عربي21:
2024-12-16@23:57:00 GMT

معالم الفشل.. أفكار قاتلة (2-2)

تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT

تجدد الأفكار:

نجد أمرا راسخا في عقليتنا، وهو ارتباط انتهاجنا الانطباعي لما أصبح جزءا من العقلية التي تُرضع مع الحليب، إنك حامل لرسالة، ورغم جهل البعض أو معرفته مجموعة انطباعات بهذه الرسالة فإنه يدخل في جدل لأمور عميقة، لا يعرف أنه جاهل أصلا بل يريد أن يفرض جهله المركب لأنه يؤمن أنه الحق وغيره الباطل، وهذه ليست من المتدينين فقط بل أيضا من يزعم أنه ليس متدينا، ليبراليا أو شيوعيا، وحتى الأديان الأخرى في بيئتنا، لأن الأمر أصبح من السمات التربوية في المجتمع.



لا يوجد حوار الكل يتكلم:

أنت لا تجد من يصغي لك إن كنت من الرواد، أو يقرأ ليفهم، فهو ورث فكرة أنه معلم يعلم لا يتعلم، لذا يفكر بالرد عليك وأنت تتكلم، لتسفيهك بل يثبت جهله عليك، لهذا نجد أن الندوات والمجموعات بها حوار الطرشان، وأن مشاهير الميديا المتعاملين مع الثقافة هم من يرسخون المنهج الجاهل والخرافات والتدين الغريزي، وأن مراجعات الحركات السياسية فاشلة وهي لا تعلم من أين تراجع فجهازها المعرفي يجعلها مثالية تعلم غيرها الصواب.

ضغط الحاملين لراية الدين سبب في جنوح الشباب، لأنهم يربطون صحة الإيمان بالتراث البشري ويساوونه مع الكتب المقدسة أو الأحاديث الصحيحة، ويعتبرون أي محاولة للتجديد هي هرطقة، هكذا كان ماضي أوروبا وهكذا نحن الآن.

لأننا من حيمن شخص مسلم تخلّق في رحم أمه فنحن وكلاء الإسلام، هكذا يفكر البعض ناكرا أن الإسلام ليس لقوم وإنما هو وطن، وهو مؤمن راسخ الإيمان بالانطباعات الموروثة وما رافقها من خرافات وخوارق ومعرفة غير محققة، فيها صواب وعشرات الأفكار القاتلة، صيغة من التدين لا تفهم المقاصد ولا الغايات، وبيئة عاجزة متمسكة بالماضي ولا تملك رؤية للمستقبل بل تخاف أن تشطح إن توافقت مع الرواد المجددين، رغم أن صلاحية الإسلام لكل "زمكان" هي لقابليته على التجدد.

هذا سبب ما نراه من تخلف عندنا وقتل الأمل بقناعة الاكتفاء وثرثرة لإثبات الذات بلا برنامج ومنهج وبفرض الجهل وأدواته، ننقل مشاكل الماضي ونجسدها في خيالنا ونفرضها واقعا كأنها كابوس يجب أن تعاني الأمة منه جيلا بعد جيل.

أضحى ترسيخ الوضع المتخلف مصلحة ومعاشا للبعض، فإن وعي الناس بكتاب فسيردون عليك بعشرات الكتب، وإن جاملك حَمَلة الدين (أي دين) اكتفوا بالصمت ولم يكفروك، وإن جاملك العلمانيون وغيرهم لم يخونوك.

أحلام بلا آليات

الناظر إلى تلافيف الدماغ الإنساني ومساحات التفكير وتخيل المسارات سيجد أن كل فكرة على الأرض هي من الخيال وهو التفكير خارج الصندوق، وتصبح وهما ما لم يتحفز التفكير لخلق آليات ومعطيات لإدخالها التجربة إن كانت علمية، أو التحقيق إن كانت فكرية، أو تحويلها من جانب نظري إلى الواقع ونجاحها فجعلها قانونا.

فلا بد من صنع أقدام توضع للفكرة كي تسير على أرض الواقع، لكن الأفكار القاتلة تقطع هذه الأقدام عندما يأتيك إنسان متنفذ بفكرة كسيحة ويريد أن يجعلها واقعا مستندا لوكالته عن الدين. سيقول لك التوفيق من رب العالمين، هو رب العالمين وليس ربك وحدك، وهو سيعاقبك أيضا لأنك هجرت أساس خلقك وما باهى ملائكته به وهو منظومتك العقلية، والتوفيق مكافئة لنجاح التفكير في صنع الآليات كدلالة على نجاح المنظومة العقلية.

التفكير السليم:

"إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم" (الشعراء: 89).. والقلب في القرآن في صدر الإنسان أي مقدمته وليس المضخة التي في الجوف، وسلامة الفكر التي توصلك إلى الجنة وليس العبادات وحدها: "لَنْ يُنَجِّيَ أحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ، قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا، إلّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ برَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وقارِبُوا، واغْدُوا ورُوحُوا، وشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، والقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا" (الحديث في الصحاح)، فالأمر بإعمال التفكير ونجاح المنظومة العقلية، وتكون المكافأة هذه قيمة مهمة لفهم الإسلام بعيدا عن تغييب الوعي والتخدير.

الأخذ بالأسباب:

إن نصر الله لا يأتي لأناس عابدين، فالدعوة لها وسائلها للنصر، والحرب لها عدتها، وليس فقط الدعاء على الأعداء ينصرك، فربك هو ربهم، وهو سينصرك إن أحسنت التفاعل مع سنن الكون وأعددت التدبير، فإن لم تنتصر فانظر إلى موطن الخلل في شروط النصر في الأعداد والتفكير والتخطيط لأن الدفاع عن الحق عبادة والصلاة عبادة والدعاء عبادة، فإن جلست تدعو فلك أجر الدعاء لكن لن تنتصر وأنت في المسجد أو البيت، أو توانيت في التفكير ولم تبن استراتيجية صحيحة، أو تحافظ على عقيدة مقاتليك ونظافة يدهم وأنت تتكلم عن النظافة ولست نظيفا، ربما سينتصر من علّم اتباعه الشر وبنى منهجه على الشر لكنه أعد إعدادا جيدا، لأن الله رب هؤلاء جميعا ويمتحن منظومتهم جميعا.

ستقول لِمَ انتصر خالد في اليرموك وهم قلة؟ انتصر لأنه أحسن التفكير وتغلب على قلة العدد بالاستراتيجية، وخالد نفسه انتصر في أُحد والرسول والصحابة معه خسروا المعركة، لأنهم لم يطبقوا قواعد الاشتباك.

لا يحتاج أعداؤنا الكثير ليستعبدونا:

هل يحتاج السكران من يدفعه ليسقط؟ هل يحتاج الرعناء أحدا يغويهم ويحرضهم ليقع في المشاكل ويقتل الرعناء بعضهم؟

نحن أمة تستحضر خلافات من ماضيها ومن يستغلها هم شياطين الإنس من أبنائها، أو جهلة مقتنعين بتلك المنقولات التي تحرق الحاضر والمستقبل وتستغل الفاسدين، ومن يكون وقودها البُلهاء الذين لا يستخدمون تفكيرهم لفهم الدين حقيقة أو التاريخ أو الأفكار المستوردة أو أي من الحوادث والموروثات، والنتيجة طوائف وقوميات وروابط هابطة وأحزان وصراعات وبيئة لمنظومة تنمية التخلف، فلا يحتاج أعداؤنا كما نسميهم جهدا لنقتل أنفسنا ونركع لهم صاغرين، نهابهم ونقسو على من نتمكن عليهم من إخواننا، فهو أعد العدة ونحن فهمنا الإعداد خطأ، هو يبحث عن المستقبل ونحن نريد استحضار مندثر نخلق واقعه، وإحداث الفتن بدل أن نشكر نعمة الله في مسار أعطاه لنا في كتاب مثاني ذي طيات يمكن أن يفتحها الرواد في كل عصر.

إننا استبدلنا أصنامَ الحجر بأصنام انطباعات التاريخ ومسميات لرموز وضعناها، ولا ندري أننا بها مشركين ونطلب النصر والسداد والتفوق من رب العالمين، هكذا تكون الأمة غثاء تلطم بعضها بأفكار قاتلة.

ما هو مطلوب فعلا هو تعلم الإصغاء واستلام الأفكار المدنية والتفكر بها وتوسيعها، لأننا بحاجة ماسة لننقذ امتنا من الرواسب السلبية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات العقلية التدين التفكير الانسان الاسلام عقلية تفكير تدين مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

لا بديل للسُودانيين غير الحوار وليس لدينا ترف الانعزال

لا بديل للسُودانيين غير الحوار وليس لدينا ترف الانعزال

نضال عبد الوهاب

بعد مُضي عشرون شهراً على حرب الخامس عشر من أبريل، وبعد كُل الدمار والقتل والتشريد الذي خلفته ولاتزال، وفي ظل كُل المُتغيرات الإقليمية والدولية، مربوطاً بواقع السُودانيين والبلاد الحالي، فإنه من الواضح جلياً أنه لم يعد هنالك الكثير من الوقت لتضييعه في تبني “مواقف” لا تخدم قضية وقف الحرب الأساسية، ولا تعمل لمصالح جميّع السُودانيين بمختلف تنوعهم وأقاليمهم ومناطقهم.

ليس هنالك مجال للمزايدات على بعضنا البعض، وليس هنالك فائدة من التلاوم ورمي الآخر بالتقصير أو الذنب، وليس هنالك ثمرة للانكفاء وانتظار المجهول أو رفع الأصبع بأن افعلوا هذا وذاك وإلا لن نجلس معكم أو نتقدم اتجاهكم؟؟

بالمُختصر ومن الآخر لا فائدة من الانعزال في هذا التوقيت والتخندُقات، لا يوجد حلول لقضايا السُودان وعلى رأسها قضية وأزمة الحرب الحالية باختيار الامتناع عن الجلوس للحوار ثم التحاور والتفاوض، وليس من المقبول ترك 50 مليون سُوداني وآخرون لايزالون في الأرحام ولم يأتوا بعد من المُستقبل ضحايا “لقلة أفق” أو عناد أو توهُمّات أو تبني مواقف لا تتوافق ومصالح كُل هؤلاء وتعمل لإنقاذهم من أتون “الجحيّم” الحالي وإطفاء “نيران” هذه الحرب المُستعرة!.

الرفض المُستمر والتخندُقات، ومسألة خلاص “انتو تعالوا علينا” هذه لم تعد تُناسب كارثية وخطورة المرحلة، ولن تفيد السُودانيين وتتفق مع مصالحهم.

كما كذلك ولا لغة “الاستسلام”، بأن “خلاص البلد انتهت”، و”حتتقسّم” و”تتفتت”، و أحسن “كل ناس ومجموعات إثنية تفرز عيشتها” ودا “واقعنا”، هذه لغة موغلة في الضعف والأنانية، وفيها استهوان كبير بملايين الضحايا الذين قاوموا واستشهدوا لأجل هذا الوطن ولترابه وأرضه ووحدته ولأجل التغيير للأفضل فيه!

هذه البلاد تخصنا جميعاً على كُل تنوعنا واختلافاتنا، والمُحافظة عليها وعلى إنسانها وشعبها واجب كُل سوداني وسُودانية، ويأتي في مقدمة المسؤولين عنها كُل الفاعلين والقوى السياسِية ومن يتصدون لمهام القيادة فيها والعاملين للتغيير للأفضل لها حاضراً ومُستقبلاً.

عدم “الحوار” وقبوله مبدأ في تقديري وفي هذا الظرف خيانة لأمانة المسؤولية هذه، وتعدي على مصالح السُودانيين، كما وأن عدم تقديم التنازلات لأجل هذا هو تضحية بكل البلاد وشعبها لأجل إما انتصار لذات أو لأقلية أو لأجندة لا تخص عامة السُودانيين وحقهم في بلادهم ووطنهم.

لم يضحي السُودانيون بأرواحهم ويقاوموا الاستعمار ومن بعد كُل الحكومات المُستبدة والدكتاتورية والهشة لأجل حصد “السراب” وتجزئة الوطن والقبول بتفتيته وخرابه والاستسلام وعدم المقاومة والنجاح في تخطي المُستحيل نفسه لأجلها.

لم يعد لدينا كسُودانيين ترف هذا الانعزال والانكفاء والتباعُد، وعدم قبولنا ببعضنا على خلافاتنا وحتى علاتنا لأجل الوطن والمُحافظة عليه وتغييره للأفضل عن طريق الحوار الجاد وبلا شروط وتعالي والجلوس والتفاوض في كافة القضايا الخلافية ومعالجتها من جذورها وفق أولويات تُوقف أصوات البنادق ونيران الحرب أولاً وتُعيد الاستقرار والطُمأنينة للسُودانيين وتُعيدهم لبلادهم وبيوتهم وقراهم ومدنهم ومناطقهم، وتسد جوعهم وتعيد لهم الأمل في الحياة كأساس، بغير هذا لن يكون هنالك مُعالجة للواقع الحالي وحل جميّع أزماته وتفويت الفرصة على أعداء الوطن والشعب بالداخل والخارج، والمجد للوطن السُودان وشعبه.

16 ديسمبر 2024

الوسومالاستعمار الحوار السودان النخب نضال عبد الوهاب

مقالات مشابهة

  • لا بديل للسُودانيين غير الحوار وليس لدينا ترف الانعزال
  • كاتب إسرائيلي: احتلال القنيطرة مسرحية لا تمحو فشل 7 أكتوبر
  • حظك اليوم الاثنين| توقعات الأبراج الهوائية.. لا تبالغ في التفكير
  • شيخ الإسلام بتايلاند: الأمن الفكري حجر الأساس للوقاية من الأفكار المنحرفة
  • لهذا السبب.. احذر من تناول بذور التفاح
  • امرأة أمريكية تعترف بتهديد شركة تأمين باستخدام كلمات قاتلة مرتبطة بمقتل مدير تنفيذي
  • مرض الفنان نبيل الحلفاوي.. ما أعراضه وعلاقته بالتدخين؟
  • سوريا.. طمس أيّة معالم تخصّ زمن «حكم بشار الأسد» وبيان يخصّ الإعلاميين الحربيين
  • وزير التعليم السوري يؤكد طمس أية معالم تخص النظام السابق من المناهج الدراسية
  • فيرنانديز:علينا إصلاح أخطائنا قبل التفكير بأداء مانشستر سيتي