يقال لك: هذا استثناء من القاعدة، فما هي القاعدة إذن؟ ففلان من الناس معروف عنه الطيبة والخلق الرفيع، واحترام الصغير والكبير، كريم، يقدّم مصلحة الآخرين على مصلحته الشخصية، بمثل هذه الصورة تترسخ في ذاكرة الناس عن فلان هذا، وهي بلا شك، صورة نمطية، فما الذي يحدث لكي تهتز هذه الصورة «القاعدة» ويتناسى كل هؤلاء الناس سيرته الحافلة باتساع رقعة المودة؟ إنه مجرد خطأ بسيط، أو انتصار لذات امتحنت بظرف قاسٍ في لحظة ضعف، عندها، هؤلاء الناس أنفسهم لن يعذروا هذا الإنسان لضعفه، أو محاولته إعطاء نفسه شيئًا من الحقوق الذاتية، بل يتجاوز الأمر، إلى التفكير عنه ليس دفاعًا عنه إنما لتكريس الإساءة إليه، ولا يستبعد في بعض التهم الموجهة إليه أن يخرج من ملة الجماعة التي ينتمي إليها، وهكذا تستمرئ الجماعة من الناس التي تحيط به في الإمعان في الإساءة إلى شخصه، وإلى قيمه، وإلى دينه، وإلى خلقه، وبالتالي، ووفق هذا المثال، فالقاعدة هي التي يصورها الناس عن فلان فيما تذهب أفعاله إلى ما يحقق مصالحهم الذاتية، وبالتالي: فإن خرج عن هذه الصورة «القاعدة» ووقع في استثناء غير مقصود، أو مقصود لذاته في لحظة حرجة، يفتقد فيها التوازن بحكم ضعف النفس البشرية، فإن عليه أن يتحمل استثناءه هذا، والآخرون من حوله ليسوا على استعداد لمعاضدته في شدته.
يظل الاستثناء مرهونًا باستثنائيته، ولا يمكن أن تقاس عليه الأحكام العامة، فالاستثنائية مرهونة بظرفيتها الزمنية والمكانية، والقواعد التي يرسمها الناس، أو يجزمون بحتميتها سواء عن الأفراد أو عن المجموعات، أو عن الأنظمة، أو عن الدول، هي مجرد صور نمطية، والصور النمطية مهما بلغ صدق حقيقتها تظل قابلة للتهشم، لأن الإنسان مهما بلغ من خبرة في تجربة الحياة، ومهما وصل من زهد ومن يقين لما يدور حوله، ومهما بلغ به الحرص على معانقة الحياد التام، ولا أقول الحياد المطلق، فليس هناك حياد مطلق، بمعنى أن كل ذلك لا بد وأن يقع في مأزق الاستثناء، ولا توجد حالة أو صورة مكتملة الإركان في سلوكيات البشر، ويقدر هؤلاء البشر عن ديمومتها دون تهشم، أو انكسار، فهذا من باب المستحيل، ولذلك قيل في الأثر: «ارحموا عزيز قوم ذل» فالعزة التي لازمت فلانًا من الناس لفترة زمنية، وهي المتمثلة في: منصب، جاه اجتماعي، غنى، تضحيات، تعاون غير منقطع، فلا بد في يوم من الأيام أن تتضعضع الحالة، وترتبك نمطيتها، والأسباب كثيرة، فهذا إنسان، وبالتالي لا يسمح إطلاقا للألسنة أن تسن سكاكينها للتجريح والإساءة، وإنما تقدر الحالة الاستثنائية، وينظر إليه بكثير من التقدير والاحترام، مع ضرورة الشعور الذاتي أن كلا منا معرض أن يقع في الظرف الاستثنائي ذاته، سواء في التزامه مع نفسه، أو التزامه مع من حوله.
ولست خبيرا في القانون، ولكنني أتصور أن لحالات الاستثناء شيئًا من التقدير، حيث لا يؤخذ الجاني بجريرته المباشرة بصورة مطلقة دون الرجوع إلى سيرته، التي قد تشفع له بشيء من تخفيف الحكم، بخلاف غيره من أصحاب السوابق، أليس كذلك؟ والذي أميل إليه أيضا، أن الحالة الاستثنائية التي نقع فيها جميعنا هي حالة من عدم الاتزان، وذلك وفق قاعدة «المرء في المحنة عي» أي ضعيف، أو عاجز كما جاء في المعجم ولأن الأمر كذلك، فيبقى من باب الخلق الرفيع أن يقدر ظرف من وقع في استثناء معين، خرج به عن القاعدة المعروفة عنه، فلعل في ذلك إنقاذًا من محنته تلك.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مدير إدارة سجلات العاملين بوزارة التنمية الإدارية.. بناء القاعدة الوطنية الموحدة لسجلات العاملين بالدولة محطة رئيسية لتطوير الحوكمة الإدارية
دمشق-سانا
أوضح مدير إدارة سجلات العاملين بوزارة التنمية الإدارية جمال الشيخ أن بناء القاعدة الوطنية الموحدة لسجلات العاملين في الدولة، جاء استجابةً للتحديات الناجمة عن غياب قاعدة بيانات دقيقة وموحدة للعاملين، وعدم وجود ربط بين السجلات الوزارية.
وأكد الشيخ، في تصريح لمراسلة سانا، أن هذا المشروع يعد محطة رئيسية في مسار تطوير الحوكمة الإدارية، وتعزيز كفاءة إدارة الموارد البشرية، ما ينعكس إيجاباً على تحسين الأداء المؤسسي، والارتقاء بجودة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين.
وأشار الشيخ إلى أنه سيتم تحديث قاعدة البيانات بشكل دوري، لضمان مواكبتها لمتطلبات العمل الحكومي، وحفظ حقوق العاملين، بما يعزز الشفافية، ويضمن اتخاذ القرارات الإدارية، بناء على معلومات دقيقة وموثوقة.
ولفت الشيخ إلى أن الوزارة اعتمدت نهجاً متكاملاً لتنفيذ المشروع يحرص على موثوقية البيانات، وشملت المراحل الأولى حصر أسماء الموظفين، واستكمال بيانات نحو 850 ألف موظف عبر منصات إلكترونية متخصصة، بالإضافة إلى إجراء مقابلات شخصية لأكثر من 300 ألف موظف من خلال لجان متخصصة وبالتنسيق مع الجهات المعنية، للتحقق من صحة المعلومات.
وبين الشيخ أن الهدف من إنشاء قاعدة بيانات وطنية موحدة وشاملة لجميع العاملين في الدولة، تحقيق دقة المعلومات، وتسهيل الوصول إليها، ما يسهم في رفع كفاءة الإدارة الحكومية.
وأعلنت وزارة التنمية الإدارية أمس إنجاز بناء القاعدة الوطنية الموحدة لسجلات العاملين في الدولة، في خطوة تُعد نقلة نوعية على طريق تعزيز الإدارة العام.
تابعوا أخبار سانا على