بعض جوانب تجارة الرقيق العربية من السودان بين القرنين السابع والتاسع عشر (1 -3)

SOME ASPECTS OF THE ARAB SLAVE TRADE FROM THE SUDAN - 7th to 19th CENTURY
يوسف فضل حسن Yusuf Fadl Hassan
تقديم: هذه ترجمة للجزء الأول مما ورد في مقال طويل للأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن (1931- )، نُشِرَ عام 1977م في العدد الثامن والخمسين من مجلة "السودان في رسائل ومدونات SNR" في صفحات 85 – 106.

والمقال – كما ذكر المؤلف في الحاشية – هو نسخة منقحة من ورقة ألقاها أمام "برنامج دراسات الشرق الأوسط" بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن في عام 1974م.
والأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن غنِيّ عن التَّعريف، ويمكن الاطلاع على سيرته الذاتية ومؤلفاته في هذا الرابط: https://tinyurl.com/53skxv9s
المترجم
********** ********** *********
لقد كان الاسترقاق ممارسةً شائعة في الجزيرة العربية وبقية مختلف المناطق في العالم القديم من قبل ظهور الإسلام بوقت طويل في بداية القرن السابع عشر الميلادي. وكان وجود المسترقين الأجانب (وغالبهم من السود، وقليل منهم من البيض أيضاً) قد ورد في الشعر العربي القديم ومرويات ما قبل العهد الإسلامي. وقبل مجيء الإسلام بفترة قصيرة كانت هناك بمنطقة غرب الجزيرة العربية (وخاصة مكة) أعداد كبيرة من المسترقين الأفارقة، أغلبهم من الأحباش. ولكلمة "أحباش" أو "حبش" دلالات أوسع، أُدْخِلَ فيها غالب المسترقين السود البشرة الذين جُلِبُوا من الساحل الغربي للبحر الأحمر. وقد يكون السبب في ذلك هو أن معرفة العرب بإفريقيا كانت في ذلك الزمان تقتصر على الحبشة وما جاورها من مناطق (1). غير أن العرب لم يكونوا هم أول من أدخلوا الرق وتجارة الرقيق في أوساط الأفارقة (السود)، ولم يكونوا هم أيضاً أول من استرقهم. فقد كان الاسترقاق أو أي شكل من أشكال "العبودية" وبيع المسترقين ظاهرة شائعة إلى حد كبير في أجزاء كثيرة من القارة الإفريقية. وبالإضافة لذلك، كان الفراعنة والرومان ضالعين منذ فترة طويلة سابقة في جلب المسترقين السود من أفريقيا. وهناك بالفعل آثار في المنحوتات المصرية القديمة تدل على وجود مسترقين أفارقة.
ومع ذلك، فإن تجارة الرقيق التي تسربت عبر الصحراء الكبرى إلى شمال أفريقيا، وأسفل نهر النيل إلى مصر وعبر البحر الأحمر إلى شبه الجزيرة العربية، لم تكن بذلك الحجم والأهمية إذا ما قورنت بالتجارة الواسعة التي تدفقت عبر نفس الطرق وتطورت مع إنشاء الدولة الإسلامية.
لقد كان العالم العربي قد غُمر بأعداد كبيرة من الأسرى في أعقاب موجة الفتوحات العربية الإسلامية، وكانوا من مجموعات عرقية مختلفة بما في ذلك السوريين والأقباط والفرس والنوبيين والبربر والهنود واليونانيين والأتراك. واُسْتُخْدِمَ الأسرى الذكور والإناث في البداية للخدمة في منازل العائلات العادية وفي قصور الأغنياء والكبراء. وقد ساهم تدفق هؤلاء المسترقين، مترافقاً مع تطور الحياة عند العرب، ومع اتساع المجتمعات الحضرية، في توسيع النطاق التقليدي لتوظيف المسترقين والمسترقات، وفي إدخالهم في مهن جديدة. إلا أن أعداد أسرى الحرب الذين كانوا يشكلون مصدراً رئيسياً للمسترقين لم يعد كافياً لتلبية الطلب الجديد (والمتزايد)، وذلك لسببين: أولهما هو انخفاض أعداد المسترقين كثيراً بسبب العتق، وثانياً، هو انتهاء موجات الغزو العربي التي كانت المصدر الرئيسي للأسرى، وذلك بحلول القرن الثامن. ونتيجة لذلك صار الكثيرون يحصلون على المسترقين عبر عمليات الشراء، أي بطرق تجارية وليست عسكرية. وسرعان ما غدت القوافل الكبيرة تحمل آلاف المسترقين والمسترقات سنويا من أفريقيا وآسيا الوسطى في الغالب، ومن أوروبا المسيحية بدرجة أقل، إلى أسواق الرقيق في كل أرجاء الإمبراطورية. وكان يُؤتى بأولئك المسترقين لأغراض عديدة توسع في وصفها (الطبيب البغدادي النصراني) مختار بن الحسن بن بُطْلان في مؤلفه المعنون "رسالة في شرى الرقيق وتقليب العبيد" (2). وكان الطلب على نوعين من المسترقين كبيراً: النوع الأول هم المسترقين من أصول تركية، وكانوا يلحقون بالعمل جنوداً في الجيش، ويُسَمَّوْنَ "المماليك"، والنوع الثاني هم "السود" أي أنهم من أصول سودانية، وكانوا يعملون في الغالب كخدم وجنود وعمال. وسأركز في مقالي هذا على هذا النوع الثاني من المسترقين السود الذين كانوا يَجْلُبُونَ من "بلاد السودان"، وعلى الذين كانوا يعملون في تلك التجارة.
وفي رسالة الجاحظ (المتوفي في عام 869) المعنونة " فخر السودان على البيضان" كان المؤلف يستخدم كلمة "السودان" بالمعنى المحدود (المقيد) وبالمعنى العام: فالأول يشير إلى مجموعة متميزة بهذا الاسم لم يأت على ذكر موقعها أو صفاتها بالضبط. ومن السابق لأوانه بالفعل التحدث عن مجموعة عرقية تحمل هذا الاسم في القرن العاشر الميلادي، وربما لم يتم استخدامه إلا بعد القرن السادس عشر عندما أصبح قابلاً للتطبيق إلى حد كبير على سكان غرب إفريقيا؛ بينما يشمل المعنى العام كل الأشخاص السود البشرة، مثل الزنج، والأحباش، والنوبة (النوبيين)، والزغاوة، والهنود، وسكان جنوب شرق آسيا، والأقباط، والبربر، والصينيين (3).
وعلى الرغم من أن المعنى المقيد والعام لكلمة "سودان" كان يستخدم لفترت طويلة من الزمن، إلا أن غالبية الكتاب العرب الأوائل كانوا يقصرونه على سكان أفريقيا من ذوي البشرة السوداء، وكان يطلقونه أيضاً في بعض الأحيان على سكان الهند. أما التعبير الجغرافي لـ "بلاد السودان"، فهو يشير إلى كل مناطق أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تمتد من البحر الأحمر (أو ربما من الحدود الغربية أو الجنوب – غربية لأرض النوبيين) إلى المحيط الأطلسي.
وشرع الكُتَّاب العرب والمسلمين – بعد أن ازدادت معرفتهم بالمناطق الداخلية في أفريقيا عبر عمليات نقل كبيرة للمسترقين - في التفريق بين المجموعات الإثنية الكبيرة التي تندرج تحت مسمى "سودان". وتشمل تلك المجموعات النوبيين والبجا والزنج، وأحيانا الإثيوبيين، ولكنها لا تضم سكان شمال أفريقيا (رغم أنها تشمل أحياناً سكان فزان (في الجنوب الغربي من ليبيا الحالية. المترجم).
وكما ذكرنا آنفاً، فقد كان الأحباش (الحبش) هم أول من اتصلوا بالعرب المسلمين. بل كانت أول هجرة للمسلمين قد توجهت للحبشة، حيث وجدوا الحماية والرعاية من مَلِيكها. وتشمل كلمة "حبش" الأحباش Abyssinians وجيرانهم من جهة الجنوب على القرن الإفريقي، وبعض البجا على حدودهم الشمالية. وربما بسبب قرب بلادهم من الحبشة، وشبههم للأحباش، أطلق عليهم بعض الكُتَّاب العرب "عِرْق الأحباش"، واسموا كل تلك المناطق "الحبشة الوسطى". وكان للمسترقين والمسترقات الأحباش قيمة مادية كبيرة كخِصيان وسراري.
أما لفظة "نوبة Nuba"، فهي مثل كلمة "سودان" تحمل معنىً مقيداً، وعاماً أيضاً. فهو يشير في المعنى الأول لشعب أرض النوبة المسيحية الذين قاوموا العرب ببسالة في النصف الأول من القرن السابع. أما المعنى العام فهو يشمل كل سكان السودان النيلي، وكل السكان السود الذين اُشْتُرُوا من مناطق خارج منطقة النوبة وبِيعُوا رقيقاً. غير أن أولئك المسترقين لم يكونوا بالفعل من النوبيين، على الرغم من أنهم كانوا يُعْرَفُونَ بذلك الاسم. ومثلهم مثل الأحباش، كان النوبيون قد حَظُوا بسمعة جيدة في العالم الإسلامي كعمال مخلصين في أداء أعمالهم، وكخدم مفيدين. وكان يعملون كخدم وعمال وجنود، وكممرضات ومحظيات.
والبجا هم من الرحل المتحدثين باللغة الكوشية، وتقع مناطقهم بين النيل والبحر الأحمر. وهم يشبهون الأحباش، وربما كان هذا سبب هو القيمة العالية لسبايا البجا. وبسبب حملاتهم العسكرية في صعيد مصر اشتبك العرب معهم في القرن الثامن. كما كانوا على صلة معهم عبر الموانئ العربية المنشأة حديثاً على الساحل الغربي للبحر الأحمر.
والزنج هم شعوب شرق أفريقيا الناطقة بلغة البانتو، الذين يقطنون مناطق جنوب الحبشة (من خط عرض 30 شمالاً إلى خط عرض 50 جنوباً)، رغم أن كلمة "الزنج" تستخدم لوصف كل الأفارقة السود (negros) على وجه العموم. وبالنسبة للعرب، كان موطن الزنج (أرض الزنج) منذ منتصف القرن الثامن مصدراً لا ينقطع لجلب المسترقين. وكان الزنج، عند المقارنة ببقية المسترقين الأفارقة، أقلهم قيمة (مادية) عند العرب.
طبيعة تجارة الرقيق عند العرب
لقد أحتل العرب مكانة مهمة في مجالي التجارة والملاحة نظراً لكونهم يمثلون قلب الإمبراطورية الإسلامية المنشأة حديثاً. وكان العرب في الأساس تجاراً وليسوا غزاة. وعلى وجه العموم، كانت تجارة الرقيق الأفريقية، مثلها مثل التجارة في المنتجات الأفريقية الأخرى، في أيدي العرب أو الرجال من ذوي الأصول العربية والإفريقية المختلطة. ويُسْتَخْدَمُ مصطلح "العرب" هنا بمعنى فضفاض للغاية للإشارة إلى الأفراد والمجموعات الناطقة بالعربية من أصول متنوعة. ويدخل في هذا التعريف أيضاً تجار الرقيق الآخرون، سواءً أكانوا من غير العرب المسلمين (كالمسيحيين أو اليهود)، والذين كانوا من رعايا الدولة الإسلامية. وكان تجار الرقيق العرب أو المستعربين (مثل "الجلابة" في السودان النيلي أو السواحليين في شرق أفريقيا) يمثلون مجموعة بارزة في تجارة الرقيق.
وعلى الرغم من أن العرب كانوا قد قاموا بدور قيادي في التجارة بأفريقيا، إلا المعلومات المتوفرة لدينا ليست كافية، أو ليست كافية لدرجة تمكننا من الاعتماد عليها أو الوثوق بها لتقدم لنا كل الأجوبة المطلوبة فيما يتعلق بضُلوع العرب في تجارة الرقيق، أو مدى مساهمتهم فيها. فمعظم ما رود من معلومات في هذا الشأن أتى من التجار والرحالة أو البحارة الذين دخلوا إلى أماكن بعيدة في تلك الأراضي، ومِنْ ثَمَّ جاءت رواياتهم محاطة بالغموض والأساطير. ومع ذلك ربما كان العرب هم أول الأجانب الذين دخلوا عميقاً في الأراضي الإفريقية المأهولة بالسكان، وهم من عملوا على مقابلة الطلب المتزايد في العالم الإسلامي على المسترقين. وكان ما قاموا به في هذا المجال قد حفز الآخرين للانخراط في تجارة الرقيق، وجعل لها أهمية عظيمة. وعند ظهور التجار العرب في المشهد الإفريقي، كانت تجارة طرق المسافات الطويلة قد أُنْشِئَتْ مسبقاً، وإلى حد كبير، من خلال المبادرات الأفريقية. غير أن التجار العرب عند دخولهم في تجارة الرقيق كانوا قلما يواجهون معارضة أفريقية منسقة؛ ويبدو أن العوامل المحلية كانت متجانسة بشكل عام مع يقوم به التجار العرب من أعمال.
وبعد أن وجد الإسلام - مثله مثل اليهودية والمسيحية - أن الرق يمثل سمة اِعتِيَادِيّة وثابتة للنظام الاجتماعي، لم يأمر بإلغاء العبودية بالكلية، بل سعى للتخفيف من شرورها من خلال الدعوة إلى المعاملة الجيدة وتشجيع العتق؛ وتردد صدى روح الإسلام تجاه الاتجار بالبشر في الأثر المنسوب إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي يدين مثل هذا النشاط: "شر الناس من باع الناس" (لم أجد لهذا القول أثراً في المصادر المعروفة، إلا أن هناك حديثا قدسيا ورد فيه: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ ، ذكر منهم : رَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ. المترجم). وكما هو معلوم، فالإسلام لا يبيح استرقاق المسلمين، ويعترف بنوعين: الذين ولدوا في العبودية، ومن أسروا في الحرب – كنتيجة لحرب أُعْلِنَتْ على سكان "دار الحرب" التي تقع خارج دار الإسلام. وكانت المصادر المحلية للعبودية ضئيلة للغاية لدرجة أنه لم يتم الحفاظ على تلك المؤسسات إلا من خلال استمرار جلب المسترقين بوسائل تجارية إلى حد كبير، من الأراضي الأجنبية.
طرق ومصادر الحصول على الرقيق
تختلف طرق ومصادر الحصول على الرقيق (إما بالانتصار الحربي أو الخطف أو الشراء)، ويتباين دور التجار العرب بحسب المنطقة التي يقومون فيها بمثل تلك الأعمال. غير أنه يبدو أن التجار العرب لم يكونوا – على وجه العموم – يصطادون المسترقين بأنفسهم، بل كانوا يعتمدون في الغالب على ما يحصلون عليه من وسطاء أو من "أهل البلاد natives". واستفاد كل من التجار العرب والموردين المحليين بشكل كامل من العادات المحلية القديمة التي تناسب وتتوافق مع مثل تلك الأنشطة. والأمثلة التالية المستمدة من أجزاء مختلفة من المنطقة على مدى فترة زمنية واسعة، تمثل طرقاً مختلفة لشراء المسترقين. فبادئ ذي بدء، فرض العرب في أول مواجهة لهم مع النوبيين وسكان شمال أفريقيا جزية سنوية يتم تسليمها للمسلمين. وفي النوبة كانت الجزية السنوية هي حوالي 400 مسترق في مقابل المواد الغذائية. وكانت الجزية المعروفة في "معاهدة البقط" مواصلة لممارسة قديمة. ولمقابلة ما التزم به النوبيون، كانوا يغيرون على أعدائهم الذين كانوا يقنطون في جنوب أو جنوب غرب مناطقهم ويصطادون منهم من يقدمونهم جزيةً للعرب. وقد ورد في كتاب عمارة اليمني المعنون "تاريخ اليمن" أن حاكم دهلك Dahalk كان قد قدم ألف فتاة مسترقة (نصفهن من النوبيات والنصف الآخر من الحبشيات) لحاكم اليمن في عام 977م.
وكتب القبطي أبو البشر سيفرس (Abu al - Busher Severus) أن المسلمين كانوا منذ وقت باكر (عام 747- 8) يخطفون النوبيين لبيعهم في أسواق الرقيق بمصر. وذكر الرحالة الفارسي نصري خاسرو Nasiri Khusraw (4) أن المسلمين وغيرهم كانوا يسرقون الأطفال من بوادي البجا ويبيعونهم في مدن المسلمين. وربما كانوا يفعلون ذلك بحجة أنهم كانوا في حالة حرب بأرض الأعداء. فالغارات المسلحة، رغم أنها كانت موجهة على نطاق واسع ضد الوثنيين، لم تستثن المجتمعات الإسلامية الموجودة على حدود دار الإسلام. وفي عام 1391 اشتكى أبو عمرو عثمان بن إدريس، ملك بورنو، إلى السلطان المملوكي في مصر من أن بعض القبائل العربية التي كانت تعيش بالقرب من مملكته داهمت رعاياه وقتلت بعضهم وأسرت آخرين. وتم بيع الأسرى لتجار الرقيق من مصر وسوريا وأماكن أخرى. وليس من الواضح من النص ما إذا كان البيع الفعلي يتم في بورنو نفسها أم في الخارج، بحسب ما جاء في نص كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" لأبي العباس القلقشندي.
ولكن على الرغم من تلك الأنشطة العربية، انتهى المطاف ببعض المسترقين عند التجار العرب بسبب عوامل عديدة. وكانت عادات الاستعباد المشار إليها أعلاه سائدةً بين "السودان"، وهم، بحسب مصدر فارسي، أشخاص يسرقون أطفال بعضهم البعض ويبيعونهم لتجار الرقيق عند وصولهم (5).
وبحسب ما جاء في كتاب "مجمع البلدان" لياقوت الحموي، كان لملك علوة الحق في استرقاق من يريد من أفراد شعبه، بينما كان لأفراد قبيلة "التكونا Takuna" الحق في استعباد أي فرد آخر من قبيلتهم. وكان الأحباش يسرقون أطفال غيرهم ويبيعونهم للتجار عندما يشح الطعام عندهم.
غير أن أهم مصدر للرقيق ربما كان ما تنتج عنه الصراعات الداخلية بين القبائل الإفريقية وزعمائها، الذين كانوا يقاتلون بعضهم بعضا، ويبادلون من يأسرونهم بمختلف عروض التجارة مع التجار العرب.
وذكر الجغرافي العربي اليعقوبي (ت897) أن الزويلا Zawila (في وسط بلاد السودان (كانوا يخطفون السود من قبائل ميرا ( Mira) والزغاوة ومروة (Maruwa) وبعض القبائل الأخرى التي تقطن بالقرب منهم. وأضاف اليعقوبي أنه سمع بأن ملوك القبائل السوداء كان يبيعون السود الآخرين دون تبرير أو بسبب تهديد بالحرب. ومن أمثلة ذلك مثل ملك برنو الذي كان يبادل من يسترقهم في حملاته السنوية لجمع الرقيق بالبضائع الأجنبية.
وبغض النظر عن الطريقة التي كان التجار العرب يجلبون بها المسترقين، فقد كانت هناك عوامل عديدة أدت أدواراً مهمة في تسهيل وجود تلك "السلعة" في الأسواق. في الواقع، وعلى وجه العموم، لم يشارك التجار العرب (باستثناء لاحقاً في القرن التاسع عشر) في عملية الاستحواذ الأولي على المسترقين، لكنهم كانوا يكتفون بالحصول عليهم من خلال الوسائل السلمية في مقابل السلع الأجنبية التي كانوا يعملون على تزويد الأسوق الرئيسية بها. وعمل التجار العرب على مد الأسواق الرئيسية بالمسترقين السود، وذلك باستخدام طرق القوافل القديمة التي ربطت أفريقيا الاستوائية بشمال أفريقيا وساحل البحر الأحمر وموانئ شرق أفريقيا على المحيط الهندي. وكانت الأسواق المصرية تتلقى أولئك المسترقين عبر ثلاثة طرق للقوافل تأتي من دارفور وسنار وفزان، ومن المناطق الداخلية الأبعد. وكان لطريقي دارفور وسنار أهمية اقتصادية أكبر من طريق فزان. وكان هناك فرع لطريق سنار يتجه شرقاً ليزود الجزيرة العربية ببعض احتياجاتها من المسترقين عن طريق موانئ عديدة مثل بادي (6) وعيداب وسواكن ودهلك ومصوع. وكانت هناك سلسلة طرق تجارية لنقل المسترقين من الحبشة وشرق أفريقيا تمتد عميقاً في المناطق الداخلية.
ولم تكن أنشطة التجار العرب تقتصر على تجارة الرقيق (التي كانت تدر أرباحاً وفيرة)، ولكنهم كانوا يتاجرون بغيرها أيضاً. فقد كان يصدرون – إضافة للمسترقين – المنتجات الإفريقية التقليدية مثل العاج والماشية والإبل، وفي أحيان قليلة كانوا يصدرون أيضاً الجلود والذهب وريش النعام، وخشب الأبنوس والزَّبَاد (civet)، مع عدد كبير من مختلف المنتجات المحلية. (في بعض الأحايين كان المسترقون والعاج يمثلان أهم ما يصدره أولئك التجار، خاصةً في سنوات القرن التاسع عشر. وكان تجارة الرقيق لا تنفصل عن التجارة في العاج، كما كان عليه الحال في بعض المناطق مثل شرق أفريقيا وأعالي النيل وبحر الغزال (2). ومن أجل تمويل تلك العمليات التجارية، ولمقابلة الاحتياجات المحلية، كان أولئك التجار يستوردون الخيول والملح والأقمشة والنحاس والأسلحة المعدنية، والخرز والمرايا والحلي وغيرها من المواد المصنعة. وفي فترات سابقة كانت تلك البضائع تُسْتَخْدَمُ في الغالب في عمليات التبادل التجاري في المنتجات الإفريقية، ولا تباع بالنقد.
وبسبب التدفق الهائل لأنواع مختلفة من المسترقين إلى أسواق الرقيق، ودخلوهم لاحقا في المجتمع الإسلامي، اكتسب تجار الرقيق الكثير من الخبرة التي مكنتهم من تحديد الصفات والعيوب في المجموعات العرقية المختلفة للمسترقين. وبعد ذلك، أصبح من الممكن تحديد الوظائف التي تعتبر الأفضل لكل فئة. وتم أخذ عوامل مثل مكان المنشأ والعمر والجنس والمظهر الجسدي والقدرة والتدريب السابق في الاعتبار. (للحصول على وصف تفصيلي لصفات ووظيفة مختلف أنواع المسترقين، السود والبيض، يمكن للقراء الرجوع إلى ما كتبه ابن بُطْلان عن الرقيق (2).
وكانت أعداد البيض المسترقين أقل من أعداد المسترقين السود في الأسواق، وظلت أعداد الفئة الأولى في تناقص. وكان المسترقون البيض قلما يُسْتَخْدَمُونَ في الأعمال الشاقة، ويلحقون بالخدمة العسكرية وبوظائف إدارية عليا، وفي خدمة المنازل. لذا كانت أثمان المسترقين البيض تفوق أثمان المسترقين السود.
****** ***** *****
إحالات مرجعية
1/ استشهد الكاتب هنا بمقال لعون الشريف قاسم عنوانه "السودان في حياة العرب" نُشِرَ عام 1968م في العدد الأول من مجلة الدراسات السودانية، في صفحات 76 – 78.
2/ https://shorturl.at/7C6zo . اُنْظُرْ أيضاً كتاب بعنوان: "بغية المريد في شراء الجواري وتقليب العبيد: الاوضاع الاجتماعية للرقيق في مصر 642-1924م" صدر عام 1997م لخالد مختار.
3/ أشار الكاتب في الحاشية إلى أن تضمين الجاحظ للصينيين هو أمر غريب يعكس نقص أو خطأ المعلومات التي كانت شائعة آنذاك؛ وربما يشابه ذلك ما يعتقده الأوربيون المعاصرون عن الأشخاص الملونين.
4/ كان ناصري خسرو (1001 – بين 1072و1088م) عالماً وشاعراً ورحالة ومبشراً فارسياً للحركة الشيعية الإسماعيلية، ويُنسب إليه على نطاق واسع تأسيس الطائفة الإسماعيلية في بدخشان. https://shorturl.at/3lF2r
5/ المرجع الفارسي المقصود هو كتاب "حدود العالم من المشرق إلى المغرب" لمؤلف مجهول. وذكر كاتب المقال في الحاشية أنه في محاولة لدرء مثل تلك الهجمات العشوائية وتشديد الحماية من اختطاف الأطفال المسلمين في شرق السودان الذي كان قد أصبح إسلامياً حديثاً؛ واعتمد السكان المستعربون علامات معينة على الوجه (الشلوخ) وسيلةً لتمييز أنفسهم عن الآخرين وربما لحمايتهم من الاسترقاق، كما ورد في كتابه "الشلوخ"، الصادر في الخرطوم عام 1976م.
6/ للمزيد عن ميناء بادي يمكن النظر في هذا الرابط: https://tinyurl.com/bddn8edz

 

alibadreldin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجزیرة العربیة فی تجارة الرقیق الذین کانوا ی على الرغم من شرق أفریقیا إلى حد کبیر لم یکونوا التی کانت فی الغالب کانوا من التی کان العرب فی على سکان من خلال فقد کان ورد فی فی هذا أول من فی عام غیر أن

إقرأ أيضاً:

الاتحاد السكندرى يتخطى الوحده الإماراتى ويصل قبل نهائي البطولة العربية للسلة

فاز الفريق الأول لكرة السلة بنادى الاتحاد السكندرى على نظيره الوحده الإماراتى 123/100 فى المباراة التى جمعت بينهما مساء الأربعاء على الصالة المغطاة باستاد برج العرب ضمن مباريات دور الثمانية في البطولة العربية التى يستضيفها نادى الاتحاد السكندرى حاليًا. 

الاتحاد السكندري يهزم الوحدة الإماراتي

جاءت نتائج الفترات 30/26، 65/49، 97/76، 123/100 لصالح الاتحاد السكندرى. 

وحرص محمد مصيلحى رئيس نادى الاتحاد السكندرى على النزول إلى أرضية الصالة عقب المباراة لتهنئة الجهاز الفنى واللاعبين وطالبهم بالتركيز والاستمرار فى الانتصارات حتى يتم تحقيق البطولات وإسعاد الجماهير الإسكندرية. 

ويلتقى فريق الاتحاد السكندرى مع سبورتنج فى السادسة ونصف مساء اليوم على الصالة المغطاة باستاد برج العرب بالإسكندرية فى الدور قبل النهائي للبطولة العربية. 

ملخص أخبار الرياضة اليوم.. الزمالك يجدد عقد عبدالشافي وقرار صارم في الأهلي ولاعب ريال مدريد على رادار فنربخشة عاجل.. الزمالك ينجح في تجديد عقد نجمه لمدة موسم

وتنظم إدارة نادى الاتحاد السكندرى برئاسة محمد مصيلحى رحلة مجانية لجماهير النادي لمشاهده مباراه الفريق مع سبورتنج غدًا.

وأعلنت الإدارة أن الحافلات المخصصة لنقل الجماهير  إلى الصالة المغطاة باستاد برج العرب ستتواجد خلف مقر النادى بفرع الشاطبى ابتداء من الساعة الرابعة عصرا حتى الخامسة.

مقالات مشابهة

  • يلا شوت.. مشاهدة مباراة السودان وغانا اليوم بث مباشر بدون تقطيع يلا شوت في تصفيات أمم أفريقيا
  • بدء فعّاليات ندوة سفير الاتحاد الأوروبي بالقاهرة التي تنظّمها الشؤون العربية بنقابة الصحفيين
  • الاتحاد السكندرى يتخطى الوحده الإماراتى ويصل قبل نهائي البطولة العربية للسلة
  • الجيش السوداني يعلن العثور على شحنة أسلحة إماراتية كانت في طريقها للمتمردين (تفاصيل)
  • قراءة في حظوظ المنتخبات العربية التأهل إلى أمم أفريقيا بالمغرب
  • مواجهة نارية في الكان.. القنوات الناقلة لمباراة السودان وغانا في تصفيات أمم أفريقيا
  • مواجهات مهمة للمنتخبات العربية للتأهل إلى أمم أفريقيا 2025
  • الزهراني: 90% من المباريات التي طُرد منها محمد كنو كانت حساسة
  • "أمم أفريقيا".. 8 منتخبات عربية تنشد حجز بطاقة التأهل