“الاستغلال السياسي للنزعة القبلية في السودان: تحديات بناء الدولة الوطنية والتماسك الاجتماعي”
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
د. هشام عثمان
يعد الاستغلال السياسي للنزعة القبلية من أخطر الأدوات التي يمكن استخدامها لإضعاف الدول والمجتمعات، خاصة في الدول التي تتميز بتنوعها الإثني والقبلي مثل السودان. حيث تمتلك القبيلة في السودان حضورًا قويًا على مستوى الانتماء والهُوية الاجتماعية، مما جعلها عرضة للاستغلال من قبل القوى السياسية والطموحات الشخصية التي تسعى إلى تعزيز نفوذها من خلال تقسيم المجتمع على أسس قبلية وإثنية.
أولاً: السياق التاريخي والاجتماعي للنزعة القبلية في السودان
يعود النفوذ القوي للقبيلة في المجتمع السوداني إلى تراكمات تاريخية وثقافية، حيث شكلت القبيلة على مدار القرون الوحدة الاجتماعية والسياسية الأساسية في المناطق الريفية. ومع قدوم الدولة الوطنية في منتصف القرن العشرين، ظلت القبيلة تلعب دورًا محوريًا في التفاعلات الاجتماعية والسياسية، إذ لجأت الحكومات السودانية المتعاقبة إلى توظيف البنية القبلية لتعزيز سلطتها على الأرض وضمان ولاء المجتمعات المحلية.
ومع تصاعد النزاعات الداخلية في السودان، مثل الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وحروب دارفور وجبال النوبة، برزت القبيلة كعامل تقسيمي تم توظيفه لتمزيق وحدة المجتمع السوداني، حيث استخدمت أطراف النزاع خطابًا يستند إلى النزعة القبلية لشرعنة العنف والتجنيد في صفوف الميليشيات المحلية.
ثانياً: مظاهر الاستغلال السياسي للنزعة القبلية في السودان
يمكن رصد مظاهر الاستغلال السياسي للنزعة القبلية في السودان من خلال عدة مستويات:
1. التعبئة السياسية القبلية: في الكثير من الأحزاب السياسية السودانية، يتم الاعتماد على القاعدة القبلية كركيزة للتعبئة السياسية. حيث تستند بعض الأحزاب إلى القيادات القبلية لتأمين قاعدة شعبية، كما يتم منح زعماء القبائل امتيازات سياسية واجتماعية لضمان ولائهم.
2. الخطاب السياسي القائم على الهُوية القبلية: تعمد القوى السياسية إلى توظيف الخطاب القائم على الهُوية القبلية، عبر تصوير الصراع السياسي كصراع بين القبائل والمجموعات الإثنية، مما يؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى مجموعات متناحرة. على سبيل المثال، تم تصوير الصراع في دارفور كصراع بين العرب وغير العرب، رغم أن جذوره كانت سياسية بالأساس، متعلقة بالتهميش الاقتصادي والتنموي.
3. التوظيف العسكري للقبائل: خلال النزاعات المسلحة في السودان، لجأت الحكومات والميليشيات المحلية إلى تجنيد أفراد القبائل وتشكيل ميليشيات مسلحة على أسس قبلية، مثل ميليشيات "الجنجويد" التي جندتها الحكومة في حرب دارفور. هذا التوظيف العسكري للنزعة القبلية ساهم في تعميق العداوات بين القبائل، وأدى إلى خلق نزاعات ثأرية يصعب حلها حتى بعد انتهاء النزاع المسلح.
4. إعادة إنتاج الهُويات الإثنية في النزاعات السياسية: يتم توظيف الهُويات الإثنية في النزاعات السياسية، حيث تُصوَّر مطالب بعض المناطق بالتنمية والخدمات على أنها مطالب قبلية أو إثنية، مما يعرقل أي إمكانية لبناء توافق سياسي حقيقي، ويعزز من صورة الآخر كعدو دائم.
ثالثاً: الآثار المدمرة للاستغلال السياسي للنزعة القبلية
يترتب على الاستغلال السياسي للنزعة القبلية العديد من الآثار السلبية، أبرزها:
1. تفكيك النسيج الاجتماعي: يؤدي الاستغلال السياسي للنزعة القبلية إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع، وتفكيك الروابط الاجتماعية، مما يسهم في إضعاف التماسك الاجتماعي، وظهور النزاعات بين القبائل والمجموعات الإثنية.
2. إضعاف الدولة الوطنية: يُضعف الاستغلال السياسي للنزعة القبلية من قدرة الدولة على بسط سيطرتها وسلطتها على كامل أراضيها، حيث يتم تشجيع الولاءات القبلية على حساب الولاء للدولة، مما يؤدي إلى نشوء كيانات موازية تمتلك سلطتها الخاصة وتتحدى سلطة الدولة.
3. استدامة الصراعات والنزاعات المسلحة: يسهم الاستغلال السياسي للنزعة القبلية في استدامة النزاعات المسلحة، حيث يصعب تحقيق سلام دائم إذا كانت الهُويات القبلية هي الموجه الأساسي للنزاع. فحتى في حال توقيع اتفاقيات سلام، تبقى التوترات القبلية قائمة وتتفجر بسهولة.
4. إعاقة التنمية والتطور الاجتماعي: يعطل هذا الاستغلال السياسي التنمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث يتم تحويل الموارد العامة لصالح مجموعات قبلية معينة على حساب الأخرى، مما يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاقتصادية، ويزيد من الشعور بالتهميش والغبن الاجتماعي.
رابعاً: ضرورة الوعي بخطورة الاستغلال السياسي للنزعة القبلية
إن الوعي بخطورة الاستغلال السياسي للنزعة القبلية يمثل الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع متماسك ودولة وطنية قوية. ويتطلب ذلك تبني سياسات متعددة الجوانب تهدف إلى:
1. تعزيز الهوية الوطنية الجامعة: ينبغي العمل على ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة التي تتجاوز الانتماءات القبلية والإثنية، وذلك من خلال صياغة خطاب سياسي وثقافي يُعلي من شأن المواطنة كهوية رئيسية، والترويج لفكرة الوحدة في التنوع.
2. تحييد دور القبيلة في السياسة: يجب العمل على تحييد دور القبيلة في العملية السياسية، وذلك عبر وضع قوانين تحظر التوظيف السياسي للقبائل، وتشجع على الانتماء السياسي القائم على البرامج والسياسات بدلاً من الهُويات القبلية.
3. إصلاح النظام الفيدرالي: من المهم إعادة النظر في النظام الفيدرالي في السودان بحيث يتم تصميمه بشكل يحقق التنمية المتوازنة لكافة الأقاليم، دون أن يكون هذا النظام وسيلة لترسيخ النفوذ القبلي على حساب الولاء للدولة.
4. تعزيز التنمية المتوازنة: لا يمكن القضاء على النزعة القبلية إلا من خلال معالجة جذور التهميش الاقتصادي والتنموي، لذلك ينبغي تبني خطط تنموية شاملة تستهدف جميع المناطق المهمشة، وتعمل على تقليص الفجوات التنموية بين الأقاليم.
5. التوعية المجتمعية: ينبغي إطلاق حملات توعية مجتمعية لشرح مخاطر الاستغلال السياسي للنزعة القبلية، وتشجيع الشباب على الانخراط في نشاطات مدنية تسهم في تعزيز التماسك الاجتماعي
يعد الاستغلال السياسي للنزعة القبلية من أكبر التحديات التي تواجه بناء دولة وطنية قوية ومستقرة في السودان. ولا يمكن التصدي لهذه الظاهرة إلا من خلال استراتيجية شاملة تتبنى نهجًا متعدد الجوانب يشمل الإصلاح السياسي، والتنمية المتوازنة، وتعزيز الهوية الوطنية، وإرساء مبدأ المواطنة. هذا يتطلب إرادة سياسية قوية، ومشاركة مجتمعية واسعة، إضافة إلى دعم من المجتمع الدولي لضمان تطبيق هذه السياسات بفعالية، وتفادي الوقوع في فخ الاستغلال السياسي للنزعة القبلية الذي يؤدي حتمًا إلى تمزيق الدول وإضعاف المجتمعات.
hishamosman315@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الهویة الوطنیة من خلال
إقرأ أيضاً:
الأمير جلوي بن عبدالعزيز يدشّن مشاركة منطقة نجران في حملة “جود المناطق2”
المناطق_واس
دشّن صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد أمير منطقة نجران، اليوم، مشاركة منطقة نجران في حملة “جود المناطق 2″، التي أطلقتها منصة “جود الإسكان”، إحدى مبادرات مؤسسة الإسكان التنموي الأهلية “سكن”، وذلك تحت شعار “وقفة جود المناطق2”.
وتسعى من خلالها إلى تعزيز الوعي الاجتماعي والمشاركة المجتمعية في دعم الأسر المستحقة من خلال المنصة طيلة شهر رمضان المبارك لعام 1446هـ، إضافة إلى تمكين المجتمع من المساهمة في توفير حلول سكنية مستدامة للأسر المستحقة في مختلف مناطق المملكة، بما يعزز التنمية المستدامة ويرسّخ ثقافة العطاء والتكافل الاجتماعي.
أخبار قد تهمك الأمير فيصل بن مشعل يدشّن مشاركة منطقة القصيم في حملة “جود المناطق2” 1 مارس 2025 - 10:57 مساءً أمير منطقة تبوك يدشّن مشاركة منطقة تبوك في حملة “جود المناطق2” 1 مارس 2025 - 10:53 مساءًوتُعدّ هذه المبادرة امتدادًا لنجاحات الحملة في نسختها الأولى، حيث أسهمت في تحقيق الاستقرار السكني للأسر بدعم من القيادة الحكيمة ـ حفظها الله ـ، وبمشاركة كبار المانحين ومؤسسات القطاعين العام والخاص والقطاع غير الربحي والأفراد.
وأسهمت هذه الحملات والمبادرات في وصول عدد الأسر المستحقة التي خدمتها مؤسسة الإسكان التنموي الأهلية “سكن” إلى أكثر من (41) ألف أسرة، مما يعكس الأثر الإيجابي لهذه الجهود في تحقيق الاستقرار السكني وتعزيز جودة حياة المستفيدين في مختلف مناطق المملكة.
يُذكر أن حملة “جود المناطق 2″، ستتضمن عددًا من الفعاليات المصاحبة المحفزة لأفراد المجتمع في جميع مناطق المملكة الهادفة إلى تحفيز المجتمع للمساهمة في التبرع للحالات بمنصة “جود الإسكان”.