فى اصطلاحات أهل المعرفة أن المقام ثابت راسخ يكتسب ببذل المجهود. وأن الحال متغير يأتى من عين الجود، من الفضل الإلهى، وهو وارد وهب من عطاءات الله. والمقامات والأحوال سلسلة من النظام العملى ضمن علوم التذكية لا تكاد تخلو منها فروع الدين والأخلاق.
وكل ما يقام على المقام أو على الحال يؤسس فى طريق الله معرفةً إنْ على مستوى النظر أو على مستوى العمل، بمقدار ما يُعطى صورة وافية للموضوع الذى يندرج تحته، فإنْ قلت التوبة أو الورع أو الزهد أو قلت المحبّة أو الخوف أو الرجاء أو اليقين، فأنت أمام أبواب وميادين من المقامات والأحوال عالية المقاصد فى الدين والخُلق سواء.
هنالك تقترن المحبّة بالتوبة مع الرضا فى المشابهة بمقاصد التوظيف الإلهى تخريجاً للدلالة والإشارة وتسليماً للمعطيات الذوقيّة فى كل دلالة وفى كل إشارة حسب درجات القادرين عليها حتى إذا ما طرحنا السؤال المباشر: مَنْ ذا الذى تتقدَّم لديه المحبّة فتسبقه: الخالق أم المخلوق؟ العبد أم الرب؟ فالظاهر بالمباشرة أنّ العبد هو الذى يُحبُّ الله أولاً، حتى يُحبُّه الله تالياً، ولكن التأمل فى المقاصد الإلهيّة يعكس هذا الظاهر جملة وتفصيلاً ويحيله إلى النقيض، وذلك حين تقرأ قول الله تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، إذ يعلم أنّ الذى يُحبُّ أولاً هو الله. ولا طاقة لمحب من تلقاء نفسه دون سابقة محبة إلهيّة، وفى تخريج الدلالة توظيفٌ للمقصد الإلهى فى سياقاته العلويّة.
وبالمثل، ربما يعتقد العبد ركوناً إلى نفسه أنه هو نفسه الذى يتوب أولاً حتى يتوب الله عليه تباعاً، لكنه إذ يقرأ قوله تعالى: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) علم من فوره أنّ الله هو الذى يُلهمه التوبة تحقيقاً حتى يتوب.
أكثر أدعية الأولياء والعارفين تبدأ بالتوبة وتنتهى إليها، ولا مناصّ منها فى البدء والمنتهى. (فاللهم إنّا نسألك توبة سابقة منك إلينا لتكون توبتنا تابعة إليك منّا) كما فى الحزب الكبير لسيدى أبى الحسن الشاذلى رضوان الله عليه. فالتوبة سابقة من الله إلى خلقه، وتوبة الخلق تابعة لما سبق فى علمه من تقدير.
ولا مزيد على التحقيق فى غير هذا ولا فيما سواه.
وربما يعتقد العبد أنّه هو الذى يُرضى الله أولاً، ثم يرضى الله عنه، حتى إذا قرأ قوله تعالى: (رَّضِى اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)
عَلِم إذ ذاك أن الله هو الذى يرضى عن العبد أولاً. ولا بدّ من رضاه السابق، ليتم لعباده الرضوان كما تمّت لهم المحبّة والتوبة من المقامات العليا، ليغفر وليعفو، وهو وحده سبحانه ولى ذلك والقادر عليه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هو الذى ی المحب ة
إقرأ أيضاً:
لا مكان لسنّة لبنان خارج لبنان أولاً
كتب قاسم يوسف في" نداء الوطن": استكمل السنّة في لبنان تأكيد المؤكد بعد عقدَين كاملين من التجارب والكبوات والمنزلقات القاتلة، اختبروا فيهما كل أنواع القهر والمظلوميات والضغوط القصوى، من الداخل ومن الخارج، لكنهم لم ينجرفوا، ولم يسلكوا درب المغامرات. وظلت أكثريتهم الكاثرة في صلب المعادلة الوطنية التي حسمت نهائية الكيان اللبناني وأولويته، باعتباره حصنهم الحصين، بعد أن كان في أدبياتهم جزءاً لا يتجزّأ من بحر سنّي هادر يمتد من سواحل الهند إلى شواطئ المغرب.قبل غزة، كان جرحهم المفتوح في سوريا. تعاطفوا مع ثورتها الهائلة كما لم يتعاطفوا مع قضية في تاريخهم، لكنهم لم ينجرفوا. وظلت حركتهم السياسية والاجتماعية تحت سقف الممكن والمتاح، قبل أن يعودوا ويلفظوا كل أولئك الذين سلكوا درب السلاح أو حرّضوا عليه. السنّة في لبنان، بأكثريتهم الكاثرة، هم أهل دولة، وأبناء الانتظام العام، يريدون أن يعيشوا حياة طبيعية وهادئة، في دولة سيدة وحرة ومستقلة ومزدهرة وعادلة ومحايدة ومتفاهمة مع محيطها، يريدون دولة حقيقية يأخذون فيها حقوقهم ويقدمون واجباتهم كمواطنين طبيعيين، ويرفضون أن تتحول بلادهم إلى ساحة لحروب الآخرين تحت أي عنوان من العناوين، قد يتعاطفون مع هذا أو ذاك، وقد يعبّرون عن تعاطفهم كما تُعبّر كل الشعوب في العالم، لكنهم يرفضون الانجراف إلى الهاوية، ويرفضون أخذ بلادهم إلى الجحيم.
وكتب طارق أبو زينب في" نداء الوطن": حاول المحور الإيراني الالتفاف على الطائفة السنية لاستقطاب المسلمين السنة ودعم بعض الأحزاب والحركات بالمال والسلاح تم تشكيلها في عدة مناطق لبنانية، وعلى رغم أنه أسس "سرايا المقاومة" من الشبّان السنة، فإن الكثيرين لم يتجاوبوا مع دعوته في الشارع السني. وكما تفرد بقرار الحرب عام2006، تفرد بقرار المشاركة في حرب طوفان الأقصى وأسماها حرب الإسناد والمشاغلة. تأثر جزء من الشارع السني بهذه الحرب وفتحت شهية بعض شبان السنة من خلال العمل على التطوع والقتال إلى جانب "حزب الله".
تقول أوساط سنية إن معظم المنتمين للطائفة السنية العروبية لم ينزلقوا إلى المحور الإيراني وينبذون السلاح غير الشرعي، والطائفة السنية مرجعيتها دار الفتوى التي أثبتت أنها جامعة لكل اللبنانيين، أما العمل على عسكرة جزء من الشارع السني في لبنان للقتال إلى جانب "حزب الله"، فإن هذا الأمر يصب في مصلحة الحزب السياسية.