قال الدكتور صلاح البدير، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن خير الرجال من تواضع عن رفعة وعفا عن قدرة وأنصف عن قوة.

شر الرجال

وأوضح “ البدير ” خلال خطبة الجمعة الثانية في ربيع الآخر اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، أن شرّ الرجال الغِطْرِيْسُ المُتَكَبِّرُ المتبجح المتفخّر المتعظّم المختال المتطاول، منوهًا بأن من الأخلاق العلية والشمائل السنية والشيم المرضية التواضع وترك الزهو والخيلاء والفخر والبذخ والتطاول على العباد.

وأشار إلى أن التواضع: لين الجانب ولطافة القول ومسالمة الناس وخفض الجناح للمؤمنين في غير منقصة ولا مسكنة ولا مهانة؛ والتواضع مجلبة للمودة والشرف والعلاء؛ والتَغَطْرُفُ مَدْرجة للمقت والبغض والعداء.

واستند لما قال أبو حاتم: ما استجلبت البغضة بمثل التكبر ولا اكتسبت المحبة بمثل التواضع، مشيرًا إلى أن خير الرجال من تواضع عن رفعة وعفا عن قدرة وأنصف عن قوة، وشرّ الرجال الغِطْرِيْسُ المُتَكَبِّرُ المتبجح المتفخّر المتعظّم المختال.

وتابع: المتطاول الرافع أنفَه ورأسه تيهًا وكبْرًا الذي استخفه الحُمْق والجهل حتى جاوز قدْرَه وعَدَا طوره ورفع نَفْسَهُ فَوْقَ كُلِّ أَحَدٍ ولم ير حقًا لِأَحَدٍ وظنّ أنه لا أحدَ يقدر أَن يعاليه ويساميه.

المعجب بنفسه

وبيّن أنه إذا تسنم المَزْهُوُّ المعجبُ بنفسه رتبة، أو نال منزلة، أو تولّى منصبًا ملأ المواطن صخبًا مُذْ حَلَّها وأفسد بتكبره وتجبره مَحَلَّها وكدّر بالمكائد والأحقاد صفوها وبدّد شملها، لافتًا إلى أن من وضع نفسه دون قدره رفعه الناس فوق قدره.

وأضاف أن من رفعها عن حده وضعه الناس دون حده، قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)؛ قال ابن كثير: أي: بِسَكِينَةٍ ووَقَارٍ مِنْ غَيْرِ جَبَرية ولَا اسْتِكْبَارٍ ".

واستشهد بما ورد عن عِيَاضِ بنِ حمارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ أوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ، ولاَ يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ» أخرجه مسلم.

ودلل بما قال القرطبي: " التواضع نقيض التكبر، والتكبر: هو الترفع على الغير، فالتواضع: هو الانخفاض للغير، وحاصله أن المتكبر يرى لنفسه مزية على الغير تحمله على احتقاره، والمتواضع لا يرى لنفسه مزية، بل يراها لغيره؛ بحيث يحمله ذلك على الانخفاض له، مراعاة لحقه ".

تلين لهما كلامك

وأوصى ، قائلاً: تواضعوا مع من تعيشون معهم في البيوت، وتشاركونهم الزاد والقوت، تواضعوا مع من تجاورنهم في الصباح والمساء، تواضعوا مع الأهل والأولاد والنساء، تواضعوا مع الوالدين اللذين قضى الله أن تخفض لهما جناحك.

واستطرد: وأن تلين لهما كلامك وأن تبذل لهما تواضعك وتذللك وعطفك وحنانك وأن تخفض لهما صوتك وتكف عنهما تأففك وضجرك وصراخك وصياحك واستعلاءك، تواضعوا مع من توجهون له الخطاب، وتطلبون منه الجواب.

ونصح ، قائلاً: تواضعوا مع العلماء والأساتذة والمدرسين والمفيدين تواضعوا مع الطلبة والدارسين والمتعلمين، تواضعوا مع من تتعاملون معه بيعًا وشراء، وأجرة وكراء، ومبادلة وعطاءً، ومجالسة ومجاورة ومزاملة ومصاحبة وإخاء.

وأفاد بأن التواضع منه أعلى وأدنى والأعلى: هو التواضع لله تعالى والأدنى: هو ما عداه وآية ذلك تواضع العبد لعظمة الربِّ وجلاله، وخضوعه لعزته وكبريائه، فكلما شمختْ نفسه ذكَر عظمةَ الربِّ تعالى فتواضعت إليه نفسه.

وأردف: وانكسر لعظمة الله قلبُه، وتطامن لهيبته، وأخبت لسلطانه؛ ومن خضع لله تعالى واندك قلبه من هيبته وانكسر من محبته وخشع من مخافته واستكان وخشع وتواضع أعزّه الله عز وجل ورفعه.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد النبوي خطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح البدير خطبة الجمعة من المسجد النبوي شر الرجال

إقرأ أيضاً:

بوابة انطلاق.. خطيب المسجد الحرام: الفرص متتابعة وأعمال البر لا تنقطع

قال الشيخ الدكتور بندر بليلة، إمام وخطيب المسجد الحرام ، إن مواسم الخير لا تنقضي وأزمنة القرب لا تنتهي، وإن كنا قد ودعنا من أيام قليلة شهرًا هو أجود أشهر العام، فإن الفرص تتتابع وأعمال البر لا تنقطع.

محطة تزود وبوابة انطلاق

وأوضح “ بليلة” خلال خطبة الجمعة الأولى من شهر شوال اليوم من المسجد الحرام، أن رمضان محطة لتزود ومدرسة للتغير وبوابة للانطلاق وميادين الخير مشرعة وجميع العبادات التي كانت مضمارًا للسباق في رمضان باقية للتنافس في غيره من الأزمان.

ونبه إلى أن من أفضل الطاعات بعد رمضان المداومة على الطاعة والاستمرار في العبادة، مما حث عليه الإسلام، فقال تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ) الآية 23 من سورة المعارج.

وأضاف أن أفضل ما يستأنف به الإنسان أعمال البر بعد رمضان، صيام الست من شوال متتالية أو مفرقة، منوهًا بأن الله تعالى إذا أراد بعبده خيرًا ثبته على طريق الطاعة وألزمه غرس الاستقامة ويسر له سبل العبادة.

وتابع: ‏”هنيئًا لمن جعل من ⁧‫رمضان ‬⁩ مسيرةً إلى الرحمن، واتخذ من أيامه وسيلةً للتقرب إلى الجنان، ‏فالمداومة على العمل اليسير تحفظ العبد من الانقطاع عن الطاعات بعد انقضاء الشهر الفضيل.

وأفاد بأنَّ مواسمَ الخيرِ لَا تنقَضِي، وأزمِنَةَ القُرَبِ لا تنتهِي، وإِن كُنَّا قدْ ودَّعْنا قبلَ أيَّامٍ قلائِلَ ضَيفًا مِن أكرَمِ الضِّيفانِ، وشهْرًا هو أَجوَدُ أشهُرِ العامِ، غيرَ أنَّ الفُرَصَ تَتَتابَعُ، والسَّوانِحَ تَتَوالَى، وأعمالُ البرِّ لا تنقطِعُ”.

ميادين الخير مشرعة 

وبين أن ميادِينُ الخيْرِ مُشْرَعَةٌ، وجميعُ العباداتِ الَّتِي كانَت مِضمارًا للسِّباقِ فِي رمضانَ، باقِيَةٌ لِلتَّنافُسِ فِي غيرِهِ مِنَ الأزمانِ، وأنَّ المداومَةَ علَى الطاعةِ، والاستمرارَ في العبادَةِ، مِمَّا حثَّ عليهِ الإسلامُ، وأشارَ إليهِ القرآنُ، والتزمَهُ خيرُ الأنامِ.

واستشهد بما ورد فِي الصَّحيحينِ مِن حَديثِ عائشةَ أنَّها سُئلت: (يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ ‌عَمَلُهُ ‌دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ يَسْتَطِيعُ).

وأكّد أن أفضَل ما يستأنِفُ بهِ الإنسانُ أعمالَ البِرِّ بعدَ رمضانَ، صيامُ السِّتِ مِن شوَّالٍ، مُتتالِيَةً أو مُفرَّقةً علَى الأيَّامِ، فِي صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ ‌سِتًّا ‌مِنْ ‌شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ).

ولفت إلى أنه إذَا أرادَ اللهُ بعبدِهِ خيرًا، ثبَّتَهُ علَى طريقِ الطَّاعةِ، وألزمَهُ غرْسَ الاستقامَةِ، وفتَحَ لَهُ أبوابَ الخيْرِ، ويسَّرَ لَهُ سُبُلَ العبادَةِ، قال الإمامُ ابنُ القَيِّم -رحمه اللهُ-: (وَفِي هَذِهِ الفَتَرَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلسَّالِكِينَ: يَتَبَيَّنُ الصَّادِقُ مِنَ الكَاذِبِ؛ فَالكَاذِبُ: يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَعُودُ إِلَى طَبِيعَتِهِ وَهَوَاهُ! وَالصَّادِقُ: يَنْتَظِرُ الفَرَجَ، وَلَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَيُلْقِي نَفْسَهُ بِالبابِ طَرِيحًا ذَلِيلًا: كَالإِنَاءِ الفَارِغِ؛ فَإِذَا رَأَيتَ اللهَ أَقَامَكَ في هذا المَقَامِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَرْحَمَكَ وَيَمْلَأَ إِنَاءَكَ! ) .

ونوه أنَّ مِن أعظَمِ مَا يُعينُ العبدَ علَى ذلِكَ استعانَتَهُ بِدُعاءِ اللهِ جلَّ وعلَا، فقدْ وعدَ سبحانَهُ عبادَهُ بِالاستجابَةِ، وَممَّا كانَ يدعُو بِه النبيُّ الثباتُ علَى الدِّينِ، فِي مسندِ الإمامِ أحمدَ وجامِعِ التِرمذِيِّ وحسَّنَهُ عَن أَنَسٍ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا ‌مُقَلِّبَ ‌القُلُوبِ ‌ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكْ)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ).

مقالات مشابهة

  • داعية يحذر من العودة إلى الذنوب بعد رمضان
  • خطيب المسجد الحرام: جميع العبادات بمضمار السباق في رمضان باقية للتنافس
  • مرحلة لن تعود.. خطيب المسجد النبوي يوصي بالمداومة على 6 أعمال بعد رمضان
  • خطيب المسجد الحرام: صيام الست من شوال أفضل الأعمال بعد رمضان
  • خطيب المسجد النبوي: الصيام مشروع في كل الشهور وليس رمضان فقط
  • بوابة انطلاق.. خطيب المسجد الحرام: الفرص متتابعة وأعمال البر لا تنقطع
  • خطبة الجمعة اليوم.. خطيب الأوقاف: الله أوصى بالأيتام في مواضع عدة بالقرآن.. فيديو
  • خطيب الأوقاف يكشف عن صور أكل مال اليتامى في عصرنا.. فيديو
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • خطبتي الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي