بعض جوانب تجارة الرقيق العربية من السودان بين القرنين السابع والتاسع عشر (1 -3)
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
بعض جوانب تجارة الرقيق العربية من السودان بين القرنين السابع والتاسع عشر (1 -3)
SOME ASPECTS OF THE ARAB SLAVE TRADE FROM THE SUDAN - 7th to 19th CENTURY
يوسف فضل حسن Yusuf Fadl Hassan
تقديم: هذه ترجمة للجزء الأول مما ورد في مقال طويل للأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن (1931- )، نُشِرَ عام 1977م في العدد الثامن والخمسين من مجلة "السودان في رسائل ومدونات SNR" في صفحات 85 – 106.
والأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن غنِيّ عن التَّعريف، ويمكن الاطلاع على سيرته الذاتية ومؤلفاته في هذا الرابط: https://tinyurl.com/53skxv9s
المترجم
********** ********** *********
لقد كان الاسترقاق ممارسةً شائعة في الجزيرة العربية وبقية مختلف المناطق في العالم القديم من قبل ظهور الإسلام بوقت طويل في بداية القرن السابع عشر الميلادي. وكان وجود المسترقين الأجانب (وغالبهم من السود، وقليل منهم من البيض أيضاً) قد ورد في الشعر العربي القديم ومرويات ما قبل العهد الإسلامي. وقبل مجيء الإسلام بفترة قصيرة كانت هناك بمنطقة غرب الجزيرة العربية (وخاصة مكة) أعداد كبيرة من المسترقين الأفارقة، أغلبهم من الأحباش. ولكلمة "أحباش" أو "حبش" دلالات أوسع، أُدْخِلَ فيها غالب المسترقين السود البشرة الذين جُلِبُوا من الساحل الغربي للبحر الأحمر. وقد يكون السبب في ذلك هو أن معرفة العرب بإفريقيا كانت في ذلك الزمان تقتصر على الحبشة وما جاورها من مناطق (1). غير أن العرب لم يكونوا هم أول من أدخلوا الرق وتجارة الرقيق في أوساط الأفارقة (السود)، ولم يكونوا هم أيضاً أول من استرقهم. فقد كان الاسترقاق أو أي شكل من أشكال "العبودية" وبيع المسترقين ظاهرة شائعة إلى حد كبير في أجزاء كثيرة من القارة الإفريقية. وبالإضافة لذلك، كان الفراعنة والرومان ضالعين منذ فترة طويلة سابقة في جلب المسترقين السود من أفريقيا. وهناك بالفعل آثار في المنحوتات المصرية القديمة تدل على وجود مسترقين أفارقة.
ومع ذلك، فإن تجارة الرقيق التي تسربت عبر الصحراء الكبرى إلى شمال أفريقيا، وأسفل نهر النيل إلى مصر وعبر البحر الأحمر إلى شبه الجزيرة العربية، لم تكن بذلك الحجم والأهمية إذا ما قورنت بالتجارة الواسعة التي تدفقت عبر نفس الطرق وتطورت مع إنشاء الدولة الإسلامية.
لقد كان العالم العربي قد غُمر بأعداد كبيرة من الأسرى في أعقاب موجة الفتوحات العربية الإسلامية، وكانوا من مجموعات عرقية مختلفة بما في ذلك السوريين والأقباط والفرس والنوبيين والبربر والهنود واليونانيين والأتراك. واُسْتُخْدِمَ الأسرى الذكور والإناث في البداية للخدمة في منازل العائلات العادية وفي قصور الأغنياء والكبراء. وقد ساهم تدفق هؤلاء المسترقين، مترافقاً مع تطور الحياة عند العرب، ومع اتساع المجتمعات الحضرية، في توسيع النطاق التقليدي لتوظيف المسترقين والمسترقات، وفي إدخالهم في مهن جديدة. إلا أن أعداد أسرى الحرب الذين كانوا يشكلون مصدراً رئيسياً للمسترقين لم يعد كافياً لتلبية الطلب الجديد (والمتزايد)، وذلك لسببين: أولهما هو انخفاض أعداد المسترقين كثيراً بسبب العتق، وثانياً، هو انتهاء موجات الغزو العربي التي كانت المصدر الرئيسي للأسرى، وذلك بحلول القرن الثامن. ونتيجة لذلك صار الكثيرون يحصلون على المسترقين عبر عمليات الشراء، أي بطرق تجارية وليست عسكرية. وسرعان ما غدت القوافل الكبيرة تحمل آلاف المسترقين والمسترقات سنويا من أفريقيا وآسيا الوسطى في الغالب، ومن أوروبا المسيحية بدرجة أقل، إلى أسواق الرقيق في كل أرجاء الإمبراطورية. وكان يُؤتى بأولئك المسترقين لأغراض عديدة توسع في وصفها (الطبيب البغدادي النصراني) مختار بن الحسن بن بُطْلان في مؤلفه المعنون "رسالة في شرى الرقيق وتقليب العبيد" (2). وكان الطلب على نوعين من المسترقين كبيراً: النوع الأول هم المسترقين من أصول تركية، وكانوا يلحقون بالعمل جنوداً في الجيش، ويُسَمَّوْنَ "المماليك"، والنوع الثاني هم "السود" أي أنهم من أصول سودانية، وكانوا يعملون في الغالب كخدم وجنود وعمال. وسأركز في مقالي هذا على هذا النوع الثاني من المسترقين السود الذين كانوا يَجْلُبُونَ من "بلاد السودان"، وعلى الذين كانوا يعملون في تلك التجارة.
وفي رسالة الجاحظ (المتوفي في عام 869) المعنونة " فخر السودان على البيضان" كان المؤلف يستخدم كلمة "السودان" بالمعنى المحدود (المقيد) وبالمعنى العام: فالأول يشير إلى مجموعة متميزة بهذا الاسم لم يأت على ذكر موقعها أو صفاتها بالضبط. ومن السابق لأوانه بالفعل التحدث عن مجموعة عرقية تحمل هذا الاسم في القرن العاشر الميلادي، وربما لم يتم استخدامه إلا بعد القرن السادس عشر عندما أصبح قابلاً للتطبيق إلى حد كبير على سكان غرب إفريقيا؛ بينما يشمل المعنى العام كل الأشخاص السود البشرة، مثل الزنج، والأحباش، والنوبة (النوبيين)، والزغاوة، والهنود، وسكان جنوب شرق آسيا، والأقباط، والبربر، والصينيين (3).
وعلى الرغم من أن المعنى المقيد والعام لكلمة "سودان" كان يستخدم لفترت طويلة من الزمن، إلا أن غالبية الكتاب العرب الأوائل كانوا يقصرونه على سكان أفريقيا من ذوي البشرة السوداء، وكان يطلقونه أيضاً في بعض الأحيان على سكان الهند. أما التعبير الجغرافي لـ "بلاد السودان"، فهو يشير إلى كل مناطق أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تمتد من البحر الأحمر (أو ربما من الحدود الغربية أو الجنوب – غربية لأرض النوبيين) إلى المحيط الأطلسي.
وشرع الكُتَّاب العرب والمسلمين – بعد أن ازدادت معرفتهم بالمناطق الداخلية في أفريقيا عبر عمليات نقل كبيرة للمسترقين - في التفريق بين المجموعات الإثنية الكبيرة التي تندرج تحت مسمى "سودان". وتشمل تلك المجموعات النوبيين والبجا والزنج، وأحيانا الإثيوبيين، ولكنها لا تضم سكان شمال أفريقيا (رغم أنها تشمل أحياناً سكان فزان (في الجنوب الغربي من ليبيا الحالية. المترجم).
وكما ذكرنا آنفاً، فقد كان الأحباش (الحبش) هم أول من اتصلوا بالعرب المسلمين. بل كانت أول هجرة للمسلمين قد توجهت للحبشة، حيث وجدوا الحماية والرعاية من مَلِيكها. وتشمل كلمة "حبش" الأحباش Abyssinians وجيرانهم من جهة الجنوب على القرن الإفريقي، وبعض البجا على حدودهم الشمالية. وربما بسبب قرب بلادهم من الحبشة، وشبههم للأحباش، أطلق عليهم بعض الكُتَّاب العرب "عِرْق الأحباش"، واسموا كل تلك المناطق "الحبشة الوسطى". وكان للمسترقين والمسترقات الأحباش قيمة مادية كبيرة كخِصيان وسراري.
أما لفظة "نوبة Nuba"، فهي مثل كلمة "سودان" تحمل معنىً مقيداً، وعاماً أيضاً. فهو يشير في المعنى الأول لشعب أرض النوبة المسيحية الذين قاوموا العرب ببسالة في النصف الأول من القرن السابع. أما المعنى العام فهو يشمل كل سكان السودان النيلي، وكل السكان السود الذين اُشْتُرُوا من مناطق خارج منطقة النوبة وبِيعُوا رقيقاً. غير أن أولئك المسترقين لم يكونوا بالفعل من النوبيين، على الرغم من أنهم كانوا يُعْرَفُونَ بذلك الاسم. ومثلهم مثل الأحباش، كان النوبيون قد حَظُوا بسمعة جيدة في العالم الإسلامي كعمال مخلصين في أداء أعمالهم، وكخدم مفيدين. وكان يعملون كخدم وعمال وجنود، وكممرضات ومحظيات.
والبجا هم من الرحل المتحدثين باللغة الكوشية، وتقع مناطقهم بين النيل والبحر الأحمر. وهم يشبهون الأحباش، وربما كان هذا سبب هو القيمة العالية لسبايا البجا. وبسبب حملاتهم العسكرية في صعيد مصر اشتبك العرب معهم في القرن الثامن. كما كانوا على صلة معهم عبر الموانئ العربية المنشأة حديثاً على الساحل الغربي للبحر الأحمر.
والزنج هم شعوب شرق أفريقيا الناطقة بلغة البانتو، الذين يقطنون مناطق جنوب الحبشة (من خط عرض 30 شمالاً إلى خط عرض 50 جنوباً)، رغم أن كلمة "الزنج" تستخدم لوصف كل الأفارقة السود (negros) على وجه العموم. وبالنسبة للعرب، كان موطن الزنج (أرض الزنج) منذ منتصف القرن الثامن مصدراً لا ينقطع لجلب المسترقين. وكان الزنج، عند المقارنة ببقية المسترقين الأفارقة، أقلهم قيمة (مادية) عند العرب.
طبيعة تجارة الرقيق عند العرب
لقد أحتل العرب مكانة مهمة في مجالي التجارة والملاحة نظراً لكونهم يمثلون قلب الإمبراطورية الإسلامية المنشأة حديثاً. وكان العرب في الأساس تجاراً وليسوا غزاة. وعلى وجه العموم، كانت تجارة الرقيق الأفريقية، مثلها مثل التجارة في المنتجات الأفريقية الأخرى، في أيدي العرب أو الرجال من ذوي الأصول العربية والإفريقية المختلطة. ويُسْتَخْدَمُ مصطلح "العرب" هنا بمعنى فضفاض للغاية للإشارة إلى الأفراد والمجموعات الناطقة بالعربية من أصول متنوعة. ويدخل في هذا التعريف أيضاً تجار الرقيق الآخرون، سواءً أكانوا من غير العرب المسلمين (كالمسيحيين أو اليهود)، والذين كانوا من رعايا الدولة الإسلامية. وكان تجار الرقيق العرب أو المستعربين (مثل "الجلابة" في السودان النيلي أو السواحليين في شرق أفريقيا) يمثلون مجموعة بارزة في تجارة الرقيق.
وعلى الرغم من أن العرب كانوا قد قاموا بدور قيادي في التجارة بأفريقيا، إلا المعلومات المتوفرة لدينا ليست كافية، أو ليست كافية لدرجة تمكننا من الاعتماد عليها أو الوثوق بها لتقدم لنا كل الأجوبة المطلوبة فيما يتعلق بضُلوع العرب في تجارة الرقيق، أو مدى مساهمتهم فيها. فمعظم ما رود من معلومات في هذا الشأن أتى من التجار والرحالة أو البحارة الذين دخلوا إلى أماكن بعيدة في تلك الأراضي، ومِنْ ثَمَّ جاءت رواياتهم محاطة بالغموض والأساطير. ومع ذلك ربما كان العرب هم أول الأجانب الذين دخلوا عميقاً في الأراضي الإفريقية المأهولة بالسكان، وهم من عملوا على مقابلة الطلب المتزايد في العالم الإسلامي على المسترقين. وكان ما قاموا به في هذا المجال قد حفز الآخرين للانخراط في تجارة الرقيق، وجعل لها أهمية عظيمة. وعند ظهور التجار العرب في المشهد الإفريقي، كانت تجارة طرق المسافات الطويلة قد أُنْشِئَتْ مسبقاً، وإلى حد كبير، من خلال المبادرات الأفريقية. غير أن التجار العرب عند دخولهم في تجارة الرقيق كانوا قلما يواجهون معارضة أفريقية منسقة؛ ويبدو أن العوامل المحلية كانت متجانسة بشكل عام مع يقوم به التجار العرب من أعمال.
وبعد أن وجد الإسلام - مثله مثل اليهودية والمسيحية - أن الرق يمثل سمة اِعتِيَادِيّة وثابتة للنظام الاجتماعي، لم يأمر بإلغاء العبودية بالكلية، بل سعى للتخفيف من شرورها من خلال الدعوة إلى المعاملة الجيدة وتشجيع العتق؛ وتردد صدى روح الإسلام تجاه الاتجار بالبشر في الأثر المنسوب إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي يدين مثل هذا النشاط: "شر الناس من باع الناس" (لم أجد لهذا القول أثراً في المصادر المعروفة، إلا أن هناك حديثا قدسيا ورد فيه: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ ، ذكر منهم : رَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ. المترجم). وكما هو معلوم، فالإسلام لا يبيح استرقاق المسلمين، ويعترف بنوعين: الذين ولدوا في العبودية، ومن أسروا في الحرب – كنتيجة لحرب أُعْلِنَتْ على سكان "دار الحرب" التي تقع خارج دار الإسلام. وكانت المصادر المحلية للعبودية ضئيلة للغاية لدرجة أنه لم يتم الحفاظ على تلك المؤسسات إلا من خلال استمرار جلب المسترقين بوسائل تجارية إلى حد كبير، من الأراضي الأجنبية.
طرق ومصادر الحصول على الرقيق
تختلف طرق ومصادر الحصول على الرقيق (إما بالانتصار الحربي أو الخطف أو الشراء)، ويتباين دور التجار العرب بحسب المنطقة التي يقومون فيها بمثل تلك الأعمال. غير أنه يبدو أن التجار العرب لم يكونوا – على وجه العموم – يصطادون المسترقين بأنفسهم، بل كانوا يعتمدون في الغالب على ما يحصلون عليه من وسطاء أو من "أهل البلاد natives". واستفاد كل من التجار العرب والموردين المحليين بشكل كامل من العادات المحلية القديمة التي تناسب وتتوافق مع مثل تلك الأنشطة. والأمثلة التالية المستمدة من أجزاء مختلفة من المنطقة على مدى فترة زمنية واسعة، تمثل طرقاً مختلفة لشراء المسترقين. فبادئ ذي بدء، فرض العرب في أول مواجهة لهم مع النوبيين وسكان شمال أفريقيا جزية سنوية يتم تسليمها للمسلمين. وفي النوبة كانت الجزية السنوية هي حوالي 400 مسترق في مقابل المواد الغذائية. وكانت الجزية المعروفة في "معاهدة البقط" مواصلة لممارسة قديمة. ولمقابلة ما التزم به النوبيون، كانوا يغيرون على أعدائهم الذين كانوا يقنطون في جنوب أو جنوب غرب مناطقهم ويصطادون منهم من يقدمونهم جزيةً للعرب. وقد ورد في كتاب عمارة اليمني المعنون "تاريخ اليمن" أن حاكم دهلك Dahalk كان قد قدم ألف فتاة مسترقة (نصفهن من النوبيات والنصف الآخر من الحبشيات) لحاكم اليمن في عام 977م.
وكتب القبطي أبو البشر سيفرس (Abu al - Busher Severus) أن المسلمين كانوا منذ وقت باكر (عام 747- 8) يخطفون النوبيين لبيعهم في أسواق الرقيق بمصر. وذكر الرحالة الفارسي نصري خاسرو Nasiri Khusraw (4) أن المسلمين وغيرهم كانوا يسرقون الأطفال من بوادي البجا ويبيعونهم في مدن المسلمين. وربما كانوا يفعلون ذلك بحجة أنهم كانوا في حالة حرب بأرض الأعداء. فالغارات المسلحة، رغم أنها كانت موجهة على نطاق واسع ضد الوثنيين، لم تستثن المجتمعات الإسلامية الموجودة على حدود دار الإسلام. وفي عام 1391 اشتكى أبو عمرو عثمان بن إدريس، ملك بورنو، إلى السلطان المملوكي في مصر من أن بعض القبائل العربية التي كانت تعيش بالقرب من مملكته داهمت رعاياه وقتلت بعضهم وأسرت آخرين. وتم بيع الأسرى لتجار الرقيق من مصر وسوريا وأماكن أخرى. وليس من الواضح من النص ما إذا كان البيع الفعلي يتم في بورنو نفسها أم في الخارج، بحسب ما جاء في نص كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" لأبي العباس القلقشندي.
ولكن على الرغم من تلك الأنشطة العربية، انتهى المطاف ببعض المسترقين عند التجار العرب بسبب عوامل عديدة. وكانت عادات الاستعباد المشار إليها أعلاه سائدةً بين "السودان"، وهم، بحسب مصدر فارسي، أشخاص يسرقون أطفال بعضهم البعض ويبيعونهم لتجار الرقيق عند وصولهم (5).
وبحسب ما جاء في كتاب "مجمع البلدان" لياقوت الحموي، كان لملك علوة الحق في استرقاق من يريد من أفراد شعبه، بينما كان لأفراد قبيلة "التكونا Takuna" الحق في استعباد أي فرد آخر من قبيلتهم. وكان الأحباش يسرقون أطفال غيرهم ويبيعونهم للتجار عندما يشح الطعام عندهم.
غير أن أهم مصدر للرقيق ربما كان ما تنتج عنه الصراعات الداخلية بين القبائل الإفريقية وزعمائها، الذين كانوا يقاتلون بعضهم بعضا، ويبادلون من يأسرونهم بمختلف عروض التجارة مع التجار العرب.
وذكر الجغرافي العربي اليعقوبي (ت897) أن الزويلا Zawila (في وسط بلاد السودان (كانوا يخطفون السود من قبائل ميرا ( Mira) والزغاوة ومروة (Maruwa) وبعض القبائل الأخرى التي تقطن بالقرب منهم. وأضاف اليعقوبي أنه سمع بأن ملوك القبائل السوداء كان يبيعون السود الآخرين دون تبرير أو بسبب تهديد بالحرب. ومن أمثلة ذلك مثل ملك برنو الذي كان يبادل من يسترقهم في حملاته السنوية لجمع الرقيق بالبضائع الأجنبية.
وبغض النظر عن الطريقة التي كان التجار العرب يجلبون بها المسترقين، فقد كانت هناك عوامل عديدة أدت أدواراً مهمة في تسهيل وجود تلك "السلعة" في الأسواق. في الواقع، وعلى وجه العموم، لم يشارك التجار العرب (باستثناء لاحقاً في القرن التاسع عشر) في عملية الاستحواذ الأولي على المسترقين، لكنهم كانوا يكتفون بالحصول عليهم من خلال الوسائل السلمية في مقابل السلع الأجنبية التي كانوا يعملون على تزويد الأسوق الرئيسية بها. وعمل التجار العرب على مد الأسواق الرئيسية بالمسترقين السود، وذلك باستخدام طرق القوافل القديمة التي ربطت أفريقيا الاستوائية بشمال أفريقيا وساحل البحر الأحمر وموانئ شرق أفريقيا على المحيط الهندي. وكانت الأسواق المصرية تتلقى أولئك المسترقين عبر ثلاثة طرق للقوافل تأتي من دارفور وسنار وفزان، ومن المناطق الداخلية الأبعد. وكان لطريقي دارفور وسنار أهمية اقتصادية أكبر من طريق فزان. وكان هناك فرع لطريق سنار يتجه شرقاً ليزود الجزيرة العربية ببعض احتياجاتها من المسترقين عن طريق موانئ عديدة مثل بادي (6) وعيداب وسواكن ودهلك ومصوع. وكانت هناك سلسلة طرق تجارية لنقل المسترقين من الحبشة وشرق أفريقيا تمتد عميقاً في المناطق الداخلية.
ولم تكن أنشطة التجار العرب تقتصر على تجارة الرقيق (التي كانت تدر أرباحاً وفيرة)، ولكنهم كانوا يتاجرون بغيرها أيضاً. فقد كان يصدرون – إضافة للمسترقين – المنتجات الإفريقية التقليدية مثل العاج والماشية والإبل، وفي أحيان قليلة كانوا يصدرون أيضاً الجلود والذهب وريش النعام، وخشب الأبنوس والزَّبَاد (civet)، مع عدد كبير من مختلف المنتجات المحلية. (في بعض الأحايين كان المسترقون والعاج يمثلان أهم ما يصدره أولئك التجار، خاصةً في سنوات القرن التاسع عشر. وكان تجارة الرقيق لا تنفصل عن التجارة في العاج، كما كان عليه الحال في بعض المناطق مثل شرق أفريقيا وأعالي النيل وبحر الغزال (2). ومن أجل تمويل تلك العمليات التجارية، ولمقابلة الاحتياجات المحلية، كان أولئك التجار يستوردون الخيول والملح والأقمشة والنحاس والأسلحة المعدنية، والخرز والمرايا والحلي وغيرها من المواد المصنعة. وفي فترات سابقة كانت تلك البضائع تُسْتَخْدَمُ في الغالب في عمليات التبادل التجاري في المنتجات الإفريقية، ولا تباع بالنقد.
وبسبب التدفق الهائل لأنواع مختلفة من المسترقين إلى أسواق الرقيق، ودخلوهم لاحقا في المجتمع الإسلامي، اكتسب تجار الرقيق الكثير من الخبرة التي مكنتهم من تحديد الصفات والعيوب في المجموعات العرقية المختلفة للمسترقين. وبعد ذلك، أصبح من الممكن تحديد الوظائف التي تعتبر الأفضل لكل فئة. وتم أخذ عوامل مثل مكان المنشأ والعمر والجنس والمظهر الجسدي والقدرة والتدريب السابق في الاعتبار. (للحصول على وصف تفصيلي لصفات ووظيفة مختلف أنواع المسترقين، السود والبيض، يمكن للقراء الرجوع إلى ما كتبه ابن بُطْلان عن الرقيق (2).
وكانت أعداد البيض المسترقين أقل من أعداد المسترقين السود في الأسواق، وظلت أعداد الفئة الأولى في تناقص. وكان المسترقون البيض قلما يُسْتَخْدَمُونَ في الأعمال الشاقة، ويلحقون بالخدمة العسكرية وبوظائف إدارية عليا، وفي خدمة المنازل. لذا كانت أثمان المسترقين البيض تفوق أثمان المسترقين السود.
****** ***** *****
إحالات مرجعية
1/ استشهد الكاتب هنا بمقال لعون الشريف قاسم عنوانه "السودان في حياة العرب" نُشِرَ عام 1968م في العدد الأول من مجلة الدراسات السودانية، في صفحات 76 – 78.
2/ https://shorturl.at/7C6zo . اُنْظُرْ أيضاً كتاب بعنوان: "بغية المريد في شراء الجواري وتقليب العبيد: الاوضاع الاجتماعية للرقيق في مصر 642-1924م" صدر عام 1997م لخالد مختار.
3/ أشار الكاتب في الحاشية إلى أن تضمين الجاحظ للصينيين هو أمر غريب يعكس نقص أو خطأ المعلومات التي كانت شائعة آنذاك؛ وربما يشابه ذلك ما يعتقده الأوربيون المعاصرون عن الأشخاص الملونين.
4/ كان ناصري خسرو (1001 – بين 1072و1088م) عالماً وشاعراً ورحالة ومبشراً فارسياً للحركة الشيعية الإسماعيلية، ويُنسب إليه على نطاق واسع تأسيس الطائفة الإسماعيلية في بدخشان. https://shorturl.at/3lF2r
5/ المرجع الفارسي المقصود هو كتاب "حدود العالم من المشرق إلى المغرب" لمؤلف مجهول. وذكر كاتب المقال في الحاشية أنه في محاولة لدرء مثل تلك الهجمات العشوائية وتشديد الحماية من اختطاف الأطفال المسلمين في شرق السودان الذي كان قد أصبح إسلامياً حديثاً؛ واعتمد السكان المستعربون علامات معينة على الوجه (الشلوخ) وسيلةً لتمييز أنفسهم عن الآخرين وربما لحمايتهم من الاسترقاق، كما ورد في كتابه "الشلوخ"، الصادر في الخرطوم عام 1976م.
6/ للمزيد عن ميناء بادي يمكن النظر في هذا الرابط: https://tinyurl.com/bddn8edz
alibadreldin@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الجزیرة العربیة فی تجارة الرقیق الذین کانوا ی على الرغم من شرق أفریقیا إلى حد کبیر لم یکونوا التی کانت فی الغالب کانوا من التی کان العرب فی على سکان من خلال فقد کان ورد فی فی هذا أول من فی عام غیر أن
إقرأ أيضاً:
الديمقراطية العربية التي يجب أن نبني
عندما نتساءل أي مستقبل للعرب، لنقل من هنا لمنتصف القرن، يتبادر للذهن ثلاثة سيناريوهات كبرى:
الأول: تواصل الاستبداد – أكان علمانيًا أم دينيًا- بتشبِيبه وتأقلمه واستعماله المحكم تقنيات التضليل والمراقبة، مما يعني تواصل الوضع الكارثيّ للشعوب والدول. الثاني: صراع مُتزايد الحدّة والوتيرة بين الثورات والثورات المضادّة، مما ستنتج عنه حالة من الفوضى قد تصل لمصافّ الانتحار الجماعي للمجتمع والدولة (السودان والصومال إنذارًا). الثالث: نجاح المشروع الديمقراطي في التمكن والبقاء والتطور.لقائل أن يقول أين الإسلام السياسي في هذه السيناريوهات التي تلغي وجوده، والحال أنه اليوم المنتصر في سوريا، المقاوم في غزة، والمستعدّ للعودة في أكثر من بلد بعد الفشل المخزي للثّورات المضادّة؟
قناعتي أن تيارًا منه سيعود لجولة استبدادية عبثية جديدة؛ لأنه سيواجه بمقاومة المكوّن الثابت الآخر للمجتمع؛ أي المكون العلماني، وأن تيارًا آخرَ سينخرط في المشروع الديمقراطي ليثريه وينعشه بالقيم المتجذرّة في ثقافة المجتمع. مما يعني أننا لن نخرج، حتى بإقحام الإسلام السياسي، من السيناريوهات الثلاثة.
أي من هذه السيناريوهات سيتحقق؟رغم استحالة التنبّؤ، هناك احتمالات محدودة قد تكون هي مصيرنا. يمكن أن تتجاور داخل الفضاء العربي – بغض النظر عن الحدود- مناطقُ يحكمها الاستبداد، ومناطق سيدتها الفوضى المدمرة، أو مناطق فوضى، ومناطق تحكمها ديمقراطية متفاوتة النجاح، أو واحات ديمقراطية بجانب قلاع استبدادية، أو مناطق فوضى فظيعة بجانب مناطق فوضى أفظع.
إعلانما علّمنا التاريخ، هو أن المستقبل قلّما يتمخّض عما نأمل، أو عما نخشى، والعادة أنه يتمخّض عما يفاجئنا ولم نتوقعه لحظة.
لكن الثابت أنه لا شيءَ مقدرًا أو مكتوبًا، فانتصار الديمقراطية -ونهاية التاريخ حسب فوكو ياما- ليس أكثر حتمية من انتصار الشيوعية، كما كانت قناعة الماركسيين في القرن العشرين. وفي نفس الوقت لا شيء يمنع من هذا الانتصار.
السؤال هو: لماذا يجب أن نتشبّث بهذا الخيار رغم ما يعاني في عالَمنا المعاصر من أزمات، وما شروط ثباته ثبات البذرة الطيبة في أرض قاحلة وجفاف مخيف؟
لنبدأ بالتأكد من وجود تصوّر جامع للديمقراطيين العرب، إذ كيف نناضل من أجل شيء مبهم أو غير متّفق على أبجدياته.
للبتّ في فهم مشترك للديمقراطية، عقد المجلس العربي مؤتمرًا في سراييفو في أكتوبر/ تشرين الأوَّل 2024، ناقشَ فيه أكثر من مئة من السياسيين والمثقّفين والإعلاميين من مختلف الأجيال، ورقةً تحضيريةً أعدتها قيادة المجلس، وانتهوا بعد ثلاثة أيام بالاتفاق على تصوُّر ضُمّن في وثيقة سُمّيت العهد الديمقراطي العربي (موجودة على موقع المجلس).
إنها الوثيقة التأسيسية لشبكة الديمقراطيين العرب، وخارطة الطريق لنضالات الأجيال المقبلة، وتبدأ بالعودة إلى أهمّ سؤال: لماذا الإصرار على الديمقراطية وهي اليوم كاليتيم على مأدبة اللئام؟
تُختزل الديمقراطية عند أغلب الناس في الحريات الفردية والحريات العامة والقضاء المستقل والانتخابات الحرة والنزيهة. لكن هذه وسائل وآليات الديمقراطية وليست لبّها وهدفها.
أحسن مدخل لفهم هدفها هو تصوّر غيابها المطلق، كما هو الحال في أقسى الدكتاتوريات: النظام السوري الأسدي نموذجًا.
الظاهرة الأساسية في كل مجتمع منكوب بمثل هذا النظام: خوف المجتمع من الدولة، وخوف الدولة من المجتمع.
إنه خوف المحكومين من الحيطان التي لها آذان، من زوّار الفجر، من مراكز الشرطة، من غرف التعذيب، من السجون والمنافي.
إعلانإنه خوف الحكام من المؤامرات الصامتة، من الثورات الصاخبة، من اكتشاف فضائحهم وجرائمهم ربما الخوف الأكبر اكتشاف أنهم ليسوا أشخاصًا استثنائيين كما يدعون، وإنما أشخاص عاديون وأحيانًا حتى أقل من العاديين.
هذا الخوف العام هو أبرز مظاهر الحرب الصامتة والمتفجرة دوريًا بين الدولة والمجتمع في شكل انقلابات وثورات.
أما السبب الأول، فمصادرة شخص أو عصابة، مدنية أو عسكرية، طائفية أو أيديولوجية، الثروةَ والسلطة والاعتبار، بالعنف والإذلال والحكم على الأغلبية بالعيش على فتات هذه الثلاثية في ظلّ الخوف والمذلّة.
لهذا يقول العهد الديمقراطي:
"الديمقراطية ليست فقط نظام حكم، بل هي عملية تحرير شاملة من الخوف والإذلال الجماعي".
إن عبقرية الديمقراطية في قدرتها على تحرير الحاكم من ضرورة التخويف والإذلال للبقاء في الحكم وحتى على قيد الحياة.
هي أيضًا في تحرير المحكوم من ضرورة الخنوع للخوف والمذلة لمواصلة العيش التعيس.
لا يحدث هذا بإلغاء سبب الحرب الأهلية الصامتة، حيث لا قدرة لأحد بين عشية وضحاها على توزيع عادل للثروة والسلطة والاعتبار، وإنما بقدرة الديمقراطية على نقل الصراع من العنف الجسدي إلى العنف الرمزي.
هكذا تنظم آلياتُها الأربع المعروفة الصراع السلمي بين جيوش رمزية هي الأحزاب السياسية والسلاح هو الكلمات لا اللكمات. تأتي الانتخابات الحرة والنزيهة للتداول السلمي على السلطة كمعركة تفصل مرحليًا بين المتنازعين فيعلَن منتصرًا من صفف أكبر عدد ممكن من الجنود على ساحة المعركة.
بعد إعلان الفوز يُتوج الفائز الجديد وينصرف القديم إلى بيته محافظًا على رأسه. لا يبقى على المهزومين إلا قبول وضع يعرفونه مؤقتًا؛ لأن اللعب مفتوح، وثمة دومًا أمل بالانتصار في المعركة السلمية المقبلة.
من أحوج منا -نحن العرب- لمثل هذا النظام لكي ننتهي من الصراع الدموي على السلطة الذي نعاني منه منذ معركة الجمل، حتى يعيش الحكام بلا خوف من المحكومين، والمحكومون بلا خوف من الحكام، حتى ننهي حربًا أزلية بين دولة قامعة ومجتمع مقموع، لا انتصار فيها إلا وكان عابرًا باهظ الثمن للجميع؟
إعلانلقائل أن يقول: بهذا المفهوم كل المجتمعات بحاجة لنَفَس الديمقراطية كما هي بحاجة لنفس الهواء النقي والغذاء الكافي، فما الداعي لإضافة "العربي" لتوصيف العهد؟ هل للتعريف الجغرافي أم لإفراغ المصطلح من فحواه، كما حدث من قبل بتسميات من نوع: ديمقراطية اشتراكية، وديمقراطية مسؤولة، وديمقراطية شعبية؟
لا هذا ولا ذاك. نحن – العرب- بحاجة ككل الشعوب للديمقراطية، لكن لنا فيها بحكم وضعنا الكارثي أربعة مآرب أخرى، هي أيضًا الشروط الأساسية لنجاحها وبقائها.
لماذا ديمقراطية اجتماعية؟كان ولا يزال مدخل الانقلابيين والشعبويين للإطاحة بكل الأنظمة الديمقراطية الجنينية، هو السخرية من الحريات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والوعد بتحقيق الرفاهية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. النتيجة – كما جرّبنا على امتداد سبعين سنة في أكثر من بلد- هي مصادرة الحرية دون تحقيق العدالة، أكانت سياسية أم اجتماعية.
هكذا تعلمنا من تجربة المعارضة والحكم، أن ديمقراطية لا تحمل في طياتها التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، هي مجرد فاصل بين جولتين استبداديتين.
لذلك يقول العهد الديمقراطي: "نحن ندرك من خلال التجربة في أكثر من بلد عربي أن الديمقراطية التي تركز فقط على شكل النظام السياسي، والمهووسة بفكرة الحرية، كما تروّج لها الأنظمة الليبرالية الغربية، لا حظوظ لها في ربح معركة العقول والقلوب في منطقتنا.
أولوية الأولويات بالنسبة لنا، هي الخروج من الفقر، والتصدي للفساد، وبناء التنمية المستدامة، وتحقيق العدالة في توزيع الثروة الجماعية".
لماذا ديمقراطية اتحادية؟إن الأزمة السياسية الخانقة في بلداننا، ليست فقط أزمة النظام السياسي وإنما أزمة الدولة القُطرية، فباستثناء أربع دول بترولية، لا قدرة لثماني عشرة دولة عربية أخرى على تلبية الحاجيات الاقتصادية لأغلبية سكانها، حتى ولو حكمتها أحسن الأنظمة وأقلها فسادًا.
إعلانهذا ما فهمه باكرًا الوحدويون والقوميون العرب، لكن ما لم يفهموه أن النظم الاستبدادية التي يقدّسون لا تتّحد، والدليل صراع البعثيين الذين حكموا سوريا، والعراق في سبعينيات القرن الماضي.
النموذج المعاكس هو قدرة الأوروبيين على بناء الاتحاد الأوروبي بعد انهيار الدكتاتوريات الشيوعية والنازية والفاشية، وحكم فرانكو في إسبانيا. لهذا يقول العهد :"نحن أمة عظيمة، فخورة بتاريخها وهويتها وحضارتها العريقة ومساهمتها في تاريخ البشرية.
لكننا اليوم نشهد في عجز تام التنكيل بالشعب الفلسطيني، أشجع شعوبنا، نتيجة تفرّق الأمة إلى اثنتين وعشرين دولة ضعيفة، تابعة، ومتناحرة، عاجزة عن التعاون حتى في أبسط المجالات، فما بالك بتشكيل وحدة صلبة تستطيع حماية الأمن القومي للأمة أو لشعب من شعوبها.
هذا العجز سببه طبيعة الأنظمة الاستبدادية التي لا تتحد فيما بينها أبدًا، بل تتنازع على النفوذ. لذا نرى أن الديمقراطية، كما أثبتت تجربة الاتحاد الأوروبي، هي السبيل الوحيد لبناء اتحاد الشعوب العربية الحرة والدول المستقلة، القادر وحدَه على الدفاع عن مصالحنا وحقوقنا المشروعة".
لماذا ديمقراطية سيادية؟المستبدون في العالم العربي تبّع، يدينون ببقائهم في السلطة لتبعيتهم لهذه الدولة الخارجية، أو تلك، ومنها دول غير غربية مثل إيران، أو روسيا، وإسرائيل.
الديمقراطية، إذن، ليست الضمان الأكبر لتمتُّعنا بالحريات الفردية والجماعية فقط، وإنما أيضًا بالاستقلال الوطني الذي أصبح في ظل تبعية الاستبداد مجرد شعار أفرغ من كل مضمون.
لهذا يقول العهد الديمقراطي: "نرى في الديمقراطية، ليس فقط وسيلة للتحرّر من الاستعمار الداخلي الذي هو الاستبداد، بل امتدادًا لمعارك الاستقلال الأول التي خاضها آباؤنا وأجدادنا. هدفنا هو تحقيق السيادة الحقيقية، وقطع كل أشكال التبعية المهينة، حيث إن الاستبداد ليس إلا وكيلًا ووريثًا للاستعمار".
إعلان لماذا ديمقراطية مواطنية؟لأنها الشرط الضروري للعيش المشترك في مجتمع سليم وفعّال. هذه المواطنية التي يجب أن تفرضها الدولة الديمقراطية وتتعهدها عادات وتقاليد وثقافة المجتمع، هي في نفس الوقت حق وواجب.
أما الحق فهو مساواة كل أفراد المجتمع أمام القانون فلا فضل لرجل على امرأة، لغني على فقير، لطائفة على طائفة… إلخ، في التمتُّع بكل الحقوق التي ضمنها الإعلان العالمي، وأساسًا الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. أما الواجب فضرورة اضطلاع تلقائي حرّ لكل الأفراد بمسؤولياتهم تجاه الآخرين.
هكذا يمكن أن نعرّف المواطنية بأنها المواقف والتصرفات لأشخاص أحرار يتمتعون بكل حقوقهم، لا يتخلون عن أي منها مهما سُلط عليهم من قمع، ويضطلعون بمسؤولياتهم تلقائيًا دون أدنى إكراه.
مجمل القول:
أن تكون اليوم مواطنيًا أي وريثًا عنيدًا لحُلم الحقوقيين بمجتمع كل أفراده يتمتعون بنفس الحقوق ويضطلعون بنفس الواجبات، لا مدخل اليوم غير الديمقراطية، كما عرّفها العهد الديمقراطي العربي.
أن تكون تقدميًا اشتراكيًا، وريثًا عنيدًا لحُلم العدالة الاجتماعية، لا مدخل اليوم غير الديمقراطية، كما عرّفها العهد الديمقراطي العربي.
أن تكون سياديًا استقلاليًا، وريثًا عنيدًا لحُلم الآباء والأجداد بدولة غير مستعمرة غير تابعة، غير "محمية"، لا مدخل اليوم غير الديمقراطية، كما عرّفها العهد الديمقراطي العربي.
أن تكون عروبيًا وحدويًا وريثًا عنيدًا لحُلم أمة عربية واحدة ذات رسالة إنسانية خالدة، لا مدخل اليوم غير الديمقراطية، كما عرّفها العهد الديمقراطي العربي.
خلاصة الخلاصة: لا أمل لهذه الأمة في مستقبل واعد إلا إن استطاعت بناء ثلاثية العهد الديمقراطي العربي: دول قانون ومؤسسات، شعوب من المواطنين، اتحاد شعوب حرة ودول مستقلة، والأداة الوحيدة القادرة على تحقيق المشروع العظيم: (ديمقراطية اجتماعية، اتحادية، سيادية، مواطنية).
إعلانلقائل أن يقول: مشروع جميل لكن ما حظوظه من التحقيق، خاصة في ظل انحسار الديمقراطية في العالم والتهاب الشعبوية في كل مكان، ومتانة الأنظمة الاستبدادية التي قد تشكل الثورة التكنولوجية طوق نجاتها بما توفر من إمكانات غير مسبوقة للتحكم في العقول وفي الأجساد؟
هذا ما يحملنا للتحول من مستوى التنظير إلى المستوى العملي.
لكي ينجح أي مشروع سياسي عظيم، لا بدّ من قوى اجتماعية وازنة تجد فيه ضالتها ومن مناضلين صادقين يجاهدون طوال حياتهم لفرضه وسياسيين حكيمين يفعلون كل ما في وسعهم لتعهده وحمايته.
أين نحن من هذه الشروط الموضوعية التي قد تعطي للديمقراطية العربية -كما حددها العهد- بعضَ حظوظ الفوز في سباقها مع الاستبداد المخيف والفوضى المرعبة؟
وللحديث بقية
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline