. والآن، تحول الأمر تماما، حيث أصبح بوتين أول من يحصل على ميدالية الصداقة الصينية، ودائما ما يشير بوتين والزعيم الصيني شي جين بينج إلى بعضهما البعض باعتبارهما صديقين مقربين. والأمر الأكثر أهمية هو أن الرجلين التقيا أكثر من 40 مرة منذ عام 2012، عندما أصبح شي أمينا عاما للحزب الشيوعي الصيني.
وأصبحت الروابط المؤسسية بين الصين وروسيا (المحور الخامس) اليوم أوسع وأعمق مما كانت عليه أثناء الحرب الباردة. فعندما وقعت الصين والاتحاد السوفييتي معاهدة الصداقة في عام 1950، كانت الأحزاب الشيوعية في كلا البلدين تربطها علاقات وثيقة تعود إلى أوائل عشرينيات القرن العشرين. ومع ذلك، لم تكن هذه العلاقات خالية من الاحتكاك. وعلى النقيض من ذلك حاليا، ورغم أن العلاقات الصينية الروسية الحالية لا تزال في الأساس من أعلى إلى أسفل، إلا أن هناك روابط قوية عبر مجموعة واسعة من الوكالات والمؤسسات الحكومية في البلدين.
وفي هذا الصدد، أوضحت "فورين بوليسي" أن الصين وروسيا أقامتا اجتماعات منتظمة بين رئيسيهما ورؤساء وزرائهما، إلى جانب 18 جولة من المشاورات الأمنية الاستراتيجية على مستوى عال، كان آخرها في موسكو عام 2023، فضلا عن إدارة عدد من اللجان الحكومية الدولية ومجموعات العمل الأخرى. ويمكن القول إن العلاقات العسكرية بين البلدين أصبحت الآن أقوى من أي وقت مضى. فمنذ شاركت الصين وروسيا لأول مرة في مناورة عسكرية مشتركة عام 2003، أجرت الدولتان أكثر من 100 مناورة عسكرية مشتركة شملت قواتا برية وجوية وبحرية وسيبرانية وشبه عسكرية. ويساهم هذا المستوى من النشاط في ترسيخ العلاقات الثنائية.
ولفتت المجلة إلى أن العلاقات الصينية الروسية الحالية ليست كلها من أعلى إلى أسفل (من رأس السلطة)؛ بل قائمة أيضا على علاقات شعبية، تتضمن مبادرات محلية وتعاون أكاديمي وتبادل طلاب وسياحة. وقد تطورت هذه الروابط حاليا دون انقطاع لأكثر من ثلاثة عقود منذ انتهاء الحرب الباردة في عام 1991.
وشددت المجلة على أن الروابط المؤسسية والشعبية ورغم أنها ليست في حد ذاتها محركا رئيسيا للتوافق، إلا أنها تشكل استقرارا للعلاقات الثنائية.
ورأت "فورين بوليسي" أنه نظرا لأن الولايات المتحدة تمكنت من اللعب بورقة الصين ضد الاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن الماضي، فمن المغري استكشاف إمكانيات إضعاف التحالف الصيني الروسي الحالي، وإن كان الأساس القوي نسبيا للتعاون الصيني الروسي سالف الذكر يقلل من احتمالات الانقسام على غرار ما حدث إبان فترة الحرب الباردة.
وأشارت المجلة إلى أنه من المنطقي أن تضغط الولايات المتحدة وأوروبا على بكين لتقليص دعمها للجهود الحربية الروسية في أوكرانيا. ولكن أي مسعى لإبعاد الصين عن روسيا على نطاق أوسع من المرجح أن يفشل، لأن سياسة بكين تجاه روسيا مدفوعة، قبل كل شيء، بالتنافس بين القوى العظمى والولايات المتحدة.
فمن الناحية النظرية، تتمتع استراتيجية ضرب العلاقات بين حليفين بفرصة أفضل للنجاح إذا جرى استهداف العضو الأضعف في الشراكة. فخلال الحرب الباردة، كانت الصين الطرف الأضعف؛ واليوم، أصبحت روسيا هي الأضعف، ولكن يجب مراعاة أنه على الرغم من العقوبات الغربية، مازالت روسيا في وضع أقوى حاليا مما كانت عليه الصين في أوائل السبعينيات. فعندما قرر ماو التحالف مع واشنطن، كانت بلاده معزولة اقتصاديا منذ الانفصال عن موسكو في الستينيات، إضافة إلى خوضها حربا حدودية مع الاتحاد السوفييتي. وبالتالي، كان الحافز لدى بكين لإبرام صفقة مع واشنطن مرتفعا، وكانت التكلفة بالنسبة لواشنطن منخفضة.
لكن اليوم، أصبحت روسيا أكثر تحالفا مع الصين وتستفيد كثيرا من دعمها القوي، حيث حاولت واشنطن إغواء موسكو بعيدا عن بكين، فإن القيادة الروسية سوف تتفاوض بقوة لانتزاع ثمن باهظ من المرجح أن يكون على حساب الأمن الأوروبي، ولكن حتى إذا افترضنا إمكانية التوصل إلى صفقة جيدة تسمح لروسيا بتعزيز موقفها في أوروبا، فإن مثل هذه الصفقة قد لا تكون كافية لإبعادها عن الصين، لماذا تتخلى موسكو عن علاقتها القوية مع بكين خاصة وأنها لا ترى أن الصين تشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي الروسي؟
والسؤال هو: هل تؤدي الهزيمة الكاملة لروسيا في أوكرانيا والانهيار المحتمل لاقتصادها إلى تغيير حسابات القيادة الروسية؟ ربما، ولكن من المرجح أن تكون الصين أكثر حرصا من الولايات المتحدة وأوروبا على مساعدة روسيا في إعادة بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية.
ويجب هنا مراعاة أن الولايات المتحدة لم تتمكن في السابق من اللعب بورقة الصين ضد الاتحاد السوفييتي إلا بسبب الانقسام الصيني السوفييتي، حيث اعتبرت بكين موسكو تهديدا أمنيا كبيرا، مما أدى في النهاية إلى تفكك التحالف الصيني السوفييتي من الداخل وليس لأن الولايات المتحدة مارست ضغوطا خارجية أو عرضت صفقة مغرية.
كذلك يجب مراعاة أن العلاقات الصينية الروسية مستقرة تماما حاليا؛ مما يجعل من الصعب أن نرى أي شيء يهدد تحالفهما، خاصة وأنه على النقيض التام من الحرب الباردة، يرتكز محور بكين وموسكو الحالي على أساس جيوسياسي متين مع روابط اقتصادية قوية، وخالية من الاحتكاك الأيديولوجي، وعلاقات قوية بين قادة البلدين، وشبكة راسخة من الروابط الثنائية والمؤسسية، الأمر الذي يجعل من اللعب على ورقة "ضرب العلاقات بينهما" غير ذات جدوى نهائيا في الوقت الراهن
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الولايات المتحدة الصين موسكو روسيا العلاقات الصینیة الروسیة الاتحاد السوفییتی الولایات المتحدة التحالف الصینی الصینی الروسی فورین بولیسی الصین وروسیا بکین وموسکو روسیا فی أن الصین فی عام إلى أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
واشنطن تعلن ضرب 9 أهداف لمجموعات مرتبطة بإيران في سوريا
أعلنت القيادة المركزية الأميركية الوسطى (سنتكوم) مساء أمس الاثنين أن الجيش الأميركي ضرب 9 أهداف في موقعين مرتبطين بمجموعات إيرانية في سوريا ردا على عدة هجمات على أفراد أميركيين هناك خلال الساعات الـ24 الماضية دون تحديد أماكنها.
وحسب البيان، "لم يصب أي فرد أميركي في الهجمات"، معتبرا أن تلك الضربات "ستؤدي إلى إضعاف قدرة المجموعات المدعومة من إيران على التخطيط وشن هجمات مستقبلية على القوات الأميركية وقوات التحالف في المنطقة لتنفيذ عمليات دحر تنظيم الدولة الإسلامية".
ونقل البيان عن قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا قوله "رسالتنا واضحة لن يتم التسامح مع الهجمات ضد الولايات المتحدة وشركاء التحالف في المنطقة
وسنواصل اتخاذ كل خطوة ضرورية لحماية أفرادنا وشركائنا في التحالف والرد على الهجمات المتهورة".
ولم تقدم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مزيدا من التفاصيل بشأن المواقع الأميركية في سوريا التي تعرضت للهجوم أو المواقع التي ضربتها الولايات المتحدة في المقابل.
وتحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 900 فرد في سوريا لمساعدة القوات الشريكة في تنفيذ مهام ضد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية.
وتنفذ الولايات المتحدة ضربات بين الحين والآخر ضد أهداف على صلة بإيران في كل من العراق وسوريا، حيث ضربت في فبراير/شباط الماضي أكثر من 85 هدفا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
كما شنت في الشهر نفسه، فبراير/شباط، هجوما ضخما على مواقع المليشيات المدعومة من إيران في سوريا ردا على هجوم بطائرة بدون طيار في الأردن أسفر عن مقتل 3 من أفراد الخدمة الأميركية.
ومنذ هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 نفذ مقاتلون هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على قواعد تضم قوات أميركية في العراق وسوريا.