في ظل الأزمة السودانية الراهنة، عاد الحديث مجددًا حول إمكانية تدخل قوات أفريقية تحت مظلة دولية لحفظ الأمن وحماية المدنيين في مناطق النزاع. وبغض النظر عن الجدل حول ما إذا كانت هذه الفكرة من بنات أفكار المبعوث الأميركي توم بيريلو أم أنها نتيجة ضغط بعض القوى المدنية السودانية، فإن الاهتمام الإقليمي والدولي بالتدخل الأفريقي يعكس تعقيد الأزمة السودانية وتداخل المصالح الإقليمية والدولية.


الأزمة السودانية هي نتاج عقود من التراكمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت مع الزمن. أحد الأسباب الجذرية للصراع يتمثل في التناقضات العميقة بين المركز والأطراف في البلاد. النخب السياسية في الخرطوم تركزت تاريخياً على حماية مصالح المركز، بينما عانت الأطراف من التهميش الاقتصادي والسياسي. هذه الديناميكيات تسببت في خلق حركات تمرد متعددة في مناطق مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
بالإضافة إلى ذلك، كانت الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام البشير عام 2019 مليئة بالتوترات السياسية بين المكونات العسكرية والمدنية، مما أدى إلى شلل سياسي. الأطراف المتناحرة في السودان لم تتمكن من الاتفاق على رؤية واضحة للمرحلة الانتقالية، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تصاعد الصراع العسكري.
تفاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد بعد سنوات من العقوبات الدولية وفقدان العائدات النفطية بعد انفصال جنوب السودان، مما زاد من حدة الفقر والبطالة وعزز من عدم الاستقرار الاجتماعي. هذه العوامل مجتمعة خلقت بيئة مهيأة للصراعات المسلحة والعنف المتصاعد.
دور مصر كرئيسة للاتحاد الأفريقي
في هذا السياق، يبرز دور مصر الحاسم كرئيسة للاتحاد الأفريقي. القاهرة تواجه تحديًا كبيرًا في التعامل مع الأزمة السودانية، حيث أنها لا تسعى فقط للحفاظ على استقرار جارتها الجنوبية، بل تسعى أيضًا لتجنب تفاقم الصراع بما يهدد أمنها القومي. مصر تدرك أن أي تدخل خارجي غير مدروس يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع أو تحويل الصراع إلى نزاع إقليمي أوسع نطاقًا.
ومن خلال دورها في الاتحاد الأفريقي، تسعى مصر إلى التوسط بين الأطراف المتحاربة وتشجيع الحلول السياسية والدبلوماسية. كما أن القاهرة تتخذ موقفًا حذرًا تجاه أي تدخل عسكري تحت مظلة دولية، خشية أن يتحول هذا التدخل إلى ذريعة لتفكيك السودان أو تقويض سيادته الوطنية.
تقييم دور القوى الإقليمية والدولية الأخرى
فيما يتعلق بالقوى الإقليمية والدولية، تلعب دول الخليج، روسيا، والصين أدوارًا بارزة في السودان. دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، لديها مصالح اقتصادية واستراتيجية في السودان، وقدمت دعمًا ماليًا وسياسيًا للحكومة الانتقالية قبل انهيارها. هذه الدول تسعى إلى استقرار السودان للحفاظ على استثماراتها وتأمين مسار البحر الأحمر الاستراتيجي.
روسيا والصين، من جانبهما، تنظران إلى السودان كجزء من إستراتيجياتهما الأوسع في أفريقيا. موسكو تعتبر السودان جزءاً من مناطق نفوذها العسكري والاقتصادي، بينما تعد الصين السودان شريكًا اقتصاديًا مهمًا في إطار مبادرتها "الحزام والطريق". كلا الدولتين تعارضان أي تدخل دولي بموجب الفصل السابع لمجلس الأمن، خشية أن يتحول ذلك إلى سابقة تتعارض مع مصالحهما في مناطق أخرى.
التحديات أمام تدخل قوات أفريقية
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن نشر قوات أفريقية لحفظ السلام أو فرض الأمن في السودان ليس بالخطوة السهلة. أولاً، ليس هناك اتفاق بين الأطراف المتحاربة على وقف إطلاق النار، مما يعني أن نموذج قوات حفظ السلام التقليدية مستبعد في الوقت الحالي. من جهة أخرى، فإن نشر قوات لفرض السلام بالقوة يتطلب تفويضًا من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وهو ما سيصطدم بمعارضة روسيا والصين.
كما أن السودان خرج من تحت مظلة الفصل السابع بعد الإطاحة بنظام البشير، مما يجعل من الصعب تكرار نموذج "يوناميد" في دارفور. الحكومة السودانية نفسها ترفض أي تدخل خارجي تحت أي مسمى، معتبرة أن ذلك يمس سيادتها الوطنية.
التطرق إلى الخيارات البديلة
أمام هذه التحديات، يبقى البحث عن خيارات بديلة لحل الأزمة أمرًا ضروريًا. الحوار الوطني الشامل بين الأطراف السودانية قد يكون الخيار الأمثل لاستعادة الاستقرار، شريطة أن يتضمن جميع الفاعلين السياسيين والعسكريين، بما في ذلك الحركات المسلحة. هذا الحوار يمكن أن يؤدي إلى اتفاق على وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة توافق وطني تضمن انتقالاً سلسًا نحو الديمقراطية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع الدولي دعم الجهود الإنسانية في السودان عبر تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للنازحين والمتضررين من النزاع، مع التركيز على حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررًا.
تقديم توصيات
في ضوء هذه التحديات، يمكن تقديم بعض التوصيات العملية لحل الأزمة السودانية
لابد من تشجيع الحوار الوطني الشامل مصر والاتحاد الأفريقي يمكن أن يلعبا دور الوسيط الفعال بين الأطراف السودانية لتشجيع الحوار الوطني الشامل الذي يشمل جميع الأطراف المتناحرة.
تجنب التدخل العسكري الخارجي يجب على مصر والاتحاد الأفريقي العمل على تجنب أي تدخل عسكري خارجي تحت مظلة دولية أو إقليمية، لأنه قد يؤدي إلى تفاقم الصراع وإثارة المزيد من الانقسامات داخل السودان.
وتعزيز الجهود الإنسانية يجب على المجتمع الدولي دعم الجهود الإنسانية في السودان بشكل أكبر، وضمان وصول المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررًا، مع التركيز على حماية المدنيين.
تفعيل دور الاتحاد الأفريقي الاتحاد الأفريقي، بقيادة مصر، يمكن أن يلعب دورًا أكبر في تقديم الدعم السياسي والتقني للسودان، بما في ذلك إنشاء آليات لمراقبة وقف إطلاق النار في حال التوصل إلى اتفاق.
إعادة النظر في الأجندات الإقليمية والدولية يجب أن تعمل الدول الكبرى، مثل روسيا والصين، بالتعاون مع القوى الإقليمية الأخرى، على وضع مصلحة الشعب السوداني في المقام الأول، بدلاً من التركيز على مصالحها الجيوسياسية.
وهما نري أن الوضع في السودان معقد للغاية ويحتاج إلى تدخلات دقيقة وحذرة. الدور المصري كجزء من الاتحاد الأفريقي يمكن أن يكون حاسمًا في تقديم حلول دبلوماسية وتجنب الانزلاق نحو الفوضى. من خلال تعزيز الحوار الوطني، وتجنب التدخل العسكري الخارجي، ودعم الجهود الإنسانية، يمكن أن يكون هناك أمل في إيجاد حل للأزمة السودانية، بما يحفظ سيادة السودان ويحقق استقراره على المدى الطويل.[/B]

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإقلیمیة والدولیة الاتحاد الأفریقی الأزمة السودانیة الجهود الإنسانیة الحوار الوطنی بین الأطراف فی السودان تحت مظلة یمکن أن أی تدخل

إقرأ أيضاً:

عناوين الأخبار السياسية السودانية الصادرة صباح اليوم الخميس

 

الحزن يخيم على جامعة الخرطوم عقب إغتيال المليشيا لاستاذ الرياضيات بروف إبراهيم أوكير في السمرة بشرق النيل

♢غارة جوية تقتل 33 من عناصر المليشيا وتصيب العشرات بالفاشر
♢الفرقة 14 مشاه بكادقلي تعلن عن بشريات
♢العطا يتفقد متحركات الجيش بالشمالية
♢الجيش يستعيد منطقة الدشول بجنوب كردفان من قبضة قوات الحلو

♢مقتل 6 أشخاص من أسرة واحدة في قصف للدعم على أم درمان
♢الجيش يصد هجوم من 3 محاور على قواته المتقدمة في محور القطينة ويدمر عربات قتالية

♢الحزن يخيم على جامعة الخرطوم عقب إغتيال المليشيا لاستاذ الرياضيات بروف إبراهيم أوكير في السمرة بشرق النيل
♢مستشار الميرغني حاتم السر: الشعب يرفض الحلول المستوردة ولن يقبل بالوصايا الأجنبية
♢وفاة 3 سودانيين في مخيم لجوء بأوغندا بسبب الكوليرا

♢في اشارة الى كينيا.. العطا يتوعد: يدنا طويلة وجواسرنا لها أنياب طويلة
♢العطا: تحرير الخرطوم أصبح في مرحلته الأخيرة واحذر من التراخي رغم الانتصارات الكبيرة
♢مجلس السلم الأفريقي يدين التدخلات الدولية والإقليمية في الصراع بالسودان

♢الجيش يقطع وصول الإمداد العسكري للدعم بالقصر الجمهوري
♢مقتل قائدين بارزين للمليشيا في محيط الفاشر
♢بشريات لمواطني الخرطوم بشأن المياه
♢اقتراب تحرير مناطقكم..
رسالة من قائد البراء بن مالك لمواطني الحاج يوسف بالخرطوم

♢الاعيسر ساخرا من لقاء نيروبي.. المشغل إماراتي والريموت صنع في أبوظبي
♢قرار من المالية لشركات الاتصالات بتوريد ضريبة القيمة المضافة مباشرة إلى حساب الورارة
♢وقاية النباتات تدق ناقوس الخطر بشأن آفة العنتد بالقضارف

♢عثمان ميرغني يكتب: الحكومة المتوهمة
♢كرتي: نحمده أن يسر لنا مقام العِزة والإباء وغيرنا قد تلطخت أيديهم بدماء السودانيين وكسا وجوهَهُم الذل
♢إعفاء متبادل من التأشيرات بين السودان وإيران
♢قتيل وجرحى في هجوم بطائرة مسيرة على مدينة الدبة

♢المليشيا تغتال الصحفي عبد الهادي عيسى أمام أسرته بالحاج يوسف
♢خبر صادم.. بسبب المليشيا.. تلف ملفات واحراق ملفات بمكتب أراضي أم القريز بالجزيرة
♢انخراط احزاب سودانية في اجتماعات مع الوساطة الافريقية

♢منظمة بروميديشن الفرنسية تتجه لدعوة الأطراف السودانية لمشاورات في جنيف
♢وزير الخارجية يبتدر زيارة لدولة قطر
♢وفد المجلس الأعلى لتنسيق شؤون دينكا أبيي يصل ود مدني لتفقد أوضاع ابناء المنطقة
♢البرهان يقدم شرحا وافيا للسفير الإيطالي حول المرحلة المقبلة التي ستشهد تشكيل حكومة للفترة الانتقالية

♢والي الشمالية يصدر قرارا بإيقاف الاستثمار في المدينة الرياضية بكريمة
♢مصدر بالوطني يكشف عن ملامح وثيقة أعدها الحزب للحل السياسي
♢كرتي: أيها الإخوان.. على مر التاريخ ينتصر بإذن الله من كان مثلنا على من كان مثل عدونا
♢الناطق الرسمي باسم الحكومة يكشف عن إجازة الوثيقة الدستورية

♢مسلحون ينهبون تجارًا بشرق دارفور
♢د. مرتضى الغالي يكتب: أقلام مدادها السم الزعاف
♢الأمة القومي يتبرأ من المشاركين في حكومة الدعم السريع
♢منحة مالية لدعم قطاع التعليم في محلية كبم جنوب دارفور
♢المجتمع الكيني يهاجم رئيس البلاد بسبب مليشيا الدعم
الحكومة تشكل لجنة بشأن موقف كينيا

♢الفاشر تحت وطأة القتال نزوح عكسي ومعاناة لا تنتهي
♢البرهان: سنشكل حكومة إنتقالية برئاسة رئيس وزراء لا ينتمي لأي حزب
♢الخارجية تقلل والجيش يتوعد عقب اجتماعات نيروبي لاعلان حكومة الوحدة
♢المؤتمر التنويري الخامس عشر يستضيف الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل اليوم

♢مقتل طفل جراء انفجار عبوة طلقة دوشكا بأم القرى
♢وزير الإعلام: تجمع نيروبي زوبعة في فنجان
♢الأمم المتحدة: 638 ألف شخص يواجهون الجوع الكارثي في السودان
♢وفاة واصابة العشرات في تدوين على سوق بطيبة الحسناب

♢مصدر: مطالبة الحركة الشعبية بالعلمانية تعرقل توقيع ميثاق الحكومة المواازبة إلى الجمعة
♢تقرير: السودان القديم.. من حضارة كوش إلى اللحظة الراهنة
♢تصاعد حوادث الانفلات الأمني في نيالا
♢قوى التغيير الجذري: لا شرعية لأي حكومة تفرض على السودانيين

♢كرتي: نحن أحوج ما نكون إلى السلام
♢بابكر فيصل: السودان يتدحرج بسرعة شديدة نحو نفق التقسيم

الخميسالصادرة صباح اليومعناوين الأخبار السياسية السودانية

مقالات مشابهة

  • مولانا احمد ابراهيم الطاهر يكتب: الجمهورية السودانية الثانية
  • «المؤتمر»: التحركات المصرية تدعم الرؤية الفلسطينية وتحقق التوازن الإقليمي
  • مصطفى بكري: اتصالات الرئيس مع الأطراف الدولية حفّزت الموقف المصري لأجل غزة
  • واشنطن: يمكن تخفيف العقوبات عن روسيا ضمن محادثات أوكرانيا
  • «صمود» يرحب بقرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي ويدعو إلى هدنة في رمضان
  • كينيا والأزمة السودانية.. وساطة محايدة أم انخراط في الصراع؟
  • على الحكومة السودانية التحلي بروح المسؤولية وممارسة المزيد من الضغوط على ذلك الروتو المرتشي
  • الخارجية السودانية: الرئيس الكيني متورط في العدوان على السودان
  • عناوين الأخبار السياسية السودانية الصادرة صباح اليوم الخميس
  • كينيا تتحدى السودان بقرار جديد ..