خطبتا الجمعة بالحرمين: لا يهنأ عيش ولا تطيب حياة بفقدان الأمن.. وخير الرجال المتواضع وشرهم الغطريس المتكبر
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
ألقى الشيخ الدكتور ياسر بن راشد الدوسري المسلمين خطبة الجمعة بالمسجد الحرام اليوم، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوَى اللهِ، فالتَّقوَى أساس الفَلاحِ، ومِفتَاحُ النَّجَاحِ.
وقال: إنَّ منْ أعظمِ نِعَمِ الله على عبادِه بعدَ الإيمانِ نعمة الأمن والأمانِ، فهي هبة مِنَ الكريمِ الرحمنِ، لا تُقَدَّرُ بالأثمان، ولا تُشترى بالأموالِ، ولا يَهنأ عيشٌ بدونِهَا، ولا تطيبُ حياة بفقدِهَا فباستتبابِ الأمن تُقام شعائرُ الدينِ، وينتشرُ العلمُ، وتجتمعُ الكلمةُ، ويُحكمُ بالعدلِ، وتُحفَظُ الحقوقُ، وتُغدقُ الأرزاقُ، وتتمُّ المصالحُ، ويتبادلُ الناسُ المنافعَ، وتُقام الحدودُ، ويُكَفُّ المُفسِدُ، ويُكبَتُ العدوُّ، ويأمن الناسُ على دمائِهِم وأموالِهِم وأعراضِهِم.
وأضاف: وإذا اختلَّ الأمن تبدلتِ الأحوالُ، ولم يهنأْ أحد براحة بالٍ، فيفشُو الجهلُ، ويشيعُ الظلمُ، وتضيعُ الحقوقُ، وتختلُ المعايشُ، وتُنتهكُ الأعراضُ، وتُسفكُ الدماءُ، وتُهجرُ الأوطان.
ولفت الشيخ ياسر الدوسري إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم نعمة الأمن على نعمتي الصحة والرزقِ، مُبينًا لأمتِه عليه الصلاة والسلام أهمية الأمن في الحياةِ، فقالَ: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَه قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَه الدُّنْيَا”.
وقال: لقدْ وعدَ الله عبادَه بالأمن متى ما آمنوا به ووحدُوه، واستقاموا على طاعته وعبدُوه، نظرًا لما للأمن من مكانة في الإسلام، كمقصدٍ من مقاصده الكبرى، وغاية منْ غاياته العُظمى، وقدْ شرعَ الله له منَ الأحكامِ ما يكفلُه، وأحاطَه منَ السياجِ بما يصونهُ، فأوجبَ المحافظة على الدِّينِ والنفسِ والعقلِ والعرضِ والمالِ. وقدْ تضافَرتْ نصوصُ الوحيين على ذلكَ، وحرَّمتْ كلَّ وسيلة تُؤدِّي إلى النَّيْل مِنَ الضروراتِ الخمس، وشرَعتْ منَ الأحكام الزاجرة ما يمنعُ مِنَ التعرُّضِ لها، أو المساسِ بجنابِهَا. وجاءتِ الشريعة بالنهي عنْ كلِّ ما يُؤذِي الناسَ، حتى في طرقاتِهِم وأسواقهِم ومواضعِ حاجاتِهِم.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن الأمن لم يقتصرْ تحقيقُه على المسلمين فحسب، بلِ اعتنى الإسلام بتأمينِ حياة غيرِهِم، وحمَى حقوقَهُم،، مشددًا على أنَّ نعمة الأمن لا تتحققُ إلا بوجودِ مقوماتِهَا، ولا تثبتُ إلا بدوامِ أسبابِهَا وأولها وأولاها: توحيدُ الله، وتخليصُه منْ شوائبِ الشركِ، ومجانبة البدعِ والخرافاتِ؛ فالتوحيدُ يُثمرُ الأمن والأمان؛ قالَ سبحانه: {الَّذِينَ آمنوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئِكَ لَهُمُ الْأمن وَهُمْ مُهْتَدُونَ}. فالموحِّدُ المستقيمُ على أمرِ الله آمن في الدنيا، وآمن في الآخرةِ، يقولُ تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَة فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ أمنونَ}. والمرادُ بالحسنة هنا توحيدُ الله.
وأكد على أهمية شكرُ الله تعالى على نعمة التوحيدِ والأمن والأمانِ، والحذرُ منَ الجحودِ والنكرانِ؛ فإنَّ النِّعمَ إذا شُكِرتْ قرَّتْ، وإذا كُفِرتْ فرَّتْ. والشكرُ مُؤذنٌ بالزيادةِ.
وأوصى فضيلته المسلمين بكثرة الدعاءِ بدوامِ الأمن والأمانِ، اقتداءً بالأنبياءِ عليهم الصلاة والسلامُ، والسمعُ والطاعة لولاة الأمرِ، ولزومُ جماعة المسلمين؛ فلا أمن إلا بجماعةٍ، ولا جماعة إلا بإمامٍ، ولا إمامَ إلا بسمعٍ وطاعةٍ. ولزومُ العلماءِ الربانيين الراسخين في العلمِ؛ ففي ذلك سلامة في المنهجِ، ونورٌ في الفَهمِ، وسدادٌ في الرأي، وجلبٌ للمصالحِ، ودرءٌ للمفاسدِ، وترسيخُ الأمن الفكري وتقويتُه لدى الناشئة والمجتمعِ؛ لحمايتِهِم وتحصينِهِم منَ العقائدِ الفاسدةِ، والأفكار المُنحرفةِ، والجماعاتِ المُتطرفةِ، والفِرَقِ المشبوهةِ، والأحزابِ الموبوءةِ، التي تسعَى لشقِّ عصَا الطاعةِ، وتفريقِ الجماعةِ، فمتى ما تغذتْ عُقولُ الناسِ بالأفكار السليمةِ، والمفاهيمِ الصحيحةِ، البعيدة عنْ تحريفِ الغلاة وانتحالِ المبطلين؛ أمنتْ حياتُهُم، واستقامتْ معيشتُهُم، وتحققتْ أحلامُهُم.
وشدد الشيخ ياسر الدوسري على أن أمرًا هذا شأنُه، ونعمة هذا أثرُها، لجديرٌ بنا أن نبذِلَ في سبيلِهَا كلَّ غالٍ ونفيسٍ، وأنْ نستثمرَ كلَّ الطاقاتِ، وأنْ نُسَخِّرَ الإمكاناتِ كافة في سبيلِ تعزيزِهَا والمحافظة عليهَا.
وقال: وإنَّنا في هذا المقامِ لنشكر الله تعالى ونحمده على ما أنعمَ به علينَا مِنْ نِعَمٍ تترَى، وأفضالٍ لا تُحصَى، وعلى مَا نتفيأُ ظلالَه مِنْ أمن وأمانٍ واستقرارٍ، ورخاءٍ ونمو وازدهارٍ، في ظلِّ قيادتِنَا الرشيدة لهذه الدولة المباركة منذُ تأسيسها إلى هذا العهدِ الزاهرِ، التي استمدتْ دستورَها منْ كتابِ الله وسنة رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ فأصبحتْ دولة عظيمة في أصالتِها ومعاصرتِها، ومَا زالتْ كذلكَ برؤيتِها وإنجازاتِها، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملكِ سلمانَ بنِ عبدِالعزيزِ آل سعود، وولي عهدِه الأمين، أَيدَهُما الله بتأييدِه، وأمدَّهُما بعونِه وتوفيقِه وتسديدِهِ، وبَارَكَ في مساعِيهِما، وجَزَاهُما الله عنَّا وعنِ البلادِ والعبادِ وعنِ الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاءِ وأعظمَه وأوفاه.
* وفي المسجد النبوي الشريف ألقى فضيلة الشيخ د. صلاح البدير خطبة الجمعة اليوم، وبدأ خطبته بقوله: أيها المسلمون، من الأخلاق العلية والشمائل السنية والشيم المرضية التواضع، وترك الزهو والخيلاء والفخر والبذخ والتطاول على العباد.
والتواضع: لين الجانب، ولطافة القول، ومسالمة الناس، وخفض الجناح للمؤمنين في غير منقصة ولا مسكنة ولا مهانة. والتواضع مجلبة للمودة والشرف والعلاء، والتَغَطْرُفُ مَدْرجة للمقت والبغض والعداء. قال أبو حاتم: ما استجلبت البغضة بمثل التكبر، ولا اكتسبت المحبة بمثل التواضع.
وأضاف: خير الرجال من تواضع عن رفعة، وعفا عن قدرة، وأنصف عن قوة، وشرّ الرجال الغِطْرِيْسُ المُتَكَبِّرُ المتبجح المتفخّر المتعظّم المختال المتطاول الرافع أنفَه ورأسه تيهًا وكبْرًا، الذي استخفه الحُمْق والجهل حتى جاوز قدْرَه، وعَدَا طوره، ورفع نَفْسَه فَوْقَ كُلِّ أحد، ولم ير حقًا لِأحد، وظنّ أنه لا أحد يقدر أَن يعاليه ويساميه، وإذا تسنم المَزْهُو المعجبُ بنفسه رتبة، أو نال منزلة، أو تولّى منصبًا، ملأ المواطن صخبًا مُذْ حَلَّها، وأفسد بتكبره وتجبره مَحَلَّها، وكدّر بالمكائد والأحقاد صفوها، وبدّد شملها.
وأوضح فضيلته: من وضع نفسه دون قدره رفعه الناس فوق قدره، ومن رفعها عن حده وضعه الناس دون حده، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهلونَ قَالُوا سَلَامًا}. قال ابن كثير: “أي: بِسَكِينَة ووَقَارٍ مِنْ غَيْرِ جَبَرية ولَا اسْتِكْبَارٍ”.
وأكمل: وعن عِيَاضِ بنِ حمارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ: «إنَّ الله أوْحَى إِلَي أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أحد عَلَى أحَدٍ، ولاَ يَبْغِي أحد عَلَى أحَدٍ» أخرجه مسلم. قال القرطبي: “التواضع نقيض التكبر، والتكبر: هو الترفع على الغير. فالتواضع: هو الانخفاض للغير. وحاصله أن المتكبر يرى لنفسه مزية على الغير، تحمله على احتقاره، والمتواضع لا يرى لنفسه مزية، بل يراها لغيره؛ فيحمله ذلك على الانخفاض له، مراعاة لحقه”.
وأكد فضيلته: تواضعوا مع من تعيشون معهم في البيوت، وتشاركونهم الزاد والقوت، تواضعوا مع من تجاورونهم في الصباح والمساء، تواضعوا مع الأهل والأولاد والنساء، تواضعوا مع الوالدين اللذين قضى الله أن تخفض لهما جناحك، وأن تلين لهما كلامك، وأن تبذل لهما تواضعك وتذللك وعطفك وحنانك، وأن تخفض لهما صوتك، وتكف عنهما تأففك وضجرك وصراخك وصياحك واستعلاءك، تواضعوا مع من توجهون له الخطاب، وتطلبون منه الجواب، تواضعوا مع العلماء والأساتذة والمدرسين والمفيدين، تواضعوا مع الطلبة والدارسين والمتعلمين، تواضعوا مع من تتعاملون معه بيعًا وشراء، وأجرة وكراء، ومبادلة وعطاءً، ومجالسة ومجاورة ومزاملة ومصاحبة وإخاء.
واختتم الخطبة بقوله: التواضع منه أعلى وأدنى، فالأعلى هو التواضع لله تعالى، والأدنى: هو ما عداه. وآية ذلك تواضع العبد لعظمة الربِّ وجلاله، وخضوعه لعزته وكبريائه.. فكلما شمختْ نفسه ذكَر عظمة الربِّ تعالى؛ فتواضعت إليه نفسه، وانكسر لعظمة الله قلبُه، وأخبت لسلطانه.. ومن خضع لله تعالى، واندك قلبه من هيبته، وانكسر من محبته، وخشع من مخافته، واستكان وخشع وتواضع.. أعزّه الله -عز وجل- ورفعه.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية الأمن والأمان ى الله
إقرأ أيضاً:
هشام عبد العزيز: ذكر الله طوق نجاة وراحة للقلب والروح
يحرص المسلم على ذكر الله عز وجل لانه أساس العلاقة بين العبد وربه، فبذكر الله يُزال الهم، وتُجلب السعادة والرزق، ويقوي البدن وينير القلب.
وقال الدكتور هشام عبد العزيز، من علماء وزارة الأوقاف، خلال تصريحات تليفزيونية، إن ذكر الله من أعظم قوارب النجاة التي تصل بالإنسان إلى بر الأمان والجنة، دون مشقة أو تكلفة مالية’،فكل إنسان يبحث عن الطمأنينة وراحة القلب، والسبيل إلى ذلك هو ذكر الله، لقوله تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
وكشف عن أن المواظبة على الذكر تجعل العبد في معية الله الخاصة، لقوله تعالى: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون".
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي أن الذاكر لله لا يُنسى، حيث قال: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم”.
وأوضح أن الذكر ليس مجرد كلمات، بل هو حياة للإنسان والمكان، واستشهد بحديث النبي ﷺ: “مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت”.
وذكر أن المداومة على أذكار الصباح والمساء تحصّن المسلم من الشرور، حيث قال النبي ﷺ: "من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه".
ولفت الى أن الذكر أسهل العبادات وأعظمها أجرًا، إذ سأل أحد الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: "يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فدلني على عمل أتمسك به"، فقال له النبي ﷺ: "لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله".