???? هل يمكن أن تنجر مصر للحرب في السودان بعد اتهامات حميدتي؟
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
خبراء لـ ” المحقق”: حميدتي يبرر هزائمه ولو تدخلت مصر لانتهت الحرب في أيام
القاهرة – المحقق – صباح موسى
خرج حميدتي أمس “الأربعاء” مهزوزاً مضطرباً، في خطاب أدان فيه الجميع، لم يستثني أحداً من أعدائه وحتى أصدقائه، وربما كانت المرة الأولى التي يصدق فيها الناس أن هذا هو حميدتي الحقيقي، المعروف بطريقته غير المرتبة التي لا تراعي أيا من فنون السياسة والحديث.
اتهام مصر
بدأ حميدتي خطابه متهماً مصر بأنها ضربت قواته بالطيران في جبل مويه، واصفاً ذلك بالعدوان الغاشم، وأنه صمت عن ذلك كثيراُ، مهدداً باستخدام الخطة ب، والتي لا يعلم أحد هل هناك خطط لم يستعملها الرجل وقواته من قتل وتشريد وابادة جماعية للشعب السوداني، فماذا قصد بهذه الخطة، وهل حماقته ستجعله يجر دولة بحجم مصر للمعركة، وماهي قصة المليون مرتزق ومن أين سيأتي بهم ومن سياساعده في ذلك.
رد القاهرة
وفي أول رد فعل مصري، نفت الخارجية المصرية مزاعم زعيم مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” والتي اتهم فيها الطيران المصري بالمشاركة في حرب السودان وقصف قواته، وأضافت الخارجية المصرية في بيان لها أن تلك المزاعم تأتي فى خضم تحركات مصرية حثيثة لوقف الحرب وحماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحرب الجارية بالسودان، ودعت الخارجية المصرية المجتمع الدولي للوقوف على الأدلة التي تثبت حقيقة ماذكره حميدتي، كما أكدت على حرص مصر على أمن واستقرار ووحدة السودان أرضا وشعبا، وشددت على إنها لم تألو جهدا لتوفير كل سبل الدعم للأشقاء في السودان، لمواجهة الأضرار الجسيمة الناتجة عن تلك الحرب الغاشمة.
التوقيت والدوافع
اتهام حميدتي لمصر،جاء في توقيت تلعب فيه القاهرة جهوداً حثيثة لوقف الحرب في السودان، على كل المستويات، وجمعت كل الفرقاء السودانيين على أراضيها، لإحداث اختراق في حل الأزمة السودانية، وشاركت في منابر الحل التفاوضي في السودان، ولم تدخر جهداً في الاتصالات الاقليمية والدولية لمنع المزيد من إراقة الدماء في السودان، علاوة على أنها تستضيف مئات الآلاف من السودانيين، وتفتح أبوابها منذ بداية الحرب لكل سوداني شردته بندقية حميدتي وقواته، ولو أرادت مصر الدخول في الحرب لما استمرت كل هذه الشهور، لكن العقيدة المصرية الثابتة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ظلت حاضرة وموجودة حتى مع السودان العمق القومي لمصر، فالى أي مدى يمثل اتهام حميدتي لمصر نقطة تحول في الحرب، ومن الذي شجعه على ذلك في هذا التوقيت وماهي دوافعه وأسبابه، وهل يمكن أن تنجر مصر للحرب في السودان، وهل يمكن الربط بين زيارة السيسي لأسمره اليوم في وجود الرئيس الصومالي مع حديث حميدتي والحرب في السودان؟
شماعة للتبرير
من جهته رأى نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمه أن اتهام حميدتي لمصر شماعة لتبرير هزيمته. وقال حليمه لـ ” المحقق” من الواضح أن حميدتي في موقف صعب ميدانيا، بعد هزائمه في الخرطوم وجبل مويه، مضيفا أنه كان يتحدث مضغوطا وليس من موقع قوة.
رؤية واضحة
وعن زيارة الرئيس السيسي لأسمرة اليوم في وجود الرئيس الصومالي بها، ومدى ربط ذلك بالسودان، قال حليمه إن مصر تتحرك في اطار الأمن القومي المصري والعربي الأفريقي، وإن هناك اتفاقية دفاع مشترك بينها وبين الصومال، ولها مصالح مع أريتريا باعتبارهما دولتين في القرن الأفريقي والدول المشاطئة للبحر الأحمر، مشيرا إلى أن الزيارة بالضرورة سوف تتطرق لمناقشة الأزمة في السودان، مؤكدا أن مصر لديها رؤية واضحة في الحفاظ على المصالح المشتركة للجميع، وأنه ليس لمصر أي أطماع، وانما تسعى للحفاظ على أمنها القومي والمائي في إطار الاتفاقيات والقوانين الدولية، وقال إن التحركات الحالية في منطقة القرن الأفريقي ذات طبيعة دفاعية للتهديدات التي قد تأتي من البحر الأحمر والقرن الأفريقي ربطا بالأزمة السودانية.
التراجع العسكري
من جهتها أكدت مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتورة أماني الطويل أن اتهام حميدتي ليس الأول لمصر، وأنه سبق وأن اتهمها من قبل. وقالت الطويل لـ “المحقق” إن هذا الاتهام مرتبط بتراجع الدعم السريع العسكري الذي يعاني هذه الأيام، مضيفة كان لابد أن يقدم تبريرا لهذا التراجع خصوصا أمام قواته، لافتة إلى أن مصداقية حميدتي ضعيفة في ضوء أنها متكررة، وقالت أظن أن الاتجاه الدولي ليس مع التعامل مع مثل هذه الاتهامات بجدية، وأرجعت ذلك لأسباب أهمها آداء الدعم السريع والعقوبات الدولية التي تطال قواته وحتى أخوه القوني مؤخرا، لافتة إلى وجود اتجاه دولي ضد الدعم السريع وانتهاكاته، مشيرة إلى تصريحات قيادات سياسية اماراتية حول دور الفواعل من المليشيات، وقالت اذا كان هذا الحديث يعني حزب الله ، ولكنه سوف ينسحب على الدعم السريع.
تحولات كبيرة
وبحسب الطويل فإن منطقة القرن الأفريقي تشهد تحولات كبيرة، وأن الوزن النسبي لإثيوبيا يتراجع، مضيفة وذلك يرجع إلى عدم احترام إثيوبيا للسيادة الصومالية، واقامتها لمشروعات مائية على أساس صراع، موضحة أن المحيط المباشر لإثيوبيا أصبح قلقا، وربطت بين حديث حميدتي وعرض أبي أحمد بدخول الفشقة وتعامل إثيوبيا مع مليشيات، ولفتت إلى أن مصداقية إثيوبيا تتراجع على كل المستوىات، وإلى أنها شريك اقليمي يمكن أن يساهم في زعزة أمن واستقرار المنطقة في وقت تشهد فيه المنطقة مشاكل كثيرة، معربة عن اعتقادها بأن الآداء المصري لم يتحرك برد فعل وأنه دائما لديه تحركات محددة طبقا لتقديراته وليس لتقديرات الآخرين، مؤكدة صعوبة جر مصر للحرب في السودان.
مسؤولية الاخفاق
بدوره رأى رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن حميدتي يحاول أن يجد مبررات للهزيمة العسكرية التي أقربها رغم أنه لم يقلها صراحة. وقال ميرغني لـ ” المحقق” أن حميدتي يعاني من هزائم ميدانية، وأن مشروعه السياسي الذي كان يعول عليه قد سقط، مضيفا أنه استخدم مصر كدولة يضع عليها مسؤولية الاخفاق العسكري، في محاولة لاستثارة العواطف ضد التدخل الخارجي في الحرب، وتابع أنه حاول إرسال رسالة لقوى اقليمية أن الحرب لم تعد حرب داخلية، وأن هناك قوى خارجية تعبث في البلاد، لافتا إلى أن حميدتي حاول أن يصطاد في الماء العكر، بتوجيه هذه الرسالة لبعض دول الجوار، مؤكدا أن مصر لصيقة بالسودان ومايدور فيه عسكريا وسياسيا وبدقة، وقال إذا كان لدى مصر شعور أن هناك خطورة على أمنها القومي، من حقها الحفاظ على أمنها، مستدركا في الوقت نفسه أن الأوضاع في السودان لم تستدع الوصول إلى هذه المرحلة والتدخل المباشر من جانب مصر، مشيرا إلى أن مصر جزء من المساعي السياسية وإلى أنها أحد الوسطاء في جنيف، وقال إن لها دور إنساني مهم في توصيل الاغاثات، مؤكدا أن مصر لو دخلت الحرب في السودان لما استمرت لهذه الفترة، وكانت انتهت في أيام.
إعادة تموضع
كما رأى ميرغني أن التحركات المصرية الأخيرة في المنطقة تأتي من منطلق اعادة التموضع في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وفي اطار توزيع الأدوار بالمنطقة، وقال إن مصر كانت بعيدة لفترة طويلة عن أفريقيا، وأنها بهذه التحركات تحاول تصحيح الأوضاع بالمصالح المشتركة والمشاركة في الهموم الأفريقية، مؤكدا أنه دور يسير في الاتجاه الصحيح لاستعادة الوضع الطبيعي لمصر في أفريقيا.
القاهرة – المحقق – صباح موسى
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القرن الأفریقی الدعم السریع فی السودان أن حمیدتی مؤکدا أن الحرب فی إلى أن أن مصر
إقرأ أيضاً:
الكارثة الأخرى: إبادة ومجاعة في السودان
مرّت سنتان على الحرب التي اندلعت في السودان بين طرفيّ الحكم العسكري الذي ورثته البلاد من عمر البشير سيئ الذكر. وحيث لا تنعم حالة السودان ولو بعِشر فقط من الاهتمام الإعلامي العالمي الذي تناله حرب الإبادة الصهيونية الجارية في غزة، فإن حجم الكارثة البشرية فيه مروّع هو أيضاً، إذ يقدَّر عدد قتلى حرب العسكر ضد العسكر بما يزيد عن 150 ألفاً، بينما يبلغ عدد النازحين حوالي 13 مليوناً ويصل عدد الذين تهددهم مجاعة حادة إلى 44 مليوناً، وهو رقم قياسي يجعل من حرب السودان أعظم أزمة إنسانية في عالمنا الراهن.
طبعاً، يسهل فهم العوامل الجيوسياسية التي تجعل الاهتمام العالمي بالحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة وسائر الشرق الأوسط اهتماماً رئيسياً، ناهيك من الاهتمام بالغزو الروسي لأوكرانيا. بيد أنه لا يمكن إنكار الوجهة العنصرية التي تهيمن على الأيديولوجيا العالمية «العفوية» والتي جعلت دائماً مدى اهتمام الإعلام العالمي بالحروب متناسباً عكسياً مع درجة اسوداد بشرة المعنيين. ومن أسطع الأمثلة على ذلك، الحرب التي دارت رحاها في جمهورية الكونغو الديمقراطية (كونغو كينشاسا) طوال خمس سنوات بين صيف 1998 وصيف 2003 والتي ذهب ضحيتها حوالي ستة ملايين من البشر بين قتلى مباشرين وغير مباشرين. خارج أفريقيا جنوبي الصحراء، كان العالم «ينكشف أنفه» إزاء ما يحصل في الكونغو، بينما يعير اهتماماً أعظم بكثير لأحداث كان عدد القتلى فيها أدنى بكثير، كحرب كوسوفو (1999) واعتداءات تنظيم «القاعدة» على نيويورك وواشنطن (2001) والتدخل الأمريكي في أفغانستان الذي تلاها، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق (2003).
لا بدّ من أن نشير أيضاً إلى تقاعس التضامن العالمي مع شعب السودان المنكوب
وبوجه عام، فإن الحروب التي لا يشارك فيها مباشرة جنود بيضٌ من الشمال العالمي، سواء أكانوا أمريكيين أو أوروبيين، بمن فيهم الروس بالطبع، لا تحظى سوى بحد متدنّ للغاية من الاهتمام العالمي. وهي ذي حالة السودان الشقيق، الذي يشهد حرباً بين طرفين محلّيين حصراً، ولو أسعرت نارَها أطرافٌ إقليمية بدعمها لميليشيا «قوات الدعم السريع» الإبادية على الأخص، وقد مارست الدور الأخطر في هذا المجال الإمارات العربية المتحدة، بالتحالف مع طرف عالمي هو روسيا، وهو الثنائي ذاته الذي لعب الدور الرئيسي في دعم خليفة حفتر في الحرب الأهلية الليبية.
والحقيقة أن الدول الغربية، ولو لم يكن لها دور مباشر في الحرب السودانية، إنما تتحمل المسؤولية الأساسية عمّا حلّ بالبلاد. ذلك أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان بين بداية عام 2021 واستقالته في أيلول/سبتمبر 2023، الألماني فولكر بيرتيس، الذي لعب دور «الرجل الأبيض» في توليه مهمته بما لم يخل من رائحة استعمارية كريهة، إنما تصرّف بصورة كارثية ضارباً عرض الحائط بالمبادئ التي يُفترض بالغربيين أنهم متمسكون بها، ربّما لاعتباره أن السودانيين ليسوا أهلاً للديمقراطية.
فإذ وقع الانقلاب الذي قاده عبد الفتّاح البرهان على المسار الديمقراطي الناجم عن ثورة 2019 في خريف 2021، أي خلال وجود بيرتيس مبعوثاً للأمم المتحدة في البلاد، سعى هذا الأخير جهده للتوفيق بين العسكر والقيادة المدنية التي أطاحوا بها، بدل أن يقف موقفاً صارماً ضد الانقلابيين ويدعو المجتمع الدولي إلى ممارسة أقصى الضغط عليهم كي يعودوا إلى ثكناتهم ويفسحوا المجال أمام مواصلة المسار الديمقراطي. ذلك التساهل مع العسكر ومحاولة التوفيق بينهم والمدنيين بدل اتخاذ موقف حاد منهم، شجّعاهم على الطمع بإدامة سيطرتهم الكاملة على البلاد، الأمر الذي أدّى، بعد سنتين، إلى اندلاع القتال بين طرفيهما، القوات النظامية و«قوات الدعم السريع»، وكل طرف طامعٌ بالاستفراد بالسيطرة على البلاد.
والحال أن ليس أمام حرب السودان سوى مخرجين: إما أن تتحمّل الأمم المتحدة أخيراً مسؤوليتها، فتنظّم تدخل قوات دولية تفرض على الفريقين المتحاربين وقفاً للنار، وتفرض عليهما من ثم الانكفاء إلى ثكناتهما بينما تتيح للمسار الديمقراطي أن يتواصل وتقدّم له كامل الدعم، بما في ذلك ما يلزم من أجل حلّ «قوات الدعم السريع» المشؤومة وفرض تغييرات جذرية على القوات النظامية السودانية كي تتحوّل من جيش دكتاتورية عسكرية إلى جيش خاضع للسلطات المدنية؛ أو يسير السودان نحو التقسيم، الأمر الذي يعني إدامة حكم العسكر على شطره الشرقي وفرض «قوات الدعم السريع» (ميليشيا الجنجويد سابقاً) سيطرتها الكاملة على إقليم دارفور بما يتيح لها مواصلة حرب الإبادة العنصرية التي بدأت بممارستها منذ بداية القرن الراهن تحت إشراف البشير، الذي كافأها في عام 2013 بمنحها صفة رسمية كأحد فصائل القوات المسلّحة السودانية.
في نهاية هذا المطاف حول مأساة السودان العظيمة، لا بدّ من أن نشير أيضاً إلى تقاعس التضامن العالمي مع شعب السودان المنكوب. فإذ نرحّب أحرّ ترحيب بالتطوّر العظيم الذي شهدته حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني استنكاراً لحرب الإبادة الصهيونية في غزة، لا يسعنا سوى أن نأسف لاستمرار ارتهان التضامن العالمي بالاهتمام الإعلامي الذي وصفنا أعلاه. فمن الملّح أقصى الإلحاح أن تقوم حركة تضامن واسعة مع شعب السودان، في الدول الغربية على الأخص، لكن أيضاً في سائر مناطق العالم ومنها المنطقة العربية، وتضغط من أجل تدخّل الأمم المتحدة لوقف تلك المأساة الكبرى.
المصدر: القدس العربي