دعونى أتحدث لكم اليوم عن تلك العلاقة الأزلية بين المبدع والناقد المبدع، وما يحدث فيها من سجال بين مبدع يرى أن نصه مثل وليدٍ جاء بعد عملية ولادة ومخاض ألم ليقدم للعالم نظرة جديدة واستثنائية، وبين ناقد قد يكون له تجارب إبداعية سابقة ولكنه توقف واتجه إلى النقد ليحكم على هذا الوليد بالمدح أو بالقدح تبعاً لقواعد صارمة تستند على عشرات النظريات والفلسفات القديمة والحديثة النقدية، هذه العلاقة الشائكة بين المبدع والناقد المبدع ربما لا يشعر بها القارئ الذى يستمتع بها فقط كلما زاد الجدل حول النص الإبداعى الشعرى أو الروائى وكثر المنظِّرون حول هدف المبدع وغايته من طرح هذا الحكى، فغالباً لا يهم القارئ العناوين الضخمة للنظريات النقدية الحديثة، ولكنه يشعر بهذا السهم النافذ إلى أعماق روحه كلما تماهى مع قصيدة شعرية تعبر عن أحلامه وكوابيسه وشعوره الفوضى للحياة والحب والطبيعة، أو كان لرواية ما قرأها فى ليل طويل أثر كبير على نفسه جعلته يغير نظرته لمن حوله من البشر ورفقاء الطريق.
يقول الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى الحديث، بكلية الآداب جامعة القاهرة، إنه ربما كان كل مبدع حقيقى ينطوى على ناقد ما بداخله، كما أن بعض النقاد الحقيقيين تتضمن أرواحهم قبسا من الإبداع.
كتب تزفيتان تودوروف فى كتابه «الأدب فى خطر» يقول: «حاولت أن أكتب نظمت قصائد رديئة، ومسرحية من ثلاثة فصول موضوعها حياة الأقزام والعمالقة، بل شرعت فى كتابة رواية، لكنى لم أتخط الصفحة الأولى. أحسست سريعاً أن تلك ليست سبيلى، ودائماً غير متيقن من الآتى، اخترت مع ذلك دون تردد فى نهاية الثانوية مسلكى الجامعى، سأدرس الأدب»، لقد صار «تودوروف» واحداً من أهم نقاد الأدب والفكر. هل هذا يعنى أن الناقد فى الأصل شخص خانته موهبة الإبداع؟
يرى الباحث الإماراتى أحمد برقاوى أنه لا شك أنه لولا وجود المبدع لما وجد الناقد، لولا وجود النص لما وجدت القراءة، ولولا وجود الفيلسوف لما وجدت فلسفة النقد. ومع هذا فإن الناقد الحقيقى قد دفع بعملية الكتابة عبر نقده إلى الأمام.
كاشفاً عن أنه حين كتب امرؤ القيس معلقته لم يكن يعرف أن قصيدته من البحر الطويل، وكذلك عنترة لم يكن يدرى أن وزن قصيدته بحر الكامل، وقِس على ذلك بقية شعراء المعلقات، وهكذا حتى جاء الفراهيدى 718 - 789 ونظم أوزان الشعر العربى ببحور من الشعر وأطلق على كل بحر من البحور اسماً، فالشعر هو الذى خلق ناقد الشعر، وهو الذى حوّل الناقد إلى حارس على أوزان الشعر وقوافيه.
وأخيراً يرى الشاعر والناقد د. أمجد ريّان، الذى صدر له حتى الآن أكثر من عشرين ديواناً شعرياً وكتاباً نقدياً، أن طبيعة النقد تختلف عن طبيعة الإبداع، وأن لجوء المبدعين لممارسة النقد يكون عند وجود حاجة ملحة، وهذا ما حدث مع جيل السبعينات فى مصر حيث وجد هذا الجيل موقفاً مضاداً من النقاد، فبدأوا فى التنظير لتجربتهم، والمبدع إذا كتب نقداً فإنه يكون أقرب إلى روح النص الإبداعى.
ويضيف د. ريّان قائلاً إنه فى الفترات التقليدية كان الناقد يختلف عن المبدع، مستشهداً بالمرحلة الكلاسيكية الجديدة التى نجد أن حافظ إبراهيم، وأحمد شوقى، والبارودى لم يشتغلوا بالنقد الأدبى على الإطلاق، بينما كان هناك نقاد متألقون مثل الشيخ حسين المرصفى فى كتابه الوسيلة الأدبية، ونقاد آخرون كبار فى الشام مثل جبر ضومط، وقساطى الحمصى، ولكن فى مرحلة تالية عندما نشأت الحركة الرومانتيكية كانت حركة ثورية، لأنها رفضت المنظورات الجمالية السابقة، وانطلقت فى منطقة جديدة تعلمها أبناؤها من هؤلاء الذين رحلوا إلى أوروبا وعادوا، ومنهم عبدالرحمن شكرى على سبيل المثال الذى نقل إلينا فكر مجموعة الكنز الذهبى، فنقل إلينا الوهج الرومانتيكى الجديد، وكان تلامذته ومنهم عبدالقادر المازنى، والعقاد، وكثيرون غيرهم قد بدأوا يخوضون تجربة جديدة مختلفة عن السابق، لأن محور الاهتمام الشعرى انتقل من الآخر إلى الذات، حتى إن العقاد كان يهاجم شوقى بفجاجة، ويحاكمه من منظور رومانتيكى ناسيا أن شوقى ينتمى إلى فكر جمالى سابق، ولما كان هؤلاء الشعراء المجددون قد انتقلوا إلى مرحلة جديدة، كان عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم بأنفسهم، لأن النقاد فى الساحة الأدبية ينتمون لمرحلة سابقة.
إذن وبحسب الشاعر الدكتور أمجد ريان دائماً عندما يبدع الشعراء ويكتبون فى منطقة جمالية أخرى، لا بد عليهم أن يقوموا بالإبداع والتنظير معاً.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الناقد المبدع
إقرأ أيضاً:
٦ شهور .. حكومة مدبولى مالها وما عليها
أيام قليلة تفصلنا عن مرور ٦ أشهر على عمل وزارة الدكتور مصطفى مدبولى والتى أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم 3 يوليو 2024، كحكومة جديدة ترفع شعار «المواطن أولا» .
١٨٠ يوما عمر هذه الحكومة، فهل نستطيع الحكم عليها؟ بالتأكيد نعم، مالها وما عليها.
من خلال متابعتى لعمل الحكومة لاحظت حرصا كبيرا وشديدا من الدكتور مصطفى مدبولى الذى سن سنة جيدة لها دلالات إيجابية كبيرة، وهى تخصيص موعد مؤتمر صحفى دورى أسبوعياً منتظم عقب اجتماع الحكومة يوم الأربعاء، للرد على الاستفسارات وتوضيح كافة الخطط المستقبلية والقرارات التى تتخذها الحكومة المصرية، اجتماع مدبولى أجهض كما كبيرا من الشائعات، والادعاءات والمؤامرات التى تحاك ضد الدولة المصرية.
ودعنى عزيزى القارئ أن أطلق دعوة لكل السادة الوزراء بالسير على نهج مدبولى وتخصيص موعد للمكاشفة والمصارحة حتى وإن كان شهريا، لرصد ما تم إنجازه خلال 30 يوم عمل وإطلاع المصريين على سير العمل فى وزارته والجهات التى يتولى مسئوليتها .. أعتقد أنها ستكون سابقة يشار لها بالبنان.
لفت نظرى خلال متابعتي ٦ أشهر من عمل الحكومة أن هناك طفرة كبيرة وملحوظة لأربعة من الوزراء استحقوا لقب الحصان الأسود لهذه الوزارة وحصدوا وكسبوا رهان المصريين.
أولهم الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء وزير الصناعة والنقل، والثانى هو المستشار عدنان الفنجرى وزير العدل والثالث هو المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، والرابع هو الدكتور محمد عبداللطيف وزير التربية والتعليم الذين بانت بشائرهم منذ البداية.
كامل الوزير الذى يسابق الزمن من أجل جعل مصر دولة صناعية، تواكب الدول الصناعية الكبرى وتسير فى ركابهم، وينفذ استراتيجية وطنية بامتياز وضعتها القيادة السياسية، وأصر عليها الرئيس السيسى وكان كامل الوزير، هو الدينامو لهذه الاستراتيجية.
دعنى عزيزى القارئ أن آخذك فى جولة كامل الوزير خلال بضعة أيام ماضية، حيث استقبل بندر إبراهيم الخريف، وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودى والوفد المرافق له لبحث سبل تعزيز أطر التعاون والتكامل الصناعى بين مصر والمملكة العربية السعودية خلال المرحلة المقبلة... ثم استقبل وفد من المستثمرين الأتراك برئاسة رفعت هيسار أوغلو رئيس اتحاد الغرف التجارية التركية ورئيس اتحاد الغرف العالمية... قبل أن يلتقى محافظ كربلاء بجمهورية العراق، المهندس نصيف جاسم الخطابي، والذى تم خلاله بحث سبل التعاون بين الجانبين فى مجالات النقل المختلفة.
ليعلن أمس، أنه تقرر استقبال هيئة التنمية الصناعية، أمس السبت، المستثمرين الصناعيين بالمناطق الصناعية بمحافظة بورسعيد، بحضور اللواء محب حبشى محافظ بورسعيد، وذلك بمقر الهيئة بالتجمع الخامس... نشاطات لن تكفى مساحة مقالتى لسردها.
الحصان الأسود الثانى هو معالى المستشار الجليل عدنان الفنجري، وزير العدل الذى يسير بخطوات ثابتة نحو اقرار استراتيجية جديدة للعدالة فى مصر تواكب الجمهورية الجديدة، وتتوافق مع استراتيجية الرئيس السيسى فى تطوير مختلف مناحى الحياة، وذلك بنظرة دعم قوية جدا لأبنية المحاكم لتظل كما كانت حصن وركن العدالة التى يبتغيها الجميع، الفنجرى يعتمد كذلك على أسس حديثة فى إقرار مزيد من التدريب والتثقيف والاطلاع لكل منظومة العدل فى مصر ومن يعمل بها، وستكون له تجربة كبيرة لما أحدثه من طفرة ملموسة للجميع .
فمنذ أيام تابعت تفقد المستشار عدنان فنجرى وزير العدل مبنى محكمة جنوب المنصورة، بمحافظة الدقهلية، بلدتى التى أعتز بها، وكذا محكمة استئناف المنصورة ومفتتحاً لبعض مأموريات الشهر العقارى بها ومصطحباً معه فريق العمل العظيم، المستشار ربيع قاسم والمستشار محمود الشريف ومساعد الوزير للشهر العقارى ، حيث كان فى استقباله بديوان عام المحافظة اللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية، مؤكداً أن هذا التطوير هو نفاذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي- رئيس الجمهورية، بتطوير وتحديث المنظومة القضائية... وللأمانة الفنجرى اتخذ خطوات جادة وألقى حجراً فى المياة الراكدة وننتظر منه المزيد.
الحصان الأسود الثالث هو المستشار محمود فوزى وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسى، ذلك الوزير الشاب الذى يقود تجربة جديدة على مجتمعاتنا، وهو يقود الدبلوماسية الداخلية، بنزع فتيل جميع الأزمات على الساحه السياسية، فوزى الذى نجح بامتياز فى تقريب وجهات النظر فى قانون الإجراءات الجنائية بين مختلف أطراف القانون من المحامين والقضاة والنواب وكان اختبار صعب تفوق فيه فوزى بجدارة.
أشاهده وأتابعه داخل أروقة مجلس النواب والشيوخ، وخلفه خلية نحل، أشفق عليهم من نشاطه الكبير، حيث أقر فوزى فى مكتبه سنة جديدة وهى أشبه بغرفة عمليات دائمة فى التواصل مع الحكومة والنواب والأحزاب والنقابات وجميع الجهات.
حسن اختيار فوزى لهذا المنصب جدد شباب الوزارة وأعطاها بريقاً، بوزير شاب مستنير وأعتقد أنه لو لدينا 10 وزراء على هذا المستوى من الكفاءة سنكون فى مقدمة دول العالم فى مختلف المجالات.
فى إحدى جلسات البرلمان شاهدت محمود فوزى فى المجلس منذ الساعة العاشرة صباحاً، حضر الجلسة بكل نشاط وحيوية، وانتهت الجلسة وغادرنا جميعا، لأعود الى المجلس فى المساء فى أمر مهم ... لأجد فوزى يحضر اجتماعات لجنة الصحة لمناقشة قانون المسئولية الطبية، ويصر على البقاء لما يقرب من الساعة الحادية عشرة مساء ... أعتقد أنه تجربة فريدة له منا كل الثناء العادل المستحق.
الحصان الأسود الرابع هو الدكتور محمد عبداللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى والذى أبلى بلاء حسناً وأكد أنه الاختيار الصحيح ودحض كل الهجمات التى أثيرت ضدة من أعداء النجاح، ليعلن أن الإنجاز والتحصيل والانضباط هما عنوان التعليم فى مصر خلال المرحلة المقبلة.
عبداللطيف الذى تابعت عملة ورأيت ولاحظت نشاطا كبيرا منها أنه شارك فى فعاليات «يوم التعاون المصرى - الألمانى للتنمية»، المقام بسفارة جمهورية ألمانيا بالقاهرة؛ لتسليط الضوء على التعاون استراتيجى بين البلدين فى عدة مجالات، والجهود المبذولة من أجل التنمية المستدامة... ثم استقبل محمد عبداللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، السيد أولريك شانون، سفير كندا بالقاهرة، والوفد المرافق له؛ لبحث المشروعات المشتركة ذات الأولوية لتطوير التعليم قبل الجامعى فى مصر.
الوزراء أصحاب لقب الحصان الأسود قضوا على فكرة وزير المكاتب ووزير التكييفات، وبات العمل الجاد فى الشارع، هو تذكرة دخول قلوب المصريين، ننتظر منهم المزيد، لكن وعلى صعيد آخر نجد وزارات ووزراء لم نسمع عنهم ولم نسمع بهم سنخصص لهم مقالاً آخر منتظرين منهم السير فى ركاب تلك النماذج من الوزراء العظام.
ولكى أكون عزيزى القارئ عادلاً ومنصفاً فلابد وأن يكون تناولى لتقييم فترة الوزارة مرتبطاً بالأداء دون ذكر لهذه السلبيات، فبالطبع ليسوا ملائكة فلكل منهم اجتهاداته وسلبياته، ولكن التحديات كبيرة والوطن ينتظر منا جميعاً المزيد.
تعودنا على البناء ولن نكون معولا للهدم، فالوطن لن ينهض إلا بالمخلصين وليس بالمغامرين الذين لا يرون إلا مصالح ضيقة عفانا الله منها.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية
المحامى بالنقض
رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس الشيوخ