الدور المصري في ملف التدخل الأفريقي في السودان ما بين التوازن الإقليمي والسيادة الوطنية
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
في ظل الأزمة السودانية الراهنة، عاد الحديث مجددًا حول إمكانية تدخل قوات أفريقية تحت مظلة دولية لحفظ الأمن وحماية المدنيين في مناطق النزاع. وبغض النظر عن الجدل حول ما إذا كانت هذه الفكرة من بنات أفكار المبعوث الأميركي توم بيريلو أم أنها نتيجة ضغط بعض القوى المدنية السودانية، فإن الاهتمام الإقليمي والدولي بالتدخل الأفريقي يعكس تعقيد الأزمة السودانية وتداخل المصالح الإقليمية والدولية.
الأزمة السودانية هي نتاج عقود من التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت مع الزمن. أحد الأسباب الجذرية للصراع يتمثل في التناقضات العميقة بين المركز والأطراف في البلاد. النخب السياسية في الخرطوم تركزت تاريخياً على حماية مصالح المركز، بينما عانت الأطراف من التهميش الاقتصادي والسياسي. هذه الديناميكيات تسببت في خلق حركات تمرد متعددة في مناطق مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
بالإضافة إلى ذلك، كانت الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام البشير عام 2019 مليئة بالتوترات السياسية بين المكونات العسكرية والمدنية، مما أدى إلى شلل سياسي. الأطراف المتناحرة في السودان لم تتمكن من الاتفاق على رؤية واضحة للمرحلة الانتقالية، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تصاعد الصراع العسكري.
تفاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد بعد سنوات من العقوبات الدولية وفقدان العائدات النفطية بعد انفصال جنوب السودان، مما زاد من حدة الفقر والبطالة وعزز من عدم الاستقرار الاجتماعي. هذه العوامل مجتمعة خلقت بيئة مهيأة للصراعات المسلحة والعنف المتصاعد.
دور مصر كرئيسة للاتحاد الأفريقي
في هذا السياق، يبرز دور مصر الحاسم كرئيسة للاتحاد الأفريقي. القاهرة تواجه تحديًا كبيرًا في التعامل مع الأزمة السودانية، حيث أنها لا تسعى فقط للحفاظ على استقرار جارتها الجنوبية، بل تسعى أيضًا لتجنب تفاقم الصراع بما يهدد أمنها القومي. مصر تدرك أن أي تدخل خارجي غير مدروس يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع أو تحويل الصراع إلى نزاع إقليمي أوسع نطاقًا.
ومن خلال دورها في الاتحاد الأفريقي، تسعى مصر إلى التوسط بين الأطراف المتحاربة وتشجيع الحلول السياسية والدبلوماسية. كما أن القاهرة تتخذ موقفًا حذرًا تجاه أي تدخل عسكري تحت مظلة دولية، خشية أن يتحول هذا التدخل إلى ذريعة لتفكيك السودان أو تقويض سيادته الوطنية.
تقييم دور القوى الإقليمية والدولية الأخرى
فيما يتعلق بالقوى الإقليمية والدولية، تلعب دول الخليج، روسيا، والصين أدوارًا بارزة في السودان. دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، لديها مصالح اقتصادية واستراتيجية في السودان، وقدمت دعمًا ماليًا وسياسيًا للحكومة الانتقالية قبل انهيارها. هذه الدول تسعى إلى استقرار السودان للحفاظ على استثماراتها وتأمين مسار البحر الأحمر الاستراتيجي.
روسيا والصين، من جانبهما، تنظران إلى السودان كجزء من إستراتيجياتهما الأوسع في أفريقيا. موسكو تعتبر السودان جزءاً من مناطق نفوذها العسكري والاقتصادي، بينما تعد الصين السودان شريكًا اقتصاديًا مهمًا في إطار مبادرتها "الحزام والطريق". كلا الدولتين تعارضان أي تدخل دولي بموجب الفصل السابع لمجلس الأمن، خشية أن يتحول ذلك إلى سابقة تتعارض مع مصالحهما في مناطق أخرى.
التحديات أمام تدخل قوات أفريقية
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن نشر قوات أفريقية لحفظ السلام أو فرض الأمن في السودان ليس بالخطوة السهلة. أولاً، ليس هناك اتفاق بين الأطراف المتحاربة على وقف إطلاق النار، مما يعني أن نموذج قوات حفظ السلام التقليدية مستبعد في الوقت الحالي. من جهة أخرى، فإن نشر قوات لفرض السلام بالقوة يتطلب تفويضًا من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وهو ما سيصطدم بمعارضة روسيا والصين.
كما أن السودان خرج من تحت مظلة الفصل السابع بعد الإطاحة بنظام البشير، مما يجعل من الصعب تكرار نموذج "يوناميد" في دارفور. الحكومة السودانية نفسها ترفض أي تدخل خارجي تحت أي مسمى، معتبرة أن ذلك يمس سيادتها الوطنية.
التطرق إلى الخيارات البديلة
أمام هذه التحديات، يبقى البحث عن خيارات بديلة لحل الأزمة أمرًا ضروريًا. الحوار الوطني الشامل بين الأطراف السودانية قد يكون الخيار الأمثل لاستعادة الاستقرار، شريطة أن يتضمن جميع الفاعلين السياسيين والعسكريين، بما في ذلك الحركات المسلحة. هذا الحوار يمكن أن يؤدي إلى اتفاق على وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة توافق وطني تضمن انتقالاً سلسًا نحو الديمقراطية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع الدولي دعم الجهود الإنسانية في السودان عبر تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للنازحين والمتضررين من النزاع، مع التركيز على حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررًا.
تقديم توصيات
في ضوء هذه التحديات، يمكن تقديم بعض التوصيات العملية لحل الأزمة السودانية
لابد من تشجيع الحوار الوطني الشامل مصر والاتحاد الأفريقي يمكن أن يلعبا دور الوسيط الفعال بين الأطراف السودانية لتشجيع الحوار الوطني الشامل الذي يشمل جميع الأطراف المتناحرة.
تجنب التدخل العسكري الخارجي يجب على مصر والاتحاد الأفريقي العمل على تجنب أي تدخل عسكري خارجي تحت مظلة دولية أو إقليمية، لأنه قد يؤدي إلى تفاقم الصراع وإثارة المزيد من الانقسامات داخل السودان.
وتعزيز الجهود الإنسانية يجب على المجتمع الدولي دعم الجهود الإنسانية في السودان بشكل أكبر، وضمان وصول المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررًا، مع التركيز على حماية المدنيين.
تفعيل دور الاتحاد الأفريقي الاتحاد الأفريقي، بقيادة مصر، يمكن أن يلعب دورًا أكبر في تقديم الدعم السياسي والتقني للسودان، بما في ذلك إنشاء آليات لمراقبة وقف إطلاق النار في حال التوصل إلى اتفاق.
إعادة النظر في الأجندات الإقليمية والدولية يجب أن تعمل الدول الكبرى، مثل روسيا والصين، بالتعاون مع القوى الإقليمية الأخرى، على وضع مصلحة الشعب السوداني في المقام الأول، بدلاً من التركيز على مصالحها الجيوسياسية.
وهما نري أن الوضع في السودان معقد للغاية ويحتاج إلى تدخلات دقيقة وحذرة. الدور المصري كجزء من الاتحاد الأفريقي يمكن أن يكون حاسمًا في تقديم حلول دبلوماسية وتجنب الانزلاق نحو الفوضى. من خلال تعزيز الحوار الوطني، وتجنب التدخل العسكري الخارجي، ودعم الجهود الإنسانية، يمكن أن يكون هناك أمل في إيجاد حل للأزمة السودانية، بما يحفظ سيادة السودان ويحقق استقراره على المدى الطويل.[/B]
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الإقلیمیة والدولیة الاتحاد الأفریقی الأزمة السودانیة الجهود الإنسانیة الحوار الوطنی بین الأطراف فی السودان تحت مظلة یمکن أن أی تدخل
إقرأ أيضاً:
السودان واليونسكو يؤكدان أهمية التنسيق الإقليمي لمواجهة تحديات التعليم العالي لفترة ما بعد الحرب
شاد بروفيسور محمد حسن دهب وزير التعليم العالي والبحث العلمي بالدور المهم لمنظمة اليونسكو في تعزيز التعاون في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وتشجيع تبادل الخبرات والمعارف على المستوى العربي والإفريقي والدولي.جاء ذلك لدى لقائه السبت بمكتبه المؤقت ببورتسودان، بالدكتورة نوريا سانز مديرة مكتب اليونسكو الإقليمي للسودان ومصر ومديرة اليونسكو للاتصال لدى جامعة الدول العربية، وأعضاء مكتبها، بحضور دكتور عثمان منوفل مدير المكتب التنفيذي الوزاري.وقدم بروفيسور دهب الشكر للدكتورة نوريا على جهودها المثمرة كمدير إقليمي لمكتب المنظمة في التواصل والتعاون الدائم لتنفيذ البرامج المشتركة، لافتاً إلى ضرورة توسيع التعاون مع المنظمة بكل التخصصات والبرامج ذات الاهتمام المشترك، مؤكداً أهمية التنسيق الإقليمي لمواجهة تحديات التعليم العالي في السودان في فترة ما بعد الحرب، وتوسيع التعاون بين الجامعات والمراكز البحثية الإفريقية والعربية، موضحاً أن السودان حريص على المشاركة الفاعلة في كل ما يخص دعم وتطوير التعليم والبحث والابتكار في القارة الإفريقية، انطلاقاً من دوره الإقليمي لخدمة أهداف التنمية المستدامة في الدول الإفريقية والعربية، مشيراً إلى ضرورة تنسيق الجهود في مجالات البحث والابتكار، والتدريب الفني والتوجيه المهني.من جانبها أشادت الدكتورة نوريا سانز بالتعاون مع السودان في برامج المنظمة، خاصة في المجالات التعليمية والبحثية، مؤكدة حرص المنظمة على تعزيز هذا التعاون واستثمار مكانة السودان في محيطه العربي والإفريقي والإسلامي، لتفعيل البرامج التي تهتم بها المنظمة، مشيرة إلى نجاح التعاون في عدد من الفعاليات والأحداث المختلفة، مشيرة إلى أن هذا اللقاء يهدف لمناقشة سبل الاستفادة من هذه العلاقات الإيجابية في برامج وخطط المنظمة خلال المرحلة القادمة، منوهة بأهمية التعاون المشترك في كافة المجالات خاصة البحثية، مؤكدة إتاحة المعرفة للجميع وتوفير الوصول المفتوح للمواد، وتعزيز جهود التحول الرقمي في توفير المواد العلمية السودانية على شبكة الإنترنت.وقدمت الدعوة للسودان للمشاركة في قمة المنظمة المنعقدة بالعاصمة الفرنسية باريس في النصف الأول من العام 2025م.ومن جانبه أوضح الدكتور أيمن فريد المشرف على اللجنة الوطنية السودانية للتربية والعلوم والثقافة، ما تم من تطوير هيكلي في اللجنة الوطنية، لتفعيل نشاطها وتوسيع نطاق عملها، فضلًا عن تخصيص نقاط اتصال متعددة لتسهيل التواصل، منوها إلى الإمكانيات الكبيرة لقطاعات الوزارة والجامعات والمراكز البحثية السودانية من خبرات أكاديمية وبحثية، وقدرات بشرية ومادية يمكن الاستفادة منها في عمل المنظمة مستقبلا، وتعزيز التواصل بشكل أكبر بين كل قطاعات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمنظمة، مما يسهم في دفع التعاون بين الطرفين لآفاق أوسع، وتحقيق أفضل النتائج في المبادرات والأنشطة التي تنفذها المنظمات الدولية والإقليمية والعربية المعنية بالتربية والعلوم والثقافة في المجالات ذات الأولوية للجانبين.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب