ماذا تعني عودة آلاف السودانيين من مصر؟
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
"صعبت علينا مصر.. مكثنا عاماً كاملاً وقررنا العودة الآن ومواجهة قسوة الأوضاع في السودان. هناك سنكون أفضل بكثير رغم كل شيء". هكذا تحدثت آمال عبد الله للجزيرة نت، بصوت متهدّج، قائلة إن أسرتها المكوّنة من 5 أفراد حزمت أمرها وقررت الرجوع إلى الولاية الشمالية لبلادها، رغم صعوبة الأوضاع المعيشية وتفشي الكوليرا.
وتحولت نظرة آمال للحياة عموما بعد أن واجهت أهوالا في فرارها من الخرطوم إلى مصر بعد 6 أشهر من بدء القتال الشرس بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث نجت وأطفالها من الموت بأعجوبة فقرروا المغادرة بحثا عن الأمان المفقود.
ولم تتمكن المواطنة الأربعينية -التي كانت تجادل بائعا في سوق شعبي شهير بالقاهرة لتخفيض قيمة حقيبة سفر متوسطة- من حبس دموعها وهي تروي للجزيرة نت كيف أن صاحب العقار الذي تستأجره طلب مضاعفة القيمة الشهرية للمنزل البسيط "إلى رقم فلكي" بعد عام من استئجاره.
علاوة على ذلك، لم تتمكن الأم من إلحاق اثنين من أبنائها بالمدارس في ظل الارتفاع الكبير للرسوم الدراسية، إلى جانب صعوبات تواجهها في الإقامة بمصر بعد فشلها والأسرة في التواصل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رغم محاولات مستميتة للتسجيل في قوائم الانتظار.
ولا يختلف حال آمال وأسرتها عن الآلاف الذين لجؤوا إلى مصر وسلك غالبهم طريق التهريب، أملا في وضع أفضل، لكن اصطدامهم بواقع قاس بعد وصولهم دفعهم للتفكير في العودة إلى البلاد مجددا رغم استمرار القتال وتمدد رقعته وصعوبة الأوضاع الاقتصادية إثر الانخفاض الكبير في قيمة العملة المحلية.
"راجعين"وبحسب ناشطين في أسوان تحدثوا للجزيرة نت، فإن مئات السودانيين الذين عجزوا عن توفير تكلفة الرجوع للمهربين سلموا أنفسهم للجيش المصري بنقطة "أبو سمبل" وحظوا مقابل ذلك بتسهيلات كبيرة، حيث وفر الجيش المصري حافلات نقل والتزم بتأمين العائدين حتى معبر "أشكيت" بوادي حلفا مقابل 200 جنيه مصري فقط للفرد، بينما كان المهربون يطالبون بحوالي 5 آلاف جنيه (100 دولار تقريبا) للشخص الواحد.
وفي تقرير نشرته هذا الشهر، تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين -نقلا عن الحكومة المصرية- أنه منذ بدء الصراع في أبريل/نيسان 2023، لجأ 1.2 مليون سوداني إلى مصر، وهذا أول تحديث لتقديرات الحكومة المصرية لعدد الوافدين منذ مارس/آذار 2024.
ومع تزايد أعداد الراغبين في العودة، تنادى عدد من الشباب والناشطين السودانيين في مصر لتنظيم مبادرة حملت عنوان "راجعين لبلد الطيبين" تأسست لمساعدة الأسر الراغبة في الرجوع بتوفير قيمة تذاكر السفر وتنظيم عملية النقل وخصوصا للذين دخلوا مصر بطريقة غير قانونية.
ويقول مؤسس المبادرة محمد سليمان محمد علي -للجزيرة نت- إن الفكرة بدأت في نطاق أسري ضيق للغاية قبل نحو 4 أشهر، وتوسّعت لاحقا بانضمام أعداد كبيرة من الراغبين في العودة، حيث تم إنشاء 7 مجموعات تواصل على تطبيق واتساب لاستيعاب الأعداد وترتيب العودة.
مصدر مسؤول بمعبر «اشكيت» الحدودي يقول إن المعبر استقبل عددا كبيرا من السودانيين الذي نزحوا إلى مصر بسبب الحرب، مشيرا إلى أن عددهم في أغسطس بلغ 7890 شخصا، وفي سبتمبر بلغ 12539 غالبيتهم من الأسر (وكالة الأنباء السودانية) pic.twitter.com/ntEJlA5rXR
— شبكة رصد (@RassdNewsN) October 7, 2024
تسهيلات مصريةوعمل شباب من الجنسين -كما يقول سليمان- على تنظيم الرحلات ومتابعة المسافرين من محطة قطارات رمسيس بالقاهرة إلى أسوان ومنها إلى نقطة "أبو سمبل" حيث توجد نقطة عسكرية ومنها يتوجه المسافرون إلى حلفا عبر منفذ "أشكيت" الحدودي، مبديا امتنانه للتسهيلات الكبيرة التي توفرها السلطات المصرية للراغبين في العودة.
ونشرت وسائل إعلام مصرية هذا الأسبوع إعلان الطوارئ من قبل "هيئة الموانئ البرية المصرية" على الحدود البرية مع السودان لسرعة التعامل مع التكدس والزحام على الحدود، وتقديم كافة التسهيلات للسودانيين والمسافرين عبر منفذي "آرقين" و"قسطل" البريين الحدوديين مع السودان.
ونسقت وزارة النقل المصرية -وفقا لذات التقارير- بين عدد من الجهات المختلفة لتسهيل انتقال المواطنين على الحدود بين البلدين، كما تم فتح نقاط متقدمة من الهلال الأحمر المصري في الميناءين وتوفير مزيد من عربات الإسعاف بالتنسيق مع الإسعاف المصري، بجانب التنسيق مع كافة الجهات العاملة داخل الميناءين مثل "الإدارة العامة لأمن الموانئ" و"إدارة الجوازات والجمارك" وغيرها من الجهات، بزيادة العاملين بالمنفذين من هذه الجهات لاستيعاب كثافة المسافرين من مصر الى السودان.
رحلات يوميةونقلت وكالة السودان للأنباء، قبل أيام، عن مصدر مسؤول في "أشكيت" الحدودي أن المعبر يشهد هذه الأيام عودة أعداد من السودانيين من مصر، وأضاف أن الخطوة جاءت في إطار العودة الطوعية بعد ما وصفها بـ"الانتصارات" التي حققها الجيش السوداني مؤخرًا.
وأضاف المصدر أن عملية عودة السودانيين من مصر شملت أيضا أعدادا من المخالفين للوائح الدخول وتم ترحليهم، مشيرا إلى أن عدد الذين عادوا إلى البلاد عبر معبر "أشكيت" في أغسطس/آب الماضي بلغ 7890 شخصا، وفي سبتمبر/أيلول 12 ألفا و539 شخصا غالبيتهم من الأُسر.
لكن مؤسس مبادرة "راجعين" يجزم -في حديثه للجزيرة نت- بأن أرقام العائدين تفوق كثيرا الرقم المتداول، خاصة أن الرحلات من "أبو سمبل" شبه يومية على مدى الأشهر الأربعة الماضية وفي كل منها حوالي 40 شخصا. ويردف "العدد يتجاوز 20 ألفا وما يزال الكثيرون في انتظار المغادرة".
ويشدد سليمان على عدم تمييز المبادرة الخيرية بين القادمين بالطرق الرسمية أو عن طريق التهريب، حيث تعمل على ترتيب نقل الراغبين في العودة بالقطار من القاهرة وصولا إلى وادي حلفا عبر منفذ "أشكيت" بتكلفة تصل لحوالي 800 جنيه مصري للفرد.
ويطمح سليمان لتطوير مبادرته لتشمل إعادة السودانيين في تشاد وإثيوبيا وأوغندا وغيرها حال وجد الدعم من الدولة، كما يسعى لتوطين العائدين في مناطقهم كمرحلة أولى ومن ثم ترتيب عودة ثالثة لمنازلهم في المواقع الآمنة والمحررة. ويلفت إلى أن مبادرته تعمل حاليا فقط على إيصال العائدين إلى حلفا بمساعدة الخيرين في مصر ودول أوروبية وغيرها.
ويعتقد سليمان أن الأوضاع الصعبة في مصر وتقدم الجيش في السودان بعدة محاور كانت دافعا لرجوع أعداد كبيرة من السودانيين، ويشير إلى أن غالبية الأسر تعتمد على تحويلات نقدية من السودان لكن انخفاض قيمة العملة مقابل الجنيه المصري أثر بشكل كبير على القيمة الفعلية للمبالغ في ظل غلاء الإيجارات وارتفاع أسعار السلع في مصر.
ويقول إن آلاف السودانيين وصلوا مصر على أمل تلقي العون من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، لكنهم لم يحصلوا على شيء وفضّلوا الرجوع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت من السودان فی العودة إلى مصر إلى أن من مصر فی مصر
إقرأ أيضاً:
عودة لتقرير واشنطون بوست الاستخباري .. التداعيات والمآرب
عودة لتقرير واشنطون بوست الاستخباري .. التداعيات والمآرب
بالتزامن مع تقرير “البوست” حول شراء الجيش السوادني لمُسيّرات بيرقدار التركية، يتضح مع الوقت أنه جاء في سياق حملة ضغط وتضليل إعلامي من اللوبيهات الإماراتية في واشنطون على المُشرعين الأميركيين الذين قاموا بتجميد صفقة سلاح للإمارات لدعمها لمليشيا ارتكبت إبادة جماعية في السودان.
كما مثّل التقرير فرصة لمختلف المنصّات الإعلامية العربية والسودانية لاستخدامه واجتزائه للترويج لسردية تتماهى مع مشروع الاستتباع وهدم السيادة، بالإضافة لمحاولة تقرير “البوست” ومختلف أبواق أبوظبي للقول بأن الجيش ما كان ليُحرز التقدم العسكري المُبهر لولا سلاح المُسيّرات الاستراتيجية.
كما أوردنا من يومين، تقدّم اليوم النائبان الأميركيان غريغوري ميكس، وسارة جاكوبس، بمشروع قانون للكونغرس أبرز ما فيه: 1- منع تصدير السلاح الأميركي للدول التي تُسلّح “طرفي الصراع”، 2- العمل على نشر قوة عسكرية أجنبية في السودان “لحماية المدنيين”، 3- فرض عقوبات على الأطراف التي تنتهك حظر السلاح على السودان.
ذلك يُعتبر تخفيض من حدة خطاب النائبين ضد أبوظبي ودورها المباشر في دعم مليشيا إرهابية ترتكب إبادة جماعية، بل وساوى مشروع القانون بين المليشيا والجيش الوطني ذو الحق القانوني والدستوري في التسلُّح لحماية سيادة السودان، بل ونجحت “البوست” في تصوير الأمر وكأن الحرب بدأت يوم وصلت مُسيّرات “البيرقدار” الخرطوم، وأن العلاقات السودانية-التركية ليست علاقات بين “دولتين”، بل أن ما يحدث في السودان “حرب وكالة” يجب أن تنتهي بتفاوض “الدول التي تُرسل السلاح” لوقف الحرب، وليس بتفاوض بين السودان والإمارات كدولة معتدية، وذلك بالتركيز باكراً في المقال أن الشركات التركية تتعامل مع “طرفي النزاع”، وهي نقطة نفاها المقال في نهاية متنه، بل وتحدّث عن الردود المُهينة التي تلقاها القوني.
هل نجح مقال “البوست” والحملة التي خاضتها أبوظبي وجماعات ضغطها لتغيير النسخة الأولى من مشروع القانون؟ أعتقد أن الإجابة نعم، والخطوة التالية ستكون مزيد من الضغط في المناقشات المختلفة لجعل القانون –حال أُجيز- سلاح في معركتها السياسية والعسكرية لاستتباع وهدم سيادة الدولة السودانية.
مع الهدف الرئيسي، وهو استخدام التقرير كجزء من حملة الضغط الإعلامي والسياسي على المُشرّعين الديمقراطيين في الكونغرس، تلقّفت مختلف المنصات المُمولّة، أو المتبنيّة لسردية أذرع أبوظبي السياسية، وروّجت لسردية أن “تركيا تُطيل أمد الصراع”، وأن “طرفي الصراع يتلقيان مساعدات عسكرية خارجية إذاً فالأمر حرب وكالة”، وأن “الجيش وليس الحكومة” وعدت تركيا أو روسيا بمنحهم أراضي على ساحل البحر الأحمر مقابل التسليح.
بل ولم تقُم منصات مثل “Beam Reports” بالتجرُّؤ ونقل المحادثة بين القوني ومدير شركة “بياكار” -عن طريق وسيط- التي بكى فيها القوني عندما علم بالصفقة، ولم تقُم حتى هي أو غيرها، بالتحدث عن كيفية التزام القوني بتوفير “شهادة المستخدم النهائي” التي توفرها الحكومات فقط لضمان عدم وقوع الأسلحة في أيادي كيانات غير حكومية؟!، هذا كله بجانب عديد الفيديوهات والمقالات التي نُشرت بناءً على هذا “التقرير الاستخباري” المبني على “رسائل مُعترضة” ومحادثات خاصة لم يقرر أطرافها جعلها علنية للصحيفة. ورغم ذلك يأتي كل من هبّ ودبّ ليُحاضرنا صباح مساء “عن حرية الصحافة والإعلام”، وما يريدونه حقيقة “حرية الوصول لتهديد أمننا القومي”.
وكل هذه المنصّات، وغيرها، أغفلت جانباً رئيسياً، وهو أن السودان كأي دولة لها الحق القانوني والدستوري في الحصول على السلاح المتوافق مع استراتيجية حماية أمنها القومي وسيادتها الوطنية، وهو يشتري السلاح من حُرّ مواردها الوطنية للدفاع عن شعبه ومؤسساته وحدوده، بينما المليشيا تصلها الأسلحة والمرتزقة مجاناً “ديليفري” حتى حدود السودان الشمالية الغربية، والغربية، والجنوبية، بل وما ذهب مسؤول سوداني لشراء سلاح من بلد آخر إلا وزار بعده مباشرة أحد الجنجويد أو مُشغّليهم ليعرضوا على البلد أضعاف ما يعرض السودان، وهو أيضاً ما لم تنقُله أي من الترجمات “الصحفية” للعربية.
كذلك، حاول التقرير، ومعظم مستهلكيه، تصوير أن صمود الجيش وانتصاراته بدأت مع وصول “البيرقدار”، التي بحسب البوست وصلت السودان في أغسطس 2024، وهو تضليل وكذبٌ جديد. إن صمود الجيش السوداني الأسطوري -حقيقةً لا مجاز- في العام ونصف الأول لحرب الغزو، واستبساله في دفاعه عن وحداته ومقراته الحيوية في القيادة العامة والإشارة ووادي سيدنا والمهندسين والمدرعات والعيلفون وحطّاب والكدرو رغم الحصار الخانق والتفوق الرهيب في العدد والعتاد، بل مرّ عليهم وقت كانوا يأكلون البهائم التي تدخل حدود دفاعاتهم، والملاحم تكفي لنرويها لأجيال، هؤلاء لم يتسلحوا سوى بإيمانهم بوطنهم وشرف الجندية وواجب الدفاع.
ومِثلُ ذلك في فرق الجيش الرئيسية في نيالا وأب قبة فحل الديوم وبابنوسة وكادقلي وأبوجبيهة..الخ، وفاشر السلطان الصامدة حتى اليوم والغد، كُلهم لم يكُن لديهم لا بيرقدار ولا مسيرات، ولا في معارك تحرير وسط أمدرمان التي ابتدأت في نوفمبر 2023، وانتهت مرحلتها الأولى بالربط العظيم بين الوادي وتكساس في فبراير 2024، ولا تحرير الإذاعة، ولا معارك الدفاع عن الاحتياطي أمدرمان والخرطوم وقاعدة الشهيد النجومي، التي ما كان لدى الجيش وقتها مجرد أجهزة تشويش على مسيرات الجنجويد الإماراتية .. ومئات المعارك التي أظهر الجيش -ومُسانديه لاحقاً- إصرارهم واستبسالهم وفدائيتهم مدفوعين بإحساس سوداني صميم برفض الظلم، ودفع الغزو وتمسك بالأرض والتاريخ.
من المهم التذكير دوماً بمسار ما قبل الانتقال من مرحلة الدفاع والدفاع العدائي، للهجوم التعرُّضي، والهجوم على كامل مسرح عمليات السودان، وأن لا نسمح لمرتزقة أبوظبي من بني جلدتنا، أو العملاء من الخارج إعادة كتابة تاريخنا أمام أعيننا. هذه حقوق الشهداء علينا، وهذا أقل ما يمكن تقديمه، أمام ماكينة التضليل الضخمة التي توظفها أبوظبي ومن في فلكها.
عندما عاد الرئيس ترامب للبيت الأبيض، باشر في تفكيك ما يُسميه “مؤسسات نشر اللبرالية”، وأول ما بدأ به هو إلغاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، ومن المعلومات التي نُشرت أن الوكالة تقوم بتمويل نحو 6200 صحفي و700 مؤسسة إعلامية حول العالم لنشر السردية الأميركية، وترويج المصالح الأميركية باللغات المحلية لكل دولة ومنطقة، وهو الأمر الذي تعلّمت منه أبوظبي وغيرها وسعت لتقليده، ولكن مشكلتها أنها لا تمتلك أي أدوات قوى ناعمة، فلا خطاب لبرالية ولا حقوق ولا ديمقراطية، فقط هو القتل والاستباحة والإبادة، فهذا وعدها الشرير.
إن السودان يخوض حرب التحرير ليس دفاعاً عن شعبه وأرضه وسيادته فقط، وذلك ليس اختياراً، فإن ما حققه السودان والسودانيون في تحدي ومقاومة مشروع شيطان العرب، فشلت فيه دول عديدة، جميعها تنظر إلى السودان الآن، لتتعلّم وصفة كسر هذا المخطط الشرير الذي يعمل على هدم الدول وتفتيت وتفكيك المجتمعات، والعبث باستقرار وأمن مناطق واسعة، لا لهدف واضح سوى “أنهم يستطيعون”.
#ربيع_الدولة
Ahmad Shomokh
إنضم لقناة النيلين على واتساب