11 أكتوبر، 2024

بغداد/المسلة: في قلب بغداد، حيث تتشابك الأبعاد التاريخية مع الحداثة، تتجلى محاولات ملحوظة لإعادة إحياء التراث المعماري والفني الذي يعود إلى العصور العباسية. يجتمع اليوم مجموعة من طلاب الهندسة المعمارية في موقع تاريخي، يتلقون دروسًا من أستاذ معماري، الذي يروي لهم تفاصيل بناء سور بغداد الذي أنشأه الخلفاء العباسيون لحماية المدينة من الغزوات المغولية.

إرثٌ معماري في مواجهة التحديات

تعاني العاصمة العراقية من تداعيات سنوات من الصراعات والهجمات، حيث أثرت هذه الأزمات على التخطيط الحضري والاهتمام بالتراث. ولكن مع بداية استعادة الحياة الطبيعية في بغداد، بدأت الأمور في التحسن، مما أعطى دفعة جديدة للحفاظ على التراث المعماري. اليوم، يحتشد حوالي ثلاثين طالبًا ومصورًا في جولة منظمة من قِبل “نادي المعماريين الشباب” بهدف تسليط الضوء على العمارة الإسلامية في المدينة.

يقول عبد الله عماد، أحد الطلاب المشاركين، إن “الهدف هو إظهار القيمة والجمالية التي تحملها بغداد في تراثها المعماري”. تشمل الجولة محطات مهمة، مثل القصر العباسي، الذي يتميز بتفاصيله الدقيقة وزخارفه الفريدة، ومسجد مرجان والباب الوسطاني، والذي يُعتبر رمزًا للعمارة العباسية.

تجديد الأمل من خلال التراث

العمارة ليست مجرد هياكل، بل هي وسيلة لإعادة بناء الهوية الوطنية. يوضح الأستاذ موفق الطائي، الذي يحمل خبرةً طويلة في هذا المجال، أن الحفاظ على التراث ليس فقط مهمًا من الناحية الجمالية، بل يشكل أيضًا عامل جذب للسياحة. ويضيف: “التراث يساعد في نشر الوعي حول الهوية الوطنية ويعزز الانتماء لدى الشباب”.

تجري في بغداد الآن العديد من المبادرات التي تهدف إلى ترميم المباني التراثية، مما يعكس تزايد الاهتمام بالماضي. وقد أصبح الشباب في العراق يتطلعون إلى التراث المعماري، حيث يسعون لتعزيز هويتهم من خلال هذه المشاريع. كما تؤكد المهندسة المعمارية فاطمة المقداد أن الشباب يدركون أهمية التراث، ويبحثون عن طرق للحفاظ عليه.

التحديات أمام جهود الترميم

على الرغم من هذه الجهود، إلا أن التحديات تظل قائمة. فمعظم المباني التراثية تواجه خطر التدمير أو التدهور، حيث يقدر أن نحو 15% من المباني التراثية في بغداد مدمرة أو طرأت عليها تغييرات. علاوة على ذلك، هناك حاجة ملحة لتمويل كبير من أجل عمليات الترميم، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى الملاك الأصليين للحصول على الموافقات.

تعمل أمانة بغداد على مشاريع ترميم متعددة، بما في ذلك شارع المتنبي المعروف ببيع الكتب، وشارع السراي، وتستهدف أيضًا شارع الرشيد الذي يعتبر “روح بغداد القديمة”. يسعى المسؤولون إلى تحويل المدينة القديمة من مركز للخدمات الثقيلة إلى مناطق ثقافية وتجارية.

نحو مستقبل مشرق

بغداد تسعى إلى إعادة إحياء مركزها التاريخي وتحويله إلى وجهة ثقافية وسياحية. ومن خلال الجهود المستمرة من قِبل الشباب والمختصين، يبدو أن هناك أملًا في تحسين واقع التراث المعماري والحفاظ عليه للأجيال القادمة. التحديات كبيرة، ولكن العزم والإرادة الشعبية يمكن أن يحدثا فرقًا حقيقيًا في تعزيز الهوية الثقافية للعراق.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: التراث المعماری

إقرأ أيضاً:

إلغاء تفويضات العراق 1991-2002: ثمرة نهج هادئ يحول العراق من ملف أمني إلى شريك استراتيجي

12 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة: أعلان الكونغرس الأمريكي، في خطوة تاريخية، إلغاء التفويضات العسكرية للحرب في العراق، لم يكن مجرد إجراء برلماني روتيني، بل انعكاساً مباشراً لتحول جذري في ديناميكيات العلاقات الخارجية العراقية، حيث برز نهج دبلوماسي في السنتين الاخيرتين، يعيد رسم ملامح بغداد على الخارطة الدولية بألوان أكثر هدوءاً وثقة.

وشكّل هذا النهج، في حقبة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، نموذجاً لإدارة التوترات الإقليمية بعيداً عن صخب التصريحات الحادة، إذ اعتمد على توازن دقيق بين المصالح الوطنية والشراكات الدولية، مما أعاد بناء جسور انهارها عقود من النزاعات والعقوبات، ودفع اللاعبين الدوليين إلى إعادة تقييم صورة العراق كدولة ناشئة من رماد الحروب.

من جانب آخر، أدت حوارات الحكومة الهادئة، التي ركزت على قضايا الاستقرار الاقتصادي والأمني، إلى ترسيخ قناعة عالمية بأن بغداد لم تعد مجرد ملف أمني مشحون، بل شريكاً مسؤولاً يساهم في تهدئة التوترات الإقليمية، خاصة في ظل التحديات المستمرة مع الجماعات المسلحة والضغوط الخارجية، حيث أصبحت الزيارات الدبلوماسية المحسوبة أداة لتعزيز الثقة المتبادلة مع واشنطن وجيرانها.

وقال تحليل ان إلغاء التفويضات الأمريكية لعامي 1991 و2002، الذي مرر بأغلبية ساحقة في مجلس النواب بنتيجة 261 صوتاً مقابل 167، وانتظاراً للمصادقة النهائية في السناتور، يُعد أولى الثمار الملموسة لهذا النهج، إذ يعترف به كإشارة إلى نضج العراق السياسي، ويفتح صفحة جديدة تعتمد على الشراكة المتكافئة بدلاً من إرث الغزوات والاحتلال، مع الحفاظ على التعاون الأمني ضد التهديدات المشتركة مثل داعش.

أما في السياق الأوسع، فإن هذه الدبلوماسية الناعمة، التي تجمع بين الثبات الداخلي والانفتاح الخارجي، غيّرت مواقف داخل الكونغرس نفسه، حيث أقنعت حتى بعض الجمهوريين المحافظين بأن العراق اليوم يمثل عنصراً من استقرار الشرق الأوسط، لا مصدراً للقلق الأبدي، مما يعزز مكانة بغداد كوسيط إقليمي فعال في قضايا الطاقة والأمن.

و يظل التحدي في ترجمة هذا النجاح إلى استثمارات اقتصادية مستدامة وإصلاحات داخلية، ليصبح العراق نموذجاً للانتقال السلمي في منطقة مليئة بالتوترات، حيث يُظهر هذا الإنجاز كيف يمكن للصبر الدبلوماسي أن يحوّل الإرث المرير إلى فرصة للتعاون المستقبلي.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • محمد بن راشد: سعاد العامري قدّمت إسهامات رائدة في الحفاظ على التراث المعماري الفلسطيني
  • مصدر: الأحد يعلن التصديق النهائي على نتائج الانتخابات
  • تحليل: الدبلوماسية المنتجة قادت العراق إلى إنهاء الوصاية الأممية
  • غوتيريش: نغلق اليوم إحدى صفحات التعاون مع العراق ونفتح أخرى
  • تهويل بلا وزن استراتيجي: قراءة في تغريدات سافايا
  • رئيس الوزراء العراقي: حققنا الأمن والاستقرار في البلاد رغم التحديات
  • مخاوف إنسانية وسياسية بعد الرحيل الأممي عن العراق
  • رئيس الجمهورية لبزشكيان: أي عرقلة تواجه إيران هي بمثابة عداء لنا
  • إلغاء تفويضات العراق 1991-2002: ثمرة نهج هادئ يحول العراق من ملف أمني إلى شريك استراتيجي
  • ما الذي تم من تطوير بمستشفى قصر العيني وأهم التحديات؟..رئيس جامعة القاهرة يجيب