#الموت في #الرحيل
م. #أنس_معابرة
مع كل مشاهد الدمار والحرب التي نشاهدها يومياً، وكمية القنابل والصواريخ التي يمطر بها الاحتلال غزة والضفة ولبنان وسوريا وايران واليمن وغيرها من الدول، بات البعض يتساءل: هل يعجز العالم عن إيقاف آلة الحرب الصهيونية؟ ألا يوجد ما يقف في وجه هذا الطغيان غير المسبوق؟ ألم يجد العالم وسيلة بعد أكثر من عام لإيقاف نزف الدم في بلداننا العربية والإسلامية؟
الجواب يكمن في أن العالم لا يعجز طبعاً عن إيقاف دولة معتدية مارقة على القانون الدولي، ولكن العالم لا يريد لهذه الحرب أن تتوقف، بل ويدعمها القريب والبعيد من أجل الاستمرار، وأن يصل الاحتلال إلى هدفه من كل هذا الدمار والخراب.
الأولى هي وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في الكيان، ومعنى ذلك أن تلك العصبة الحاكمة اليوم – أو حتى بعض أعضاء الحكومة – تؤمن بما جاء في التوراة المحرّفة عن ضرورة اشعال الحرب، والضرب بيد من حديد، وقتل البشر بأعداد كبيرة لظهور المسيح المخلّص الذي يٌعيد لليهود مكانتهم لسيادة الأمم حسب زعمهم طبعاً.
ما يؤكد كلامي هو وجود العديد من اللقاءات ومقاطع الفيديو التي يدعو فيها الحاخامات رئيس الحكومة المجرم إلى اشعال الحرب، فهم ينتظرون المسيح المخلّص، ولا بد من استعجال قدومه عبر اشعال الحرب الكبرى.
وهنالك أيضاً الإذعان الكامل من رئيس الحكومة الجبان لبعض أعضاء حكومته المتطرفين، واستمراره في الحرب على الرغم من سوء الوضع هناك، فجنوده يقتلون في كل الجبهات، والسكّان في الأراضي المحتلة لا يخرجون من الملاجئ بعد اشتعال الجبهة اللبنانية.
أما النقطة الثانية: فهي أن دول العالم والجوار تحديداً قد ملّت حالة الانقباض والتوتر التي تعيشها المنطقة منذ سبعة عقود، وتطمع كل تلك الدول إلى التطور والنماء والتقدم، ولن يكون ذلك طبعاً بوجود المقاومة التي تقف بشموخ في وجه الاحتلال، وتدافع عن أرضها وعرضها، وحقها في الحياة كغيرها من الشعوب.
تلك الدول اختارت الوقوف إلى جانب الطرف الأقوى – ظاهرياً- وهو جانب الاحتلال، الجانب المدعوم من أنظمة العالم الكبرى، والتي لا تتوانى عن دعمه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وكان ثمن هذا الموقف هو الموافقة باطنياً على تصفية القضية الفلسطينية ودفنها لتكون من الماضي، ومحاولة استئصالها حتى من عقول أبناءها اللذين عاشوا المحنة على اختلاف ازمنتها.
الشعب الفلسطيني البطل، والمتواجد في بقاع الأرض المختلفة من فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر وغيرها من دول العالم، أدرك هذه اللعبة جيداً، وفضلّت المقاومة أن تقلب الطاولة على الجميع، وأن تضع خيارها الذي غاب عن أذهان البعض.
ما فعلته المقاومة في مواقعها المختلفة لا يختلف كثيراً عن موقف نيكيتا خروتشوف حين رفع حذاءه في وجه الأمم المتحدة عام 1960 اعتراضاً على خطاب رئيس الوفد الفلبيني لورينزو سومولونغ الذي انتقد فيه ما وصفه سياسات استعمارية سوفيتية، وهي قررت أن ترفع سلاحها في وجه كل تلك التحالفات التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
أختم بما ورد في الجزء الثالث من ثلاثية غرناطة حين قال أهلها عندما أجبروا على الرحيل: “قد يكون الموت في الرحيل، لا في البقاء”، وهو ذات الشعار الذي يرفعه أهلنا في فلسطين اليوم، نسأل الله لهم النصر والثبات.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
قلما يجود الزمان بمثلها..أم كلثوم وحكاية نصف قرن على الرحيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
صوت انطلق من أعماق الوطن، ليتردد صداه في كل جنبات العالم، حاملًا نبض أمه تتوق إلى آفاق بعيدة من الحرية، إلى التحرر من قيودها والعبور نحو النور، ليعزف على أوتار القلوب، إنه صوت أم كلثوم، التي غنت وغنى الوطن العربي كله معها من المحيط إلى الخليج، في لحظات الانكسار وفي لحظات الانتصار، محفزة الهمم للبناء والعمل، وشاحذة عزم الرجال وقت المحن.
احتفاءً بالإرث الفني العريق الذي خلّدته كوكب الشرق أم كلثوم في وجدان المصريين والعرب، أعلنت وزارة الثقافة المصرية عن إطلاق "عام أم كلثوم 2025"، تزامنًا مع الذكرى الخمسين لرحيلها، ويتضمن العام سلسلة من الفعاليات والحفلات والمعارض والمسابقات التي تستمر على مدار العام، تكريمًا لمسيرة سيدة الغناء العربي وإحياءً لفنها الخالد.
في اليوم الثالث من هذا الشهر «فبراير» حلت ذكرى رحيل أم كلثوم الخمسين عن عالمنا بجسدها، ولإن باعد ذلك بيننا وبينها لكنها ما زالت تحيا في قلوب الأجيال، لنعيش حالة من الاحتفال بذكراها العطرة من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق من المحيط إلى الخليج، وإلى الآن ما زالت تتردد عبارة «عظمة على عظمة يا ست»، التي لا تصلح إلا أن تقال لها على مر الزمان والعصور، كلما داعبت كلماتها أذاننا وحركت لواعج قلوبنا وحملتنا على أثير كلثومي عذب رقراق، ألحان وصوت عظمة على عظمة يا ست الكل ثومة، فكل أغنية من أغنياتها تعد قصة في حد ذاتها، فهي الموروث المتأصل في إرواء شجرة مشاعرك منذ كانت نبتة صغيرة وأنت تتلمس وتستكشف علاقاتك نحو الآخرين والكون منذ مراحل حياتك الأولى، وكلما كبرت كبر قبولها حتى تشغل مساحة من وجدانك، لتصبح مسيطرة على كيانك الشعوري وهذه ظاهرة شعورية يعيشها العاشقون، وخصوصًا الشرقيين، لأن أم كلثوم تتجاوز القيمة الموسيقية، لتصبح قيمة روحانية لا يمكن الاستغناء عنها.
فلا تزال أم كلثوم تتربع على عرش الغناء، وما زال صوتها له القدرة على الاستحواذ على عقل المستمعين؛ لأنها هي صاحبة السلطة الأولى الفنية للطرب الأصيل ولتظل رمزًا شامخًا لجمال مصر وسحرها وعظمتها وتاريخها العريق.
لم تكن كوكب الشرق فتاة مرفهة، بل عاشت قصة كفاح منذ مراحل الطفولة، حيث حفظت القرآن الكريم ثم جاءت إلى القاهرة بصحبة أبيها وكانت تعيش ما بين الإنشاد والتواشيح الدينية في بدايتها حتى سنحت لها الفرصة للتعرف على أمير الشعراء أحمد شوقي في أواخر أيامه، وتتم دعوتها للغناء أمام أمير الشعراء أحمد شوقي في منزله، لتذهب أم كلثوم مع والدها وشقيقها وغنت ليلتها كما لم تغن من قبل وبعد انتهائها إذ بأمير الشعراء يقدم لها هدية، تعبر عن إعجابه بصوتها، وهي قصيدة «سلوا كئوس الطلى هل لا مست فاها و استنجدوا الراح هل مست محياها»، وبالفعل غنتها أم كلثوم بعد رحيل أحمد شوقي عام 1932.
بدأت مشوارها الفني والطربي في الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث امتلكت الست «ثومة » منذ بدايتها مشروعًا متكاملًا من كل الأركان كانت فروعه الصوت العظيم القوي المليء بالإحساس و الألحان، التي لا تكتب لغيرها، والقصائد التي لم تترك مفردة في الرومانسية والحب والعطاء والقوة الوطن والضعف الإنساني إلا وتغنت بها، حيث شاركت في أوائل الأفلام السينمائية الناطقة، ثم اتجهت للغناء في الحفلات وبمشاركة كبار الشعراء أحمد شوقي وأحمد رامي ومرسي جميل عزيز والحفناوي وغيرهم من شعراء الأغنية الطربية، التي اختفت منذ رحيل أم كلثوم وعن المدارس الموسيقية تعاملت أم كلثوم مع كل مدارس الموسيقى في مصر «السنباطي والقصبجي وموسيقار الأجيال عبدالوهاب وبليغ حمدي»، إنهم هم المدارس الحقيقية للطرب الموسيقى المصرى، فلا تتعجب أن تظل أم كلثوم مئات السنين متعة شرقية ووثيقة تاريخية.
مواقفها الوطنيةأم كلثوم تشع ثقافة بفن وطرب أصيل ولم تخلق للهرج والهذيان، ولها مواقف وطنية خالدة على مر الزمان وقدمت من أجل المجهود الحربي الكثير، ولن ينسى التاريخ موقفها، حيث شدت على أكبر مسارح العالم من أجل مصر و نالت احترام أمراء و زعماء العالم في جولتها التاريخية التي شملت فرنسا والكويت وليبيا والسودان والمغرب وتونس ولم تكتف، وعندما عادت من رحلتها الخارجية أقامت حفلات في محافظات مصر المختلفة، وليشهد كل عربي ومصري على حب وانتماء وولاء الشخصية الوطنية التي لن تتكرر على مر الزمان.
ورغم مرور خمسين عامًا على رحيل كوكب الشرق، إلا أنها حتى الآن الأعلى مشاهدة على «يوتيوب» لتتربع على عرش الغناء على مدار السنين إنها كوكب الشرق التي عاشت في مكانة أعلى من كل الملوك وعندما رحلت كانت كوكبًا يضيء بشعاع أقوى من كل الشموس، حقًا حين رحلت ودعها مليون مواطن بكت فيها الشوارع والميادين، حقًا إنها رحلت ولن تموت ومن الصعب أن يأتي الزمان بمثلها.