عن التحولات الإقليمية وآفاقها وتأثيرها على قضايا المنطقة
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
يعيش الشرق الأوسط منذ 3 سنوات تحوّلات كبيرة في العلاقات بين القوى الفاعلة، ويمكن تقسيمها إلى 5 مسارات تتداخل في ما بينها من حيث التأثيرات المتبادلة، وهي: التطبيع العربي الإسرائيلي، والتقارب التركي العربي، والتهدئة السعودية الإيرانية، والمصالحات الخليجية الخليجية، والانفتاح الإقليمي على النظام في سوريا.
ورغم أن هذه التحولات نقلت الشرق الأوسط من مرحلة التنافس والاضطرابات الحادة في العلاقات الإقليمية إلى مرحلة المصالحات وخفض حدة التصعيد، فإن قدرتها على تكريس الوضع الجديد في العلاقات بين القوى الفاعلة وتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة استقرار طويل الأمد؛ لا تزال موضع شك إما لجهة الأطر المعقدة التي تُحدد شكل العلاقات بين بعض القوى كإيران والمملكة العربية السعودية، أو لجهة الطبيعة المعقدة للصراعات الكبيرة كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فضلا عن التأثير الدولي الذي يلعب دورا في تشكيل العلاقات الإقليمية الإقليمية.
كان للتحول الخليجي بعد قمة العلا تأثير إيجابي بشكل خاص على العلاقات التركية العربية عموما والتركية الخليجية خاصة
من بين هذه المسارات الخمسة، يظهر مساران هما الأكثر قدرة على الاستمرارية والتطور؛ هما التقارب التركي العربي والمصالحات الخليجية. نجحت القمة الخليجية -التي عُقدت في مدينة العلا السعودية في يناير/كانون الثاني 2021 في طي 4 سنوات من الأزمة الخليجية، وتدشين عهد جديد من العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي. وكنتيجة للأزمة التي كانت لها عواقب كبيرة على استقرار منطقة الخليج والحالة الإقليمية عموما، عكست المصالحات التي أعقبت قمة العلا (السعودية القطرية، والقطرية الإماراتية، والقطرية البحرينية، والقطرية المصرية) عودة الأهمية لمجلس التعاون الخليجي كمنظمة قادرة على تنظيم العلاقات بين دول المجلس من جهة، وتعظيم شأن منطقة الخليج في السياسات الإقليمية من جهة أخرى.
علاوة على أهمية الاستقرار الخليجي الذي أضحى ركيزة أساسية في السياسات الجديدة لدول مجلس التعاون، فإنه أصبح حاجة للتكيف مع حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الالتزام الأميركي بأمن منطقة الخليج، وضرورة لإعادة تشكيل علاقات دول الخليج بالقوى الكبرى. ويعزز هذه العوامل مجتمعة الاعتقاد بأن العلاقات الجديدة بين دول الخليج قابلة للاستقرار لفترة طويلة.
كان للتحول الخليجي بعد قمة العلا تأثير إيجابي بشكل خاص على العلاقات التركية العربية عموما، والتركية الخليجية خاصة. ويُمكن القول إنه شكّل أرضية مناسبة لإحداث تحول جذري في علاقات أنقرة مع خصومها الإقليميين السابقين كالسعودية والإمارات ومصر.
تشير الجولة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منطقة الخليج إلى أن العلاقات الجديدة التي تسعى أنقرة وكل من الرياض وأبو ظبي لإقامتها لن تقف حدودها عند التخلي عن سياسة التنافس السابقة فحسب، بل تهدف إلى تطويرها إلى شراكات إستراتيجية مُتعددة الأوجه، على غرار الشراكة الإستراتيجية القوية التي تجمع بين تركيا وقطر.
مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية التحوّلات التي طرأت على الوضع الإقليمي في الأعوام الثلاثة الماضية، وتأثير حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الدور الأميركي في المنطقة في إعادة تشكيل العلاقات التركية الخليجية، فإن مسار التقارب التركي الخليجي قابل للاستقرار لفترة طويلة، وسيكون له تأثير قوي في عملية إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية.
في غضون ذلك، يظهر إطار أوسع للتحول في العلاقات الإقليمية لتركيا، ويتمثل في إصلاح العلاقات مع مصر والحوار مع النظام في سوريا. جزئيًّا، يعمل التقارب التركي المصري على نقل العلاقات بين البلدين إلى مرحلة جديدة، لكن فرص استقرارها لفترة أطول مرهونة بقدرتهما على إيجاد أرضية واضحة لمعالجة التنافس بينهما في ليبيا. على العكس من ذلك، فإن آفاق التحول في العلاقات التركية السورية لا يزال غير واضح ويواجه تعقيدات كبيرة تُضعف قدرته على إحداث وضع جديد مستقر في العلاقة بين أنقرة ودمشق.
على عكس المسارين التركي العربي والخليجي الخليجي، فإن المسارات الثلاثة الأخرى في تحولات الشرق الأوسط أقل قدرة على الاستقرار لفترة طويلة. ففي التطبيع العربي الإسرائيلي، من غير المُرجح أن يؤدي بأي حال إلى تحقيق خرق جوهري في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لا يرجع ذلك فحسب إلى أن هذا التطبيع لم يكن مُصمم أساسا لإيجاد حل نهائي وشامل لهذا الصراع، بل أيضًا لصعود اليمين المتطرّف في إسرائيل.
تعمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الوقت الراهن على ضم المملكة العربية السعودية إلى قطار التطبيع مع إسرائيل، وأوردت وسائل إعلام أميركية أن الرياض تُرهن إقامة علاقات مع تل أبيب بإبرام اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة والحصول على أسلحة أميركية أكثر تقدما ودعم برنامجها النووي المدني. بمعزل عن الدوافع المتعددة للتحول الذي طرأ على العلاقات العربية الإسرائيلية في السنوات الثلاث الماضية، فإنه قدرته في التأثير على ديناميكية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي محدودة.
تبرز التهدئة السعودية الإيرانية كأحد المتغيرات الكبيرة التي طرأت على الشرق الأوسط، لكن قدرتها في خلق واقع جديد قابل للاستقرار في علاقات البلدين تبدو ضعيفة أيضًا. بالإضافة إلى الآثار المرتبة على تطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل على العلاقات الجديدة التي تسعى الرياض وطهران لإقامتها، فإن اختبار النوايا بين البلدين سيستغرق وقتًا طويلا قبل تطوير هذه التهدئة إلى علاقات مستقرة.
وبينما تأمل السعودية أن يؤدي تقاربها مع إيران إلى دفع طهران لممارسة نفوذها على الحوثيين في اليمن من أجل الانخراط في عملية سلام لإنهاء الحرب، فإنه لا تظهر في الأفق أية بوادر قوية للوصول إلى سلام مستدام في اليمن ويعالج الهواجس الأمنية للسعودية بشكل كامل. علاوة على ذلك، فإن القضايا الأخرى المؤثرة على العلاقات الإيرانية السعودية مثل البرنامج النووي الإيراني والقضايا الإقليمية الأخرى التي يتنافس فيها البلدان كالعراق ولبنان تبدو بعيدة عن المعالجات الكاملة لها؛ مما يجعل التهدئة السعودية الإيرانية أكثر عرضة للمخاطر في المستقبل وأقل قدرة على الاستقرار.
أخيرا، يشكل الانفتاح الإقليمي على النظام في سوريا أحد معالم التحولات في الشرق الأوسط، لكن تأثيره المتوقع على مسار الصراع يبقى ضعيفًا؛ إما من جهة محدودية التأثير العربي على الصراع مقارنة بالدور الذي تلعبه كل من إيران وتركيا وسوريا، أو لجهة العقوبات الأميركية المفروضة على النظام، والتي تُشكل عائقًا كبيرًا أمام تطوير العلاقات الجديدة بين بعض الدول العربية والنظام إلى انفتاح أوسع.
يبدو الشرق الأوسط اليوم بفعل المسارات الخمسة للتحولات التي تجري فيه مختلفا بشكل كبير عما كان عليه قبل 3 سنوات، لكنه لا يزال بعيدا كل البعد عن التحول إلى منطقة استقرار. لا شك أن الدبلوماسية النشطة بين القوى الفاعلة في المنطقة تُساعد في تهدئة حدة الاضطرابات الإقليمية، لكنّها لن تؤدي بالضرورة إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي ما دامت لا تُعالج بشكل جذري الدوافع الكامنة وراء الاضطرابات الإقليمية، ولا تُعالج الدوافع الكامنة وراء الصراعات المُعقدة؛ مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والصراع السوري ومُعضلة البرنامج النووي الإيراني والدور الإقليمي لإيران.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: العلاقات الجدیدة العلاقات الترکیة الشرق الأوسط منطقة الخلیج العلاقات بین على العلاقات فی العلاقات التی ت
إقرأ أيضاً:
رانيا المشاط بين أكثر 30 إمرأة رائدة تقود التغيير بمنطقة الشرق الأوسط
اختارت مجلة «إيكونومي ميدل إيست»، الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، بين 30 امرأة رائدة تقود التغيير بمنطقة الشرق الأوسط.
وتضم القائمة مجموعة محدودة من السيدات اللاتي استطعن قيادة التغيير في العديد من القطاعات سواء بالحكومات أو مؤسسات القطاع الخاص، واستطعن تولي مناصب قيادية وتعزيز مفهوم تمكين المرأة، وقدرتها على إحداث تغيير حقيقي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
ومن بين من ضمتهن القائمة، الدكتورة عائشة اليماحي، مستشارة مجلس إدارة ألف للتعليم، و علياء بنت عبد الله المزروعي، وزير الدولة الإماراتية لريادة الأعمال، و أميرة سيجواني، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة PRYPCO، والشيخة بدور بنت سلطان بن محمد القاسمي، رئيس الجامعة الأمريكية بالشارقة، ودلال الغيص، الرئيس التنفيذي لبنك البحرين للتنمية، إيلينا سوريليني، الرئيس التنفيذي لمطارات أبوظبي، إلهام محفوظ، الرئيس التنفيذي للبنك التجاري الكويتي، هناء الرستماني، رئيس بنك أبوظبي الأول، وغيرهن.
30 Visionary Women Driving Change in the Middle East
الدكتورة رانيا المشاط، هي وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في مصر، منذ 3 يوليو 2024، انضمت للحكومة المصرية في يناير 2018، وتولت منصب وزيرة التعاون الدولي منذ ديسمبر 2019، حتى 3 يوليو 2024، كما شغلت منصب أول وزيرة للسياحة في جمهورية مصر العربية في الفترة (يناير 2018 – ديسمبر 2019).
وتولت الدكتورة رانيا المشاط، عددًا من المناصب في صندوق النقد الدولي في واشنطن، حيث شغلت منصب مستشار كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي خلال الفترة من (2016-2018)، وأيضًا منصب اقتصادي أول خلال الفترة من (2001-2005)، أما في جمهورية مصر العربية فقد تولت منصب وكيل محافظ البنك المركزي للسياسة النقدية خلال الفترة من (2005-2016)، وساهمت في تطوير وتحديث استراتيجية السياسة النقدية بالبنك المركزي، والتحول نحو استهداف التضخم ، كأحد محاور برنامج الإصلاح المصرفي الذي دُشن في عام 2004.
وبصفتها وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تُمثل «المشاط» جمهورية مصر العربية، في العديد من مؤسسات التمويل الدولية، حيث تتولى منصب محافظ مصر لدى مجموعة البنك الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، والبنك الإسلامي للتنمية، وبنك التنمية الجديد. كما تشغل منصب المحافظ المناوب لمصر في بنك التنمية الأفريقي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
الدكتورة رانيا المشاط، مؤسس وعضو في العديد من المجالس الاستشارية والتحالفات والمؤسسات الدولية التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum)، حيث شاركت في تأسيس ائتلاف المرونة (Resilience Consortium)، كما أنها الرئيس المشارك لشبكة حشد الاستثمار من أجل الطاقة النظيفة في الجنوب العالمي (Network to Mobilize Investment for Clean Energy in the Global South)، والرئيس المشارك لمجلس الإشراف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA Stewardship Board)، وعضو مجلس إدارة مركز الاقتصاد الجديد والمجتمع (The New Economy and Society Stewardship Board)، وعضو Mission Possible للعمل المناخي، وعضو في مبادرة تعزيز العمل من أجل الأرض (Giving to Amplify Earth Action initiative)، كما اختيرت ضمن مجلس القيادة العالمي Global Leadership Council لمبادرة الأمم المتحدة العالمية «جيل بلا حدود» (Generation Unlimited)، وعضو مؤسس في التحالف العالمي للطاقة من أجل الناس والكوكب (The Global Energy Alliance for People and Planet) الذي دشنته مؤسسة (The Rockefeller Foundation).
وفي عام 2015، تم اختيارها، كواحدة من بين الـ50 سيدة الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد المصري، كما جاءت من بين أبرز 100 شخصية قيادية شابة في قارة أفريقيا خلال عامي 2014 و 2015 وفقًا لتصنيف معهد شوازيل الفرنسي، كما اختيرت كإحدى القيادات الدولية الشابة في قائمة المنتدى الاقتصادي العالمي ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" في عام 2014؛ وجاءت في ذات العام كواحدة من بين أقوى 10 سيدات مؤثرات في القطاع المصرفي المصري وذلك في الاستطلاع الذي أجراه مركز بصيرة لبحوث الرأي العام.
الدكتورة رانيا المشاط، حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ميرلاند كولدج بارك بالولايات المتحدة الأمريكية ( Maryland, College Park)، كما حصلت على درجة الماجيستير في نفس الجامعة في مجال تطبيقات الاقتصاد الكلي والاقتصاد الدولي والسياسة النقدية.
وحصلت على شهادة الإبداع في القيادة في ظل التحول الاقتصادي (Transformational Leadership) من جامعة أوكسفورد بالمملكة المتحدة؛ وكذلك شهادة السياسة العامة والإبداع القيادي (Executive Education certificates in Leadership and Public Policy) من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية. «المشاط» حاصلة على درجة بكالوريوس الاقتصاد من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ونشرت العديد من الدراسات والأوراق البحثية في مجال السياسة النقدية والاقتصاد الدولي، وآليات استهداف التضخم، والأنظمة المالية.