في ظل التحولات الاقتصادية العالمية التي تعتمد بشكل متزايد على الإبداع والابتكار، يلعب الاقتصاد الإبداعي دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المستدامة، وتُولي سلطنة عمان برؤيتها الطموحة "عمان 2040" اهتمامًا كبيرًا لتطوير هذا القطاع، الذي يشمل الصناعات الثقافية والإبداعية، حيث يعد وضع حجر الأساس لمجمع عُمان الثقافي بتاريخ ٢١ يناير ٢٠٢٤م إحدى الوجهات الرئيسة التي يمكن من خلالها دعم هذا الاقتصاد وتعزيز تنفيذ الإستراتيجية الثقافية لسلطنة عمان.

ولتحقيق ذلك ثمة ضرورة لتبني نماذج قيادية فاعلة ومتجددة تتوافق مع سياق إنشاء المجمع محليًا وعالميًا. ومن منطلق البحث العلمي لدينا لبيان أثر رأس المال البشري ومؤشرات البيئة والاستدامة لتعزيز الاقتصاد الإبداعي في سلطنة عمان نشارككم هذا المقال حتى نستعرض نماذج القيادة التي يجب توفرها في مجمع عمان الثقافي لتحقيق أهدافه الإستراتيجية مستقبلا.

1. القيادة الابتكارية (Innovative Leadership): مفتاح التميز الثقافي:

أحد العناصر الأساسية لنجاح الاقتصاد الإبداعي هو الابتكار، وتُعرّف القيادة الابتكارية بأنها القدرة على تحفيز الأفراد والمؤسسات على تبني أفكار جديدة وتطوير منتجات وخدمات مبتكرة. ووفقًا لدراسة Howkins (2013) حول الاقتصاد الإبداعي، فالابتكار هو المحرك الرئيس للإبداع، وهو ما يتطلب من القادة تبني منهجيات جديدة وإحداث التغيير، لذلك يتوجب على القيادة أن تشجع تبني التقنيات الرقمية الحديثة والممارسات الثقافية الجديدة التي تعزز من الهوية العمانية مع إضافة نكهة معاصرة تسهم في تعزيز دور عمان كونها وجهة ثقافية، وإبداعية، وإقليمية ودولية.

2. القيادة التحويلية (Transformational Leadership): إلهام الجيل الجديد:

حيث تعد من النماذج القيادية المؤثرة في تعزيز التحولات الاجتماعية والاقتصادية، كما تفيد دراسة Bass & Avolio (1994)، بأن هذا النموذج يركز على إلهام الموظفين والمتعاونين لتحقيق أهداف أعلى وإستراتيجية، من خلال تحفيزهم ورفع مستوى الطموح، والأخذ بهم نحو تحقيق الرؤى، وستلعب القيادة التحويلية في مجمع عمان الثقافي دورًا حاسمًا في إلهام الفنانين والمبدعين المحليين للمشاركة بمهنية عالية في تحقيق مستهدفات ومؤشرات البرامج المتوائمة مع "رؤية عمان 2040"، كما يشمل ذلك تحفيز الأفراد على تقديم إسهامات إبداعية تسهم في تنويع الاقتصاد الوطني لرفع الناتج المحلي للبلد.

3. القيادة التعاونية (Collaborative Leadership): بناء جسور التواصل:

باعتبارها ضرورية في أي بيئة تتطلب تعاونًا متعدد الجهات لتحقيق أهداف مشتركة، وتُظهر أبحاث Huxham & Vangen (2005) أن التعاون بين المؤسسات والشركاء المختلفين يمكن أن يسهم بشكل فاعل في تحقيق الأهداف المشتركة في الصناعات الإبداعية وأي مجالات أخرى في قطاع الثقافة، كما أن القيادة التعاونية تعزز الشراكة مع مؤسسات أخرى مثل الجامعات، والشركات الخاصة، والمؤسسات الحكومية الدولية، مما يسهم في تبادل المعرفة والموارد لتطوير مشروعات ثقافية ذات تأثير واسع وشامل ويلامس رغبات المهتمين بجودة عالية.

4. القيادة الرقمية (Digital Leadership): مواكبة العصر الرقمي:

مع تطور الاقتصاد الرقمي، أصبحت القيادة الرقمية أمرًا حتميًا في القطاعات الإبداعية. وفقًا لتقرير UNCTAD (2020) حول الاقتصاد الرقمي يعتبر التحول الرقمي عنصرا أساسيا في تعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية، حيث يُتيح للمنظمات الوصول إلى جمهور عالمي وتحقيق تفاعل أوسع، وتساهم القيادات في دفع إعادة هندسة الإجراءات بكل يسر وفق تفاعل قيادي محفز وملهم، كما أن الدور الذي ستقوم به القيادة الرقمية في مجمع عمان الثقافي من خلال تمكين استخدام التكنولوجيا لتقديم المحتوى الثقافي والإبداعي بطرق مبتكرة، وتطوير منصات رقمية للفنون والثقافة يعزز من تفاعل الجمهور ويجذب المزيد من الزوار الرقميين من مختلف أنحاء العالم.

5. القيادة المستدامة (Sustainable Leadership): ضمان المستقبل:

الاستدامة ليست فقط مفهومًا بيئيًا، بل تشمل أيضًا الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، وهنا تركز القيادة المستدامة على إدارة الموارد بفاعلية وتحقيق التوازن بين الأهداف الحالية والمستقبلية. وتشير دراسة Avery (2005)، إلى أن القيادة المستدامة تتطلب رؤية طويلة الأجل تأخذ بعين الاعتبار التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للأعمال بشكل عام، ولتوجهات مجمع عمان الثقافي بشكل خاص حيث يتعين عليها أن تضمن استمرارية المشروعات الثقافية من خلال إدارة فاعلة للموارد واستثمارات طويلة الأمد في البرامج الثقافية، والفنية، والعلمية.

6. القيادة التكيفية (Adaptive Leadership): المرونة في مواجهة التحديات:

يشهد العالم اليوم تغييرات سريعة في المجالات كافة وبالتحديد الثقافية والتكنولوجية، مما يجعل القيادة التكيفية أكثر أهمية من أي وقت مضى. حيث يقول Heifetz et al. (2009): إن القيادة التكيفية تعتمد على قدرة القادة على التعلم المستمر والتكيف مع الظروف المتغيرة والاستجابة للفرص والتحديات الجديدة، ومواكبة التغييرات بكل جدارة واقتدار، ولا ريب في أن توفرها في مجمع عمان الثقافي يمكنه من التفاعل بسرعة مع التغيرات في التوجهات الثقافية العالمية والمحلية، مما يضمن بقاء المؤسسة مرنة ومستعدة لمواكبة المستقبل والأحداث المتجددة في الوسط الثقافي.

كل هذه النماذج القيادية التي يتوجب توفرها ضمن معايير انتقاء القيادات الثقافية بشكل عام وبالتحديد في مجمع عمان الثقافي، تتوافق مع "رؤية عمان 2040" والإستراتيجية الثقافية المعنية بتنفيذها وزارة الثقافة والرياضة والشباب وذلك من خلال:

•تعزيز الاقتصاد الإبداعي: من خلال تبني القيادة الابتكارية والرقمية، يمكن لمجمع عمان الثقافي أن يسهم في تحقيق أهداف "رؤية عمان 2040" التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاع الثقافي.

•الاستدامة: القيادة المستدامة تدعم تحقيق الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية في المشروعات الثقافية والفنية، مما يعزز من تأثيرها طويل الأمد.

•تمكين الإنسان والمجتمع: القيادة التحويلية والتعاونية تسهم في تمكين المجتمع من خلال تشجيع المواهب المحلية ودعم المشاركة الفاعلة في الاقتصاد الإبداعي.

ختاما: هناك حاجة إلى نماذج قيادية متنوعة لدعم الاقتصاد الإبداعي وتمكين الإستراتيجية الثقافية الوطنية، ومجمع عمان الثقافي صرح مستقبلي يراد به تعزيز الهوية الثقافية، والفنية، والأدبية والإبداعية، عليه يتطلب وجود برنامج وطني لتأهيل قيادات ثقافية متنوعة تجمع بين القيادة الابتكارية، والتحويلية، والتعاونية، والرقمية، والمستدامة، والتكيفية، حيث إن هذه النماذج ستساعد على تحقيق "رؤية عمان 2040" وتعزيز الاقتصاد الثقافي بطريقة تضمن الاستدامة مما يعزز التأثير طويل الأمد، كما أن هذه القيادة ستحمل على عاتقها مساندة التوجه الكريم لصاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب بأن نباهي بمجمع عمان الثقافي بين دول العالم بجودة برامجه ومخرجاته وفق الأهداف المحددة له.

بعض الكفايات المطلوبة لكل نموذج:

• الابتكارية: توليد الأفكار، تشجيع الابتكار، إدارة المخاطر.

• التحويلية: الإلهام، تطوير رؤية مشتركة، التأثير الثقافي.

•التعاونية: بناء العلاقات، إدارة الشراكات، إدارة النزاعات.

• الرقمية: الفهم التكنولوجي، إدارة البيانات، التكيف الرقمي.

• المستدامة: التخطيط طويل الأمد، إدارة الموارد، التأثير الاجتماعي.

• التكيفية: المرونة، حل المشكلات المعقدة، التعلم المستمر.

ملاحظة: في كتابة هذا المقال تم الاستناد في إنجازه على بعض المصادر الأجنبية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القیادة الابتکاریة الاقتصاد الإبداعی القیادة المستدامة تعزیز الاقتصاد رؤیة عمان 2040 فی تحقیق من خلال

إقرأ أيضاً:

حجم التبادل التجاري عبر ميناء الدقم يرتفع إلى 1.9 مليار ريال

خلال الأيام الماضية، أعلنت مجموعة أسياد عن نجاح تنفيذ نقل شحنة توربين غاز يصل وزنها إلى أكثر من 200 طن قادمة من ميناء أنتويرب البلجيكي، وتم تسليم الشحنة لشركة تنمية نفط عمان عبر ميناء الدقم بمحافظة الوسطى، ويبرز هذا النجاح تطور قطاع اللوجستيات في سلطنة عمان ودور ميناء الدقم المتزايد في دعم الأنشطة اللوجستية وتعزيز نمو حركة التبادل التجاري بين سلطنة عمان والعالم، بفضل موقعه المتميز والتطور المتواصل في البنية الأساسية والمرافق والخدمات في الميناء وافتتاح مشروعات استراتيجية جديدة في منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة تسهم في زيادة حجم الصادرات ورفع عائداته وتنشيط حركة التبادل التجاري.

وتشير الإحصائيات إلى أن حركة التبادل التجاري عبر ميناء الدقم سجلت نموا ملموسا خلال العام الجاري وبلغ حجمها نحو 1.9 مليار ريال عماني خلال الفترة من يناير وحتى نهاية يوليو 2024، مقارنة مع 1.5 مليار ريال عماني خلال العام الماضي بأكمله.

وارتفع حجم التبادل التجاري عبر ميناء الدقم في ظل نمو كافة أنشطة الصادرات والواردات وإعادة التصدير، حيث تم تصدير ما قيمته 750 مليون ريال عماني من السلع عبر الميناء خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري مقارنة مع حجم صادرات 781 مليون ريال عماني خلال العام الماضي بأكمله، كما ارتفع حجم أنشطة إعادة التصدير من 38 مليون ريال عماني خلال العام الماضي إلى 138 مليون ريال عماني خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، واستقبل الميناء ما قيمته 986 مليون من السلع والمنتجات المستوردة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري مقارنة مع 778 مليون ريال عماني من الواردات خلال العام الماضي بأكمله، وذلك وفق الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.

وترصد هذه الإحصائيات المكانة المتزايدة لميناء الدقم البحري الذي يعد واحدا من المواني الاستراتيجية الثلاثة الكبرى في سلطنة عمان وهي صحار وصلالة والدقم والتي تعزز حضورها بشكل متزايد على خارطة التجارة العالمية وترسي مكانة أكبر لسلطنة عمان كمركز عالمي للتجارة والشحن والخدمات اللوجستية، حيث تستهدف سلطنة عمان زيادة حجم حركة نقل البضائع عبر المواني البحرية بنسبة 7 بالمائة سنويا وزيادة حركة الحاويات بما لا يقل عن 5 بالمائة ورفع مكانة سلطنة عمان في مؤشرات النقل واللوجستيات ومنها مؤشر الأداء اللوجستي لتصبح عمان ضمن أفضل 50 دولة في العالم، ومؤشر كفاءة خدمات المواني لتصبح ضمن أفضل 25 دولة.

ويعد ميناء الدقم بمحافظة الوسطى من أكبر المواني في منطقة الشرق الأوسط ويحتل موقعا شديد التميز على خطوط التجارة العالمية والإقليمية ويرتبط الميناء بشبكة واسعة مع خطوط الملاحة العالمية والأسواق الإفريقية والآسيوية، ويقع الميناء ضمن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والتي تستقطب استثمارات ضخمة ومتعددة في قطاعات متعددة منها الصناعات والبتروكيماويات، وقد جاء الافتتاح الرسمي لمصفاة الدقم بداية هذا العام وبدء تصدير منتجات المصفاة ليظهر قدرات الميناء في تصدير منتجات البتروكيماويات للأسواق العالمية، حيث يتمتع ميناء الدقم ببنية أساسية قوية ومتطورة بفضل ما ضخته الحكومة من استثمارات كبيرة لتطوير الميناء والمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ويتواصل التطوير مع افتتاح المرافق والخدمات الجديدة في الميناء والتي كان من أحدثها محطة خدمات الشحن والجمارك وميناء الصيد البحري وتوسعة شبكة الطرق الرئيسية، وقد شهد الميناء أيضا خلال العام الماضي بدء تشغيل رافعات الحاويات اس تي اس المتطورة التي تدعم قدراته في المناولة والتعامل مع أكبر سفن الحاويات في العالم، ويضم ميناء الدقم ثلاثة أرصفة متنوعة تلبي كافة متطلبات الشحن للسلع المختلفة، وهي الرصيف التجاري، والرصيف الحكومي، ورصيف المواد السائلة والسائبة (الرصيف النفطي)، ويعد الرصيف الحكومي أول رصيف متكامل يتم تنفيذه في المواني العمانية لخدمة الجهات الحكومية، ويتيح الرصيف النفطي للميناء تصدير المنتجات النفطية المكررة السائلة، أما الرصيف التجاري فيتم من خلاله تصدير واستيراد البضائع العامة.

ويذكر ان ميناء الدقم بدأ تشغيله قبل اكثر من عقد وتم افتتاحه رسميا في 2022, وتستهدف سلطنة عمان تحويل الميناء الى بوابة للتجارة العالمية وانشطة الشحن العابر واعادة التصدير. وبينما تعد منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة أحد محركات النمو الاقتصادي ودعم التنويع الاقتصادي القائم على روافد متجددة ومتنوعة، يستعد ميناء الدقم والمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم لنقلة كبيرة عبر صناعات الهيدروجين الاخضر الناشئة في سلطنة عمان التي تسعى للتوسع في هذه الصناعات والتحول الى أحد أهم مراكز الانتاج والتصدير للهيدروجين الاخضر في المنطقة والعالم. وخصصت سلطنة عُمان مساحة تزيد على 50 ألف كيلومتر مربع في محافظتي الوسطى وظفار لمشروعات الهيدروجين الأخضر، و15 ألف كيلومتر في المحافظات الأخرى لمشروعات الطاقة النظيفة، وتستهدف إنتاج أكثر من مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، واستغلال 30 بالمائة من الأراضي المخصصة بحلول عام 2050 لإنتاج ما يقارب من 8 ملايين طن من خلال استثمارات تقدر بنحو 140 مليار دولار أمريكي. وخلال العام الماضي، وقعت شركة هيدروجين عُمان "هايدروم” على 3 اتفاقيات لتطوير مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر في محافظة الوسطى، بحجم استثمارات يبلغ أكثر من 20 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي الإنتاج لهذه المشروعات الثلاثة نحو نصف مليون طن متري من الهيدروجين الأخضر بما يعادل انتاج 12 جيجاواط من سعة الطاقة المتجددة على مساحات إجمالية تصل إلى 320 كيلومترا مربعا لكل مشروع، مما يعزز مكانة الدقم كمركز عالمي لتجارة وانتاج الطاقة النظيفة المتجددة وان تساهم ايضا في توسع الصناعات الخضراء وضمان استدامة الطاقة اللازمة لمختلف الصناعات في سلطنة عمان.

مقالات مشابهة

  • لليوم الثاني على التوالي.. المركز الثقافي القبطي يواصل فعاليات مؤتمر "مجمع نيقية"
  • حجم التبادل التجاري عبر ميناء الدقم يرتفع إلى 1.9 مليار ريال
  • محافظات يمنية على موعد مع منخفض جوي في هذا الموعد
  • مدبولي من "مجمع حكومي الشغب": نعمل على تحقيق طفرة تنموية بمحافظات الصعيد
  • اليوم.. المركز الثقافي القبطي ينظم مؤتمرًا حول مجمع نيقية
  • تراجع القوى العاملة الوافدة في سلطنة عمان بواقع 10.1 ألف عامل خلال أغسطس
  • قائد عسكري أمريكي سابق يكشف تورط سلطنة عمان في نقل أسلحة إيرانية للحوثيين
  • الاحتفال بالنسخة الافتتاحية لـ"يوم الطاقة العماني الفرنسي"
  • سفير عمان: مصر تشهد طفرة كبيرة في إصلاحات البنية التحتية والاقتصادية