بوابة الوفد:
2025-04-26@01:35:30 GMT

«الموسيقى العربية» يجدد شبابه

تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT

دائما كنت أسعى منذ أن أصبحت عضوا فى اللجنة التحضيرية لمهرجان الموسيقى العربية، «العليا» حاليا، إلى أن يكون للشباب الدور الأكبر فى مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، وتحديدا فيما يخص ليالى المهرجان الغنائية، ليكون الشباب جنبا إلى جنب مع كبار النجوم، بغرض تواصل الأجيال التى تحرص عليه كل الدول المتحضرة. إن الأساس فى بناء حضارة الأمم هو تواصل الأجيال وألا تكون هناك مسافات أو فجوات كبيرة بين كل جيل وآخر، حتى لا يحدث هبوط فى مستوى ما يقدم من فنون خاصة فى مجال الغناء، لأن الموسيقى مثل أى بناء هندسى، لابد أن يكون له قواعد وأساس متين حتى يتحمل عامل الزمن، ولا ينهار أمام أى هزات.

طوال مسيرته، يحرص المهرجان على ميزة تواصل الأجيال باستثناء بعض الدورات التى ظهرت فيها أصوات تنادى بضرورة مشاركة النجوم، كما اضطرت إدارة المهرجان لبعض السنوات إلى الرضوخ خاصة عندما تدخّل شباك التذاكر ليكون أحد عناصر تقييم الفنان، فالمطرب الجيد من وجهة نظر شباك التذاكر هو من يبيع أكثر، وبالتالى حرصت إدارة المهرجان على استقطاب النجوم. لكن هناك مثل يقول «المتغطى بالنجوم عريان» لأن النجم لا يهمه سوى مصلحته وأحيانا يذهب لمن يدفع أكثر، وبالتالى كان الحل السحرى دائما من وجهة نظرى هو الاعتماد على الشباب، وبناء أجيال جديدة نعتمد عليها فى المستقبل، مع وجود أسماء تقدر قيمة المهرجان وأهميته من كبار النجوم مثل على الحجار وهانى شاكر ومحمد الحلو ونادية مصطفى ومدحت صالح ومحمد ثروت.

هذا العام وفى دورة المهرجان الـ32 اهتمت إدارة المهرجان بأن يكون هناك مساحة كبيرة للشباب مثل ريهام عبدالحكيم ومروة ناجى ومى فاروق ومحمد محسن وأحمد عفت وعبير نعمة ولينا شاماميان وغيرهم من نجوم شابة يُعتمد عليهم فى المستقبل لقيادة الحركة الغنائية فى مصر والعالم العربى، مما يؤكد أن المهرجان عاد ليجدد شبابه من جديد.

هل معنى ذلك أن المؤتمر والمهرجان نسيا الجذور؟ بالعكس، ففى هذه الدورة حاولت إدارة المهرجان مع اللجنة العليا واللجنة العلمية أن يعود للمؤتمر بريقه وريادته التى تعود إلى عام 1932 حيث عقد أول مؤتمر للموسيقى العربية على يد الدكتور محمود أحمد الحفنى وحضرته نخبة من كبار الموسيقيين العرب والأجانب. لقد اجتمع فى هذا المؤتمر التاريخى حشد من الموسيقيين والمؤرخين والنقاد من جميع أنحاء العالم، وكان حوارا جادا بين مختلف الثقافات والحضارات، شارك فيه بيلا بارتوك وباول هيند ميث وهنرى رابو ومورتيتز وروبرت لاخمان، إلى جانب مُستشرقين أمثال هنرى جورج فارمر وألكسيس شوتين، فضلًا عن شخصيات عربية أثرت ساحة الغناء منهم -على سبيل المثال لا الحصر- موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب من مصر، وسامى الشوا من الشام، ومحمد القبانجى من العراق، كما شاركت فرق متخصصة فى التراث العربى من العراق ولبنان والمغرب وتونس، وبالتأكيد من مصر، ولهذا يظل ذلك المهرجان هو العُرس العربى الأهم بحكم الزمن وبحكم مَن شاركوا فيه وبحكم القضايا التى تناولها.

من هنا حرص مهرجان هذا العام على مد جسر طويل يربط الماضى بالحاضر، الجد بالحفيد، يصل المقام بالمقام والنغمة بالنغمة، والإيقاع بالإيقاع، فالموسيقى هى فن تراكمى يزداد توهجا ولمعانا كلما ارتبط بالماضى، هكذا تعلمنا الأصالة وهكذا عاشت الأصالة، ولا حياة لفن ليس له ماض، ولا حياة لوطن بلا تاريخ.

إن الثقافة والحضارة هى نتاج ما صنعته الأمم من إبداع، وهى خيال مبدع تحول إلى واقع ملموس. لذلك بقاء مؤتمر ومهرجان الموسيقى مرهون بتواصل الأجيال، مرهون بمدى الانسجام بين الأصوات وبعضها، حيث إنه فى الموسيقى والغناء تشعر بالنشاز لو خرجت الآلة أو الصوت عن أبعاد الجملة الموسيقية المكتوبة، لأنها علم يقوم على التناسق بين الآلات وبعضها البعض من جانب وبينها وبين الصوت البشرى من جانب آخر. وأجمل ما فى مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية على مدى تاريخه هو منع دخول النغمة النشاز بين أروقته.

تحية إلى الدكتور خالد داغر مدير المهرجان والدكتورة لمياء زايد رئيس الأوبرا والمهرجان، لأنهما اهتما واعتمدا هذا العام على الشباب بمنحهم مساحة تليق بمواهبهم، لتظل مصر قبلة الغناء العربى تتحدث عن نفسها، بما تقدمه للساحة العربية من أفكار وأسماء ومواهب.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أمجد مصطفى الزاد اللجنة التحضيرية العليا الموسيقى العربية الدول المتحضرة الموسیقى العربیة إدارة المهرجان

إقرأ أيضاً:

حين تُطفأ النجوم: التلوث الضوئي بين تهديد علم الفلك وتشويه إيقاع الحياة

في مايو من العام الماضي، تمكن مصورون من الجمعية العمانية للفلك والفضاء من تصوير الشفق القطبي، وذلك خلال أمسية رصد في جبل شمس بمحافظة الداخلية. لم يكن الحدث عاديًا، بل كان استثنائيًا على مستوى المنطقة بشكل عام. غير أن ما يلفت الانتباه في هذه الحادثة هو السماء المظلمة التي تتمتع بها هذه المنطقة الجغرافية من سلطنة عُمان، والتي سمحت برصد هذا الحدث الفلكي البارز في منطقة بعيدة جدًا عن الأماكن المعتادة لرصد مثل هذه الظواهر، وإن كان ذلك قد حدث في ذروة نشاط شمسي امتد لحوالي أربعة أيام. وتتمتع هذه المنطقة بميزة البعد عن مصادر التلوث الضوئي، والذي يُعد من أكثر العوامل التي تمنع الإنسان من الاستمتاع بمشاهدة النجوم والكواكب وغيرها من الأجرام السماوية. ويُعرف التلوث الضوئي، كما وصفه الكاتب «جيواجي» في ورقته حول السياحة الفلكية عام 2016، بأنه ضوء صناعي مفرط ومضلل يُنتج في المناطق الحضرية، مما يصعب على سكان المدن الاستمتاع بروعة سماء الليل.

وبالأخذ بالاعتبار التأثير الذي يحدثه التلوث الضوئي بشكل كبير على رصد السماء، من خلال تقليل قدرة التلسكوبات والمراصد على التقاط الضوء الخافت من الأجرام السماوية البعيدة، فإنه أيضًا يعيق رصد النجوم والمجرات ورؤيتها بالعين المجردة، خاصة في المناطق ذات الامتداد العمراني والازدحام في المباني، مما يصاحب ذلك وجود كميات هائلة من الأضواء. وللتلوث الضوئي أبعاد مختلفة، فهو لا يُقلل فقط من قدرة الرصد الفلكي، بل يُعيق دراسة الأجرام السماوية ورصدها، وبالتالي يؤدي ذلك إلى فقدان الاتصال البصري مع الكون، ويؤثر على جودة الصور الفلكية، ويُعقّد من عمليات التحليل العلمي للبيانات. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن سطوع السماء ليلًا يزداد بنسبة تقارب 10% سنويًا، مما يؤدي إلى اختفاء النجوم من السماء المرئية، ويُصعّب من دراسة الكون وفهمه..

كما أن للتلوث الضوئي بُعدًا صحيًا ونفسيًا على سكان المناطق الحضرية، فالإضاءة الزائدة تؤثر على أنماط نوم الإنسان وتُخلّ بالتوازن في النظم البيئية. ومن أجل ذلك، نشأت في العقد الأخير من القرن الماضي ما يُعرف بالسياحة الفلكية، بالتزامن مع تزايد الاهتمام بمراقبة السماء الليلية، حيث أصبح المجتمع الأكاديمي وعلماء الفلك المتخصصون والمدافعون عن البيئة وأنصار «محميات أضواء النجوم» أكثر مشاركة وتفاعلًا مع هذه المبادرات. و«المحميات» باختصار، هي أماكن ذات تلوث ضوئي منخفض، يمكن لهواة الفلك والمهتمين ممارسة مراقبة النجوم والرصد والتصوير الفلكي فيها بعيدًا عن إضاءة المدن. كانت هذه المبادرات تحاول معالجة مشكلة التلوث الضوئي المتزايدة، حيث بدأ التمدد الحضري والإضاءة الاصطناعية في التعدي على المناطق التي كانت ذات يوم ذات سماء مظلمة. ومع انخفاض عدد أماكن مراقبة النجوم، اتُّخذت الخطوات الأولى لحماية البيئة الليلية من خلال إنشاء مواقع مراقبة معتمدة ومحميات فلكية. لم نبدأ في إدراك حجم هذه الخسارة -خفوت سماء الليل المرصعة بالنجوم- ومعها الحاجة المُلحّة لمكافحة التلوث الضوئي، إلا في السنوات الأخيرة.

وفي سلطنة عُمان، تُعد محمية أضواء النجوم بالحجر الغربي مثالًا جيدًا وبادرة يُحتذى بها لخلق بيئات مناسبة يمكن من خلالها الاستمتاع بالسماء المظلمة. ولكن يبقى تعميم مثل هذه المبادرات مطلبًا مهمًا، من خلال توزيعها على مناطق مختلفة من محافظات السلطنة، كون مثل هذه المبادرات قد تخلق معها فُرصًا اقتصادية أوسع، من خلال الاستفادة منها علميًا واقتصاديًا، مما يُعطيها قبولًا أوسع لدى شرائح كبيرة من المجتمع، حينما يُدرك الفرد أن هناك فرصًا للتشغيل وموردًا ماليًا يعود عليه بالنفع، في حال استغلال مثل هذه المناطق كمرافق سياحية، في خضم النمو المتسارع لما يُعرف بالسياحة الفلكية، والتي يزداد عدد الأفراد الذين يُفضلون هذا النوع من السياحة بمعدل عالٍ كل عام.

إن التنوع الجغرافي لسلطنة عُمان يخلق معه فرصًا كبيرة لرصد الأحداث الفلكية التي تمر كل عام، والتي تكون في أحيان كثيرة غير مشاهدة لسنوات عدة، لذا فمن الضروري أن تكون هذه المحميات منتشرة بشكل أوسع في أرجاء السلطنة، وهذا الجهد تقوم به هيئة حماية البيئة بشكل كبير بالتعاون مع الجمعية العمانية للفلك والفضاء، ولكن الأمر يحتاج إلى دعم مادي أكبر لنجاح هذه التجارب وتقديمها بشكل مثالي على المستويين الإقليمي والعالمي.

مما سيسمح لنا بإنشاء مراصد عالمية ومواقع لمحميات أضواء النجوم تساهم في خلق فرص عمل للبيئات البدوية والجبلية وحتى في المناطق الساحلية والتي ما زالت تتمتع بقدر كبير من البعد عن التلوث الضوئي.

إن التحدي الأكبر للحد من التلوث الضوئي هو استخدام الإضاءة الزائدة في الشوارع والمساكن، وعدم الاعتراف بالتلوث الضوئي كخطر حقيقي يهدد البيئة وبالتالي النقص في التشريعات التي تحد من هذا النوع من التلوث.

إن الاهتمام بالتقليل من التلوث الضوئي ووجود محميات لأضواء النجوم واستخدام إضاءة صديقة للبيئة وغير مؤثرة على التنوع البيولوجي والتقليل من استخدام الإضاءة في الأوقات غير الضرورية مع وجود توعية لدى الجماهير بأهمية التقليل من التلوث الضوئي وإيصال المخاطر الكبيرة التي يمثله على بعض الكائنات (السلاحف أوضح مثال في راس الجنز) سيسهم بشكل فعّال في زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع والتقليل من هذا الخطر على المدى البعيد.

التلوث الضوئي يمثل تحديًا حقيقيًا لعشاق الفلك والعلماء على حد سواء. ومع تزايد الوعي بأهمية السماء المظلمة، يمكن للجهات المعنية كهيئة البيئة والجمعية العمانية للفلك والفضاء ووزارة التراث والسياحة وغيرها من الهيئات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية القيام بالمزيد من الخطوات للحد من التلوث الضوئي واستعادة جمال السماء الليلية لصالح الأجيال القادم.

د. إسحاق بن يحيى الشعيلي رئيس مجلس إدارة الجمعية الفلكية العمانية

مقالات مشابهة

  • «الشارقة للتراث» ينظم «لقاء مع الأجيال»
  • بسمة جميل: تحرير سيناء سيظل نموذجا يرسخ في نفوس الأجيال الواجب المقدس
  • «نيويورك نيكس» و«فيلادلفيا سيكسرز» يلتقيان في أبوظبي 2 أكتوبر
  • برنامج ثقافيّ متكامل لـ«أبوظبي للغة العربية» في «أفينيون» المسرحي الدولي»
  • السيسي يجدد رفض مصر لتهجير الفلسطينيين
  • بعد حصولها على جائزة EMIGALA.. بسمة بوسيل: تركت الموسيقى من أجل عائلتي
  • برلماني: ذكرى تحرير سيناء ستظل روحًا يستلهم منها الأجيال أسمى معاني التضحية
  • عنقاء الحداثة
  • وفاة الإعلامي صبحي عطري بعد مسيرة لامست قلوب النجوم
  • حين تُطفأ النجوم: التلوث الضوئي بين تهديد علم الفلك وتشويه إيقاع الحياة