قال الكاتب الإسرائيلي، جدعون ليفي، إن دولة الاحتلال الإسرائيلي، مرت بتحول في القيم والأخلاق بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وشنت حملة من القتل الجماعي، وطرد الفلسطينيين، واحتلال أراضيهم، واغتيالهم، وتنفيذ عمليات "إرهابية" على غرار تفجير أجهزة البيجر في لبنان.

وتابع الكاتب في مقاله المنشور في موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إنه لا يمكن لأي انتصار عسكري أن يعيد "إسرائيل" إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر.





ولفت إلى أنه حتى اليهود المتعاطفين مع الفلسطينيين، قوبلوا ‏بردود قاسية من قبل السلطات، فقد تم من ‏حيث الأساس تحريم الشفقة، التي لم يعد مسموحاً التعبير عنها تجاه ‏الفلسطينيين ‏‏– ولا حتى الأموات أو الجرحى أو الجوعى أو المعاقين منهم، ولا الأيتام ‏الرضع. فكل هؤلاء عرضة ‏للعقاب الذي تمارسه إسرائيل. ‏

قد يثبت أن فقدان إسرائيل لإنسانيتها تجاه الشعب الفلسطيني غير قابل للعلاج. ‏وثمة شك كبير في أن يتمكن البلد من ‏استعادتها بعد هذه الحرب. ‏

وتاليا المقال كاملا

قهر هجوم حماس في السابع من أكتوبر إسرائيل وغير وجهها تماماً. فقد مر ‏البلد بهزيمة تكتيكية بعد الإخفاق الهائل لقوات الأمن الإسرائيلية، إلا أنه ما لبث ‏أن تعافى سريعاً ليشن حملة من القتل الجماعي، وطرد السكان، واحتلال ‏الأرض، والاغتيال، وعمليات إرهابية أخرى، مثل ملحمة أجهزة البيجر في لبنان. ‏

دعونا لا نتجادل هنا حول قيمة أو تكاليف هذه الأعمال العنيفة، والتي كان الكثير ‏منها غير أخلاقي وغير قانوني. فما أهو أعمق أثراً هو التحول في الأخلاق ‏والقيم الذي مرت به إسرائيل من السابع من أكتوبر. ‏

إن قدرة البلد على التعافي من هذا التحول محل شك كبير، إذ لا يمكن لأي ‏انتصار عسكري أن يعيد إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر. ‏

توحدت إسرائيل خلال العام المنصرم على عدة افتراضات، أما الافتراض الأول ‏فهو أن المذبحة التي ارتكبت يوم السابع من أكتوبر ليس لها أدنى سياق، وأنها ‏إنما وقعت بسبب ما تشكل لديهم من انطباع من أنه توحش الفلسطينيين غزة ‏وتعطشهم للدماء. ‏

وأما الافتراض الثاني فهو أن جميع الفلسطينيين يتحملون عبء الذنب عن ‏مذبحة حماس بحق المدنيين الإسرائيليين. وأما الافتراض الثالث فهو قائم على ‏الافتراضين الأول والثاني، ويقضي بأنه بعد هذه المذبحة الرهيبة، غدا مسموحاً ‏لإسرائيل أن تقوم بأي شيء، ولا أحد في أي مكان يملك الحق في محاولة منعها ‏من ذلك. ‏

وباسم حق الدفاع عن النفس، والذي هو من وجهة نظر القيم الإسرائيلية حق ‏محفوظ حصرياً للإسرائيليين ولا يحق بتاتاً للفلسطينيين، يمكن لإسرائيل أن ‏تشن حملات غير مكبوحة من الانتقام والعقاب رداً على ما فعلته حماس. ‏

فباسم حق الدفاع عن النفس مسموح لإسرائيل أن تطرد مئات الآلاف من ‏الفلسطينيين من بيوتهم في غزة، وربما عدم السماح لهم بالعودة إليها بتاتاً، وأن ‏تقوم بأعمال تدمير عشوائي في كل أنحاء المنطقة، وأن تقتل ما يزيد عن أربعين ‏ألف إنسان، بما في ذلك الكثير من النساء والأطفال. ‏

وباسم حق الدفاع عن النفس، مسموح لإسرائيل كذلك القضاء على قادة حماس ‏بدون أي اعتبار لما يسمى "الأضرار‎ ‎الجانبية" – والتي لم تعد "جانبية" منذ ‏وقت طويل الآن – وقتل المئات من الناس أثناء مهمات الاختيال التي ترى ‏إسرائيل أنها عمليات مشروعة. ‏

الخطاب الهمجي

باعتبار عدد الوفيات غير المسبوق يوم السابع من أكتوبر، شعرت إسرائيل أن ‏بإمكانها تحرير نفسها من أغلال الصواب السياسي، بينما تمضي في تبرير ‏الهمجية في الخطاب الإسرائيلي وفي سلوك الجيش على حد سواء. ‏

ومع تبرير الهمجية، انتزعت الإنسانية من النقاش العام، بل واعتبرت أحياناً من ‏المحرمات. لا يعني ذلك أن الخطاب داخل إسرائيل كان قبل ذلك إنسانياً ويبدي ‏اهتماماً بمعاناة الشعب الفلسطيني، وإنما يعني أنه بعد السابع من أكتوبر تم رفع ‏جميع القيود. ‏

بدأ ذلك بتجريم كل إبداء للرفق، والتضامن والتعاطف أو حتى الألم رداً على ‏العقاب الرهيب الذي تتعرض له غزة. بل تعتبر مثل هذه الآراء خيانية. فقد تم ‏رصد الإسرائيليين الذين يعبرون عن الشفقة أو الإنسانية عبر وسائل التواصل ‏الاجتماعي، وتم استدعاؤهم من قبل الشرطة للتحقيق معهم. وبعضهم فصلوا من ‏وظائفهم. ‏

أضر هذا الشكل من المكارثية بشكل رئيسي بمواطني إسرائيل من الفلسطينيين، ‏إلا أن اليهود المتعاطفين أيضاً قوبلوا بردود قاسية من قبل السلطات، فقد تم من ‏حيث الأساس تحريم الشفقة، التي لم يعد مسموحاً التعبير عنها تجاه الفلسطينيين ‏‏– ولا حتى الأموات أو الجرحى أو الجوعى أو المعاقين منهم، ولا الأيتام ‏الرضع. فكل هؤلاء عرضة للعقاب الذي تمارسه إسرائيل. ‏

قد يثبت أن فقدان إسرائيل لإنسانيتها تجاه الشعب الفلسطيني غير قابل للعلاج. ‏وثمة شك كبير في أن يتمكن البلد من استعادتها بعد هذه الحرب. ‏

إن فقدان الإنسانية في الخطاب العام مرض معد، وفي بعض الأوقات مرض ‏فتاك، والتعافي منه بالغ الصعوبة. فقدت إسرائيل كل الاهتمام بما تفعله بالشعب ‏الفلسطيني، بحجة أنهم "يستحقون ما ينالون" – كلهم بلا استثناء، بما في ذلك ‏النساء والأطفال والشيوخ والمرضى والجوعى والأموات. ‏

يرفع الإعلام الإسرائيلي، الذي غدا عبر السنة الماضية أشد خزياً من أي وقت ‏مضى، تطوعاً راية التحريض وإلهاب العواطف وفقدان الإنسانية، وغايته من ‏ذلك هي إرضاء الزبائن فقط لا غير. ‏

لا يعرض الإعلام المحلي على الإسرائيليين شيئاً يذكر مما يتعرض له ‏الفلسطينيون في غزة من معاناة، بينما يعمل في نفس الوقت على تبييض تجليات ‏الكراهية والعنصرية والقومية الغالية، وفي بعض الأوقات الهمجية، التي توجه ‏ضد القطاع وسكانه. ‏

الاحتفال بقتل نصر الله

عندما قتلت إسرائيل مائة شخص بقصفها مدرسة تؤوي الآلاف من النازحين في ‏مدينة غزة زاعمة أنها واحدة من مرافق حماس، لم تعبأ معظم وسائل الإعلام ‏الإسرائيلية بتغطية الحدث. ‏

إن قتل مائة شخص من النازحين، بما في ذلك نساء وأطفال، على يد الجيش ‏الإسرائيلي ليس مهماً ولا يستحق الاهتمام من قبل محرري الأخبار في إسرائيل. ‏ولم يخطر ببال أحد أن يحتج، أو أن ينتقد، أو حتى أن يسأل عما إذا كان ذلك ‏عملاً مشروعاً – بما أن الجيش الإسرائيلي وصفها بأنها موقع لحماس، مما ‏يعني أن كل شيء مسموح. ‏

إلا أن الخطاب الإسرائيلي العام وصل إلى الحضيض بعد اغتيال زعيم حزب ‏الله حسن نصر الله في بيروت. فقد احتفلت وسائل الإعلام الإسرائيلية – لا يوجد ‏كلمة أخرى لوصف ما جرى – باغتياله، متجاهلة الثمن الذي يدفعه معظم أفراد ‏الشعب اللبناني من حياتهم. منذ متى صار موت أي شخص، حتى العدو اللدود ‏والمتوحش، سبباً للاحتفال؟

أثار موت نصر الله فيضاً من الحبور. وعندما لا يقتصر الأمر على التعبير عن ‏مثل هذا الحبور، بل ويجرى التشجيع عليه والدفع باتجاهه من قبل وسائل ‏الإعلام ككل، فإن النتيجة هي خطاب همجي. ‏

في صباح اليوم التالي لاغتيال حسن نصر الله، ظهر مراسل القناة 13، وهي ‏واحدة من القنوات التلفزيونية الرائدة في البلد، وهو يتجول في شوارع إحدى ‏مدن شمال إسرائيل ويوزع الحلويات على المارة في تغطية مباشرة على الهواء. ‏لم يحدث أبداً من قبل أن عملت تغطية مباشرة على الهواء لتوزيع الحلوى ‏احتفالاً بقتل شخصية مستهدفة. ‏

كان ذلك انحطاطاً جديداً. وهناك صحفي آخر، أكثر من الأول شهرة، وعادة ما ‏يقدم نفسه على أنه ينتمي إلى "الوسط المعتدل"، كتب تغريدة عبر منصة إكس ‏‏(تويتر سابقاً) يقول فيها: "تم سحق نصر الله في عرينه ومات كالسحلية ... ‏نهاية يستحقها" – وكأن هذا المراسل نفسه هو من سحق المخبأ تحت الأرض ‏بيديه هو. في هذه الأثناء تبادل مذيعون آخرون بهذه المناسبة أنخاب العرق على ‏الهواء مباشرة. ‏

ارتفعت الوطنية الهمجية بحماس منقطع النظير إلى أعلى السارية، وأعربت ‏إسرائيل عن سعادتها. ‏

كان النازيون يسمون اليهود فئراناً، وها هي إسرائيل تسمى نصر الله سحلية. ‏

وحتى أبعاد الموت الذي حصدته ثمانون قنبلة في بيروت لم تغير شيئاً من هذه ‏الحسبة. فلا مئات الأبرياء، ولا الآلاف منهم، ولا حتى ستة عشر ألف طفل ميت ‏‏– لا شيء من ذلك يؤثر في الذهنية الإسرائيلية الجديدة. ‏

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة عربية الاحتلال لبنان غزة لبنان غزة الاحتلال حسن نصرالله طوفان الاقصي المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السابع من أکتوبر إسرائیل أن نصر الله من قبل

إقرأ أيضاً:

صحف عالمية: إسرائيل فشلت في تدمير حماس والمتطرفون يتذرعون لاحتلال غزة

قالت صحف عالمية إن إسرائيل فشلت في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رغم الدمار الكبير الذي ألحقته بقطاع غزة مشيرة إلى أن بعض وزراء حكومة بنيامين نتنياهو استغلوا أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لاحتلال القطاع.

فقد نشرت نيويورك تايمز مقالا قالت فيه إن الهدف المعلن للحرب الإسرائيلية والمتمثل في تدمير حماس ما زال بعيد المنال رغم الدمار الذي يواجهه القطاع. واعتبر المقال أن حماس "أثبتت قدرتها على إطلاق الصواريخ بعد عام من الحرب".

وخلص المقال إلى أنه بغض النظر عن قدرات حماس في الوقت الحالي فإن حجم الدمار في غزة قد يمثل دافعا لتجنيد المزيد من المقاتلين في صفوفها مستقبلا.

وفي صحيفة "جيروزاليم بوست"، قال تقرير إن الشعور بالوحدة الذي عمّ إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تلاشى بسبب أمور كثيرة منها الانقسام العميق بسبب الحرب على القطاع.

وقالت الصحيفة إن إسرائيل بحاجة إلى قادة سياسيين قادرين على مواجهة الجمهور والإجابة عن الكثير من الأسئلة المعلقة، مشيرة إلى أن المسؤولين الحاليين "لا يجرؤون حتى على المشاركة في تظاهرة شعبية أو القيام بزيارة تفقدية لأحد الكيبوتسات لأنهم يدركون أن رد فعل الجمهور سيكون سلبيا".

ذريعة لاحتلال غزة

وفي افتتاحيتها، قالت "هآرتس" إن وزراء في حكومة نتنياهو يستغلون أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول للدفع نحو الاستيلاء على قطاع غزة وتوطين اليهود فيه.

وكتبت الصحيفة أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير "يسعيان بلا خجل إلى تحقيق ما يتناقض مع الأهداف المعلنة للحرب ومع مصالح إسرائيل".

وقالت إن المشكلة الأبرز "تكمن في أن تعطش هذين الوزيرين للاحتلال يلقى أذنا مصغية لدى نتنياهو".

وفي شأن متصل، قال موقع "ميديا بارت" إن الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت مقومات الزراعة، وإنه كلما طال أمد الحرب اتسع نطاق الدمار على حساب الأراضي الزراعية.

وقال الموقع إن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى إعادة تشكيل القطاع من خلال إنشاء مناطق عازلة وسواتر ترابية وشق طرق جديدة لتسهيل حركة الآليات العسكرية. ونقل الموقع تحذيرا لأحد الباحثين من أن التربة والمياه كانتا طوال عام من الحرب عرضة للتلوث بسبب الأسلحة المستخدمة بما في ذلك الفوسفور الأبيض.

وفي صحيفة "الغارديان"، طرح الصحفي بيتر بومنت تساؤلات بشأن إمكانية نجاح إسرائيل في تحقيق هدفها في لبنان، ثم استعرض مجموعة من العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة في جنوب لبنان.

واستنتج الكاتب أن إسرائيل "فشلت في إرساء الأمن في المناطق الشمالية بما فيها تلك التي أعقبها احتلال استمر سنوات". وقال إن الصراع يدمر الحياة في الشرق الأوسط حيث لا مؤشرات واضحة على أن ما تقوم به إسرائيل الآن أكثر فعالية مما سبق.

مقالات مشابهة

  • السابع من أكتوبر.. سنة من كتابة التاريخ
  • كغزاوي ما إحساسك يوم السابع من أكتوبر؟!
  • أطباء بلا حدود تدعو إسرائيل لوقف القتل العشوائي بغزة وتنتقد التقاعس المخزي للعالم
  • صحف عالمية: إسرائيل فشلت في تدمير حماس والمتطرفون يتذرعون لاحتلال غزة
  • السابع من أكتوبر.. يوم الفصل
  • السابع من أكتوبر
  • السابع من أكتوبر: يوم الفصل
  • في ذكراه السنوية الأولى.. كيف قيّم مثقفون عرب السابع من أكتوبر؟!
  • "أطباء بلا حدود" تطالب "إسرائيل" بوقف القتل العشوائي للمدنيين بغزة