قليل من الهدوء على ضفاف بحيرة كيفو

في كيغالي، التقيت بصديقي أورديسى حمد المقيم في إنجلترا. استأجرنا سيارة مع سائق مقابل 65 دولاراً أمريكياً لزيارة بحيرة كيفو. انطلقنا من كيغالي حوالي الساعة التاسعة صباحاً، وتستغرق الرحلة إلى البحيرة حوالي ثلاث ساعات ونصف. كان السائق ملتزماً بالسرعة المحددة على الطريق السريع بسبب انتشار كاميرات المراقبة بين الأشجار ووجود شرطة المرور.

كان الجو رائعاً، والطريق مرصوف جيداً أو قيد الإصلاح في كيلومترات قليلة. مجاري مياه الأمطار مبنية بالحجارة والإسمنت على طول الشارع من كيغالي إلي منطقة البحيرة، بالإضافة إلى ممر مرصوف للمشاة. كان منظر أطفال المدارس وهم يسيرون على الممر تحت ظلال الأشجار في طريقهم إلى المدرسة ومنها، مشهداً جميلاً. شاحنات صغيرة كثيرة ومواطنين يحملون على رؤوسهم او على الموتوسيكل أو الدراجات الهوائية والتي يبدو ليس لها حد لسعة التحميل ينقلون البضائع والمنتجات الزراعية.
المناظر الطبيعية طوال الطريق خضراء للغاية، حيث الجبال والتلال والوديان المغطاة بالغابات ومزارع الموز والشاي وقصب السكر والأنهار الوفيرة. معظم المزارع التي شاهدناها مقسمة إلى قطع صغيرة تحرث بالمعازق. المنازل مبنية من الطوب الطيني أو الطوب المحروق للمنازل الأكثر فخامة، الاسطح مصنوعة من الصفائح المعدنية واحياناً من البلاط. يعطي الجو العام انطباعًا سلميًا يتناقض مع التاريخ الحديث لرواندا.
تقع بحيرة كيفو في منطقة البحيرات الكبرى في وسط أفريقيا على الحدود بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، وتعتبر واحدة من منطقة البحيرات الكبرى الافريقية التي تضم بحيرة فيكتوريا، تنجانيقا، مالاوي، وإدوارد. تبلغ مساحتها حوالي 2700 كيلومتر مربع، ويصل عمقها إلى 480 متراً، مما يجعلها ثامن أكبر بحيرة في أفريقيا. عند وصولنا إلى المنطقة، طلبنا سمك البلطي المشوي الذي يتوفر بكثرة في رواندا، تناولناه مع رقائق البطاطس في الهواء الطلق بجوار البحيرة. كانت وجبة لذيذة للغاية، عادت بنا إلي سوداننا الجريح. قمنا بعد تناول الغداء بزيارة متحف البيئة القريب من البحيرة، وهو متحف يتألف من طابقين ويضم حديقة للطب العشبي التقليدي على سطح المبنى. يعد المتحف الأول من نوعه في أفريقيا، ويركز على مصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة، ويهدف إلى مساعدة الزوار على فهم بيئتهم وحمايتها وضمان التنمية المستدامة.
اخذنا جولة على القارب في البحيرة. كان الجو رائعاً، والمناظر الطبيعية البانورامية أكثر روعة وجمالاً، المياه الزرقاء الصافية والتلال الخضراء والجبال الشاهقة؛ حقاً كأنها جنة على الأرض. مررنا ببعض الجزر الصغيرة المنتشرة في البحيرة، ومن بينها جزيرة نيامونيني الشهيرة بالأبقار والخفافيش التي تعيش فيها، والتي تلقب بـ "جزيرة نابليون" بسبب شكلها الذي يشبه قبعته كما أوضح لنا مرشد الرحلة. هناك أيضاً جزيرة أخرى تعيش فيها قردة "هاملين" التي تعيش في الغابات الجبلية. فوق الجبال ومن حول البحيرة، تنتشر بعض الفنادق والفلل السكنية الخاصة.
لا يكفي يوم واحد لاستكشاف المنطقة، حيث لم يسعفنا الوقت لزيارة حديقة البراكين الوطنية الشهيرة جيشواتى موكورا التي تمت تسميتها من قبل اليونسكو كمحمية محيط حيوي في 2020. في قلب الحديقة يوجد قبر ديان فوسي، عالمة أمريكية متخصصة في علم الرئيسيات وخبيرة الحفاظ على البيئة، التي قُتلت في ثمانينات القرن الماضي. صدر فيلم "الغوريلا في الضباب Gorillas in the Mist" عام ١٩٨٣ يروي تجربتها العلمية مع الغوريلا.
معلومات وانطباعات عامة عن رواندا
تعد رواندا الآن واحدة من أكثر البلدان أمانًا واستقرارًا في أفريقيا. فالطرق معبدة، والمناظر الطبيعية مشذبة، وأطلقت الحكومة حملة طموحة للحفاظ على ما تبقى من الغابات الصغيرة ، مناخها استوائي، حيث درجات حرارة معتدلة طول العام تتراوح من منخفضة للغاية 18 درجة مئوية إلى مرتفعة للغاية 26 (في حالات نادرة تصل درجات الحرارة إلي 30). وتنقسم الى خمسة محافظات ، الشمالية، الشرقية ، الغربية، الجنوبية وكيغالي. مدينة كيغالي هي المقاطعة الأكثر تحضرا.
رواندا هي الدولة الأكثر كثافة سكانية في قارة أفريقيا. حسب احصائيات 2022 هناك 501 نسمة لكل كيلومتر مربع، وبلغ عدد السكان في نفس العام أكثر من 13 مليون نسمة بقليل. ،تتنبأ التوقعات بوصول عدد السكان إلى حوالي 24 مليون نسمة بحلول عام 2052 بكثافة سكانية للكيلومتر المربع تصل إلى 894 نسمة. مثل هذه الكثافة السكانية تعتبر عامل أساسي من عوامل الصراعات في العديد من الدول الأفريقية.
ايضاً تعتبر الاقتصاد الرواندي من أكثر الاقتصاديات مرونة ونمواً في افريقيا. على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة في الأعوام 22 -2023 التي تمثلت في الأثار الناتجة عن الوباء واثار الحرب في أوكرانيا وتغير المناخ والتضخم، فقد نمى الاقتصاد الرواندي بزيادة 10٪ في العام 2022 و 7.6٪ حتى نهاية سبتمبر من عام 2023. وتعتمد الاقتصاد الرواندي على النشاط الزراعي بشكل أساسي إلا ان قطاع الخدمات والسياحة والتصنيع في نمو مضطرد. على الرغم من هذا النمو الاقتصادي إلا أن الحد من الفقر اصبح أقل استجابة للنمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة، مما يدل على تفاوت توزيع الناتج المحلي.
أظهرت الحكومة الرواندية التزاماً كبيراً بقطاع التعليم من خلال زيادة مخصصات الميزانية لقطاع التعليم حيث بلغت في العام 23/2024 نسبة 16.5٪، 57٪ منها للتعليم قبل الابتدائي والابتدائي. وهناك نسبة مخصصة من الميزانية لتطوير قدرات المعلمين وصلت حوالي 10 مليار فرانك رواندي في العام 23/2024. وهنالك جامعات حكومية بتكلفة منخفضة للغاية وجامعات تنتمي إلى القطاع الخاص. رغم النقد الحاد، التعليم في الجامعات تتم باللغة الإنجليزية حصراً، بينما يتم تعليم الأطفال في المدارس الابتدائية بلغة كينيارواندا. التعليم إلزامي حتى سن 18 عامًا، إلا أن 22.3% من السكان لم يلتحقوا بالمدارس مطلقًا. احتلت رواندا المركز الأول من حيث التقدم في مجال التنمية البشرية خلال العشرين سنة الماضية، بحسب آخر تقرير للأمم المتحدة (14 ديسمبر 2015).
إلى جانب هذه الاعترافات الدولية، نجحت رواندا في مواجهة التحدي الصعب المتمثل في المصالحة الوطنية، على الرغم من أنها كانت ضحية للإبادة الجماعية التي لا تزال تؤثر على كل أسرة. لديهم ضمان اجتماعي، إجازة أمومة مدفوعة الأجر، وبنية تحتية ممتازة حديثة، ومكافحة مستمرة للفساد، وأمن مستتب في جميع أنحاء البلاد، ونظافة تتفوق على معظم المدن الأوروبية، وشبكة طرق تزيد عن 90٪ سفلة وصيانة، وشبكة إنترنت من الجيل الرابع والألياف الضوئية، وما إلى ذلك.
يعتمد المطبخ الرواندي بشكل أساسي على الأطعمة الأساسية المحلية التي تنتجها الزراعة التقليدية مثل الموز (البلانتين)، البقول، والبطاطا الحلوة، الفاصوليا والكسافا. تاريخياً ينطبق هذا بشكل أساسي على الهوتو والتوا الذين كانوا يصطادون ويزرعون، حيث نظامهم الغذائي غني بالخضروات ويفتقر إلى البروتين الحيواني. التوتسي تقليدياً رعاة ويستهلكون كمية أكبر من الحليب ومنتجات الألبان. حالياً مع نمو دخل الفرد زاد استهلاك اللحوم والاسماك مثل البلطي الموجود بكثرة في الأنهار والبحيرات العديدة. ايضاً اصبح استهلاك البطاطس شائعاً نتيجة للنفوذ الاستعماري الفرنسي والبلجيكي. وهنالك عصيدة اسمها أوغالي أو بوغالي مشهورة في كثير من دول افريقيا جنوب الصحراء الكبرى وهي عجينة تصنع من الذرة والماء وعصيدة أخرى تصنع من أوراق الكسافا المهروسة اسمها إيسومبي تقدم مع كل الأطعمة. تناولت مرتين وجبة الغداء في بوفية مفتوح رواندي ولاحظت انهم لا يستخدمون إي بهارات في طهي الطعام، رغم ذلك طعامهم لذيذ ومريح للمعدة. بالرغم من المناخ والتربة الصالحة لزراعة كثير من أنواع الفاكهة إلا انهم لا ينتجون غير الموز، المانجو، الليمون، البابايا، وقليل من البرتقال والبطيخ.
في كثير من الاحياء تنتشر مطاعم ومقاهي الجاليات الأجنبية مثل المطاعم السودانية، الأثيوبية، اليمنية والسورية. هناك مطعم واحد من المطاعم العالمية المشهورة وهو مطعم دجاج كنتاكي المقلي (KFC) في كيغالي، حتى مطاعم مكدونالد الامريكية المشهورة والمنتشرة في ارجاء العالم ليس لها وجود في رواندا.
السواد الأعظم من السودانيين الذين التقيتهم في رواندا بجانب المطاعم يستثمرون في الأراضي الزراعية والعقارات وقلة منهم في الدواجن (لاحم وبيض) واستشارات اقتصادية وقانونية الخ. هنالك مستثمرين سودانيين مع شركاء سوريين اقتحموا مجال بناء وبيع الشقق السكنية.
90% من الروانديين مسيحيون، حوالي 3٪ ليس لديهم معتقدات دينية، 2٪ مسلمين من السنه وقليل من الشيعة، والبقية تمثل شهود يهوه، بهائيين، وثنيين ومجتمع يهود صغير يتكون بالكامل من الأجانب. رغم عدم وجود تركيزات لمجموعات دينية بشكل عام في مناطق جغرافية محددة ، يعيش عدد كبير من المسلمين في حي نياميرامبو في كيغالي.
في آخر ليلة لي في كيغالي تم اصطحابي لرؤية الحياة الليلية في كيغالي Heroes Club. إنها هادئة مقارنة بالأندية الليلية التي زرتها في كثير من دول العالم. الناس يرتدون ملابس أنيقة ويتصرفون بشكل جيد، وسمعت بعض الكلمات الفرنسية من حولي. يطلب معظم الرواد من الجنسين الكونياك والويسكي الباهظ الثمن أكثر من البيرة. وحوالي منتصف الليل، بدأ المكان يخلو، وبحلول الساعة 1 صباحاً، كنا نتجه إلى المنزل. واضح من هذا المكان وجود الكثير من المال في كيغالي.

a_bdulelah@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی کیغالی کثیر من

إقرأ أيضاً:

بوليفيا تنضم إلى دعوى الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل

سرايا - انضمت بوليفيا إلى دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وفق ما أعلنت المحكمة الأربعاء.

وقبل بوليفيا، انضمت كولومبيا وليبيا وإسبانيا والمكسيك إلى هذه القضية ضد إسرائيل التي تنفي بشدة هذه الاتهامات.

وكانت بوليفيا أعلنت في تشرين الثاني/نوفمبر، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب ما وصفته بهجمات "غير متناسبة" تشنها إسرائيل على غزة. ونددت إسرائيل بذلك القرار ووصفته بأنه "استسلام للإرهاب".

وفي حكم صدر في 26 كانون الثاني/يناير، أمرت محكمة العدل الدولية، إسرائيل، أيضا ببذل كل ما في وسعها لمنع أعمال الإبادة الجماعية أثناء عمليتها العسكرية في غزة.

كما أمرت المحكمة إسرائيل بضمان "الوصول دون عوائق" للمحققين المكلفين من الأمم المتحدة التحقق من صحة الاتهامات بالإبادة الجماعية.

لكن جنوب إفريقيا حضّت مذاك الحين مرارا، المحكمة، على التحرك لأن الوضع الإنساني المتردي في غزة يجبر المحكمة على إصدار مزيد من الإجراءات الطارئة.

وقالت بوليفيا في طلبها الذي أعلن الأربعاء، "حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل مستمرة وقرارات المحكمة ما زالت حبرا على ورق بالنسبة إلى إسرائيل".


مقالات مشابهة

  • «متحدث فتح»: الإبادة الجماعية في غزة وصمة عار على جبين العدالة الدولية
  • بوليفيا تنضم للدول التي رفعت دعوى الإبادة الجماعية ضد كيان العدو الصهيوني
  • دولة جديدة تنضم لدعوى"الإبادة الجماعية" ضد إسرائيل
  • بوليفيا تنضم إلى دعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل
  • بوليفيا تنضم إلى دعوى "الإبادة الجماعية" المرفوعة ضد إسرائيل
  • دولة جديدة تنضم لدعوة "الإبادة الجماعية" ضد إسرائيل
  • بوليفيا تنضم إلى دعوى الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل
  • محافظ البحيرة: النهوض بقطاع النظافة يعد من الأولويات الأساسية
  • الصهيونية في زمن الإبادة الجماعية