سكان في جنوب لبنان باقون رغم القصف: لن نغادر!
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
يجد سكان بلدة رميش الحدودية في جنوب لبنان أنفسهم محاصرين بين نيران القصف المتبادل بين حزب الله وإسرائيل، لكنهم يرفضون ترك بيوتهم والاستسلام لحرب "فُرضت عليهم"، كما يقولون.
بعد عام من بدء الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل، تحوّلت المواجهات عبر الحدود اللبنانية اعتبارا من 23 أيلول، إلى حرب مفتوحة ازداد وقعها على سكان رميش المسيحية التي تبعد نحو كيلومترين عن الحدود مع إسرائيل.
يتحدث جوزيف جرجور، 68 عاما، في اتصال مع وكالة فرانس برس خلال فسحة قصيرة توافرت فيها شبكة الإنترنت الضعيفة في القرية، تفاصيل حياتهم الحالية، ويقول: "نحن مسالمون، ليس لدينا سلاح، ولا نحبّ الحرب منذ الأمس وحتى الآن. نريد البقاء في بيوتنا ولا نريد أن نكون طرفا".
ولا تتوقف أصوات القصف في القرية الحدودية التي تفترش هضابها بيوت بأسطح حمراء تصدّعت من عصف الانفجارات المتكررة.
مع ذلك، يقول الرجل الذي يعيش مع زوجته في القرية: "نحن صامدون في قريتنا حتى النفس الأخير، لن نتخلى عنها أو عن بيوتنا، سنبقى فيها مهما حصل".. فكيف يواجه جرجور وجيرانه في رميش والقليعة الحدوديتين "حصار القصف"؟
شلل تام في مختلف القطاعات في القرية المعروفة بزراعة التبغ وحقول الزيتون، يقول جرجور: "نحن محاصرون الطرق ليست ميسرة، ومن الصعب التوجه نحو بيروت"، مضيفا: "إذا قصفت إسرائيل يعبر القصف فوق رؤوسنا، وإذا ردّ عليها الحزب يمرّ فوق رؤوسنا".
بسبب صعوبة التنقل، يبرز شحّ في بعض السلع لدى سكان رميش البالغ عددهم حاليا نحو 6 آلاف شخص يشكّلون نسبة 90% من عدد السكان الإجمالي، وفق رئيس البلدية ميلاد العلم، فيما تستضيف البلدة أيضا مئات النازحين من قريتي عين إبل ودبل المجاورتين.
ويقول العلم إن "الحياة متوقفة منذ تشرين الأول 2023"، ويضيف: "كل المهن الحرة والأعمال والقطاع الزراعي، توقفت، ومن كان لديه مدخرات، صرفها خلال الأشهر الماضية".
خلال الحروب العديدة التي مرّت على جنوب لبنان وصولا إلى حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل، لم تفرغ القرية يوما من السكان.
ويقول العلم إن حرب 2006 "استمرّت 33 يوما أما الآن فهي متواصلة منذ عام، ولا نعرف الأفق، هذا الأمر لا يشجع السكان على النزوح لأنهم إن غادروا فعلا، لا يعرفون متى يمكن أن يعودوا".
وبقيت القرى ذات الغالبية المسيحية في جنوب لبنان، بمنأى إلى حدّ بعيد عن القصف الإسرائيلي منذ بدء المواجهات بين إسرائيل وحزب الله الذي فتح "جبهة إسناد" لقطاع غزة من لبنان في الثامن من تشرين الأول 2023، أما القرى الشيعية المحيطة، فقد لحقها دمار هائل بسبب القصف الإسرائيلي وفرغت من سكانها.
مثل رميش، لا يزال ثلثا سكان قرية القليعة التي تبعد نحو 4 كيلومترات عن الحدود متواجدين فيها أيضا.
يقول كاهن الرعية بيار الراعي إن السكان قرّروا البقاء على الرغم من ورود اسم القرية في إنذارات الإخلاء الإسرائيلية الأخيرة، ويضيف: "لن نخلي، نحن أشخاص مؤمنون ومتمسكون بأرضنا".
توجد في القرية حاليا نحو 550 عائلة، من أصل 900، وفق الكاهن، رغم صعوبة توافر بعض الأدوية وشحّ الوقود وأحيانا صعوبة التحرك وإغلاق المستشفى الأقرب في بلدة مرجعيون المجاورة.
ويتابع: "لا أعمال عسكرية في بلدتنا. جهدنا حتى لا تكون هناك أي أعمال عسكرية هنا، ولا توجد منشآت عسكرية".
في القرية التي يتوسطها تمثال للقديس جرجس، الحركة خفيفة صباحا وأصوات القصف والقصف المضاد تسمع بوضوح، لكن السكان يحاولون تخفيف عبء الحرب عن بعضهم البعض، لا سيما عبر الأنشطة الكنسية، كما تقول بولين متى التي تبلغ 40 عاما.
في حديث لها، تقول متى: "أقمنا مخيما صيفيا للأطفال لأسبوعين، القصف كان فوقنا والمسيّرة تحلّق، لم نكن لنتمكّن من الاستمرار هذا العام لولا تلك الأنشطة، نذهب إلى الكنيسة وننسى أن هناك حربا".
إلا أن الخوف لا ينتهي تماما، وتروي السيدة متى أنها أجهشت بالبكاء حين علمت أن قريتها باتت من القرى المهدّدة بالإخلاء.
وتقول الأم لأربعة أولاد، أكبرهم يبلغ من العمر 18 عاما وأصغرهم فتاة في الرابعة: "لم أعد أحتمل أصوات جدار الصوت أو القصف، أصرخ حين أسمعها".
لكن فكرة النزوح بعيدا تثير قلقها، لا سيما أن راتب زوجها الجندي في الجيش اللبناني، ليس كبيرا. كذلك، تشدّد المرأة على أن الحرب "فرضت علينا، لا علاقة لنا بها"، وأردفت: "أصرينا على البقاء. لماذا نرحل؟ أنا مصرة على البقاء على الرغم من أنني أم لأربعة أولاد. لا أريد أن أتشرّد على الطريق". (بلينكس - blinx)
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: جنوب لبنان فی القریة
إقرأ أيضاً:
مخاوف بين أهالي جنوب لبنان من تحول السكن المؤقت إلى دائم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في ظل أزمة السكن المتفاقمة في مناطق مارون الراس ويارون وأطراف بنت جبيل جنوب لبنان، أطلقت جمعية "وتعاونوا" مبادرة إنسانية لتوزيع منازل جاهزة "كرفانات" على العائلات التي فقدت منازلها بسبب التصعيد الأمني الأخير.
وحسبما ذكرت وسائل إعلام لبنانية تضمنت المبادرة التي تم تنفيذها خلال الأشهر الماضية تركيب عشرات الوحدات المتنقلة المجهزة بأساسيات المعيشة، من غرف نوم ومرافق صحية ومطابخ صغيرة.
ورغم الترحيب الذي أبدته بعض العائلات المستفيدة، والتي رأت في هذه الوحدات مأوى مرحليًا يحميها من التشرد، إلا أن الخطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط اللبنانية، خصوصًا بين نشطاء المجتمع المدني وخبراء إعادة الإعمار، الذين أبدوا تحفظات عدة حول المبادرة وتوقيتها وأهدافها.
وبحسب وسائل الإعلام، فقد قوبلت المبادرة بامتنان فوري من العائلات العائدة التي وجدت نفسها بلا مأوى، إلا أنها أثارت في الوقت نفسه موجة من الانتقادات من قبل نشطاء وخبراء في مجال إعادة الإعمار.
يرى المدافعون عن المشروع أن الكرفانات تشكّل "حلًا إسعافيًا" لا بد منه في المرحلة الحالية، خاصة مع غياب البدائل الرسمية وتأخر انطلاق خطط إعادة البناء. في المقابل، حذّر معارضون من أن هذه الخطوة قد تتحول إلى واقع دائم، وتُستخدم كبديل طويل الأمد بدلًا من الحلول الجذرية، في ظل عجز الدولة عن تنفيذ برامج الإعمار.
بعض المنتقدين ذهب أبعد من ذلك، معتبرين أن المبادرة تحمل صبغة سياسية، وأنها تُوظّف كأداة لامتصاص النقمة الشعبية المتزايدة نتيجة تأخر التعويضات، ولإظهار الجهة السياسية الداعمة للجمعية بمظهر "الراعي الحريص"، في وقت تغيب فيه الدولة عن المشهد.
الجدل تصاعد مؤخرًا بعد تعرض عدد من هذه الكرفانات، المُقامة في مناطق قريبة من الحدود، لأضرار نتيجة حوادث أمنية متفرقة. الحوادث طرحت تساؤلات حول مدى ملاءمة هذه الوحدات للبيئة الأمنية القلقة والمناخ القاسي، فضلًا عن عدم وضوح ما إذا كانت الجمعية ستتحمل لاحقًا مسؤولية صيانتها أو تطويرها.
السكان بدورهم يطرحون أسئلة مشروعة: متى تتحول وعود إعادة الإعمار إلى خطط واضحة بجداول زمنية محددة؟ وهل بات مصيرهم مرهونًا بمساعدات مؤقتة بدلًا من حلول مستدامة تحفظ كرامتهم وحقوقهم؟
بحسب تقارير إعلامية محلية، لا يمكن إنكار البعد الإنساني الفوري الذي تمثله هذه المنازل الجاهزة، لكنها أيضًا تذكير مؤلم بأن ملف إعادة الإعمار لا يزال عالقًا في نقطة البداية، فغياب استراتيجية وطنية شاملة، وعدم تنسيق الجهود بين الدولة والمجتمع المدني والجهات المانحة، يبقي الأزمة مفتوحة على المجهول.
المراقبون يحذّرون من أن أي حل طويل الأمد يجب أن يكون مبنيًا على إطار مالي وإداري شفاف، يحدد الأولويات، ويضمن الحقوق، ويمنع تحويل الإغاثة الإنسانية إلى أداة سياسية أو واقع بديل عن التنمية الحقيقية.