جوهر الإسلام جوهر عظيم ونفيس، فالإسلام عدل كله، رحمة كله، سماحة كله، إنسانية كله. وهو خير كله، وقد أجمع من يعتد برأيهم من أهل العلم قديمًا وحديثًا على أن كل ما يحقق هذه الغايات الكبرى الجليلة والعظيمة وما يحقق المصالح المعتبرة للبلاد والعباد هو من صميم الإسلام، وما يصطدم بذلك أو يتصادم معها إنما يتصادم مع الإسلام وغاياته وفطرته النقية ومقاصده السامية.
ديننا العظيم دين مكارم الأخلاق، ورسالته جاءت لإتمام هذه المكارم، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ» (رواه أحمد)، فحيث يكون الصدقُ، والوفاءُ، والأمانةُ، والبرُّ، وصلةُ الرحم، والجودُ، والكرمُ، والنجدةُ، والشهامةُ، والمروءةُ، والسماحة، والتيسير، وإمهال المعسر، وكفُّ الأذى عن الناس، وإماطةُ الأذى عن الطريق، وإغاثةُ الملهوف، ونجدةُ المستغيث، وتفريجُ كروب المكروبين، وغير ذلك من صالح الأخلاق يكون صحيحَ الإسلام ومقصده، وحيث يكون الكذبَ، والغدرَ، والخيانةَ، وخلفَ الوعد، وقطيعةَ الأرحام، والفجورَ فى الخصومة، والأثرةَ، والأنانيةَ، وضيقَ الصدر، فانفض يدك ممن يتصف بهذه الصفات ومن تديُّنهم الشكلى، واعلم أنهم عبءٌ ثقيل على الدين الذى يحسبون أنفسهم عليه، لأنهم بهذه الصفات منفِّرون من دين الله، صادُّون عنه بأفعالهم وإن دعوا إليه بأطراف ألسنتهم وما لا يجاوز حناجرهم، وإن زعموا عكس ذلك وأقسموا واجتهدوا، فلا خير فيهم، ولا وزن لقَسَمِهِم.
الإسلام دين العمل والإنتاج والإتقان وعمارة الكون، فحيث يحدث ذلك يكون التطبيق العملى لمنهج الإسلام، وحيث يكون التخلف والكسل والتواكل يكون عدم الفهم أو التقاعس عن التطبيق والامتثال العملى لمنهج الإسلام.
المسلِمُ الحقيقى مفتاح لكل خير مغلاق لكل شر، حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «المُسلِمُ من سلمَ المسلمونَ من لسانِهِ وَيَدِهِ» (رواه أحمد)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الَّذِى لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، قِيلَ: وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: شَرُّهُ" (أخرجه البخارى)، وعن أبى هريرة (رضى الله عنه) قال: قيل للنبى (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق وتؤذى جيرانها بلسانها فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا خير فيها، هى من أهل النار» قالوا: وفلانة تصلى المكتوبة وتصدق بأثوار، ولا تؤذى أحدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «هى من أهل الجنة» (أخرجه البخارى).
إن فهم جوهر الإسلام، ومعرفة أسرار رسالته السمحة والوقوف على مقاصده وغاياته السامية وتطبيق ذلك كله فى ضوء مستجدات العصر ومتطلباته، يعد ضرورة ملحة لمواجهة التحديات المعاصرة وكسر دوائر التحجر والجمود والانغلاق وسوء الفهم وضيق الأفق، كما يعد سبيلاً للخروج من هذا الضيق إلى عالم أرحب وأوسع وأكثر نضجًا ووعيًا وبصرًا وبصيرة وعملا على تحقيق مصالح البلاد والعباد ومرضاة رب الأرض والسماوات.
الأستاذ بجامعة الأزهر
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأستاذ بجامعة الأزهر صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
حكم قراءة القرآن بصورة جماعية.. الإفتاء تجيب
أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها من أحد المتابعين عبر صفحتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي جاء مضمونه كالتالي: زعم بعض الناس أن قراءة القرآن بصورة جماعية بدعة، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على أصحابه فوجدهم يقرؤون القرآن جماعة، فقال: «هَلَّا كل منكم يناجي رَبَّه في نفسه». فهل هذا حديث صحيح؟ وهل يصحّ الاستدلال به؟.
قالت الإفتاء إن قراءة القرآن بصورةٍ جماعية وبطريقة مُنَظَّمَة لا اعتداءَ فيها ولا تشويشَ عند التلاوةِ أو التعليمِ أمرٌ جائز شرعًا، واستدلال بعض الناس ببعض ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم استدلالٌ فاسدٌ مقطوع عن الفهم الصحيح، وتحريفٌ لنصوص السنة النبوية الشريفة، وإنما الوارد عنه صلى الله عليه وآله وسلم هو الإرشاد إلى تنظيم قراءة القرآن؛ بحيث لا يقع تشويش من القُرَّاء بَعضُهُم على بعضٍ أثناء القراءة.
وأضافت الإفتاء أن الاستدلال بما ذُكر في السؤال على مَنْعِ ما استَقَرَّ عليه عملُ المسلمين مِن قراءة القرآن بصورةٍ جماعيةٍ مُنَظَّمَةٍ لا اعتداءَ فيها ولا تشويشَ عند التلاوةِ أو التعليمِ استدلالٌ فاسدٌ، وتحريفٌ لنصوص السنة النبوية الشريفة.
وتابعت قائلة: وإنما الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الإرشاد إلى تنظيم قراءة القرآن فُرَادى؛ كما في حديث أبي حازمٍ التَّمَّارِّ عن الْبَيَاضِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج على الناس وهم يُصَلُّون وقد عَلَتْ أصواتُهُم بالقراءة، فقال: «إن المُصَلِّي يناجي رَبَّه عَزَّ وَجَلَّ، فليَنظر ما يناجيه، ولا يَجهر بَعضُكُم على بعضٍ بالقرآن» رواه مالك في "الموطأ" والإمام أحمد في "مسنده".
وأكملت: ولا يَدُلُّ هذا الحديث على النهي عن القراءة الجماعية المُنَظَّمَة أو الذِّكر الجماعي كما هو حاصلٌ في مساجد المسلمين وبيوتهم عبر القرون، وإنما فيه النهي عن تشويش القُرَّاء بَعضُهُم على بعضٍ بالقراءة؛ فالاعتداء منهي عنه على كل حال.
قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 435، ط. دار الكتب العلمية): [لا يُحَبُّ لكلِّ مُصلٍّ يقضي فرضه وإلى جنبه من يعمل مثل عمله أن يُفرطَ في الجهر؛ لئلا يخلط عليه، كما لا يُحَبُّ ذلك لمتنفل إلى جنب متنفل مثله، وإذا كان هذا هكذا فحرام على الناس أن يتحدثوا في المسجد بما يشغل المصلِّي عن صلاته ويخلط عليه قراءته] اهـ.