كشف تحليل أجرته صحيفة "غارديان" البريطانية، نوع الذخيرة التي استخدمتها إسرائيل في قصفها العنيف على وسط بيروت مساء الخميس، الذي قتل 22 شخصا وأصاب أكثر من 100 آخرين.

وأصابت الضربات حي البسطة الذي يعج بالمباني السكنية والمتاجر في قلب بيروت، علما أن الجيش الإسرائيلي لم يصدر تحذيرات بالإخلاء قبل الهجوم.

وقالت مصادر أمنية لبنانية إن هدف الهجوم كان وفيق صفا، رئيس وحدة الارتباط والتنسيق بحزب الله المسؤولة عن العمل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، علما أن مصادر "سكاي نيوز عربية" أكدت إصابته في الغارة.

ووفقا لتحليل الشظايا الذي أجرته "غارديان" في موقع الهجوم، فقد استخدمت ذخيرة أميركية الصنع في الغارة التي أدت إلى تدمير مبنى سكني وسيارات وأضرت مباني قريبة.

وتعد الضربة هي الأكثر دموية على عاصمة لبنان، منذ بدء الصراع بين إسرائيل وحزب الله قبل عام.

وعثر مراسلو الصحيفة البريطانية بعد ظهر الجمعة، على بقايا ذخيرة تعمل بنظام يعرف اختصارا باسم "JDAM"، التي تصنعه الولايات المتحدة، في أنقاض المبنى السكني المنهار.

و"JDAM" نظام توجيه تصنعه شركة "بوينغ" الأميركية، يتم تثبيته على ما يعرف باسم "القنابل الغبية" كبيرة الحجم التي يصل وزنها إلى ألفي رطل (نحو 900 كيلوغرام)، بهدف تحويلها إلى قنابل موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

وحسب "غارديان"، تم التحقق من بقايا الذخيرة من قبل قسم الأزمات والصراع والأسلحة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وخبير قنابل سابق في الجيش الأميركي.

وبعد مشاهدة صورة الشظية، قال الباحث في قسم الأزمات والصراعات والأسلحة في "هيومن رايتس ووتش" ريتشارد وير، إن "نمط البراغي وموقعها وشكل البقايا يتوافق مع زعنفة الذيل لآلية التوجيه أميركية الصنع (JDAM) التي تعمل مع سلسلة قنابل (إم كيه 80)".

وتشمل سلسلة "إم كيه 80" التي يتم إسقاطها جوا، 3 فئات من القنابل، أصغرها يزن 500 رطل (نحو 227 كيلوغراما)، ووزن أكبرها ألفا رطل (نحو 900 كيلوغرام).

وأضاف وير: "استخدام هذه الأسلحة في المناطق المكتظة بالسكان يعرض المدنيين والأهداف المدنية مباشرة لخطر جسيم من الضرر الفوري والدائم".

والأسلحة الأميركية أساسية في حرب إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، حيث كانت الذخائر التي تعمل بنظام "JDAM" على وجه التحديد من الأكثر طلبا من جانب إسرائيل.

ويمثل هجوم يوم الخميس المرة الأولى التي يتم فيها تأكيد استخدام ذخيرة أميركية الصنع في هجوم على وسط بيروت، منذ عام 2006.

وتعرضت الولايات المتحدة لانتقادات شديدة بسبب مساعداتها العسكرية المستمرة لإسرائيل، التي بلغت 17.9 مليار دولار العام الماضي.

وفي سبتمبر الماضي، وقعت أكثر من 12 منظمة حقوقية على رسالة مشتركة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، تدعوه إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مستشهدة باستخدام الذخائر الأميركية في الهجمات ضد المدنيين بقطاع غزة.

وتواجه إسرائيل حاليا قضية في محكمة العدل الدولية رفعتها جنوب إفريقيا، التي تتهم إسرائيل بارتكاب "أعمال إبادة جماعية" في حربها على غزة.

وتقول وزارة الصحة اللبنانية إن أكثر من 2100 شخص قتلوا وأصيب أكثر من 10 آلاف آخرين، خلال أكثر من عام من الأعمال القتالية في لبنان، معظمهم في الغارات الإسرائيلية خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وبحسب الحكومة اللبنانية، أدت عمليات إسرائيل الموسعة إلى نزوح أكثر من 1.2 مليون لبناني من منازلهم.

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات بيروت إسرائيل هيومن رايتس ووتش قطاع غزة جو بايدن إسرائيل لبنان حزب الله بيروت إسرائيل هيومن رايتس ووتش قطاع غزة جو بايدن أخبار إسرائيل أکثر من

إقرأ أيضاً:

هنا والآن .. في بيروت: القلق!

في بيروت، أصدقُ أنني عائد يتذكر. ولستُ ضيفًا على أحد. غير أن ذاكرة المدينة التي أحملها خَلدي وأحلم بها من الكتب والأفلام لا تعفيني هنا من صفة الغريب، خاصة حين يستفرد بي ليل بيروت البارد في أواخر فبراير، ليلها الذي لا يشبه ليل مسقط قط، إلا بانكشافه على واجهة بحر ناعس. وعلى الغريب في بيروت أن يتدبر أمره، أن يمشي لاعبَ سيركٍ بين الأضداد، فأي انعطافة غير محسوبة يمكن أن تكون تهمةً في هذا التوقيت التاريخي من عمر المدينة.

التوتر سمةٌ يومية تشم في هواء بيروت المزكوم بعوادم المحركات ورائحة السجائر المطفأة تحت أحذية المشاة على الرصيف. يمكنني أن أصرف انتباهي عن المشهد المألوف لمدمني النيكوتين القدامى، لكن عطش التدخين الذي يجتاح الشباب والصبايا في مقتبل العشرينيات مشهد يستدعي الملاحظة. صورة أخرى للقلق، قد تعكس التمرد واليأس ربما، لكنها في الوقت ذاته تشي برغبة جامحة في تهدئة جريان الدورة الدموية وسط ساعة الوقت العالقة في زحام المستديرة المتفرعة إلى جهات أربع مسدودة بالحركة العشوائية للسيارات والدراجات النارية.

أما الشتيمة فهي دارجة ومألوفة، وتثير أقل ما يمكن من حساسية الذوق العام المعتاد على تحطيم كل قواعد اللباقة التقليدية في الكلام. من الشتيمة تُصنع النُكات البذيئة التي يتبادلها الرجال والنساء على مائدة واحدة دون تحفظ، ودون أي اعتبار يُذكر للفارق النسبي في الحياء بين الذكر والأنثى. وبالشتيمة يحسم روَّاد المقهى جدالاتهم السياسية العقيمة ويفضّون السيرة. المهم في الأمر أن الشتيمة لدى اللبنانيين رياضة مفضَّلة لتحرير المكبوت من القلق والضغينة. وهي أسلوب لغوي خلَّاق لترويض غريزة العنف بدلًا من اللجوء إلى الأيدي أو سحب الأسلحة في الحالات القصوى.

«قلق في بيروت» كان عنوانًا للفيلم التسجيلي الذي أنجزه المخرج اللبناني الشاب زكريا جابر خلال حصار كورونا. أستحضر أجواءه هنا من أحاديث صدفةٍ متفرقة مع الشباب البيروتيين. تسرد كاميرا زكريا جابر، مطعمةً بالسخرية السوداء، هاجس الهجرة اللحوح لدى جيل التسعينيات من اللبنانيين واللبنانيات المحبطين من انسداد الأفق الذي أعقب فشل ثورات الربيع العربي، ولاسيما الثورة السورية في الجوار، إضافةً لما تفاقم من أزمات داخلية أعلنت انهيار الدولة، بدءًا من أزمة النفايات عام 2015، التي أسست لحراك مدني تحت شعار «طلعت ريحتكن»، وفاقمتها أزمة انقطاع الكهرباء، وصولاً إلى احتجاجات تشرين عام 2019، التي أعلنت في رأيي أهم شعار سياسي طوره اللبنانيون على مدى السنوات الأخيرة: «كلن يعني كلن»! سيعلن هذا الشعار مرحلة اليأس النهائي في صرخة مُطلقة باسم جميع اللبنانيين، حتى الحزبيين منهم، ممن لم ينخرطوا في الحراك بصورة مباشرة. لكنه ليس يأسًا من السياسيين فقط، زعماء الطوائف وتجَّار الحرب السابقين، فالمسألة هذه المرة لا تتعلق بالأسماء والتشكيلات الوزارية المطروحة أو بالفراغ الرئاسي فحسب، بل هو يأس الجيل الجديد من السياسة برمتها كحلٍ مسعفٍ لمجتمع يتحلل في العنف والفساد.

عبارة «بدي فلّ» زفرة شائعة بين شباب التسعينيات في بيروت. يومًا ما، قبل ثلاثين سنة، اُعتبر جيل التسعينيات جيلًا ناجيًا من دوامة العنف التي شهدها لبنان منذ عام 1975 على الأقل، حتى الإعلان الشهير عن اتفاق الطائف في الثلاثين من سبتمبر عام 1989، الاتفاق الذي وضع حدًا لانقسام بيروت على نفسها إلى شرقية وغربية طيلة خسمة عشرَ عامًا، تلك الحقبة التي تُعرف اليوم باسم الحرب الأهلية اللبنانية، رغم أن توصيفها التاريخي على هذا النحو العام يخفي حقيقة أساسية؛ وهي الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 الذي بلغ حد احتلال العاصمة اللبنانية، فكان منعطفًا خطيرًا أعطى للعنف زخمًا جديدًا، كما سعَّر أكثر من حدة الاستقطاب الطائفي.

رغم التفاؤل الكبير بجيل التسعينيات، الناجي من الحرب الأهلية كما يوصف، والذي تفتح وعيه على مرحلة انحسار الوصاية السورية عن لبنان وشروع الدولة في إعادة إعمار الخراب وما تلاها من عودة بيروت إلى مدينة لاقتصاد الخدمات والسياحة والنشاط المصرفي، إلا أن فترة التفاؤل لم تدم طويلا، إذ سرعان ما اكتشف هذا الجيل نفسه وريثًا مشوهًا للماضي، قادمًا من نسيج اجتماعي متمزق، وذلك قبل أن ينخرط في السياسة من بوابة الانقسام السياسي الجديد عقب الاغتيال المدوي للرئيس رفيق الحريري، ما بين تياريّ الثامن من مارس، يقابله تيار الرابع عشر من مارس. وسوريا مجددًا، بين مواليها ومعارضيها، ستكون مرةً أخرى، حتى بعد خروج جيشها من لبنان، هي مفرق الانقسام الجديد بين اللبنانيين، الذي سيكون ضحيته الأولى والمباشرة الكاتب والصحفي اللبناني سمير قصير، أبرز وجوه الرابع عشر من مارس، وأحد عشاق بيروت الأقدمين: «نسألُ القاتل: أما كان في وسعك أن تكتب مقالةً في جريدة تثبت فيها أن سمير قصير على خطأ، ولا يستحق الحياة في لبنان، ولا في بلد آخر؟» هكذا كتب محمود درويش في رثائه.

في رحلتي اللبنانية الصغيرة، كان سمير قصير مرشدي الثقافي وسط شوارع بيروت وأحيائها. كتابه «تاريخ بيروت» كان مرافقي قبل إقلاع الطائرة من مسقط حتى النظرة الأخيرة من نافذة الطائرة، نظرة معلقة على بيروت التي تختفي خلف السحاب وتصبح أبعد فأبعد من صورتها في القصيدة إلى لقاء آخر يا بيروت!

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • أكثر الأدوية المزورة التي يتناولها الملايين
  • طيران الاحتلال الإسرائيلي يشنّ أكثر من 20 غارة جوية على جنوب لبنان (شاهد)
  • هنا والآن .. في بيروت: القلق!
  • هذه هويّة المُستهدف في غارة خربة سلم
  • كيف تعمل شبكة الإنترنت؟ رحلة إلى قلب الشبكة التي تربط العالم
  • هذا ما يشهدهُ وسط بيروت
  • الأونروا: إسرائيل بدأت هدم أكثر من 16 مبنى في مخيم نور شمس
  • لبنان.. أكثر من 20 غارة إسرائيلية استهدفت مناطق جنوب البلاد
  • إسرائيل تشن 20 غارة على جنوب لبنان
  • بعد القصف الخطأ.. وقف تدريبات «الذخيرة الحية» في كوريا الجنوبية