في حي هادئ بحدائق القبة، حيث الأصوات تتراجع أمام قدسية يوم الجمعة، شهد مسجد الشيخ غراب حادثة ستبقى محفورة في ذاكرة كل من حضر، محمود عبدالمعطي، المدرس الخمسيني، دخل المسجد كعادته، لأداء صلاة الجمعة، تلك اللحظة الروحانية التي اعتادها كل أسبوع، لكن هذه المرة كانت مختلفة، كانت آخر مرة يرفع فيها يديه بالدعاء، وآخر ركوع له، وآخر سجود.

العشاء الأخير: بين الأصدقاء والهموم

قبل ساعات قليلة من الوفاة، كان محمود يجلس مع صديقه المقرب أحمد حلمي، على طاولة عشاء يبدو عليها الدفء، ولكن الكلمات التي انطلقت من قلب محمود كانت تحمل ثقلًا كبيرًا. "كان يبدو بصحة جيدة، لم يشكُ يومًا من مرض"، يقول أحمد وهو يتذكر كيف كان محمود يضحك ويتحدث عن مشاكله المعتادة. لكنه، في تلك الليلة، كان أكثر حزنًا من المعتاد، وكأن قلبه كان يستعد لفراق قريب.

ومحمود تحدث عن همومه، تلك التي لم يكن يقدر أحد على رؤيتها بوضوح، تحدث عن طليقته التي لم تتركه في سلام حتى بعد انفصالهما، وعن الضغوط المالية الهائلة التي فرضتها عليه بإدخال بناته مدارس خاصة، وكان ابنهم الأكبر قد تسبب في حبسه بعد خلافات قانونية متعددة. كان محمود يشعر وكأن الحياة لم تترك له مخرجًا، لكنه ظل صامتًا، مقاتلًا في معركته الخاصة، يحمل همومًا لم يشعر بها أحد غيره.

اللحظة الفاصلة: السقوط بين المصلين

وفي صباح الجمعة، استعد محمود للصلاة كعادته، لبس ملابسه البسيطة وتوجه إلى المسجد. جلس بين المصلين، ينتظر خطبة الجمعة، صوت الإمام يتردد في الأرجاء، ولكن فجأة، وسط هذا الهدوء والسكينة، سقط محمود مغشيًا عليه، لم يكن أحد يتوقع أن هذا السقوط سيكون الأخير.

وحاول المصلون من حوله إنعاشه، كانوا يظنون أن ما أصابه مجرد إغماء بسيط، لكن سرعان ما أدركوا أن الحياة قد غادرت جسده، كانت هذه آخر لحظاته، وآخر أنفاسه في بيت الله، حيث وجد الراحة التي ما دام بحث عنها.

حسن الخاتمة: رحيل في أحضان السكينة

وموت محمود في تلك اللحظة، وسط المصلين وأثناء خطبة الجمعة، لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان شهادة لحسن خاتمته. فقد فارق الحياة في مكان مقدس، أثناء شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، وكأن الله أراد أن يخفف عنه أعباء الدنيا ويأخذه إلى رحاب رحمته وهو في حالة طمأنينة.

إمام المسجد، بعد تأكد وفاة محمود، وقف ليقول دعاءً امتد لعشرين دقيقة، دعاء يحمل في طياته الرجاء بأن يغفر الله للراحل ويجعله من أهل الجنة. المصلون، كلهم، رفعوا أيديهم يدعون بالرحمة لرجل عرفوه بصمته وكفاحه، لكنه غادرهم بسلام لم يشعر به من قبل.

صدمة العائلة والأصدقاء.. النهاية غير المتوقعة

وعندما وصل خبر وفاة محمود إلى عائلته، كانت الصدمة كبيرة، لم يكن أحد يتوقع أن الرجل الذي عاش بينهم يحمل هذا الحزن الثقيل، ورغم ذلك، كانت وفاته شهادة لحسن سيرته وأخلاقه. أهله وأصدقاؤه لم يستوعبوا رحيله المفاجئ، لكنهم، في تلك اللحظة، شعروا أن الله اختار له الرحمة والسلام في أفضل الأوقات وأقدس الأماكن.

قصة الكفاح والصبر.. رسالة الوداع

محمود عبدالمعطي لم يكن مجرد مدرس عاش حياة عادية، بل كان رجلًا حمل همومًا لا يعرفها سوى القليلون، رجلًا عاش في معركة مع الحياة، ومع ذلك، اختار أن يواجه كل شيء بصمت، لم يكن يتحدث عن معاناته إلا عندما شعر بثقلها لا يُحتمل، ومع ذلك، رحل برضا وطمأنينة، وكأنما وجد في المسجد وفي صلاة الجمعة تلك اللحظة التي كان ينتظرها، لحظة الرحيل بسلام.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: حدائق القبة وفاة مفاجئة مشاكل الأبناء دعاء الإمام وفاة أثناء الصلاة الكفاح والصبر حسن الخاتمة تلک اللحظة لم یکن

إقرأ أيضاً:

الآثار والمتاحف تعلن فتح أبوابها أمام البعثات الأثرية التي كانت تعمل في سوريا

دمشق-سانا

أعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف ترحيبها وفتح أبوابها أمام البعثات الأثرية التي كانت تعمل في سوريا بعد انتصار الثورة السورية العظيمة، وسقوط النظام البائد.

ودعت المديرية في بيان نشرته في صفحتها على فيسبوك كل من يستطيع إلى مد يد العون، وإعادة تفعيل العمل الأثري في المواقع الأثرية، بما يساهم في صون وحفظ التراث الذي هو ملك للبشرية جمعاء لتتوارثه الأجيال القادمة.

ولفتت المديرية إلى أنها تنتهز الفرصة لتؤكد أهمية تضافر جميع الجهود في سبيل حماية وحفظ التراث السوري، الذي يمثل الهوية الجامعة لكل السوريين بمختلف أطيافهم.

وقالت المديرية في بيانها: “إنها مرحلة مهمة وحساسة لاستعادة التراث الثقافي السوري، وهذا يتطلب من كل السوريين وكذلك المجتمع المحلي والدولي اجتماعهم على هدف واحد يتمثل في حماية هذا التراث، ووضع رؤية مستقبلية بمشاركة الجميع لإعادة الألق والتعافي للتراث السوري”.

ميس العاني

مقالات مشابهة

  • إمساكية شهر رمضان 2025.. متى يبدأ الشهر الكريم وعيد الفطر؟
  • خلال ندوة بالمعرض.. كيف كانت الحياة اليومية في عصر الرعامسة؟
  • في كافة مساجد لبنان... صلاة الاستسقاء بعد صلاة هذه الجمعة
  • الآثار والمتاحف تعلن فتح أبوابها أمام البعثات الأثرية التي كانت تعمل في سوريا
  • مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30 يناير 2025 بجميع المحافظات
  • رويترز: طائرة بلاك هوك العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت في رحلة تدريبية
  • مفاجأة بشأن مفاوضات الأهلي مع بنتايج وطلبه الرحيل عن الزمالك.. عاجل
  • مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30 يناير 2025 في المدن والعواصم العربية
  • نيمار يكشف عن «الحلم الأخير» بعد الرحيل من الهلال!
  • بالقاهرة والمحافظات.. مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-1-2025