بيروت- يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف قوات "يونيفيل" جنوب لبنان، حيث أطلق اليوم الجمعة قذيفة مدفعية على المدخل الرئيسي لمركز القيادة بالناقورة، بينما استهدفت دبابة ميركافا أحد أبراج المراقبة على الخط العام الذي يربط صور بالناقورة، مما أسفر عن إصابة جنود من الكتيبة السريلانكية وتسبب في أضرار بمدخل المركز.

وتزامن هذا الاستهداف مع ما دعا إليه السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون بنقل قوات "يونيفيل" جنوب لبنان لمسافة 5 كيلومترات شمالا "لتجنب الخطر" بسبب تصاعد القتال بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي.

كما يأتي الاستهداف بعد أقل من 48 ساعة على هجمات سابقة، تعرضت فيها مواقع "يونيفيل" لضربات مماثلة أدت إلى تعطل بعض معدات المراقبة وإصابة اثنين من عناصرها في انفجارين قرب نقطة مراقبة حدودية، محذرة من تعرض قواتها لـ"خطر شديد".

وقالت يونيفيل في بيان "إن ما حدث يشكل تطوراً خطيراً" وأكدت ضرورة ضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة وممتلكاتها، واحترام حرمة المباني الأممية في جميع الأوقات "كما أن أي هجوم متعمّد على جنود حفظ السلام يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي وقرار مجلس الأمن 1701".

مشروع خطير

يرى الأستاذ في العلاقات الدولية والمحلل السياسي علي مطر أن هناك نقطة محورية تتعلق بعمل قوات "يونيفيل" وفقًا للقرار 1701، حيث كان من المفترض أن تُعهد للقوات الأممية مسؤولية منع الاعتداءات ومراقبة إطلاق النار، إلا أن دورها الحالي لم يستطع الحد من العدوان الإسرائيلي على لبنان، وبالتالي فـ"العدو اخترق القرار 1701، بل تجاوز ذلك باستهداف يونيفيل بشكل مباشر".

ويلفت مطر -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن المشكلة تكمن في ما يريده الجانب الإسرائيلي من "يونيفيل" الآن، حيث يبدو أن هناك "سعيًا إسرائيليًا مدعومًا من الولايات المتحدة لإعادة صياغة دور هذه القوات" بهدف توسيع نطاق عملها ليختلف عن ما ورد بالقرار 1701، وذلك من خلال إصدار قرار جديد في مجلس الأمن بموجب الفصل السابع أو تعديل القرار القائم بطريقة تؤثر على مهامها.

وفي هذا السياق، يشير مطر إلى إمكانية تغيير مهام قوات "يونيفيل" وجعلها تتجاوز مهمة المراقبة لتشمل الحدود بين لبنان والجانب الإسرائيلي، وربما الحدود السورية أيضًا. وفي حال تحقق ذلك، ستُمنح "يونيفيل" صلاحيات أكبر، مما قد يقود إلى تحولها لقوات غير محايدة أو متعددة الجنسيات، وهو ما يُعتبر بمثابة "احتلال جديد".

ويعتبر مطر هذا المشروع الإسرائيلي الأميركي خطيرًا، حيث تحدث السفير الإسرائيلي بالأمم المتحدة عن ذلك بشكل واضح، مع وجود تحضيرات إسرائيلية لإعادة "يونيفيل" إلى مسافة 5 كيلومترات، حيث ستتزايد العمليات العسكرية. وفي الوقت نفسه، تُواصل الدولة اللبنانية الحديث عن تطبيق القرار 1701، معتقدة أن ذلك كافٍ لإعادة الوضع في الجنوب إلى ما كان عليه.

ووفق تحليل الأكاديمي للجزيرة نت، فإن هذه المساعي تأتي في سياق واحد، حيث يعتقد البعض أن حزب الله قد ضعُف. ومع ذلك، يُشير إلى أن ذلك سيتبين خلال الأيام المقبلة "عبر التصدي للتقدم والهجمات الإسرائيلية مما يمنع إسرائيل من تحقيق نصر، ويدل على أن رسم سياسة جديدة يجب أن يأخذ في الاعتبار ما تريده المقاومة في لبنان".

بيان يونيفيل أكد أن أي هجوم متعمّد عليها يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي وقرار مجلس الأمن 1701 (الأناضول) دور جديد

ويرى الكاتب والباحث السياسي الدكتور علي أحمد أن إسرائيل تعتبر أن قوات يونيفيل "لم تؤدِّ الدور المطلوب منها" ويعتبر أن أحد الأهداف الإسرائيلية الرئيسية هو إنشاء منطقة عازلة، ويتوقع أن تُدار بطريقة لا تشمل وجود أي قوات بما فيها "يونيفيل" مما يعني أنها ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية بالكامل، وبالتالي ستوجد القوات الأممية بالمنطقة التي تليها، مما يجعل الوضع أشبه بشريط حدودي يفصل بين الجانبين.

وفي هذا السياق، يوضح أحمد للجزيرة نت أن الإسرائيليين يسعون للضغط على "يونيفيل" التي حصلت على ضمانات عند قدومها إلى لبنان، حيث تتجنب هذه القوة الدولية المخاطرة بجنودها وعناصرها، مما يفسر المحاولات الإسرائيلية المتواصلة للضغط عليها لدفعها نحو التراجع. وإذا تحقق هذا، سيظهر الإسرائيليون وكأنهم من يسيطر على المنطقة.

ويتابع أنه في ظل هذا المشهد، يتجه الإسرائيليون نحو التصعيد، ويمكن فهم الخطط التي يسعون لتنفيذها، حيث إنهم وضعوا خطة احتلال تتطلب جهودًا مركزة من قواتهم "ورغم استعدادهم لهذه الخطة، إلا أنها لم تحقق النجاح المنشود حتى الآن".

علاوة على ذلك، يشير الباحث إلى أنه بالإضافة إلى الخطة العسكرية، توجد خطة سياسية وأخرى إجرائية تهدف إلى إفراغ المنطقة من القوات الأممية "وهو جزء من جهودهم المستمرة. ومع ذلك، لا يعني نجاحهم في تنفيذ هذه الخطط أنهم سيتمكنون من إزالة الحدود بشكل كامل، والمقاومة لا تدافع عن حدود جغرافية بل عن فكرة الدفاع عن الأرض".

رسائل متعددة

بالمقابل، يعتقد الخبير في الشؤون الإسرائيلية علي حيدر -في حديثه للجزيرة نت- أن كل خطوة "عدوانية" يقدم عليها "العدو" تأتي كجزء من خطته العامة وتخدم أهدافه الإستراتيجية، موضحا أن من بين هذه الأهداف غير المخفية "إعادة إنتاج واقع جديد على الحدود اللبنانية الجنوبية، ويتطلب تحقيق هذا الهدف ترتيبات أمنية خاصة وصلاحيات معينة لقوات "يونيفيل".

ويشير إلى أن "العدو الإسرائيلي يحاول، من خلال استهدافاته العسكرية، توجيه رسائل متعددة، جزء منها موجه إلى الدولة اللبنانية، وجزء آخر إلى المؤسسات الدولية، وكأنه يقول بوضوح إنه لن يرضى إلا بالترتيب الأمني الذي يناسبه في هذه المنطقة".

ويضيف حيدر قائلا إن "العدو لا يزال يتصرف وكأنه في موقف المنتصر، ويحتاج إلى وقت إضافي ليعيد التكيف مع الوقائع الجديدة. فعلى الصعيد السياسي يرفع سقف مطالبه، وهو ما يظهر جلياً في الهجمات المستمرة التي يقوم بها".

ويؤكد أن العدو عادة ما يرفع سقف توقعاته وتقديراته في حال تبني خطوات "عدوانية" واسعة، معتقدًا أن بإمكانه تحقيق الانتصار أو الوصول إلى أهدافه. وبناءً على ذلك، يرى حيدر أن الجانب الإسرائيلي قد يحتاج إلى المزيد من الوقت ليصبح أكثر واقعية في التوصل إلى الترتيبات التي ستحكم الوضع الميداني جنوب لبنان.

ويعتبر حيدر أن هذه الترتيبات لن تُعقد بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، بل بين الدولة اللبنانية وإسرائيل، على الرغم من احتفاظ المقاومة بهامش من الحرية بالدفاع على لبنان، ويستشهد في ذلك بما حدث بعد صدور القرار 1701.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت القرار 1701 إلى أن

إقرأ أيضاً:

سر الاستقواء الأمريكي – الإسرائيلي

ناصر قنديل

شكّل الإعلان الصادر عن وزير الحرب في كيان الاحتلال يسرائيل كاتس، حول الحصول على ترخيص أمريكي بالبقاء في المناطق اللبنانية المحتلة دون قيد زمنيّ، صدمة للبنانيين وحكومتهم بعد نيل حكومة الرئيس نواف سلام الثقة وهي تبني آمالاً، كما قالت في مواقف رئيسها ووزير خارجيّتها وسبقهم رئيس الجمهورية بالقول، إنّ الحل الدبلوماسيّ والضغط الدبلوماسيّ هو رهان لبنان لإلزام كيان الاحتلال بالانسحاب من النقاط اللبنانية المحتلة داخل الخط الأزرق تمهيداً للانسحاب من الشق اللبنانيّ من بلدة الغجر الموجود أيضاً داخل الخط الأزرق وصولاً لحسم أمر النقاط التي يسجّل لبنان تحفظه على بقاء الاحتلال فيها وفي مقدّمتها مزارع شبعا المحتلة، كما نص اتفاق وقف إطلاق النار ونص قبله القرار 1701 وكفل الأمريكيّون تنفيذ كيان الاحتلال لهما، والحديث عن الحلّ الدبلوماسيّ والضغط الدبلوماسيّ هو التوصيف المنمّق لما ينتظره لبنان الرسمي من واشنطن، التي لا يُخفى على أحد حجم دورها في تظهير الصورة الجديدة للحكم والحكومة.
تجاهلت واشنطن مسؤوليتها بإصدار نفي لكلام كاتس، وتجاهل لبنان الرسميّ تجاهل واشنطن وكلام كاتس معاً، لما في الأمر من إحراج، ولبنان الرسمي لا يملك أن يقول ما يقوله بعض اللبنانيين عن مبرّرات وذرائع للموقف الإسرائيلي، لأنه يعلم أن الاتفاق واضح والتزامات لبنان فيه لا لبس حولها وهي محصورة في بند وحيد هو انسحاب قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ولبنان الرسمي راضٍ عن تجاوب حزب الله مع ما طلبه منه الجيش اللبناني في هذا السياق، وكان يعلن أنه لا يعتبر أن هناك أي إخلال لبناني بالموجبات يبرر الإخلال الإسرائيلي، عندما كانت “إسرائيل” تقول إن مبرّر إخلالها هو أن الاتفاق مشروط بانتشار الجيش اللبنانيّ وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، كما قال بنيامين نتنياهو عشية انتهاء مدة الستين يوماً المنصوص عليها في الاتفاق لانسحاب إسرائيلي كامل إلى ما وراء الخط الأزرق.
أمامنا مشهدان واحد ميدانيّ والثاني سياسيّ، حتى تاريخ نهاية مهلة الستين يوماً، الميداني يقول إن الاحتلال فشل في احتلال القرى والبلدات اللبنانية طوال أيام المواجهات العسكرية الممتدة من 27 أيلول 2024 الى 27 تشرين الثاني 2024، إلا أنه في أيام تطبيق الاتفاق دخل 47 قرية وبلدة ودمّر ما فيها من منازل وبنى تحتية، بعدما صار أمن الجنوب في عهدة الدولة اللبنانيّة والحل الدبلوماسيّ، والعجز الإسرائيلي عن احتلال القرى والبلدات خلال المواجهات هو الذي أجبره على قبول الاتفاق الذي ينصّ على الانسحاب الكامل، وما لمسه من قدرة على حرية التوغل والتدمير في مرحلة تطبيق الاتفاق هي ما أغراه على طلب تمديد المهلة، لكننا في السياسة كنّا طول المرحلتين أمام مشهد تعبّر عنه المواقف الصادرة عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تتحدث حصراً عن اتفاق يقضي بانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ومواقف أمريكية في لجنة الإشراف على الاتفاق تقول إن هناك انتهاكات إسرائيلية تهدّد الاتفاق ويجب أن تتوقف.
إذا كان الدخول في المسار الدبلوماسيّ شكل مصدر شعور الإسرائيلي بالاطمئنان لدخول مناطق لم يتمكّن من دخولها خلال الحرب، والسعي لتمديد المهلة حتى 18 شباط، ثم التنكّر للمهلة واختيار البقاء في أراضٍ لا خلاف على وجوب الانسحاب منها. فالسؤال هو ماذا حدث حتى صار لدى الإسرائيلي تعديل في الخطاب وربط الانسحاب بشروط لا تقتصر على انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني؟ ولماذا تبدّل الخطاب الأمريكي من اعتبار التأخير الإسرائيلي والبقاء في أراضي لبنان انتهاكاً للاتفاق وباتت تعطي الترخيص للبقاء دون مهلة زمنيّة، كما قال كاتس؟
الجواب المؤلم، هو أن الداخل اللبناني المعادي للمقاومة هو السبب، وأن هذا الداخل اللبناني الذي دأب على الزعم بأن لا انسحاب كامل دون إنهاء أمر سلاح المقاومة، ولا أموال سوف يسمح بوصولها بهدف إعادة الإعمار دون نزع هذا السلاح، وجد خطابه موضع طعن في مصداقيّته واتهامه بالعدائيّة لدرجة وصفه الإسرائيلي أكثر من “إسرائيل” نفسها، حتى تمّ تشييع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فتحرّك أصحاب هذا الخطاب يحملون ما يسمّونه بالتراخي الأمريكي والإسرائيلي مسؤولية ما يسمّى بتعافي حزب الله واستعادة بيئته وشعبيته، وكانت النتيجة بالون الاختبار الذي أطلقه كاتس وصمتت عنه واشنطن، كورقة ضغط بيد هذا الداخل اللبناني عساه يستطيع توظيفه، كما يزعم في محاصرة المقاومة وابتزازها، وربما تحقيق مكاسب في اتجاه تسريع وضع مستقبل سلاحها على الطاولة.
إذا كان قد حُسم أمر أن الحكومة هي حكومة القرار 1701 وليست حكومة القرار 1559، فإن ما لم يُحسم بعد، هو هل القرار 1701 هو خطوة نحو القرار 1559 أم هو خطوة نحو القرار 425؟
إذا كان نص خطاب القَسَم عن حق الدولة في احتكار حمل السلاح وبسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على كامل أراضيها، استعادة لما جاء في اتفاق الطائف، فإنه من المفيد التذكير أن اتفاق الطائف ترافق مع رهانات وأحلام دبلوماسيّة شبيهة برهان قادة الدولة الحاليين، يومها مسار مدريد ووعود تنفيذ القرار 425، واليوم وعود أمريكية بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة وأزماتها، كان كلام الطائف قبل مقتل رابين، وكانت وعود أمريكا للبنان قبل إعلان تهجير غزة.
الاستقواء الأمريكي الإسرائيلي بالداخل اللبناني، رهان يسقط مع سقوط الحل الدبلوماسي للاحتلال، كما هو حال الاستقواء من بعض الداخل اللبناني بالحضور الأمريكي والإسرائيلي.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية

مقالات مشابهة

  • لبنان: الاعتداءات الإسرائيلية تهدد الاستقرار في المنطقة
  • لبنان يتقدم بشكوى لمجلس الأمن عقب خرق إسرائيل لقرار (1701)
  • المنطقة والعبث الإسرائيلي
  • كيف يواجه دروز لبنان المخططات الإسرائيلية في الجنوب السوري؟
  • إصابة طبيبة أطفال.. وزير صحة الخرطوم يستنكر استهداف الدعم السريع المواطنين والكوادر الطبية 
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدة باقة الشرقية شمال طولكرم
  • الرئيس السيسي وجوزاف عون يؤكدان ضرورة الانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان
  • الرئيس السيسي يلتقي نظيره اللبناني ويؤكدان ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب
  • سر الاستقواء الأمريكي – الإسرائيلي
  • تحذير جنبلاط من المكائد الإسرائيلية.. ما الذي يخشاه البيك؟!