الجزيرة:
2025-03-31@13:16:42 GMT

أفريقيا وطوفان الأقصى بين تأييد شعبي وحذر رسمي

تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT

أفريقيا وطوفان الأقصى بين تأييد شعبي وحذر رسمي

كانت عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي الذي تلاها على قطاع غزة نقطة تحول لافتة حركت الركود الذي أحاط بالقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة لتعيدها إلى صدارة المشهد العالمي، مع تعاطف جارف غير مسبوق تاريخيا وغير محدود مكانيا ممتدا عبر القارات الخمس.

وكان لأفريقيا نصيبها من هذا الزخم، حيث شهدت القارة تفاعلا واسعا مع أحداث طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك على المستويات الرسمية والشعبية والمؤسساتية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بين المآذن والمحاريب.. هكذا تصنع المقاومة فرسانها في غزةlist 2 of 2أزمة اقتصادية بإسرائيل وخسائر كبيرة في غزةend of list

وبينما عكس هذا التفاعل في مجمله دعما قويا للقضية الفلسطينية وانتقادا للانتهاكات الإسرائيلية، فإنه كشف من جهة أخرى عن مدى التعقيد الذي تتسم به العلاقات الإسرائيلية بأفريقيا، خصوصا مع تطوير تل أبيب إستراتيجيتها لتوسيع نفوذها في القارة السمراء خلال السنوات الأخيرة.

موقف داعم

جاءت هذه الأحداث لتلقي بأضواء كاشفة على الموقف الأفريقي بتجلياته المختلفة من القضية الفلسطينية، ويمكن الحديث عن عدد من التكتلات الأفريقية التي تباينت ردود فعلها بين تأييد المطالب الفلسطينية والانحياز لإسرائيل، في حين التزمت مجموعة أخرى بالحياد.

فقد أظهر عدد من الدول الأفريقية دعمها للموقف الفلسطيني والتنديد بالجرائم التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية، في موقف تقليدي يرى في القضية انعكاسا للتجربة المريرة التي خاضتها القارة مع القوى الاستعمارية.

وضمن هذا الإطار نظمت السنغال المؤتمر الرابع لدول غرب أفريقيا لدعم القضية الفلسطينية منتصف يوليو/تموز 2024، كما أعلن رئيس البلاد باسيرو ديوماي فاي في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي مايو/أيار أن دعم داكار لفلسطين لا يمكن التراجع عنه.

هذا الموقف السنغالي يشكل نقلة من لغة الحياد التي انتهجتها البلاد في البداية بإدانتها لهجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول ودعوتها لإحياء المحادثات بين الطرفين، وهو تطور يُعزى إلى صعود حزب "الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة" (باستيف) إلى سدة السلطة في انتخابات مارس/آذار مستندا إلى برنامج قائم على رفض الهيمنة الغربية والتبعية.

وشكل موقف الحزب من فلسطين تناغما مع القاعدة الشعبية الكبيرة التي صوتت له، وهو ما يعتبره العديد من المراقبين مؤشرا على التباين بين مواقف الحكومات وضمير الكثير من الشعوب الأفريقية المؤيدة لنضال الشعب الفلسطيني، لا سيما في الدول ذات الأغلبية المسلمة.

من جهتها، أدانت تشاد "قتل المدنيين الأبرياء في غزة" مستدعية القائم بالأعمال التشادي في تل أبيب "للتشاور".

وتعد جنوب أفريقيا الصوت الأفريقي الأكثر بروزا في القارة السمراء، حيث حمَّلت سلطات بريتوريا الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن كل ما يقع من تصعيد غير قانوني، فضلا عن تدنيس المسجد الأقصى والأماكن المسيحية المقدسة، كما استدعت أيضا سفيرها وبعثتها الدبلوماسية لدى إسرائيل متهمة إياها بارتكاب جرائم إبادة جماعية.

وفي سابقة تاريخية قدمت جنوب أفريقيا طلبا رسميا إلى محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر/كانون الأول يتهم إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية في قطاع غزة بعد سقوط آلاف الشهداء الفلسطينيين والتهجير القسري لأبناء القطاع من بيوتهم ومناطقهم، وأعلن العديد من الدول نيتها الانضمام إلى بريتوريا في دعواها، منها في أفريقيا ليبيا ومصر.

بين الانحياز والحياد

في مقابل هذه المجموعة، برزت كتلة أخرى أظهرت دعما صريحا للاحتلال الإسرائيلي كغانا والكاميرون وتوغو وزامبيا والكونغو الديمقراطية وغيرها.

وهو ما يؤشر إلى التحولات التي تشهدها القارة نتيجة عدد من المتغيرات المرتبطة باتفاقيات أوسلو وما تلاها من تطبيع عربي مع إسرائيل، والنشاط الكبير لتل أبيب لتعزيز نفوذها داخل القارة السمراء، الذي أدى إلى افتتاح حوالي 30 دولة أفريقية سفارات أو قنصليات لدى إسرائيل.

كما نشأت شبكات مصالح بين الطرفين تشمل مجالات كالأمن وتكنولوجيا الدفاع والأسلحة، ومجال الزراعة الذي تشتد حاجة بعض الدول الأفريقية إليه مع معاناتها من الجفاف والفيضانات وسوء التغذية.

بجانب ما سبق هناك حلفاء تاريخيون لإسرائيل في أفريقيا كرئيس الكاميرون بول بيا الذي أعلن دعمه الصريح لتل أبيب، وكانت ياوندي من أوائل العواصم الأفريقية جنوب الصحراء التي استأنفت العلاقات مع إسرائيل عام 1986.

وكان لإسرائيل دور حيوي في تدعيم حكم بول بيا الممتد منذ عام 1982 حيث تتولى تأمينه الشخصي وقيادة وحدة النخبة الكاميرونية المعروفة بـ"كتيبة التدخل السريع".

بإزاء المجموعتين السابقتين التزمت دول أفريقية أخرى موقفا محايدا في خطابها السياسي كنيجيريا وتنزانيا وأوغندا وغينيا بيساو، فعلى سبيل المثال أعلن الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني أسفه لاندلاع "للعنف المتجدد" داعيا إلى اعتماد حل الدولتين ومدينا استهداف المدنيين من جميع الأطراف.

وتتعدد الدوافع الكامنة وراء هذا الموقف الذي يسعى أصحابه إلى نوع من الموازنة التي لا تقود إلى تضرر علاقاتهم مع تل أبيب من جهة، وبما لا يؤدي إلى الانسلاخ عن القيم الأفريقية التقليدية في مواجهة الاستعمار من جهة أخرى.

عثمان سونكو (وسط) خلال مسيرة لدعم الشعب الفلسطيني في العاصمة السنغالية داكار (مواقع التواصل الإجتماعي) الشعوب مع فلسطين

ومع تواصل الحرب الوحشية على غزة انتصر العديد من الشعوب الأفريقية لقيمها وتراثها في مكافحة الاستعمار، حيث شهد بعض من دول القارة مظاهرات كبيرة تضامنا مع الشعب الفلسطيني وتنديدا بإسرائيل.

وانطلقت عشرات المسيرات الحاشدة في العديد من دول القارة، وخرجت احتجاجات ضخمة في مدينتي كيب تاون وجوهانسبورغ في جنوب أفريقيا، وتجمع آلاف المتظاهرين للمطالبة بوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة واعتبار ما يحدث "إبادة جماعية".

تضمنت الاحتجاجات رفع الأعلام الفلسطينية وترديد شعارات ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما نُظمت احتجاجات أمام القنصلية الأميركية في جوهانسبورغ، تم توجيه انتقادات لدور الولايات المتحدة في دعم إسرائيل، وكان من اللافت خروج تظاهرات في عدد من الدول ذات العلاقات الوثيقة مع إسرائيل كنيجيريا وكينيا.

وفي كينيا، كان للاحتجاجات الشعبية دور حيوي في دفع رئيس البلاد ويليام روتو إلى التراجع عن موقفه الأولي المؤيد لتل أبيب إلى المطالبة بحل الدولتين، حيث دعا أولا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات ضد من أسماهم "مرتكبي الأعمال الإرهابية ومنظميها ومموليها ومؤيديها".

وتحت ضغط الشارع الكيني تبنى روتو لهجة أقل حدة، موضحا مطالبة بلاده بوقف إطلاق النار والالتزام بحل الدولتين.

كما كان للمجتمع المدني الأفريقي كلمته في هذا السياق، حيث ساهمت مجموعة من مؤسساته في تنظيم مظاهرات جنوب أفريقيا من قبيل "حملة التضامن مع فلسطين" و"الاتحاد الكونفدرالي لنقابات العمال"، التي وجهت دعوات للحكومة لفرض عقوبات على إسرائيل وتبني قانون "الفصل العنصري" لقطع العلاقات مع إسرائيل.

ولم يقتصر هذا الحراك على جنوب أفريقيا حيث خرج آلاف السنغاليين تضامنا مع أهل غزة، مثلت استجابة من أكثر من 50 منظمة في البلاد لدعوة "التحالف الوطني لدعم فلسطين"، الذي أعلن مباركته "لعملية طوفان الأقصى"، وطالب المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة.

كما وجهت رابطة "الأئمة والدعاة في السنغال" رسالة احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عبر منسقة المنظمة الأممية بداكار، أعربت فيها عن رفضها "الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني".

مظاهرات في كينيا ضد ما يحدث في قطاع غزة (الفرنسية) التفاعل المؤسساتي

على المستوى القاري تفاعل الاتحاد الأفريقي مبكرا مع تطورات الأحداث في غزة، حيث صدر بيان عن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد في السابع من أكتوبر/تشرين الأول يحث على إنهاء الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، موضحا أن إنكار إسرائيل لإقامة دولة فلسطينية هو السبب الرئيسي والدائم للتوتر، وداعيا الطرفين إلى العودة إلى محادثات السلام.

كما أكد البيان الذي وقعته 55 دولة عضوا في الاتحاد أن "على المجتمع الدولي والقوى العالمية الكبرى على وجه الخصوص، تحمل مسؤولياتها لفرض السلام وضمان حقوق الشعبين".

وتكرر هذا الموقف في 26 أكتوبر/تشرين الأول حين عبر فكي عن دعمه الكامل "للموقف المبدئي" للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة في مجلس الأمن.

وغرد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي على موقع إكس بالقول إن موقف غوتيريش "يتماشى مع القانون الدولي ومع موقف الاتحاد الأفريقي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أدان هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكنه وضح في خطابه أمام مجلس الأمن أنها "لم تحدث في فراغ"، وأن الشعب الفلسطيني يعاني من احتلال خانق منذ 56 عاما.

طرد إسرائيل

أصداء هذا الموقف الأفريقي الحاسم تكررت في القمة الأفريقية الـ37 في فبراير/شباط الماضي، التي عقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا حيث احتل ملف الحرب الإسرائيلية على غزة صدارة الاهتمام الذي تجسد في العديد من الخطوات، حيث مُنعت إسرائيل من حضور الجلسات الافتتاحية للقمة، وطُرد وفد إسرائيلي حاول المشاركة في اجتماعات المجلس الوزاري الممهد للقمة.

وفي خطابه، وصف موسى فكي ما تتعرض له غزة بالإبادة الجماعية، معتبرا قرار محكمة العدل الدولية المتعلقة بالجرائم الإسرائيلية "انتصارا لكل الدول المساندة للقضية الفلسطينية".

كما طالب البيان الختامي للقمة بإجراء تحقيق دولي مستقل في استخدام إسرائيل أسلحة محظورة دوليا في حربها بغزة، وفي انتهاكها القانون الدولي الإنساني باستهداف المستشفيات والمراكز الطبية والمؤسسات الإعلامية، وطالبت برفع الحصار الجائر المفروض على القطاع.

وفي هذا السياق كان لتكتل "التجمع الإنمائي للجنوب الأفريقي (سادك)" موقف واضح في ختام قمته الـ44 في أغسطس/آب الماضي، حيث أشار البيان الختامي إلى القلق إزاء الهجوم المتواصل على المدنيين في فلسطين، الذي أسفر عن إزهاق أرواح وتدمير الممتلكات وتدهور الأوضاع الإنسانية.

ودعت القمة إلى وقف فوري لإطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن وبدء محادثات للتوصل إلى حل دائم للصراع.

ورغم التباين الذي أظهرته الحكومات الأفريقية في ردود فعلها تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن الرأي العام في معظم دول القارة ممثلا بالشوارع المتظاهرة والاتحاد الأفريقي كان يميل بقوة نحو دعم حقوق وآمال الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه المشروعة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات أکتوبر تشرین الأول الاتحاد الأفریقی الشعب الفلسطینی جنوب أفریقیا هذا الموقف مع إسرائیل العدید من قطاع غزة على غزة عدد من فی غزة

إقرأ أيضاً:

ترتفع الحرارة فيهرعون للبنادق.. كيف نفهم منطق حروب الساحل الأفريقي؟

في يونيو/حزيران 2019؛ نشرت مجلة "نيتشر" بحثا أجراه فريق من جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأميركية، يُظهر أن ثمة علاقة طردية بين تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة وتفاقم خطر نشوب الصراعات المسلحة العنيفة داخل الدول.

وتُظهر الدراسة أن خُمس الصراعات الأهلية التي وقعت بين عامي 1950 و2004، والبالغ عددها 250 صراعًا، بدا أن ارتفاع درجات الحرارة قد أثر فيها بشكل ملحوظ. وبرغم اختلاف مستويات الفقر وحالة الديمقراطية وأعراق السكان؛ فإن هذا التنوع لم يُلغِ العلاقة السببية المركبة بين المناخ والصراع في كل الحالات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"لن يقول لك وداعا".. هل يقع الإنسان في حب الروبوت؟list 2 of 2القنابل الخمس التي تستخدمها إسرائيل في إبادة غزةend of list

لا تظهر علاقة المناخ بالصراع في معادلة خطية ومباشرة؛ لكن التغيرات المناخية تنتج العديد من الأسباب التي تتداخل للتأثير في احتمال نشوب الصراع. وهنا تؤدي الأقدار الجغرافية دورها، إذ تكون بعض المناطق والأقاليم معرضة أكثر لتأثيرات التغيرات المناخية ومن ثم تصبح عرضة لخطر النزاعات.

ففي أفريقيا؛ وعلى الرغم من أن نسبة مساهمة القارة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية تصل إلى قرابة 4% فقط، تعدّ البلدان خاصة دول الساحل الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، التي أثرت بشكل مباشر في البيئة الأمنية هناك.

إعلان

تتعدد التعريفات الجيوسياسية لمنطقة الساحل الأفريقي، فمنها ما يحدد تلك المنطقة بأنها تمتد من إريتريا شرقا إلى السنغال غربا، لتكون بمثابة الحزام الأوسط الذي يفصل بين الصحراء الأفريقية الكبرى شمالًا والمناطق الاستوائية جنوبًا.

ورغم أنها تسمى دول الساحل، وقد يبدو للوهلة الأولى أنها دول بحرية، فإن أغلبها دول حبيسة، تقع عند التقاء منطقتين مختلفتين في المناخ والغطاء النباتي، ومن الدول الخمس الداخلة ضمن نطاق ما يسمى "تجمع الساحل الخماسي"، أربع دول لا شواطئ لها، وهي تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، والدولة الوحيدة منها التي تقع على المحيط الأطلسي هي موريتانيا.

ومنذ بدء استقلالها في ستينيات القرن الماضي، تشهد دول الساحل بشكل متكرر عواصف من النزاعات العنيفة في ظل ضعف الحوكمة وهشاشة الشرعية السياسية لدول ما بعد الاستعمار، فضلا عن التدهور الاقتصادي وتراجع معدلات التنمية على نحو حاد، وهي نزاعات لا يمكن فصلها بحال عن التأثير الخارجي للدول التي تتصارع على موارد الطاقة والمعادن وغيرها من الثروات التي تنعم بها القارة السمراء.

وعلى الرغم من مركزية العوامل الموضوعية في فهم مسببات الصراع وطبيعته، إلا أن الالتفاتة إلى زاوية التغير المناخي كعامل مساهم في تأجيج الصراعات، تمنح المحلل والمتابع عدسة جديدة للنظر والتبصر في الواقع. فهل ثمة علاقة لهذه النزاعات المتكررة بالتغيرات المناخية في المنطقة؟ وكيف أثرت عمليات التحول المناخي في إنتاج وتعميق الصراعات الأمنية والسياسية؟

أفريقيا.. من يدفع الثمن؟

كشف تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية صادر في سبتمبر/أيلول 2024 أن القارة الأفريقية سجلت على مدار السنوات الستين الماضية اتجاهًا للاحترار أصبح أسرع من المتوسط العالمي، بنحو +0.3 درجة مئوية كل عشر سنوات بين عامي 1991 و2023. وفي عام 2023؛ شهدت القارة موجات حرّ مميتة وأمطارًا غزيرة، وفيضانات وأعاصير مدارية وموجات جفاف طويلة.

إعلان

كما أشار التقرير إلى أن عام 2023 كان أحد الأعوام الثلاثة الأعلى حرارة في أفريقيا منذ بدء تسجيل درجات الحرارة قبل 124 عاما، وغالبا يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة التبخر وتدهور الأراضي الزراعية، كما أن البلدان الأفريقية تخسر في المتوسط ما بين 2 و5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويحوِّل الكثير من هذه البلدان ما يصل إلى 9 في المئة من ميزانياتها لمواجهة الظواهر المناخية المتطرفة.

وبشكل أخص؛ يشير تقرير آخر صادر عن معهد ستوكهولهم الدولي لأبحاث السلام عام 2023 إلى أن متوسط درجة الحرارة في منطقة الساحل قد ارتفع بمقدار 1.5 درجة مئوية خلال القرن الماضي، ومن المتوقع أن يرتفع بمقدار 3-5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن الحالي.

وحسب نفس المصدر، فإن التغيرات المناخية في هذه المنطقة تشمل ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطل الأمطار، وزيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة (الجفاف، الفيضانات، العواصف).

وقد رصد الصليب الأحمر في تقرير صدر عام 2024، الآثار البيئية للتغيرات المناخية في دول الساحل، مشيرا إلى تأثر أكثر من 1.3 مليون شخص بالفيضانات بدولة النيجر، إلى جانب تدمير أكثر من 146 ألف منزل، وخسارة هائلة في الأرواح، وتدمير أكثر من 22 ألف هكتار من المحاصيل.

وفي دولة تشاد؛ تأثر أكثر من 1.9 مليون شخص، وجرى تدمير 217,779 منزلًا، و432,203 هكتارًا من الأراضي الصالحة للزراعة، ونفق أكثر من 72,000 رأس من الماشية.

ومن بين آثار التغيرات المناخية العديدة على المنطقة، تبدو ظاهرة تغير أنماط الأمطار ذات خصوصية بالنسبة للأوضاع الداخلية في المنطقة، حيث تزداد فترات الجفاف الشديد وتعقبها فيضانات مدمرة؛ مما يؤثر في الزراعة والثروة الحيوانية، ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن 75% من أراضي منطقة الساحل تعاني من الجفاف الشديد.

إعلان

وتذهب التقديرات إلى أن الجفاف الذي ضرب دولة النيجر قبل سنوات، تسبَّب في نفوق ما يربو على 4.8 ملايين رأس من الماشية، أي نحو 25% من قطعان الماشية هناك، وهو ما يمثِّل خسارة أكثر من 700 مليون دولار لاقتصاد هذا البلد.

وفي المجمل؛ تؤثر التغيرات المناخية في منطقة الساحل وشمال أفريقيا بصفة عامة، في تدهور الأراضي وزيادة التصحر، وتدهور التربة، وإجهاد المحاصيل، وانخفاض إنتاجية الثروة الحيوانية، إلى جانب عدم القدرة على التنبؤ بالمواسم الزراعية، وتدهور الأراضي الزراعية، وفقدان المحاصيل، ونقص المياه، ومن ثم المزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية وزيادة الفقر.

ولكن ما علاقة هذا كله بالنزاعات ذات الطابع السياسي؟ وما الديناميات التي تؤثر من خلالها التغيرات المناخية في إذكاء التوترات السياسية والعرقية في منطقة دول الساحل؟

الكاتب: للتغيرات المناخية وما خلفته من شح في الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية، بمنطقة الساحل الأفريقي، تأثيرا في زيادة التنافس والصراعات (رويترز) صراع لاقتسام الموارد الشحيحة

يبدو أن للتغيرات المناخية وما خلفته من شح في الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية، بمنطقة الساحل الأفريقي، تأثيرا في زيادة التنافس والصراعات بين السكان في دول تقوم على نظام قبلي، وخاصة بين الرعاة والمزارعين؛ مما يزيد من احتمال تفاقم النزاعات الإثنية المسلحة.

وفي ذلك يشير تقرير لمجموعة البنك الدولي إلى أن "الوضع ازداد تعقيدا في السنوات الأخيرة جراء فترات الجفاف الطويلة؛ مما أدى إلى تدهور متزايد لأحوال الأمن في بعض بلدان منطقة الساحل، واضطرار السلطات لفرض المزيد من القيود على تحركات الرعاة وقطعانهم بين بلدان الساحل، وقد تسبب هذا الوضع في نشوب منازعات أكثر تكرارا قد تكون أشد خطورة وأوسع تأثيرا مستقبلا".

من جهته، يشير المعهد السويدي للشؤون الدولية إلى أن هذه التغيرات السريعة والحادة تؤدي إلى زيادة التوترات والصراعات المحلية لاقتسام الموارد المحدودة أصلا، كما يدفع تفاقم الفقر والبطالة المتضررين من تدمير مواردهم إلى البحث عن تدبير سبل معيشتهم بكل الطرق المتاحة، وهو ما يوجِد تربة خصبة للجريمة المنظمة والعنف والانضمام إلى الجماعات المسلحة التي تمثل البديل الاقتصادي الأكثر ربحية.

إعلان

وعلى سبيل المثال، في دولة مالي أدى الجفاف وتدهور الأراضي الزراعية إلى نزوح العديد من المزارعين والرعاة إلى المدن؛ مما زاد من الضغط على الموارد والبنية التحتية، وساهم في تفاقم الأزمة الأمنية، كما أن مساحة بحيرة تشاد التي تشكل موردا حيويا لملايين الأشخاص في محيطها، تقلصت بشكل كبير بسبب الجفاف وتغير المناخ، وهو ما أدى إلى تفاقم النزاعات بين التجمعات السكانية التي تعتمد على البحيرة في معيشتها.

ما يبدأ نزاعا على الموارد يتحول صراعا مسلحا

تمثل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، الناجمة عن التغيرات المناخية في دول الساحل، رافدا إضافيا للنزاعات المسلحة رغم تعدد اتجاهاتها السياسية والدينية، وتشكل المظالم المحلية التي ينتجها شح الموارد بيئة محفزة لنمو التيارات المسلحة، في ظل هشاشة الدول والنظم الاجتماعية بهذه المناطق.

ففي السنوات الأخيرة؛ تحولت منطقة بحيرة تشاد إلى إحدى أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، وصنف مؤشر الإرهاب العالمي بلدانها ضمن الدول العشر الأقل أمانًا في القارة الأفريقية، فتنظيم "بوكو حرام" المسلح، الذي استوطن الجزء الشمالي من نيجيريا، سرعان ما امتد نشاطه إلى جنوب غرب تشاد، وشرق النيجر، وشمال الكاميرون.

ومنذ عام 2015، أصبح تنظيم "داعش غرب أفريقيا" اللاعب الأبرز في بحيرة تشاد، وتقاسم مع بوكو حرام، السيطرة على المنطقة، قبل أن يحسم معركة الصراع في شمال شرق نيجيريا، إثر مقتل أبي بكر شيكاو زعيم بوكو حرام في مايو/أيار 2021.

ولا يمكن النظر لهذه العوامل دون النظر بالتوازي للمسببات والمحركات الدولية من دول وشركات ترى قارة أفريقيا بوصفها قارة ثروات ونفوذ، وتعتبرها مسرح شطرنج تدور فيه أحجار كل طرف لتعزيز ثرواته ونفوذه السياسي والاقتصادي على حساب منافسيه.

ضغط الهجرة المناخية

كما أدى تدهور الأراضي الزراعية وتناقص الموارد المائية إلى هجرة السكان من المناطق المتضررة، مما فاقم ظاهرة الهجرة في هذه البلدان التي تعاني أصلا من نزوح داخلي وخارجي بسبب النزاعات المسلحة.

إعلان

وساهمت موجات النزوح في زيادة الضغط على المدن وعلى البنية التحتية والخدمات الأساسية، مما يخلق تحديات اجتماعية واقتصادية جديدة مثل زيادة معدلات الجريمة، بما في ذلك السرقة والنهب، وبالتالي تنامي انعدام الأمن.

وتشير توقعات للبنك الدولي إلى أن القارة الأفريقية ستكون الأكثر تضررا من تغيّر المناخ، مع ما يصل إلى 86 مليون أفريقي سيهاجرون داخل بلدانهم بحلول عام 2050، ويمكن أن تظهر النقاط الساخنة للهجرة المناخية في وقت مبكر من عام 2030.

ويظهر تقرير آخر بعنوان "التحولات الأفريقية" أطلقته مبادرة التنقل من أجل المناخ في أفريقيا؛ أنه بحلول عام 2050، يُتوقع أن يتسبب تغيّر المناخ بانتقال 1.2 مليون شخص عبر الحدود الوطنية داخل القارة الأفريقية، ومن الممكن أن يرتفع عدد الأشخاص الذين ينتقلون بحثا عن الحماية وسبل العيش الأفضل داخل بلدانهم الأصلية بسبب تأثيرات المناخ في السنوات الثلاثين القادمة ليصل إلى 113 مليون شخص من سكان أفريقيا.

وغالبا ما تؤدي هذه الموجات من الهجرة إلى ضغط على دول الاستقبال، ونزاعات بينها وبين دول المصدر، وهو ما تعانيه دول شمال أفريقيا وجيرانها في الضفة الشمالية للبحر المتوسط، خلال السنوات الأخيرة، جراء تزايد تدفق المهاجرين من دول الساحل وجنوب الصحراء، بسبب النزاعات والأزمات الإنسانية.

وتشير تقديرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أنه ما لم تُتخَّذ تدابير كافية للاستجابة لهذه الأوضاع، فإن ما يصل إلى 118 مليون شخصا يعانون من الفقر المدقع ويعيشون على أقل من 1.90 دولار أمريكي في اليوم، سيتعرضون للجفاف والفيضانات والحرارة المتطرفة في أفريقيا بحلول عام 2030، وهو ما سيضع أعباء إضافية على جهود التخفيف من حدة الفقر ويعرقل مسيرة التنمية، وبالتالي تفاقم النزاعات الناجمة عن التغيرات المناخية التي تزيد من مأساة القارة التي يستابق الكثيرون من دول العالم للسيطرة على مواردها وثرواتها.

إعلان

مقالات مشابهة

  • الخزعلي: عراقيون استقطبتهم ودربتهم تركيا تم إدخالهم “بقدرة قادر” ضمن لواء 59 حشد شعبي
  • نائب أردوغان يشن هجوماً لاذعاً على إسرائيل.. ما الذي يحدث؟
  • بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى تدين الهجوم الذي استهدف قوة تابعة لها
  • دوري أبطال أفريقيا.. استقبال رسمي من نادي بيراميدز لبعثة الجيش الملكي
  • إعلام عبري يكشف تفاصيل المقترح البديل الذي قدمته إسرائيل لمفاوضات التهدئة بغزة .. 10 أسرى مقابل التهدئة في العيد
  • ماذا يتضمّن "المقترح البديل" الذي أرسلته إسرائيل للوسطاء؟
  • ترتفع الحرارة فيهرعون للبنادق.. كيف نفهم منطق حروب الساحل الأفريقي؟
  • أكاديمية السينما تعتذر بعد إغفال اسم المخرج الذي اعتدت عليه إسرائيل
  • تعرف على القنابل الخمسة التي تستخدمها إسرائيل في إبادة غزة
  • حشود مليونية وطوفان بشري بالعاصمة صنعاء في إحياءً ليوم القدس العالمي 1446هـ