بداية دورة ارتفاع طويل الأمد في أسعار المنازل
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
بعد الأزمة المالية 2007-2009 هبطت الأسعار العالمية للمنازل بنسبة 6% بالقيمة الحقيقية (بعد حساب التضخم). لكن قبل مرور فترة طويلة ارتفعت مرة أخرى وتجاوزت ذروتها قبل الأزمة. وعندما تفشى كوفيد-19 توقع خبراء الاقتصاد انهيار أسعار العقارات. لكن في الحقيقة كان هنالك ازدهار في أسعارها مع تنافس أصحاب الكمامات الباحثين عن منازل لشراء الملاذات السكنية المرغوبة.
أكبر فئة أصول في العالم
شهد العقار السكني تحوله من فئة أصول لم تكن لافتة في وقت من الأوقات الى فئة الأصول الأكبر في العالم. فحتى حوالي عام 1950 كانت أسعار المنازل في بلدان العالم الغني مستقرة بالقيمة الحقيقية. وكان المطورون العقاريون يشيدون المنازل حيث يريدها الناس مما يحول دون ارتفاع الأسعار كثيرا لتوافق العرض مع الطلب. ساعد أيضا تدشين البنية التحتية في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على تهدئة الأسعار، حسب ورقة أعدها كل من ديفيد مايلز المسؤول السابق ببنك إنجلترا وجيمس سيفتون أستاذ الاقتصاد بجامعة امبريال كوليدج لندن. فوسائل النقل المحسَّنة بتمكينها الناس من السكن في أماكن أبعد من مقارِّ عملهم زادت من حجم الأراضي المفيدة اقتصاديا وقللت من التنافس على المساحات السكنية في المراكز الحضرية. الأحداث التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قلبت كل هذه الأوضاع رأسا على عقب وأوجدت الدورة الفائقة أو طويلة الأمد لأسعار المنازل والتي نعيشها الآن. فالحكومات شرعت في دعم الرهونات العقارية. والشباب في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم لديهم عدة أطفال مما عزز الحاجة الى السكن. وعززت الهجرة الى المدن الطلب على المأوي في أماكن مزدحمة أصلا.
شهد النصف الثاني من القرن العشرين عددا كبيرا من الإجراءات القانونية التي تنظم استخدامات الأراضي والنظريات المعارضة لتطويرها. وصار تشييد البنية التحتية أكثر صعوبة مما حدَّ من تمدد المدن. والمدن الكبيرة التي كانت في وقت ما تبني المنازل باطمئنان، من لندن الى نيويورك، توقفت عن ذلك. وحول بلدان العالم الغني بلغ معدل بناء المساكن ذروته قياسًا الى حجم السكان في سنوات الستينات. ثم هبط بانتظام الى حوالي نصف مستواه اليوم. وبدأت أسعار المنازل في الارتفاع دون هوادة.
الأعوام القليلة الماضية كانت أقل زعزعة لأسواق المنازل حتى من توقعات أشد المتفائلين قبل ثلاثة أعوام. وعندما رفعت البنوك المركزية أسعار الفائدة لم يتأثر العديدون من مقترضي الرهونات العقارية. وقبل وأثناء فترة الجائحة كدَّس العديدون قروضًا عقارية بأسعار فائدة ثابتة. وهذا ما شكل حماية لهم من ارتفاع أسعار الفائدة.
في الولايات المتحدة حيث يثبِّت أناسٌ عديدون سعر فائدة قروضهم العقارية لمدة 30 عامًا تظل مدفوعات الفائدة للعائلات ثابتة كحصة من دخلها. ويواجه المشترون الجدد تكاليف اقتراض أعلى. لكن النمو السريع للدخول يساعد في تحييد هذا الأثر. فالأجور في بلدان مجموعة العشر أعلى بنسبة 20% مقارنة بمستواها في عام 2019.
لم تسلم كل البلدان من تراجع أسعار المنازل. ففي ألمانيا ونيوزيلندا والسويد تهاوت أسعار المنازل بالقيمة الحقيقية بأكثر من 20% منذ ذروة الجائحة. مع ذلك هبطت أسعارها بقدر طفيف فقط في بلدان أخرى. وهنالك ازدهار من نوع ما في أسواقها حاليا. ترتفع أسعار المنازل الأمريكية إلى مستويات جديدة كل شهر تقريبا بعد ارتفاعها بنسبة 5% بالقيمة الاسمية (دون حساب التضخم) في العام الماضي. في البرتغال الأسعار تتصاعد. والبلدان الأخرى التي بها أسواق إسكان ضعيفة تعزز أسعارها. ففي الفترة من 2011 الى 2019 هبطت أسعار المنازل في روما بأكثر من 30% بالقيمة الاسمية مع تعرض إيطاليا الى أزمة ديون سيادية. والآن ترتفع مرة أخرى. في الأجل القصير ربما تواصل أسعار المنازل ارتفاعها. ويساعد تدني أسعار الفائدة على ذلك. في الولايات المتحدة هبط سعر الفائدة للقرض العقاري الثابت لمدة 30 عاما بما يقرب من 1.5% من ذروته الأخيرة. وفي أوروبا ستتمكن قريبا دفعة من مقترضي الرهونات العقارية الثابتة من إعادة تمويل قروضها عند أسعار فائدة أقل مع خفض البنوك المركزية أسعار الفائدة. لكن هنالك قوى أكثر عمقا تفعل فعلها أيضا. إذ ستضمن ثلاثة عوامل استمرار دورة ارتفاع أسعار المنازل طويلة الأمد لعقود قادمة.
ثلاثة عوامل تضمن ارتفاع الأسعار
العامل الأول يتعلق بالتركيبة السكانية. حسب تقديراتنا في الإيكونومست تزداد أعداد سكان العالم المولودين في بلدان أجنبية بمعدل سنوي يبلغ 4% وهذا أسرع نمو مسجّل حتى الآن. يحتاج المهاجرون إلى أماكن يقيمون فيها وهذا، حسب الأبحاث، ينحو إلى رفع كل من الإيجارات وأسعار المنازل. فقد وجدت ورقة حديثة أعدتها روزا سانشيز- جوارنر الباحثة بجامعة برشلونة أن ارتفاعا بنسبة نقطة مئوية واحدة في معدل الهجرة الى اسبانيا يعزز متوسط أسعار المنازل بنسبة 3.3%. في مواجهة وصول أعداد قياسية من المهاجرين يتخذ الساسة من كندا الى ألمانيا تدابير مشددة ضد الهجرة. لكن حتى مع أشد السياسات صرامة ربما ستستمر البلدان الغنية في استقبال أعداد من المهاجرين تزيد عن تلك التي اعتادت عليها. فمن المرجح أن تتغلب حاجتها الى العناية بسكانها الذين يشيخون على رغبتها في تشديد إجراءات الحدود. يقدر بنك جولدمان ساكس أن صافي الهجرة سيهبط رويدا إلى 1.5 مليون مهاجر سنويا من أكثر من 2 مليون مهاجر في عام 2024. وإذا فاز دونالد ترامب مع حكومة منقسمة (مع سيطرة للديموقراطيين في الكونجرس) يتوقع البنك أن تتراجع أعدادهم الى 1.25 مليون مهاجر فقط. العامل الثاني يتعلق بالمدن. عندما تفشى كوفيد -19 في عام 2020 اعتقد أناس عديدون أن المناطق الحضرية ستفقد جاذبيتها. وكان ظهور العمل عن بُعد يعني نظريًا أن الناس يمكنهم الإقامة في أي مكان والعمل من البيت وأن هذا سيمكِّنهم من شراء منازل أرحب بنقود أقل. لكن الأمور لم تمض على هذا النحو. نعم العمل من البيت صار أكثر من السابق. لكن المدن محتفظة بجاذبيتها. ففي أمريكا توجد مقارّ حوالي 37% من مؤسسات الأعمال في مناطق حضرية كبيرة. وهي النسبة نفسها في عام 2019. ووفقا لحساباتنا حصة التوظيف الكلي ببلدان العالم الغني في عواصمها الوطنية زادت خلال الأعوام الأخيرة. في اليابان وكوريا الجنوبية وتركيا كانت الوظائف الجديدة أكثر في العواصم من غيرها. كما يوجد بها المزيد من أماكن الترفيه. فحصة حانات بريطانيا في لندن زادت كثيرًا منذ الجائحة. كل هذا يزيد التنافس على مساحات السكن في المراكز الحضرية المتقاربة الأبنية والتي بها عرض محدود من المنازل.
جاذبية المدن تفاقم آثار البنية التحتية وهي العامل الثالث. ففي مدن عديدة صار الانتقال من البيت الى مقر العمل أكثر مشقة ويحِدُّ من السكن بعيدًا عن مكان العمل. في بريطانيا تراجع متوسط سرعات الرحلة بنسبة 5% في العقد الماضي. وفي مدن أمريكية عديدة يقترب الازدحام المروري من أعلى معدل له في كل الأوقات، حسب بيانات معهد النقل بجامعة تكساس إيه اند إم. وتجد حكومات عديده أن تشييد شبكات نقل جديدة للتقليل من الضغط شبه مستحيل. فمشروع سكة الحديد عالية السرعة في كاليفورنيا والذي قصد منه ربط لوس انجلوس بكاليفورنيا والمساحات السكنية بينهما ربما لن ينفَّذ إطلاقًا.
مزيد من البناء
يأمل بعض الاقتصاديين في التحول نحو سياسات تدعم بناء العقارات السكنية في المدن. فالذين يقبلون بتشييد مساكن جديدة في جوارهم أقوى حجة ويبدو أنهم تمكنوا من اقناع بعض الساسة بوجهة نظرهم. (تقصد الإيكونومست بهؤلاء أنصارَ الحركة المعروفة باسم "نعم للبناء في حديقتي الخلفية" أو "يَمْبِي" وهو اختصار من الأحرف الأولى لكلمات هذه العبارة باللغة الإنجليزية. تطالب هذه الحركة ببناء وحدات سكنية إضافية في الأحياء بهدف تحقيق إسكان ميسر ومستدام وعادل. نشأت الحركة في الولايات المتحدة في بدايات العشرية الثانية مع تعاظم أزمة السكن في المدن وصرامة قوانين التخطيط الحضري وردا على أنصار حركة "لا ليس في حديقتي الخلفية" أو "نومْبي" والذين يرفضون التطوير العقاري الجديد في أماكن سكناهم - المترجم.) بلدان قليلة هي التي تتبنى مقترحات حركة "يمبي" بتغيير قواعد استخدام الأراضي لتشجيع البناء. في أوائل 2022 بلغت تراخيص تشييد المنازل أعلى ذروة لها في نيوزيلندا مما ساعد على خفض أسعار العقارات. لكن باستثناء نيوزيلندا لا يزال نفوذ هذه الحركة هامشيا.
وجدت دراسة أعدها ثلاثة اقتصاديون أن "مرونة عرض" الإسكان في الولايات المتحدة، والتي تعني مدى استجابة بناء المساكن لارتفاع الطلب، تراجعت منذ سنوات العشرية الأولى. نحن في الإيكونومست لا نجد دليلا على ارتفاع عام في البناء منذ الجائحة. ولاتزال مشكلة عرض المساكن هي الأكثر حدة في المدن حيث الإجراءات التنظيمية أشد صرامة. في سان جوزيه وهي أغلى مدينة في أمريكا تم الترخيص ببناء 7 ألف منزل فقط في العام الماضي. وهذا أقل كثيرا من المعدل قبل عشر سنوات. بل يتباطأ البناء حتى في هيوستن وميامي اللتين تفخران بتجنبهما أخطاء المدن الكبيرة الأخرى.
خلال السنوات القادمة قد تواجه أسواق الإسكان كل أنواع المصاعب من التقلبات في النمو الاقتصادي وأسعار الفائدة وإلى الانهيارات المصرفية. لكن مع آثار التركيبة السكانية والاقتصاديات الحضرية ومواءمة البنية التحتية في الأجل الطويل ينبغي النظر في نبوءة مايلز وسيفتون في عام 2017. كتب الباحثان وقتها "في بلدان عديدة من المعقول أن ترتفع أسعار المنازل الآن بوتيرة أسرع من دخول الناس". لذلك من المرجح أن تزداد باستمرار قيمة أكبر "فئة أصول" في العالم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة البنیة التحتیة أسعار الفائدة أسعار المنازل فی بلدان أکثر من فی عام
إقرأ أيضاً:
عاجل | "مش هنقدر نتحمل".. هشام طلعت محذرًا من استمرار ارتفاع أسعار الفائدة
حذر رجل الأعمال والرئيس التنفيذي لمجموعة طلعت مصطفى القابضة، هشام طلعت مصطفى، من أن الهياكل التمويلية للشركات في مصر لن تكون قادرة على تحمل أسعار الفائدة المرتفعة التي تصل إلى 32% لفترة طويلة. جاء ذلك خلال لقاء جمع بين الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وعدد من كبار رجال الأعمال والمستثمرين اليوم الأربعاء.
دعوة لتخطيط علمي ومعالجة اقتصادية
واقترح هشام طلعت مصطفى إجراء دراسة معمقة لإيجاد حلول علمية للمشكلة الاقتصادية الراهنة، مؤكدًا على ضرورة حدوث تغيير جوهري في أسلوب التفكير الحكومي للتعامل مع التحديات الاقتصادية.
وأشار إلى أن المعالجات الحالية تحتاج إلى تطوير شامل لضمان استدامة النشاط الاقتصادي ودعم القطاع الخاص.
اجتماع مع رئيس الوزراءعقد الدكتور مصطفى مدبولي مساء اليوم لقاءً مع نخبة من كبار رجال الأعمال والمستثمرين لمناقشة التحديات التي تواجه القطاع الخاص. وتناول الاجتماع استعراضًا للتصورات والآراء حول الإجراءات التي يمكن للدولة اتخاذها لتحفيز الاقتصاد في العام القادم.
وأكد رئيس الوزراء خلال الاجتماع حرصه على الاستماع إلى رؤى قيادات القطاع الخاص بمختلف مجالاته، بما يشمل الصناعة، والسياحة، والزراعة، والتنمية العقارية، والأمن الغذائي. وأوضح أن اللقاء يهدف إلى تحديد الأولويات والاحتياجات الضرورية للدولة المصرية في المرحلة القادمة، مع السعي لاتخاذ خطوات سريعة لتعزيز التنمية الاقتصادية.
التحديات الاقتصادية والقطاع الخاص
جاءت المناقشات في إطار سلسلة اللقاءات التي يجريها رئيس الوزراء مع مختلف الأطراف الفاعلة، بما في ذلك الصحفيين ورؤساء التحرير والمفكرين، بهدف تحقيق فهم شامل للتحديات ووضع حلول واقعية تلبي احتياجات الاقتصاد المصري.
تعتبر هذه الاجتماعات جزءًا من جهود الحكومة للتعامل مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، ودعم القطاع الخاص باعتباره شريكًا رئيسيًا في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.