يا من تظن أنني من وجعك اكتفيت.. هات ما عندك إن كنت تحطيمي ابتغيت
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
أضحك ملئ شدقي حين أتذكر كم كنت غبية، ساذجة طيبة آمنت بكل أكاذيبك وترهاتك. تركتك تمارس عليّ غطرسة الرجل الشرقي الذي لا يرضى سوى بأدوار البطولة. وسمحت لك أن تعزف باسم الحب المزيف الذي كنت تكنه لي أجمل سيمفونية.
لم أكن على قدر كبير من الذكاء أمامك، وسأكون صادقة لو أنني اعترفت لك من أنك نجحت في سلبي قواي، وكل روحي.
كدت أخسر روحي. سلمتك مقاليد الحكم في كيان كنت قبل أن أعرفك سيدته. فلطالما حاول قبلك رجال الحوم حولي للظفر بكلمة مني إلا أنني لم أكن لأسمح لأي منهم أن يلقف مني شيئا.
ممتنة أنا للأقدار التي لم تخبأ لي في بداية علاقتنا إلا الجميل، فقد كان كل شيء ساحر لدرجة أحسست فيها بأنني في عالم أخر. كنت تدرك نقاط ضعفي فسرعان ما رحت تغطي نقصي بكثير من الحنكة الخبيثة.
أتخمتني بالحب والعاطفة، فصرت الهواء الذي أتنفسه، كنت كل شيء بالنسبة إليّ ولم أكن أنا بالنسبة لك سوى سدّ خانة. أو لعبة تسليت بها لتتخلص منها فور ملك منها أو لنقل فور تأكّدك من أنك أتيت على آخري.
عظيم هو الغرور الذي جعلتني أحياه، فحبك جعلني في خيلاء كبير لم أستفق منه سوى بعد أن رميتني بسهام الترك والخذلان.
كنت كمن يحيا حلما لم أشأ أن أستيقظ منه، حلم جميل صدمت بعده بهجر أوجعني وضربني في مقتل. ضربة أسديتها إلى قلبي المفعم بك والذي بات مذلولا خائر القوى على أن يستجمع بعضه ليحيا من جديد.
موت حقيقي بت أحسه، جسدي بلا روح فأنت كنت روحي فهل تساءلت يوما عن فداحة ما اقترفته؟.
هل تساءلت عن جرمك الذي أفضاني مصابة بعاهة أبدية أسميتها انسلاخ قلب ووجع روح؟. هل أحسست بمدى تماديك في جعلي اليوم تائهة حتى في اتخاذ أبسط قرار؟، هل تحسرت مثلي يوما على أنك بت تحمل لقب جلاد أنثى لا ذنب لها سوى أنها أحبتك؟، هل تراك في دوامة مثلي تائه لا تعرف رأسك من أخمص قدميك؟. لا عيب في أن يكون لك اعتراف أو وقفة تجلّي من أنك هزمتني.
باسم الحب بدأنا وباسم النجوى التقينا وتحت لواء الخداع مارست عليّ كل أنواع التنكيل النفسي. تركتني أحتسب أمري إلى الله وقد أعياني الألم والشّجن. تحسبني وقد قتلت في روحي إلا أنني أخبرك أنك نجحت. حتى في أن استأصلت كل مشاعر السلوى والصبر التي كان بإمكانها أن تطبطب على قلبي المكلوم على يديك.
لك أن تنتشي بما اقترفته في حقي، ولك أن تفخر من أنك قضيت على قلبي وعليّ مرة واحدة. لدرجة أنّ عقودا من الزمن لن يكون بوسعها أن تشفيني. أو أن تخرجني من هالة الوجع الشديد وهول صدمة أعدّها أكبر مصيبة حدثت معي.
سأكون صادقة وسأخبرك بسرّي المكنون أنني لم أعد أحسّ بشيء فهات ما عندك إن كنت تريد شنّ حرب ضدي. لـتأتي على بقايا وأشلاء قلبي.
هو الأمر الذي أظنه يرضي غرورك ويجعلك في منتهى التقبل النفسي (هما الضعف والنقص اللذان تحاول طمسهما من شخصية نرجسية مرضية هي أنت).
تعالى وخض حربا ضدّ إنسانة ماتت وهي على قيد الحياة، فقبلا شننت حربا ضدي. وأنا من دون سلاح بينما كنت أنت في منتهى القوة بسبب الغرور والخديعة.
والآن ها أنت تشن حربا ضدّ قلب متوقف مع سبق الإصرار والترصد، قلب احتواك فقدته للهلاك وأنت تجهل أنه لا أحد يسكنه سواك.
فخورة جدا لأنني وجدت في قوتك وهيلمانك ضعفا لا يضاهيه ضعف، فخورة لأنني اكتشفت مكامن النقص التي أنت تجهلها في نفسك. عظيمة هي روحي التي لم تمط عنك عيوبك حتى بعد الخديعة التي جعلتني أحياها، ليس لطفا مني بل شفقة عليك.
أشفق عليك بالرغم من انكساري أنك وبغرورك الذي غذيته أنا صرت تحسب نفسك بطلا مغوارا. تمشي مختالا وكأنك أحرزت فوزا عظيما وأنت لمتقترف سوى جرم رخيص من قلب تعيس لم يقدر إحساسي وحبي.
لا سامحك الله ولا غفر لك، سنلتقي عند الله كخصمين وسأقتص منك في محكمة الآخرة. أين لن يكون لك مفر أو حيلة تنفذ منها، حينها فقط سأرتاح. وأتنفس الصعداء فلا رحمة لمن باع وخان، ولا تراجع عن قرار مقتي لك بعد عاصفة من الحب الكبير الذي لم تدرك قيمته، فيالك من بائس تعيس.
حاكتها: “ب.س”
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
كلمات دلالية: من أنک
إقرأ أيضاً:
رحل محمد حسن وهبه، وما الذي تبقى من زيت القناديل؟
صديق عبد الهادي
(1)
للشاعر الألماني "برشت" او "بريخت" كما ينطقه آخرون، قصيدة بليغة، محتواً ونصاً، وخاصة عند الإطلاع على تلك النسخة من ترجمتها البديعة التي بذلها صديقنا ومربينا العزيز دكتور محمد سليمان. ولتلك الدرجة التي يحار فيها المرء في أي لغةٍ أصلٍ كتبها "برشت"؟! وقد جاءت القصيدة تحت عنوان "أسئلةُ عاملٍ قارئ".
إنه لمن الصعب الإقتطاف منها، لأن الإقتطاف يهدمها مبناً ومعناً، أو يكاد! ولكن، لابد مما ليس منه بد. إذ يقول/
"منْ بنى طيبة ذات الأبواب السبع
الكتب لا تحوي غير أسماء الملوك
هل حمل الملوك كتل الصخر يا ترى؟!
وبابل التي حُطِمتْ مرات عديدات
منْ أعاد بناءها كل هذه المرات؟!
وفي أي المنازل كان يسكن عمال ليما
الذهبية المشرقة؟!
وفي المساء - حين إكتمل سور الصين العظيم –
أين ذهب البناؤون؟!
روما الجبارة مليئة بأقواس النصر
منْ شيَّدها؟
وعلى منْ إنتصر القياصرة؟!
وهل كانت بيزنطة الجميلة تحوي قصوراً
لكل ساكنيها؟!".
كلما أطلَّتْ هذه القصيدة أمامي ساءلتُ نفسي، ألا تنطبق تلك التساؤلات، الثرة والغارقة في الجدل، على النشاطات الإنسانية والنضالية في حقول الحياة الأخرى؟، وبالطبع، دائماً في البال أولئك "الفعلة" "المجهولين" "تحت الأرض"، الذين كلما تحطمت "بابلنا"، أو كادت، أعادوها لنا في كامل عافيتها وبهائها!
كان الراحل محمد حسن وهبه، وعن جدارة، أحد أولئك الــــــــ"تحت الأرض"، ولشطرٍ كبيرٍ من حياته.
(2)
تعرفت على رفيقنا الراحل في تقاطعات "العمل العام"، بعد عودة الحياة الديمقرطية إثر إنتفاضة مارس/أبريل في العام 1985. فمن الوهلة الأولى لا يعطيك الإنطباع بحبه للعمل العام وحسب وإنما، وفي يسر، بأنه إنسانٌ صُمم لذلك. رجلٌ سهل وودودٌ وذو تجربة صلدة، تتقمصه روحٌ آسرة ومتأصلة لا فكاك للمرء من إيحائها، بأنك تعرفه ومنذ زمن طويل. كان يتوسل المزحة ودونما تكلف في تجاوز المواقف المربكة، وكم هي غاصةٌ بها الحياة ومسروفةٌ بها غضون العمل العام ومطارفه!
عملت في صحبته وصحبة صديقنا المناضل الراحل محمد بابكر. والأثنان كانا يمثلان مورداً ثراً في التصدي لقضايا العمل العام، وخاصةً النقابي. طاقات مدهشه يحفها تواضع جم، أكثر إدهاشٍ هو الآخر. تعرفت على الراحل محمد بابكر في قسم المديرية بسجن كوبر إبان نظام المخلوع نميري ولفترة امتدت لأكثر من عام. وهو الذي قدمني للراحل "محمد حسن وهبه"، ومنذها كانت صداقة ثلاثتنا.
جرتْ انتخابات النقابات الفرعية منها والعامة في العام 1988، وفازت "قوى الإنتفاضة"، التي كانت تضم كل الإتجاهات، ما عدا الإسلاميين الذين كانوا يمثلون او بالأحرى يطلق عليهم "سدنة مايو". فازت "قوى الإنتفاضة" بما مجموعه 48 من عدد 52 نقابة عامة لاجل تكوين الإتحاد العام للموظفين في السودان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما تمّ بعد إنتفاضة مارس/ ابريل 1985 في شأن إستعادة النقابات وفرض شرعيتها من خلال الإنتخاب الحر والديمقراطي هو ما لم تنجح في فعله قوى الثورة عقب ثورة ديسمبر 2018 مما كان له الأثر الكبير في كشف ضعف الثورة وفي وتأكيد غفلتها. فلقد ظلت كل القوانين كما هي وكأن ثورة لم تكن!
كان "محمد حسن وهبه" أحد الذين كانوا من وراء إنجاز قيام الإتحاد العام للموظفين، والذي تمً على إثره إنتخاب الراحل محمد بابكر وبشكل ديمقراطي أميناً عاماً له. كان "محمد حسن وهبه" مسؤولنا الأول عن إدارة تلك الحملة وقيادة ذلك العمل. كان أحد المعنيين بإعادة "بناء بابل"، وقد فعل ذلك على أكمل وجه. والآن جاء يوم شكره المستحق.
(3)
لم يجمع بيننا العمل العام لوحده وإنما جمعت بيننا "البراري" بكل تفردها وزخم "قواها الإشتراكية" التليدة إن كان في ترشيحها لـ"فاطمة" أو في تكريمها لـ"سكينة عالم"، والذي كان وبعقودٍ طويلة قبل تجشم "هيلاري" و"كاميلا" لمصاعب المعاظلة مع عتاة الرأسمال!.
كنت أغشاه كثيراً، وليس لماماً، للتزود من معارفه الحياتية ومن فيض روحه السمح، ومن لطائفه كذلك. كنت أسكن "كوريا" ويقطن هو في "إمتداد ناصر". ذات مساء وجدت في معيته المناضل الراحل "يوسف حسين"، وكما هو معلوم فهو رجل صارم القسمات وللذي يراه لأول مرة لا شك أنه سيظن أن هذا الرجل بينه والإبتسام ما تصنعه القطيعة البائنة!. أنهما صديقان، ولكن للمرء أن يعجب كيف تسنى ذلك، فــ"وهبه" سيلٌ متدفق من "الحكاوي" و"المِلَح" والضحك المجلجل؟!
إن لوهبه قدرة فائقة على صناعة الأصدقاء، إن جاز القول.
وهبه حكاءٌ بإمتياز، لا يدانيه أحد. كان يبدع حين يحكي عن طُرَفِ زميله الراحل الأستاذ "أبو بكر أبو الريش" المحامي، الذي تميز هو الآخر بالحس الفكه والروح اللطيف، والطيب. كانت طرفته الأثيرة لوهبه، وهما طلاب في المدرسة الثانوية في مدينة بورتسودان، حين سأل أحد الأساتذة "ابوبكر" عن إسمه بالكامل فقال له :إسمي أبو بكر أبو الريش. فأردف الأستاذ: هل فعلاً اسم أبيك أبو الريش؟، فرد عليه أبو بكر: "بالمناسبة يا أستاذ أمي ذاتها إسمها أبو الريش!"، فإنفجر الطلاب بالضحك. حينما يحكي وهبة هذه الطرفة يحكيها وكأنها حدثت بالأمس، وحتى حينما يعيد "حكوتها" يعيدها بشكلٍ مختلف، في كل مرة، عن سابقتها. فتلك موهبة لا يتوفر عليها الكثيرون!
إن في مرافقة رواد العمل العام من أمثال وهبه، والذين يجمعون كل تلك المواهب، يصير العمل العام وبكل صعوباته وتعقيداته متعة، فضلاً عن كونه في معيتهم يمثل مدرسة حياتية نوعية ترقى إلى مستوى الرسالة المقدسة، التي يكون المرء على إستعدادٍ كاملٍ للتضحية بحياته من أجلها.
(4)
إن رفيقنا الراحل "محمد حسن وهبه" هو أحد الذين قدموا التضحيات الجسام بدون منٍ او سعيٍ مبغوضٍ للشهرة. عاش بسيطاً بين الناس وكريماً ذا "يدٍ خرقاء" حينما يطلب الناس بيته. إنه أحد أولئك الذين هم "زيت القناديل"، الذين تساكنوا، " تحت الأرض "، وتآلفوا مع الحرمان من طيب العيش والأهل، ولردحٍ طويلٍ من حيواتهم! إنه أحدُ منْ عناهم "برشت" أيضاً، حين قال/
"والعظمة تبرز من داخل أكواخٍ بالية
تتقدم في ثقة
تزحم كل الآماد
والشهرة تسأل حائرة - دون جواب –
عمنْ أقْدَمَ، أفْلَحَ، أنْجَزَ هاتيك الأمجاد!
فلتتقدم للضوء وجوهكم، لحظات
فلتتقدم هاتيك المغمورة مستورة
فلتتقدم كي تتقبل من أيدينا
كل الشكر
وكل الحب" (*)
فلك كل الشكر، رفيقنا "محمد حسن وهبه"، ولك كل الحب.
ولتخلد روحك في عليين.
___________________.
(*) من قصيدة "تقريظ العمل السري".
نقلا من صفحة الاستاذ صديق عبد الهادي على الفيس بوك