عربي21:
2025-04-11@05:33:07 GMT

اقتصاد الحرب والسيسي الذي لا يحارب

تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT

أعلن مصطفى مدبولي رئيس الحكومة المصرية منذ يومين أن بلاده على وشك إعلان ما يعرف باقتصاد حرب لمواجهة التحديات الإقليمية التي ستنتج عن اتساع دائرة الحرب في المنطقة.

مدبولي بشر المصريين بإجراءات اقتصادية قاسية تحت عنوان اقتصاد حرب، وعلل ذلك بأن الظروف ستكون خارجة عن إرادة النظام الحالي فيما يتعلق بإمادادات الغاز والوقود واحتياطي النقد الأجنبي في البلاد.



ما هو اقتصاد الحرب وما هي إجراءاته؟

عرف العالم هذا المصطلح في الحرب الأمريكية الأولى ثم اعتاد على التأقلم معه إبان الحرب العالمية الأولى ثم الثانية.. وظهر ذلك جليا في خطاب للرئيس الأمريكي آنذاك فرانلكين روزفلت الذي قال إن قوات التحالت حال انتصارها يجب أن تتحول لقوة عسكرية تعتمد على استراتيجية اقتصادية أسماها اقتصاد الحرب.

الفكرة باختصار أن تتحول الدولة بموازناتها ومواردها وكل ما تملك إلى بناء الجيش وجعمه بالمال والسلاح والعتاد لمواجهة الخطر المحدق بالبلاد ولا يعلن هذا الأمر إلا في حالة دخول البلاد في حالة حرب أو تأثرها بحروب في محيطها الإقليمي بشكل مباشر.

رفعت الحكومة أسعار الخدمات الأساسية من كهرباء ووقود ومواصلات، كما قلصت الدعم الحكومي لملايين المصريين، أغلقت المصانع وطرحتها للبيع ما قلل من إمكانية اعتمادها على الإنتاج المحلي وتقليص الاستيراد لتوفير عملة صعبة. الدولة التي تعلن اقتصاد الحرب تتخذ خطوات تقشف لضبط الإنفاق مثل فرض قيود داخلية وتقنين السلع الأساسية وتشديد العقوبات على مخالفتها كما تفرض الدولة حزمة جديدة من الضرائيب بهدف زيادة الحصيلة الضريبية المفروضة على الشعب وفرض أسعار جبرية استثنائية على بعض السلع وتقنين توزيع المواد البترولية وتقليص النفقات المدنية وقرض اجراءات تقشفية وتوجيه الأولوية لزيادة الإنتاج المحلي ووقف التصدير قدر المستطاع لتوفير ما يكفي من احتياطي نقدي من العملة الأجنبية.

عرف الشعب المصري اقتصاد الحرب وعايشه بعد نكسة الخامس من يونيو عام 1967، فقد دمرت إسرائيل وقتها ما يقارب 80% من البنية الأساسية للجيش المصري وأضرت بقناة السويس بشكل كبير ما تطلب إعادة بناء القوات المسلحة المصرية من الصفر وإعلان اقتصاد الحرب بهدف توجيه الموازنة العامة للدولة المصرية باتجاه دعم الجيش وشراء أسلحة جديدة وتشجيع الشعب على دعم ومساعدة جيشه عبر تبرعات شعبية على نطاق واسع.

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة

شعار وطني رفعته الحكومة المصرية بعد نكسة يونيو 1967، فاتخذت إجراءات تقشفية كبيرة وشجعت المصريين على التبرع لدعم المجهود الحربي، ثم أعلن رئيس الوزراء المصري عزيز صدقي في فبراير 1973 قبل حرب أكتوبر بعدة أشهر ما أطلق عليه ميزانية المعركة لدعم تسليح الجيش المصري.
عند نشوب حرب أكتوبر 1973 طبقت الحكومة تلك الخطة مع إطلاق "سندات الجهاد"، وهى شهادات استثمارية الهدف منها دعم الدولة والقوات المسلحة خلال الحرب وتم طرحها للمواطنين في جميع البنوك، بلغت حصيلة تلك السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه وفى وقت لاحق من العام نفسه أعلنت الحكومة أن الاكتتاب في "سندات الجهاد" إجبارى، باستثناء محدودي الدخل من المواطنين.

الواقع الحالي وما تريد الحكومة المصرية تطبيقه لا يتناسب مع مفهوم اقتصاد الحرب ، فالنظام الحالي لن يحارب أحدا ولن يخوض حربا لا دفاعا عن أرض أو حماية لحدود وقد أثبتت سنوات السيسي العجاف صحة هذه الرؤية من تنازل عن مياه النيل لاثيوبيا وبيع تيران وصنافير للسعودية والدور السلبي في السودان حتى وصل الأمر لتهديدات مباشرة من قائد مليشيا الدعم السريع للجيش المصري.

لم يختلف الأمر كثيرا مع إسرائيل التي احتلت محور فلادلفيا وخالفت اتفاقية السلام وسيطرت على معبر رفح وقتلت الجنود المصريين على الحدود الشرقية ولم يتحرك السيسي تجاه ما يحدث بل اكتفى بتوجيه نداء ومناشدة لقادة الاحتلال لنبذ الكراهية والعودة إلى السلام مرة أخرى.

اقتصاديا، لا حاجة لتطبيق اقتصاد الحرب في مصر الآن، لأن القوات المسلحة المصرية لا تحتاج إلى دعم من موازنة الدولة العامة فما شهدناه في عهد السيسي هو العكس تماما فالجيش هو من يعم موازنة الدولة وهو من ينفذ مشروعات عجزت عنها موازنة الدولة وهو من يسيطر على أراضي الدولة وهو من يحتكر أكثر من 60% من اقتصاد الدولة.

عسكريا، لا يحتاج الجيش المصري أيضا لفكرة اقتصاد الحرب، ـ شهدت سنوات حكم السيسي زيادة كبيرة في نسبة الإنفاق على صفقات تسليح للجيش المصري، ارتفعت واردات مصر من الأسلحة بنسبة 136٪  لتسجل 4.5 %من تجارة السلاح بالعالم ، كما جاءت مصر كسابع أكبر مستورد للأسلحة في العالم في الفترة 2019 ـ 2023.

ـ الأرقام المعلنة لمشتريات مصر من الأسلحة تتراوح بين 45 و52 مليار دولار على أقل تقدير حيث أشار موقع ورلد بيبوليشن ريفيو المختص برصد نفقات الجيوش أن ميزانية الجيش المصري للعام الماضي بنحو 11.3 مليار دولار محتلا المرتبة الثالث عربيا في الإنفاق العسكري.

إن الشعب المصري يعيش حالة اقتصاد الحرب منذ نوفمبر 2016 عندما نفذت الحكومة التعويم الأول للجنيه وذهبت لتقترض من صندوق النقد الدولي.داخليا وعلى مستوى الإجراءات الاقتصادية فيمكننا القول إن الشعب المصري يعيش حالة اقتصاد الحرب منذ نوفمبر 2016 عندما نفذت الحكومة التعويم الأول للجنيه وذهبت لتقترض من صندوق النقد الدولي.

ثمان سنوات من الإجراءات التقشفية وزيادة الحصيلة الضريبية التي وصلت في العام الأخير إلى 2.2 تريليون جنيه وهناك خطة لزيادتها بنسبة 50% في العام القادم.

رفعت الحكومة أسعار الخدمات الأساسية من كهرباء ووقود ومواصلات، كما قلصت الدعم الحكومي لملايين المصريين، أغلقت المصانع وطرحتها للبيع ما قلل من إمكانية اعتمادها على الإنتاج المحلي وتقليص الاستيراد لتوفير عملة صعبة.

إن أرادت الحكومة المصرية أن تعلن اقتصاد حرب فلديها ما يكفي من صناديق سيادية يشرف عليها السيسي بنفسه فلتفتح تلك الصناديق ولتأخذ منها ما يكفيها من أموال للانفاق العسكري إن احتاج الجيش أن يشتري سلاحا غير الذي صدأ في مخازنه طيلة عشر سنوات.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصرية اقتصادية مصر اقتصاد رأي سياسات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحکومة المصریة اقتصاد الحرب

إقرأ أيضاً:

ما الذي يحدث في العالم ؟

 

نحن اليوم أمام سؤال كبير لن ندركه بكل أبعاده طالما ونمط التفكير الذي يسيطر في التفاعل مع الأحداث هو نفسه دون تغيير، ثمة أحداث مماثلة قد حدثت في سياق التاريخ البشري حملت إجابات واضحة، لكننا ما نزال نتعامل مع القضايا الكبرى في حياتنا بذات نمط التفكير القديم الذي يؤمن بالكليات دون تحليل، أو تدقيق، أو معرفة الأبعاد والآثار، التي تترك ظلالا على الحياة بكل تموجاتها، ولذلك نجد التاريخ يتكرر في حياتنا، وتتكرر كل مآسيه وأحداثه دون وعي منا أو إدراك.

القضية ليست انسياباً وجدانياً، ولا الحياة عاطفة وطاقات إيمانية، ولكنها نظام دقيق، وقانون أكثر دقة، من أدرك تفاصيله وأبعاده استطاع البناء، وحقق وجودا فاعلا ومؤثرا في الحياة، وربما وجدنا في التاريخ القريب والبعيد ما يؤيد ذلك من خلال التأمل والتفكير، فمثلا في وقعة الخندق لم يمنع القوة الإيمانية من التعامل والتفاعل مع تجارب الأمم الأخرى، فكان الخندق فكرة جديدة غيرت مسارا وأحدثت متغيرا في النتائج، وفي الحديبية كانت هناك قوة مؤمنة ضاربة قادرة على الغلبة لكنها مالت إلى العقل، وقبلت ببنود صلح مجحفة فكان الانتصار من حيث ظن الكثير الهزيمة والهوان، فالعقل هو القوة الموازية للقوة الإيمانية وبتظافرهما يتحقق الوجود، وتنتصر إرادة الخير والعدل في المجتمعات الإنسانية .

والعالم اليوم يخوض صراعا وجوديا في مستويات متعددة ذات أبعاد وثقافات وتغاير كبير، ففي المستوى الحضاري حدث انفجار كبير جعل العالم يبدو كقرية صغيرة، وفي المستوى الثقافي المتعدد والمتنوع تاهت الحقائق والمسلمات ولم تعد هناك من ثوابت بل كادت الرياح أن تموج بكل القضايا ذات المنطق السليم، وقد تعددت وسائل التفاعل الاجتماعي والوسائط، حتى وصل الفرد إلى مرحلة الضياع والتيه، وتعززت قيم جديدة، وضاعت قيم كانت من الثوابت الجامعة للمجتمع البشري، وسادت نظم ثقافة التفاهة والانحطاط، وكل مشاهير الزمن اليوم والمؤثرين من الرعاع وعوام الناس من الذين لا يملكون فكرة أو معرفة سوى فكرة الابتذال والسقوط القيمي والأخلاقي، أما الجانب الاقتصادي فقد تبدلت وتغيرت كل أدواته وعلاقاته وبشكل متسارع وكبير فالغني بين غمضة عين وافتتاحها قد يصبح فقيرا، والفقير قد يصبح غنيا، والصراع اليوم على أشده في العالم، وبالعودة إلى زمن الدولة العربية القديم وتحديدا في زمن الدولة العباسية، نجد اتساع الدولة، وهذا الاتساع في الجغرافيا فرض اتساعا في التفاعل مع الثقافات، ولذلك نشأت مدارس فقهية متعددة تتعاطى مع الواقع الجديد وتدرسه وتحاول أن تشرعنه بالدليل النصي، أو النقلي، أو العقلي، أو الاجتهادي، حتى أصبحت الدولة ذات شأن عظيم يخافها الأعداء ويرسلون الهدايا تودداً إليها، فكان وجود الدولة الإسلامية قويا وقائدا للمجتمع الإنساني والحضاري والثقافي والتقني والعلمي، وبعد أن دبَّ الضعف في أركانها وتشتت أمرها بزغت الحضارة الغربية على أنقاضها واستفادت من العلوم والمعارف التي تركتها بين ظهرانينا، فكان العلماء المسلمون هم النبراس الذي أضاء مسالك الحضارة المعاصرة، وقد أضافوا إلى تلك المعارف معارف وعلوما جديدة فاشتغلوا دون ملل أو كلل ومال المسلمون إلى الدعة والسكينة دون أن يحققوا وجودا حضاريا وثقافيا جديدا على الرغم من أنهم يحملون رسالة الخيرية إلى البشرية جمعاء .

والسؤال اليوم الذي يجب أن نقف أمامه هو : ما الذي جعلنا نبدو في تصور العالم أننا أمة متوحشة تشكل عبئا على الحضارة الإنسانية المعاصرة وعلى الرفاه والحياة الكريمة ؟ هذا السؤال هو نفسه الذي يبعث فينا روح الهزيمة، وفي السياق روح الانتصار على الذات المنكسرة في كوامن انفسنا، فنحن نملك مقومات الحياة والرفاه ومقومات الحياة الكريمة للإنسان ونملك مقومات الانتصار للإنسان الذي يؤكد ديننا على حريته وتعزيز عوامل التكريم فيه، ويرفض استغلاله واستعباده والحط من قدره أو النيل من آدميته وبشريته، فالإسلام جاء من أجل تحرير الإنسان من عبادة البشر ومن استغلال البشر لبعضهم ليكون إنسانا حرا كريما، ومسار التاريخ الإسلامي وشواهده وقصصه وأخباره كثيرة وهي مبثوثة في التراث الثقافي الذي أم نعد نقرأه، وفي المقابل نجد تاريخ الأمم الأخرى التي توازى وجودها مع بزوع الحضارة الإسلامية يتحدث عن استغلال واستعباد للإنسان بل كادت بعض الأمم أن تأكل بعضها بعضا ولا ترى للبشر أي قيمة أو معنى سوى أنهم موجودون لخدمة أسيادهم الذين امتازوا عليهم بالثروة والسلطة والقوة، هذه الصورة تغايرت مع الضعف الذي أصاب المسلمين وضياع أمرهم وشتاته، ولعل أبلغ عبارة موجزة في هذا الأمر ما قاله أحد أقطاب عصر النهضة العربية الشيخ محمد عبده حين عاد من الغرب فقال : “ذهبت إلى الغرب فوجدت إسلاما ولم أجد مسلمين وعدت للشرق فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاما ” وهنا تكمن الإشكالية للسؤال الذي علينا أن نبحث له عن إجابة في عالم اليوم الذي نعيش فيه ونشعر بعدم وجودنا فيه .

اليوم الأمة تباد في الشرق، تباد في فلسطين، وفي لبنان، وفي سوريا، وفي اليمن، وشتاتها وضياعها واضح للعيان، وقضية وجودها في خارطة العالم الجديد لا قيمة ولا معنى له بل هناك من يساهم ويعزز هذا الضياع من بني جلدتنا ممن يتحدثون بلساننا ويؤمنون بديننا ولا سبيل لنا إلا بالعودة إلى مقومات وجودنا الثقافية والحضارية وبدون ذلك سنكون ضحايا هذا العالم المتغطرس والمستغل .

مقالات مشابهة

  • ما الذي يحدث في العالم ؟
  • رسوم ترامب الجمركية والحرب تنهكان اقتصاد إسرائيل
  • كاميرا الجزيرة داخل معسكر طيبة الذي استعاده الجيش السوداني
  • اقتصاد ما بعد الحرب.. كيف يحاول السودانيون التعافي من الانهيار؟
  • بن شرادة: لا ترهقوا أرواحكم بالاجتماعات والندوات فالحل في نقص الصرف من المصرف المركزي
  • متحدث الوزراء: الحكومة المصرية تتابع عن كثب تطورات الحرب الاقتصادية العالمية
  • تعقيبا على مقال الأستاذ ياسر عرمان .. ورداً على سؤاله لماذا لا يفاوض الجيش ويقاتل في آن واحد ؟ (1-2)
  • النصيري يؤكد مشروع الاصلاح المصرفي الشامل الذي اعلنه البنك المركزي سيثمر نتائج واعدة
  • آلاف المصريين يتظاهرون أمام معبر رفح دعما لغزة بالتزامن مع زيارة ماكرون والسيسي
  • انهيار وشيك لـ الشيكل.. 1.4 مليار دولار تراجع في احتياطيات البنك المركزي الإسرائيلي