بوابة الوفد:
2025-01-30@17:24:32 GMT

الناقد المبدع

تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT

دعونى أتحدث لكم اليوم عن تلك العلاقة الأزلية بين المبدع والناقد المبدع، وما يحدث فيها من سجال بين مبدع يرى أن نصه مثل وليدٍ جاء بعد عملية ولادة ومخاض ألم ليقدم للعالم نظرة جديدة واستثنائية، وبين ناقد قد يكون له تجارب إبداعية سابقة ولكنه توقف واتجه إلى النقد ليحكم على هذا الوليد بالمدح أو بالقدح تبعاً لقواعد صارمة تستند على عشرات النظريات والفلسفات القديمة والحديثة النقدية، هذه العلاقة الشائكة بين المبدع والناقد المبدع ربما لا يشعر بها القارئ الذى يستمتع بها فقط كلما زاد الجدل حول النص الإبداعى الشعرى أو الروائى وكثر المنظِّرون حول هدف المبدع وغايته من طرح هذا الحكى، فغالباً لا يهم القارئ العناوين الضخمة للنظريات النقدية الحديثة، ولكنه يشعر بهذا السهم النافذ إلى أعماق روحه كلما تماهى مع قصيدة شعرية تعبر عن أحلامه وكوابيسه وشعوره الفوضى للحياة والحب والطبيعة، أو كان لرواية ما قرأها فى ليل طويل أثر كبير على نفسه جعلته يغير نظرته لمن حوله من البشر ورفقاء الطريق.

يقول الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى الحديث، بكلية الآداب جامعة القاهرة، إنه ربما كان كل مبدع حقيقى ينطوى على ناقد ما بداخله، كما أن بعض النقاد الحقيقيين تتضمن أرواحهم قبسا من الإبداع.

كتب تزفيتان تودوروف فى كتابه «الأدب فى خطر» يقول: «حاولت أن أكتب نظمت قصائد رديئة، ومسرحية من ثلاثة فصول موضوعها حياة الأقزام والعمالقة، بل شرعت فى كتابة رواية، لكنى لم أتخط الصفحة الأولى. أحسست سريعاً أن تلك ليست سبيلى، ودائماً غير متيقن من الآتى، اخترت مع ذلك دون تردد فى نهاية الثانوية مسلكى الجامعى، سأدرس الأدب»، لقد صار «تودوروف» واحداً من أهم نقاد الأدب والفكر. هل هذا يعنى أن الناقد فى الأصل شخص خانته موهبة الإبداع؟

يرى الباحث الإماراتى أحمد برقاوى أنه لا شك أنه لولا وجود المبدع لما وجد الناقد، لولا وجود النص لما وجدت القراءة، ولولا وجود الفيلسوف لما وجدت فلسفة النقد. ومع هذا فإن الناقد الحقيقى قد دفع بعملية الكتابة عبر نقده إلى الأمام.

كاشفاً عن أنه حين كتب امرؤ القيس معلقته لم يكن يعرف أن قصيدته من البحر الطويل، وكذلك عنترة لم يكن يدرى أن وزن قصيدته بحر الكامل، وقِس على ذلك بقية شعراء المعلقات، وهكذا حتى جاء الفراهيدى 718 - 789 ونظم أوزان الشعر العربى ببحور من الشعر وأطلق على كل بحر من البحور اسماً، فالشعر هو الذى خلق ناقد الشعر، وهو الذى حوّل الناقد إلى حارس على أوزان الشعر وقوافيه.

وأخيراً يرى الشاعر والناقد د. أمجد ريّان، الذى صدر له حتى الآن أكثر من عشرين ديواناً شعرياً وكتاباً نقدياً، أن طبيعة النقد تختلف عن طبيعة الإبداع، وأن لجوء المبدعين لممارسة النقد يكون عند وجود حاجة ملحة، وهذا ما حدث مع جيل السبعينات فى مصر حيث وجد هذا الجيل موقفاً مضاداً من النقاد، فبدأوا فى التنظير لتجربتهم، والمبدع إذا كتب نقداً فإنه يكون أقرب إلى روح النص الإبداعى.

ويضيف د. ريّان قائلاً إنه فى الفترات التقليدية كان الناقد يختلف عن المبدع، مستشهداً بالمرحلة الكلاسيكية الجديدة التى نجد أن حافظ إبراهيم، وأحمد شوقى، والبارودى لم يشتغلوا بالنقد الأدبى على الإطلاق، بينما كان هناك نقاد متألقون مثل الشيخ حسين المرصفى فى كتابه الوسيلة الأدبية، ونقاد آخرون كبار فى الشام مثل جبر ضومط، وقساطى الحمصى، ولكن فى مرحلة تالية عندما نشأت الحركة الرومانتيكية كانت حركة ثورية، لأنها رفضت المنظورات الجمالية السابقة، وانطلقت فى منطقة جديدة تعلمها أبناؤها من هؤلاء الذين رحلوا إلى أوروبا وعادوا، ومنهم عبدالرحمن شكرى على سبيل المثال الذى نقل إلينا فكر مجموعة الكنز الذهبى، فنقل إلينا الوهج الرومانتيكى الجديد، وكان تلامذته ومنهم عبدالقادر المازنى، والعقاد، وكثيرون غيرهم قد بدأوا يخوضون تجربة جديدة مختلفة عن السابق، لأن محور الاهتمام الشعرى انتقل من الآخر إلى الذات، حتى إن العقاد كان يهاجم شوقى بفجاجة، ويحاكمه من منظور رومانتيكى ناسيا أن شوقى ينتمى إلى فكر جمالى سابق، ولما كان هؤلاء الشعراء المجددون قد انتقلوا إلى مرحلة جديدة، كان عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم بأنفسهم، لأن النقاد فى الساحة الأدبية ينتمون لمرحلة سابقة.

إذن وبحسب الشاعر الدكتور أمجد ريان دائماً عندما يبدع الشعراء ويكتبون فى منطقة جمالية أخرى، لا بد عليهم أن يقوموا بالإبداع والتنظير معاً.

 

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الناقد المبدع

إقرأ أيضاً:

«ترامب».. لا بد منه!

حتى أربع سنوات مضت لم أكن أتخيل أن أعاود الكتابة عن دونالد ترامب الرئيس الأمريكى الذى رحل عن السلطة آنذاك ليخلفه بايدن بعد أن كنت قد أشبعت فترة توليه الحكم كتابة عنه وعن طباعه المغايرة لطباع الرؤساء.. أى رؤساء! حمدت الله على أن ودعنا فترة تصورتها قلقة إن لم أقل مزعجة فى مسار العلاقات الدولية وفى القلب منها الشرق الأوسط. تصورت أنه رحل غير مأسوف عليه بغير رجعة.. لكن التصويت العقابى لبايدن أو بمعنى أصح سوءات بايدن لكبر سنه بشكل أساسى والتشخصيات بأنه وصل لمرحلة المعاناة من الزهايمر، فضلا عن ترشيح نائبته كاميلا هاريس قليلة الخبرة والمفتقدة للكاريزما، بالإضافة بالطبع إلى ما يمكن اعتباره لغز اتجاهات الناخب الأمريكى التى يبدو من الصعب توقعها، كل ذلك عزز فرص ترامب، فكانت عودته إلى البيت الأبيض مرة ثانية.

لم يمض ترامب فى كرسيه حتى كتابة هذه السطور أكثر من عشرة أيام، كأنها سنة بل سنوات، بالضجيج الذى أحدثه، والتوتر الذى سببه عالميا بحكم أنه رئيس أقوى دولة فى النظام الدولى. الرجل لم يترك اتجاها، يمنة أو يسرة، شرقا أو غربا، فوق أو تحت، إلا وامتدت مواقفه اليه بالسلب وليس بالإيجاب. فهو يتمنى لو أصبحت كندا الدولة الكبرى الولاية الأمريكية رقم 51، ولا يتوانى عن أن يعلن استعداده لاحتلال قناة بنما، و.. و. إلى آخر قائمة المواقف "غريبة الأطوار" التى صدرت عن ترامب خلال الأيام القليلة الماضية!

فى تقديرى – وأرجو ان تراجع مقالى فى الوفد فى 17 يونيو 2019 بعنوان «فى بيتنا ترامب» – أن الرجل يدفع ببلاده وبقوة إلى الهاوية، مع إقرارى بحقك وحق الآخرين فى أن يختلفوا مع هذا الرأى. هناك ملامح جبهة دولية تتشكل من الصديق قبل العدو للوقوف فى وجه غرائب ترامب إن لم نصف مواقفه بتوصيفات أخرى! مستقبل هذا التوجه الذى يبنى عليه ترامب سياساته يتوقف على الدولة العميقة التى يقف لها هو بالمرصاد، ومحاولتها عرقلة هذه السياسات، بمعنى آخر أن الولايات المتحدة على محك الحقيقة التى تؤكد دوما أنها دولة مؤسسات! والتى يسعى الرئيس الأمريكى إلى جرها لما يمكن اعتباره «حقبة ترامبية» محضة!

فى القلب من هذه السياسة تأتى قضايا المنطقة، وعلى الأخص القضية الفلسطينية. نقول ونعيد التأكيد على أن الكثيرين أخطأوا عندما تصوروا أن ترامب يحمل بعض الخير لتلك القضية حينما دفع بوقف النار – على نحو ما أوضحنا فى مقالنا الأسبوع الماضى. نقول ونعيد القول أن ترامب لن تنقضى عجائبه، وأن حديثه عن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن ليس سوى عينة من تلك العجائب.

لو فكرت فى حديثه جيدا وتأملته بهدوء، دعك من كونك عربيا، وتخيلت أنك أمريكيا لشعرت بالخجل. هو حديث يفتقد المنطق، ويغيب عنه أبسط قواعد بروتوكولات العلاقات الدبلوماسية قبل العلاقات الإنسانية! هو كلام «ملغم» ويحمل من التزييف الكثير، وأى شخص لديه قدر من اتساق الفكر لم يكن ليطرحه، بغض النظر بالطبع عن كونه يصب فى صالح إسرائيل أم غيرها.. فهذا ليس موضوعنا فى هذه الكلمات.

إن ترامب بما قدمه هنا يضعنا ويضع المنطقة بأكملها على صفيح ساخن، وليس هناك مبالغة فى أن الأيام القادمة حبلى بالكثير من المفاجآت ليس على صعيد منطقتنا فحسب وإنما على صعيد العالم ككل بما فى ذلك علاقات أمريكا مع روسيا والصين، القوى الرئيسية المناوئة للولايات المتحدة.. واذا كان المثل العامى يقول إن هناك من الشرور ما لا بد منها، فإن ترامب ربما يكون مما لا بد منه فى عالمنا الذى نعيشه!

[email protected]

مقالات مشابهة

  • «ترامب».. لا بد منه!
  • في ذكرى رحيل أم كلثوم.. سر مفاجئ وراء النظارة السوداء والمنديل (شاهد)
  • تزوجت ثلاث مرات وليس لها أولاد.. أسرار عن أم كلثوم في ذكرى وفاتها الـ 50
  • حقيقة تعاقد الأهلى مع مصطفى محمد قبل كأس العالم.. ناقد يوضح
  • تجديد حبس متهمين بالاتجار فى النقد الأجنبى 15 يوما
  • سلطة النقد : حافظنا على الاستقرار المالي رغم كل الأزمات المالية
  • شواطئ.. القصة القصيرة في مصر.. تحولات النقد والإبداع
  • سلطة النقد: قروض جديدة للموظفين وترتيبات محاسبية داخل البنوك
  • استجواب متهمين بالاتجار غير المشروع فى النقد الأجنبى
  • النقد الفلسطينية تعلن موعد بدء عمل المصارف في غزة