تعزيز الاقتصاد الإبداعي في سلطنة عُمان: متطلبات قيادية لمجمع عمان الثقافي
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
في ظل التحولات الاقتصادية العالمية التي تعتمد بشكل متزايد على الإبداع والابتكار، يلعب الاقتصاد الإبداعي دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المستدامة، وتُولي سلطنة عمان برؤيتها الطموحة "عمان 2040" اهتمامًا كبيرًا لتطوير هذا القطاع، الذي يشمل الصناعات الثقافية والإبداعية، حيث يعد وضع حجر الأساس لمجمع عُمان الثقافي بتاريخ ٢١ يناير ٢٠٢٤م إحدى الوجهات الرئيسة التي يمكن من خلالها دعم هذا الاقتصاد وتعزيز تنفيذ الإستراتيجية الثقافية لسلطنة عمان.
1. القيادة الابتكارية (Innovative Leadership): مفتاح التميز الثقافي:
أحد العناصر الأساسية لنجاح الاقتصاد الإبداعي هو الابتكار، وتُعرّف القيادة الابتكارية بأنها القدرة على تحفيز الأفراد والمؤسسات على تبني أفكار جديدة وتطوير منتجات وخدمات مبتكرة. ووفقًا لدراسة Howkins (2013) حول الاقتصاد الإبداعي، فالابتكار هو المحرك الرئيس للإبداع، وهو ما يتطلب من القادة تبني منهجيات جديدة وإحداث التغيير، لذلك يتوجب على القيادة أن تشجع تبني التقنيات الرقمية الحديثة والممارسات الثقافية الجديدة التي تعزز من الهوية العمانية مع إضافة نكهة معاصرة تسهم في تعزيز دور عمان كونها وجهة ثقافية، وإبداعية، وإقليمية ودولية.
2. القيادة التحويلية (Transformational Leadership): إلهام الجيل الجديد:
حيث تعد من النماذج القيادية المؤثرة في تعزيز التحولات الاجتماعية والاقتصادية، كما تفيد دراسة Bass & Avolio (1994)، بأن هذا النموذج يركز على إلهام الموظفين والمتعاونين لتحقيق أهداف أعلى وإستراتيجية، من خلال تحفيزهم ورفع مستوى الطموح، والأخذ بهم نحو تحقيق الرؤى، وستلعب القيادة التحويلية في مجمع عمان الثقافي دورًا حاسمًا في إلهام الفنانين والمبدعين المحليين للمشاركة بمهنية عالية في تحقيق مستهدفات ومؤشرات البرامج المتوائمة مع "رؤية عمان 2040"، كما يشمل ذلك تحفيز الأفراد على تقديم إسهامات إبداعية تسهم في تنويع الاقتصاد الوطني لرفع الناتج المحلي للبلد.
3. القيادة التعاونية (Collaborative Leadership): بناء جسور التواصل:
باعتبارها ضرورية في أي بيئة تتطلب تعاونًا متعدد الجهات لتحقيق أهداف مشتركة، وتُظهر أبحاث Huxham & Vangen (2005) أن التعاون بين المؤسسات والشركاء المختلفين يمكن أن يسهم بشكل فاعل في تحقيق الأهداف المشتركة في الصناعات الإبداعية وأي مجالات أخرى في قطاع الثقافة، كما أن القيادة التعاونية تعزز الشراكة مع مؤسسات أخرى مثل الجامعات، والشركات الخاصة، والمؤسسات الحكومية الدولية، مما يسهم في تبادل المعرفة والموارد لتطوير مشروعات ثقافية ذات تأثير واسع وشامل ويلامس رغبات المهتمين بجودة عالية.
4. القيادة الرقمية (Digital Leadership): مواكبة العصر الرقمي:
مع تطور الاقتصاد الرقمي، أصبحت القيادة الرقمية أمرًا حتميًا في القطاعات الإبداعية. وفقًا لتقرير UNCTAD (2020) حول الاقتصاد الرقمي يعتبر التحول الرقمي عنصرا أساسيا في تعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية، حيث يُتيح للمنظمات الوصول إلى جمهور عالمي وتحقيق تفاعل أوسع، وتساهم القيادات في دفع إعادة هندسة الإجراءات بكل يسر وفق تفاعل قيادي محفز وملهم، كما أن الدور الذي ستقوم به القيادة الرقمية في مجمع عمان الثقافي من خلال تمكين استخدام التكنولوجيا لتقديم المحتوى الثقافي والإبداعي بطرق مبتكرة، وتطوير منصات رقمية للفنون والثقافة يعزز من تفاعل الجمهور ويجذب المزيد من الزوار الرقميين من مختلف أنحاء العالم.
5. القيادة المستدامة (Sustainable Leadership): ضمان المستقبل:
الاستدامة ليست فقط مفهومًا بيئيًا، بل تشمل أيضًا الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، وهنا تركز القيادة المستدامة على إدارة الموارد بفاعلية وتحقيق التوازن بين الأهداف الحالية والمستقبلية. وتشير دراسة Avery (2005)، إلى أن القيادة المستدامة تتطلب رؤية طويلة الأجل تأخذ بعين الاعتبار التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للأعمال بشكل عام، ولتوجهات مجمع عمان الثقافي بشكل خاص حيث يتعين عليها أن تضمن استمرارية المشروعات الثقافية من خلال إدارة فاعلة للموارد واستثمارات طويلة الأمد في البرامج الثقافية، والفنية، والعلمية.
6. القيادة التكيفية (Adaptive Leadership): المرونة في مواجهة التحديات:
يشهد العالم اليوم تغييرات سريعة في المجالات كافة وبالتحديد الثقافية والتكنولوجية، مما يجعل القيادة التكيفية أكثر أهمية من أي وقت مضى. حيث يقول Heifetz et al. (2009): إن القيادة التكيفية تعتمد على قدرة القادة على التعلم المستمر والتكيف مع الظروف المتغيرة والاستجابة للفرص والتحديات الجديدة، ومواكبة التغييرات بكل جدارة واقتدار، ولا ريب في أن توفرها في مجمع عمان الثقافي يمكنه من التفاعل بسرعة مع التغيرات في التوجهات الثقافية العالمية والمحلية، مما يضمن بقاء المؤسسة مرنة ومستعدة لمواكبة المستقبل والأحداث المتجددة في الوسط الثقافي.
كل هذه النماذج القيادية التي يتوجب توفرها ضمن معايير انتقاء القيادات الثقافية بشكل عام وبالتحديد في مجمع عمان الثقافي، تتوافق مع "رؤية عمان 2040" والإستراتيجية الثقافية المعنية بتنفيذها وزارة الثقافة والرياضة والشباب وذلك من خلال:
•تعزيز الاقتصاد الإبداعي: من خلال تبني القيادة الابتكارية والرقمية، يمكن لمجمع عمان الثقافي أن يسهم في تحقيق أهداف "رؤية عمان 2040" التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاع الثقافي.
•الاستدامة: القيادة المستدامة تدعم تحقيق الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية في المشروعات الثقافية والفنية، مما يعزز من تأثيرها طويل الأمد.
•تمكين الإنسان والمجتمع: القيادة التحويلية والتعاونية تسهم في تمكين المجتمع من خلال تشجيع المواهب المحلية ودعم المشاركة الفاعلة في الاقتصاد الإبداعي.
ختاما: هناك حاجة إلى نماذج قيادية متنوعة لدعم الاقتصاد الإبداعي وتمكين الإستراتيجية الثقافية الوطنية، ومجمع عمان الثقافي صرح مستقبلي يراد به تعزيز الهوية الثقافية، والفنية، والأدبية والإبداعية، عليه يتطلب وجود برنامج وطني لتأهيل قيادات ثقافية متنوعة تجمع بين القيادة الابتكارية، والتحويلية، والتعاونية، والرقمية، والمستدامة، والتكيفية، حيث إن هذه النماذج ستساعد على تحقيق "رؤية عمان 2040" وتعزيز الاقتصاد الثقافي بطريقة تضمن الاستدامة مما يعزز التأثير طويل الأمد، كما أن هذه القيادة ستحمل على عاتقها مساندة التوجه الكريم لصاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب بأن نباهي بمجمع عمان الثقافي بين دول العالم بجودة برامجه ومخرجاته وفق الأهداف المحددة له.
بعض الكفايات المطلوبة لكل نموذج:
• الابتكارية: توليد الأفكار، تشجيع الابتكار، إدارة المخاطر.
• التحويلية: الإلهام، تطوير رؤية مشتركة، التأثير الثقافي.
•التعاونية: بناء العلاقات، إدارة الشراكات، إدارة النزاعات.
• الرقمية: الفهم التكنولوجي، إدارة البيانات، التكيف الرقمي.
• المستدامة: التخطيط طويل الأمد، إدارة الموارد، التأثير الاجتماعي.
• التكيفية: المرونة، حل المشكلات المعقدة، التعلم المستمر.
ملاحظة: في كتابة هذا المقال تم الاستناد في إنجازه على بعض المصادر الأجنبية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القیادة الابتکاریة الاقتصاد الإبداعی القیادة المستدامة تعزیز الاقتصاد رؤیة عمان 2040 فی تحقیق من خلال
إقرأ أيضاً:
تدشين أول مركز للمواهب الكروية في سلطنة عمان
دشن الاتحاد العماني لكرة القدم بالشراكة الاستراتيجية مع شركة جندال شديد للحديد والصلب، بتدشين أول مركز لتطوير المواهب الكروية في سلطنة عمان بولاية صحار (مركز جندال شديد والاتحاد العماني لكرة القدم لتطوير المواهب الكروية)، وذلك في إطار جهود الاتحاد العماني لكرة القدم المستمرة لتطوير كرة القدم العمانية ورعاية جيل جديد من اللاعبين الموهوبين. وجاء دعم جندال شديد لهذا المشروع ضمن مبادراتها للمسؤولية الاجتماعية، حيث تخطط الشركة لافتتاح ما مجموعه 10 مراكز للمواهب في مختلف أنحاء سلطنة عمان.
ويشكل هذا التدشين محطة بارزة في استراتيجية الاتحاد العماني لكرة القدم لإنشاء نظام متكامل لاكتشاف وتطوير المواهب الكروية، إذ يسعى الاتحاد بالشراكة مع جندال شديد إلى إنشاء شبكة من مراكز المواهب في مختلف محافظات السلطنة، مما يضمن بيئة تدريب حديثة تتيح للشباب فرصة النمو والتطور وفقًا للمعايير الاحترافية.
وتم تصميم مركز المواهب لإعداد اللاعبين الشباب للمنافسات المحلية والدولية، وتعزيز مهاراتهم الفنية والبدنية، والمساهمة في نجاح المنتخبات الوطنية مستقبلا، وتعد هذه المبادرة خطوة جوهرية ضمن رؤية الاتحاد العماني لكرة القدم لتطوير كرة القدم للشباب، والاستفادة من الموارد الرياضية المتاحة لبناء قاعدة قوية من اللاعبين القادرين على المنافسة في أعلى المستويات. وفي كلمته خلال حفل التدشين، أكد محمد بن سليمان بن محمد اليحمدي، الأمين العام للاتحاد العماني لكرة القدم على أهمية هذا المركز في مسيرة تطوير كرة القدم في عمان، حيث قال: نؤمن بأن الاستثمار في المواهب الشابة هو مفتاح النجاح المستدام لكرة القدم العمانية، ومن خلال هذه المراكز نسعى إلى توفير بيئة تدريبية حديثة تسهم في تكوين جيل قادر على المنافسة إقليميا ودوليا.
دعم القطاع الخاص
من جانبه، أعرب هارشـا شيتي، الرئيس التنفيذي لشركة جندال شديد للحديد والصلب عن فخره بدعم هذا المشروع قائلا: من الرائع تدشين مركز جندال شديد والاتحاد العماني لكرة القدم لتطوير المواهب الكروية في مدينة الفولاذ بصحار، ومركز التدريب في صحار هو الأول ضمن عشرة مراكز تتم رعايتها من قبل جندال شديد بالشراكة مع الاتحاد العماني لكرة القدم، وتعمل وفق الإرشادات الفنية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وهذه المبادرة ستعزز شغف المنطقة بكرة القدم وتضع أساسا قويا لتطوير المواهب الناشئة، وهذا المركز الحديث يعكس التزامنا بإحدى الركائز الأساسية لرؤية عمان 2040، ومن خلال هذه المرافق المتطورة والأساليب التدريبية الحديثة سنتمكن من اكتشاف ورعاية المواهب المحلية، مما يضمن لشبابنا كل الفرص للتألق وتمثيل عمان في الساحة العالمية، فالتغيير الحقيقي يبدأ من هنا، ونتخذ خطوة حاسمة نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
خطط مستقبلية
وتم تجهيز مركز المواهب في صحار بملاعب كرة قدم حديثة، وصالات تدريب متطورة، وبرامج تدريبية متخصصة يشرف عليها مدربون محليون ودوليون معتمدون. ويقدم المركز برامج مصممة خصيصًا لمختلف الفئات العمرية، مع التركيز على التطوير الفني، البدني، والنفسي للاعبين الناشئين. وبدأ المركز رسميا في استقبال اللاعبين الشباب منذ الأسبوع الماضي، حيث تم فتح باب التسجيل أمام المواهب الطموحة الراغبة في الانضمام إلى البرامج التدريبية والاستفادة من الفرص المتاحة.
وجاء تدشين مركز المواهب في صحار ضمن مبادرة أوسع أطلقها الاتحاد العماني لكرة القدم لإنشاء عدة مراكز للمواهب في مختلف مناطق السلطنة؛ بهدف بناء قاعدة قوية من اللاعبين الموهوبين وإعدادهم لمسيرات احترافية في كرة القدم من خلال برامج تطوير منظمة وعالية المستوى.
ويسعى المشروع إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، من بينها، توسيع قاعدة ممارسة كرة القدم عبر توفير فرص تدريب متساوية للمواهب الشابة في مختلف المناطق، وتحسين جودة التدريب والتأهيل من خلال استقطاب مدربين مؤهلين وتطبيق مناهج تدريبية حديثة، وتعزيز المنتخبات الوطنية عبر بناء قاعدة قوية من اللاعبين القادرين على تمثيل عمان في المنافسات الإقليمية والدولية، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لضمان استدامة المشروع والاستفادة من الموارد المتاحة لدعم تطور كرة القدم العمانية. وأكد الاتحاد العماني لكرة القدم وشركة جندال شديد التزامهما بمواصلة تطوير هذا المشروع من خلال إنشاء المزيد من مراكز المواهب في المستقبل، بما يوسع دائرة الفرص المتاحة للشباب العماني ويؤهلهم لمستقبل احترافي في عالم كرة القدم.
واختُتمت الفعالية بجولة في مرافق مركز المواهب، حيث أبدى الحضور إعجابهم بالبنية التحتية المتطورة والتجهيزات الحديثة التي تهدف إلى دعم المواهب الكروية الناشئة. وأكد الاتحاد العماني لكرة القدم التزامه بتوسيع هذه المبادرة عبر إطلاق مراكز جديدة في مختلف المحافظات، ويمثل هذا المشروع خطوة مهمة نحو تحقيق رؤية عمان بعيدة المدى في تطوير كرة القدم، مع الأمل بأن يسهم الاستثمار في المواهب الشابة في تحقيق النجاحات المستقبلية على أرض الملعب خلال السنوات القادمة.